الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نفخة كدابة!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لى صديق له تطلعات أكبر من إمكانياته.. أسرته ورثت منه هذا العيب.. تعرفت عليه بالصدفة؛ حيث كان المسئول المالى بمكتب جريدة عربية لندنية فى القاهرة. سألته يومًا: أين تقطن؟ فقال شارع الميرغنى بمصر الجديدة. واكتشفت أنه ساكن بجوار قهوة عماد فى عين شمس! اتصاله المستمر بصاحب الجريدة المقيم فى لندن أصابه بعدوى كراهية مصر وأهلها وشوارعها وحكامها بعد المرة الوحيدة التى ذهب فيها لعاصمة الضباب! 
ظل يجادلنى شهورًا فى مفهوم قبولى العيش على الكفاف فى مصر رغم أننى زرت قارات العالم الست.. كلنا بدأنا فقراء ولم نخجل من بداياتنا.. لكن صاحبنا نسى الـ ٤٠٠ جنيه التى تقاضاها من صحيفة «بير السلم» التى عمل بها ودخل النقابة من خلالها عندما عمل فى الصحيفة العربية بإنجلترا وتقاضى منها راتبًا شهريًا بالدولار.. كالعادة المرء يحلم أن يصبح أولاده أفضل منه.. وهكذا قرر منذ أربعة أعوام نقل ابنه المتفوق فى الشهادة الإعدادية والأول على منطقة مصر الجديدة إلى المدرسة الإنجليزية ليحصل على الثانوية بنظام I.g.c.s.e.. لجأ إلىّ باعتبارى خريجًا قديمًا من هذا المعهد الذى انتهى عصره الذهبى عام ١٩٦٨ عندما كانت هيئة التدريس بأكملها إنجليزًا. 
ذهبت معه لتزكية طلب ابنه.. رحبت بى المديرة زميلة الدراسة وحذرته من أن تحويل طالب يدرس كل شيء باللغة العربية إلى نظام يدرس الأحياء والكيمياء والفيزياء بالإنجليزية سيرهقه ذهنيًا ونفسيًا.. رفض صديقى هذا المنطق وأصر على إلحاق ابنه بالمدرسة.. هنا جاءته الضربة القاضية.. لا بد أن يجتاز امتحانا للغة الإنجليزية ويحصل فيه على ٢٨ من ٤٠ على الأقل.. أكرر على الأقل.. المهم سقط فى الامتحان.. ناشدنى أبوه أن أذاكر له أسبوعين.. متطوعا قمت بالمهمة الشاقة.. امتحانات التويفل تعتمد على الاستيعاب وسرعة الفهم والإجابة عن أسئلة ذكاء.. وبالتالى فهى تختلف عن اختبارات المدارس الحكومية والتجريبية فى اللغات.. المهم أن الله لم يشأ أن يذهب مجهودى سدى وحصل الابن على الحد الأدنى للقبول.. حاول والده إرساله للتعليم فى إنجلترا ليصبح طبيبًا مثل مجدى يعقوب، لكن صاحب الجريدة خذله ورفض منحه إقامة أو المساهمة فى تكاليف الدراسة بالخارج.. المهم أن الولد حصل على شهادة الثانوية الإنجليزية بمجموع يؤهله لكلية صيدلة عين شمس لأن تنسيق الشهادات الأجنبية لا يتقيد بالنظام المصري. أقنعت صاحبنا أن يوفر النفقات ويدرس ابنه فى مصر ويكون تحت ناظريه.. جاءنى بعد يومين وفاجأنى أن ابنه راسل جامعة فى أوكرانيا وسيذهب إليها لدراسة الطب.. سألت الولد: لماذا تركت الصيدلة ومستقبلها باهر.. تستطيع أن تكون صاحب صيدلية أو تعمل بشركات دواء أجنبية أو تسافر للخارج! أجابنى يا عمو بينطقوا الإنجليزى غلط! مستواهم وحش! سبحان الله نجح فى الإنجليزى بالضالين ولا يعجبه زملاءه وبعضهم خريج مدارس أجنبية «نفخة كدابة».. ذهب لأوكرانيا وجلس عامين ليدرس الأوكرانية.. ورسب فى إعدادى طب.. وما زالت عقدة الخواجة تسيطر عليه وعلى والده!