الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

حكايات من دفتر "الغلابة".. قصص من الواقع تروي معاناة المواطنين في مواجهة الغلاء

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كل يوم أمل، وكل فجر جديد يستيقظ المواطن المصرى على عزيمة لمواجهة ضغوط الحياة، هو نفسه يستحق جائزة الأوسكار الدولية فى الصبر، وجائزة أخرى محلية فى التحمل للأعباء اليومية، على طول الخط يشعر بأزمات العيشة لكنه لا يصرخ ولا يحتج أو يغضب، حمال أسية، يكتم فى نفسه ويتناول جرعة إضافية من التفاؤل تحت شعار «بكرة أحلى»، يرفض التشاؤم ويدعو دائما لدعم بلده فى خطط إصلاحها وتقدمها، لكنه فى الوقت نفسه يتألم من ضغط يومى هنا وضغط آخر هناك بين أسعار لا ترحم ومرتبات هزيلة مع متطلبات واحتياجات مع قدوم الشهر الفضيل، أوقات يضربه الاختناق وتتوقف أنفاسه من شدة أزماته واحتياجاته، وأوقات يبتسم مع أول انفراجة لمرتب شهر هالل أو حسبة كام ألف جنيه «جمعية» حان قبضها، هكذا المصري، كوكتيل من التحمل والشهامة، قنوع بالستر وعايش حياته متفائلا رغم الحاجة ورغم ضيق حالة اليد، عن العيشة واللى عايشينها، نتحدث ونحكى عبر هذا الملف كيف يحيا المواطن فى ظل أزمات المرحلة ودخلة رمضان والعيد.

كتب- وسام حمدى ومحمد حميد وإبراهيم عطاالله
وحسن عصام وعزت عبدالرحيم وبسنت عادل

البنك الشعبى.. الحاجة زينب ملكة الجمعيات و«تسليك» الزنقات
موظفون: زمن الشغلانة الواحدة خلص
تبلغ من العمر 50 عاماً.. وحكايات الستات دفعتها لتنظيم أول جمعية

مزنوق اعمل جمعية، و«الجمعية».. هى الفكرة التى اخترعها المصريون للتغلب على معاناتهم المادية وضغوط الحياة، ربما تكون الفكرة من الخارج بسيطة، ولكنها؛ تحوى معاناة الكثير من الداخل، كما أن تنظيمها يحتاج لمعاناة أكبر لا يستطيع أى شخص أن يتولى هذه المسئولية فلا بد من مواصفات معينة.
ويعود الفضل فى الأساس، إلى النساء للتغلب على ظروف معيشتهم ومصاريف منازلهم، حيث إن أغلب الأزواج يعتمدون على عقل المرأة المدبر فى حل أزمات مصاريف البيت. وجاءت فكرة «الجمعية» لتحل مثل تلك الأزمات.
الحاجة زينب، سيدة لم تحصل على مؤهل دراسى غير الابتدائية، تكاد تستطيع أن تفك الخط، وتبلغ من العمر ٥٠ عاما. يذهب الأهالى إلى الحاجة زينب بحكم علاقاتها الجيدة بالجميع، حيث جاءت فكرة أول جمعية لـ«الحاجة زينب» من خلال؛ «كلام الستات»، حيث جلساتها المستمرة التى تجمع النساء فى أوقات الفراغ لتروى كل واحدة منهم معاناتها مع الحياة ومشاكلها المادية، لتأتى الحاجة زينب بالحل؛ الجمعية أو «البنك الشعبي».
تقول الحاجة زينب: «مش أى حد يعرف يمشى الجمعية.. هى مش قصة تعليم، قصة عقل وخبرة فى الحياة.. بقدر أعرف مين ينفع يدخل جمعية ومين لا». استطاعت السيدة الحاصلة على الابتدائية حل الأزمات المادية لبعض جيرانها من خلال الجمعية.
وأضافت الحاجة زينب، أن الجمعية تتكون من مجموعة من الأشخاص التى تكون مصدر ثقة، ويربطهم مكان أو علاقة ما على الأقل مع مسئول الجمعية، ويتم تحديد أولوية من يحصلون عليها أول كُل شهر لأكثر شخص بحاجة إليها وتحكمه ظروف مادية أكثر صعوبة.
«فى قوانين بحطها كله بيمشى عليها».. قالتها الحاجة زينب، موضحة أن إدارة الجمعية تكون وفق شروط مُحددة حتى تتمكن من التغلب على المشكلات التى تواجهها فى الجمعية، على رأس تلك الشروط؛ أن من يريد الخروج من الجمعية لا يحق له استرداد ما تم دفعه إلا بعد انتهاء آخر اسم فى الجمعية، وأيضًا أن من يريد الاشتراك بأكثر من اسم، يأخذ اسمًا فى بداية الجمعية واسمًا فى آخرها.
وتؤكد الحاجة زينب، أن من أهم المشاكلات التى تسهم «الجمعية» فى حلها؛ تلبية متطلبات الشباب المقبل على الزواج، خاصة بعدما أصبحت تكاليف الزواج باهظة وتفوق قدراتهم، كما تُسهم الجمعية فى مساعدة الشباب لاستكمال شقته أو استكمال نواقص الفرح، كما أن هناك أيضًا سيدات يرغبن فى تجهيز بناتهن، وهناك من يحتاج إليها فى مواسم الأعياد والمدارس لكى يستطيع توفير متطلبات أولادهم لأن راتبهم لا تكفي.
وتنوّه الحاجة زينب، بأن بعض المرضى الذين فى حاجة إلى دواء أو إجراء عملية جراحية، فيضطرون الاشتراك فى جمعيات لحل تلك الأزمات، كما أن هناك أشخاصًا ينتظرون انتهاء الجمعية الأولى لتكرار واحدة أخرى لسد حاجتهم.
تنظم الحاجة زينب، جمعيات تصل ميزانيتها إلى ١٠٠ ألف جنيه. تقول: «بالكراسة بكتب كل حاجة». وبهذه الأشياء البسيطة استطاعت الحاجة زينب أن تحل أزمات العديد من الأشخاص فى قريتها، وهذا هو حال البنك الشعبى الذى اخترعته عقول النساء المصرية المدبرات. فكرة خرجت من عقول نساء بسيطة، ولكنها استطاعت التغلب على أزمات مادية كبيرة لبعضهم

