الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

شوية سياسة يا حكومة..!!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
واحدة من أهم عيوب حكومة المهندس شريف إسماعيل، اتخاذها بعض القرارات دون أدنى مراعاة لأبعادها السياسية، وفى رأيى يجسد القرار المفاجئ برفع أسعار تذاكر مترو الأنفاق النموذج الأبرز للإجراءات والقرارات الحكومية منزوعة الدسم السياسي.
من حيث المبدأ كنت ومازلت من مؤيدى زيادة أسعار تذاكر هذا المرفق الحيوي، فليس من المعقول أن يحملنى جنيهين فقط من محطة المنيب بالجيزة إلى محطة الأهرام بمصر الجديدة، بينما أدفع عشرة جنيهات لسائق التوتوك ليقطع بى مسافة لا تزيد عن كيلو متر واحد.
ومع ذلك لم أكن أتصور أبدا أن قرار الزيادة سيأتى على هذا النحو المفاجئ والمبالغ فيه، واعتقدت أن إصلاح السياسة التسعيرية لتذاكر السكك الحديدية بوجه عام ومترو الأنفاق بشكل خاص سوف يتم بذات المنهج الذى طبق به برنامج الإصلاح الاقتصادى الأشمل والأعم.
فقد مهدت الحكومة لبرنامجها الإصلاحى وأعلنت أنها ستقوم بتحرير سعر الصرف، قبل تنفيذ القرار فعليا، كما أعلنت عن حزمة الإجراءات المصاحبة لهذا القرار الجوهري، والمرتبطة بالرفع التدريجى لأسعار الطاقة «المحروقات والكهرباء»، وبينما انتهجت سياسة السوق الحر بمعناه الحقيقي، اتخذت سلسلة من الإجراءات التى من شأنها العمل على الحد من ارتفاع أسعار السلع بشكل جنونى، منها التدخل المباشر باستيراد سلع وطرحها بالسوق كحل آنى وسريع، وإلى جانب ذلك قامت بتدشين برنامج تكافل وكرامة لتقديم دعم نقدى يساعد الأسر الأكثر احتياجا على مواجهة تحديات الإصلاح الاقتصادي.
كان من المنتظر أن تتبع الحكومة ذات النهج وهى تمضى فى تطبيق برنامجها الإصلاحى فى القطاعات المختلفة، خاصة أن المصريين تقبلو القرارات الأصعب بصدر رحب، فليس أقل من مكافأتهم بالتزام نفس الأسلوب عند اتخاذ قرارات أقل صعوبة فى قطاع مثل النقل والمواصلات.
تصورت أن وزارة النقل ستقوم برفع الأسعار تدريجيا كأن تثبت سعر الـ«2 جنيه» مقابل رحلة طولها 8 محطات لترتفع تدريجيا وتتراوح بين 3 و5 جنيهات كحد أقصى فى المرحلة الحالية على الأقل، خاصة أننا مقبلون على زيادات جديدة فى أسعار المحروقات والكهرباء، إلى ذلك تستطيع الوزارة فى حال استعانتها بشركة دعاية ناجحة الاستفادة من مواقعها إعلانيا وهو أمر استفاض فى شرحه المتخصصون وغير المتخصصين، لتعويض قلة العائد من الزيادة المحدودة، بل إنها تستطيع مضاعفة العائد الاستثمارى باستغلال ما تمتلكه من مواقع ومساحات فى تخصيص الأجزاء المميزة والحيوية منها للراغبين فى امتلاك أكشاك، أو عربات لبيع الأطعمة، أو حتى محلات لبيع مستلزمات المحمول أو بعض الصناعات الغذائية، أو ما تراه مناسبا من أنشطة تتلاءم مع طبيعة المواقع التى فى حوزتها هى بذلك ستسهم فى توفير فرص عمل جديدة وإتاحة تراخيص لمئات الشباب الذين ضاعوا فى متاهة البيروقراطية داخل مغارة المحليات.
بل إنها كانت تستطيع القيام بدور حيوى فى نشر الثقافة بين المصريين بتخصيص أماكن لبيع الكتب، تكون بمثابة نسخة جديدة ومتطورة لسور الأزبكية، «تخيلوا لو أصبح لدينا سور أزبكية مترو الأنفاق فى المحطات الرئيسية وذات الكثافة العالية ليعرض كتبا ومجلات وأشكال أخرى إبداعية تحبب الثقافة لمرتادى المترو، خاصة الشباب والأطفال.
ما سبق مجرد خيال وأمنيات، لكن يبقى أن السعر الجديد لتذكرة المترو والطريقة التى اتبعها وزير النقل والمواصلات المهندس هشام عرفات للدفاع عن قراره يؤكد أن البعد السياسى غائب تماما، ولا وجود له فى حسابات هذه الحكومة.
المسألة ذاتها لاحظناها بوضوح فى الأسلوب الذى اختاره وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى دكتور طارق شوقى للإعلان عن نظام التعليم الجديد وإدارة الأزمة التى نتجت عن غموض تصريحاته وعجزها عن تقديم إجابات كاملة وواضحة للمصريين، حتى أنه سار يزيد الأمر غموضا والتباسا كلما أدلى بتصريح أراد به توضيح مقصده.
قبل عام 1952 عرفت مصر الوكيل الدائم أو الوكيل الأول وهو الشخص الذى يمثل فئة التكنوقراط فى الحكومة يحافظ على استقرار دولاب العمل مع تغير الوزراء ويقدم بحكم خبرته للوزير كل ما لديه من معلومات وتوصيات بقرارات، يقوم الوزير السياسى بمواءمتها طبقا لرؤيته السياسية وللأسف غاب هذا الوكيل بعد يوليو 1952 وحتى الآن، وأصبح أغلب وزرائنا من طبقة التكنوقراط الذين تفتقد قراراتهم البعد السياسى والاجتماعي.
يجبرنا الوضع المعقد حاليا، والذى يحول دون وجود حزب سياسى تنتمى له الحكومة على مطالبتها باللجوء إلى أعضاء البرلمان وبالتحديد ائتلاف دعم مصر، الذى يعلن دعمها قبل اتخاذ هذا النوع من القرارات، فلربما تجد صياغة أكثر قبولا من الناحية الشعبية.