السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

فلاسفة مسلمون.. "علي عزت بيجوفيتش" "1-30"

 علي عزت بيجوفيتش
"علي عزت بيجوفيتش"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يعد المفكر والسياسي البوسني الراحل علي عزت بيجوفيتش أحد هؤلاء الذين عاشوا تصادم الشرق والغرب الفكري والروحي بكل طاقاتهم الفكرية والوجدانية، علاوة على ذلك، فهو يعتبر نقطة اتصال حقيقية بين الشرق والغرب، فقد قادته نشأته وحياته إلى الاختلاط بالمدارس الفكرية الكبرى التي عرفها الغرب من ماركسية، ووجودية، وغيرهما، وقد كان يتبنّى الفكر الماركسي في مرحلة ما خلال حياته، قبل أن ينحاز للفكر الإسلامي فيما بعد، لينتهي إلى التبشير بعالمية الرسالة الإسلامية في مؤلفاته.
ولد علي عزت بيجوفيتش في 8 أغسطس عام 1925 في مدينة "بوسانا كروبا البوسنية"، وكانت عائلته مكونة من الأبوين "مصطفى" و"هبة" عزت بيغوفيتش، بالإضافة لخمسة أبناء، إبنين، وثلاث بنات، وكان هو الابن الأكبر.
كانت أسرته تنحدر من مسلمي البوسنة السابقين الأرستقراطيين الذين هربوا من بلغراد إلى البوسنة والهرسك في عام 1868، وذلك بعد انسحاب قوات الجيش العثماني من صربيا، وكان جده يخدم كعسكري في بلدة "أسكدار" التركية، فتزوج من امرأة تركية تدعى "سيديكا هانم"، وانتقل الزوجان فيما بعد ذلك إلى مدينة بوسانا كروبا البوسنية، وأنجبا 5 أطفال، وأصبح الجد لاحقًا رئيسًا لبلدية المدينة، وخلال فترة رئاسته أنقذ 40 صربيًا من تنفيذ حكم الإعدام فيهم على أيدي السلطات النمساوية المجرية بعد اغتيال "غافريلو برينسيب" من الأرشيدوق لولي في عهد الإمبراطورية النمساوية المجرية فرانس فرديناند، والمعروف تاريخيًا بـ"اغتيال سراييفو"، وذلك في 28 يونيو عام 1914.
وكان والد بيجوفيتش محاسبًا، وخدم في الجيش النمساوي المجري على الجبهة الإيطالية خلال الحرب العالمية الأولى، وتعرض لإصابات خطيرة قادته إلى أن يصبح شبه مشلول مدة لا تقل عن عشر سنوات، وأعلن الإفلاس في عام 1927.
نشأ علي عزت في أسرة عريقة في إسلامها، وتعلم في مدارس مدينة سراييفو التي عاش حياته فيها بعد انتقاله من مسقط رأسه بوسانا كروبا البوسنية، وبها أكمل تعليمه الثانوي في عام 1943، ثم التحق بعدها بجامعة سراييفو، وحصل على الشهادة العليا في القانون في عام 1950، ثم نال شهادة الدكتوراه في عام 1962، وعلى شهادة عليا في الاقتصاد في عام 1964، وكان يقرأ ويتحدث ويكتب بعدة لغات أجنبية هي اللغة الألمانية، والفرنسية، والإنجليزية، مع إلمام جيد باللغة العربية.
كما عمل كمستشار قانوني لمدة 25 سنة، ثم عمل بالسياسة، قبل أن يعتزل العمل السياسي ليتفرَّغ للبحث والكتابة، وحرص على تعلم اللغة العربية باعتبارها وسيلة الاتصال بالقرآن الكريم المصدر الأول والرئيسي للإسلام، كما ساعدته اللغة العربية على الاطلاع على التيارات الإسلامية وتجاربها.
دخل عزت بيجوفيتش قبل توليه رئاسة البوسنة والهرسك العديد من الصراعات مع خصومه من الشيوعيين واليوغوسلافيين والصرب، كانت هذه الصراعات تنقسم إلى صراعات سياسية رافضة للاحتلال، وكان ثمنها السجن، وصراعات فكرية كان هدفها تجديد الفكر الإسلامي في دولة تخضع لاحتلال شيوعي.
وعندما وضعت الحرب بين قوات البوسنة والهرسك والقوات الكرواتية البوسنية في البوسنة والهرسك أوزارها لم يغر بريق السلطة علي عزت بيجوفيتش، وقرر إنهاء حياته السياسية في عام 2000 ليتفرغ للكتابة، وكان قد ألّف في فترة سجنه الأخيرة أهم ما أنتجه وهو كتاب "الإسلام بين الشرق والغرب"، وهو كتاب أشبه بموسوعة علمية، فهو كان يقصد توجيهه نحو العالم الغربي، مخاطبًا به قادة الفكر هناك، وكان فيه عالما،ً وفيلسوفا،ً وأديبًا وفنانًا مسلمًا، تمثل بكل ما أنجزته الحضارة الغربية، ثم ارتقى بتلك العلوم عندما ربطها بهدي السماء الذي جاء به الإسلام، كما نشر أيضًا كتاب "هروبي إلى الحرية"، والذي كان قد كتبه في سجن فوتشا بعد اعتقاله في الثمانينات، ومن إسهاماته أيضًا كتاب "عوائق النهضة الإسلامية"، وكتاب "الأقليات الإسلامية في الدول الشيوعية"، بالإضافة لكتاب "الإعلان الإسلامي".
ولم يكن علي عزت بيجوفيتش رئيسًا عاديًا كسائر رؤساء الجمهوريات الذين تسلموا هذا المنصب في العالم الإسلامي، وإنما كان سياسيًا ومفكرًا عميقًا، وذا نظرة إسلامية بعيدة الغور والنفاذ جعلته يتجاوز حدود البلقان إلى سائر أنحاء العالم الإسلامي، ليحمل هموم المسلمين في سائر الأصقاع، واطلع على تجارب الحركات الإسلامية الأخرى في الهند وباكستان وإندونيسيا، وقرأ بعض كتب أبي الأعلى المودودي ومسعود عالم الندوي، ورئيس وزراء إندونيسيا الأسبق الدكتور محمد ناصر وتفاعل معها، وهو ما يزال طالبًا يدرس القانون في جامعة سراييفو، وكان يتحرك في أوساط الطلبة البوشناق في الجامعة، ويحاورهم ويقنعنهم بما اقتنع به من تلك الأفكار التي ألهمته الكثير، من أجل النهوض بشعبه البوشناق وبسائر مسلمي البلقان، ولتخليصهم من أتون الشيوعية الملحدة التي تريد أن تطمس هويتهم.
وتوفي في 13 أكتوبر عام 1998.