«رأفت».. مدرس صباحًا وبائع أقمشة بعد الظهر.. و«إسماعيل»: موظفً بمحلى «دشنا» نهارًا.. وصاحب بقالة ليلاً

يعيش معظم المصريين على أمل، الوظيفة الحكومية، ولعل أكثر ما يُعبر عن ذلك المثل الشعبى الأكثر انتشارًا، «إن فاتك الميرى اتمرغ فى ترابه»، الذى يتحدث عن السعى للحصول على المهنة الحكومية، وعدم تركها والتمسك بها فى كُل الظروف.
لكن واقع مُعظم موظفى الحكومة ينطبق تحت بند آخر، هو؛ المثل الشعبى الشهير؛ «سبع صنايع والبخت ضايع»، الذى يُقال دائمًا كناية عن شخص يمتلك العديد من المهن والحرف لكن حظه غير جيد، كون بعضهم يعيش فى فقر وحاجة، رغم معرفته بالعديد من أنواع الصنعة التى يمارسها «بعد الضُهر» لسد حاجته واحتياجات بيته.
بعد سنوات عدة من العمل، رُبما تُقارب ١٥ عامًا، بوزارة التربية والتعليم، يعود «رأفت. ن»، المُدرس بإحدى مدارس إدارة العمرانية التعليمية، إلى منزله فى تمام الثانية ظُهرًا كُل يوم، فى غير الإجازات الرسمية، ليستريح ساعتين، ثم يبدأ عمله الثاني؛ بائع أقمشة.
دون عدد ساعات مُحددة، يقوم «رأفت» بالنزول من مسكنه فى الطالبية قاصدًا منطقة العتبة؛ لشراء ملابس أطفال، وسيدات بأسعار مُخفضة ومن ثم شحنها فى إحدى السيارات المتوجهة إلى محافظة سوهاج؛ حيث محل ميلاده وأصدقائه التُجار.
يقول صاحب الأربعين ربيعًا، وفى صوته حدة: «مفيش موظف ما بيشتغلش شغلانتين وتلاتة، مُعظم الموظفين كده، يعنى هيجيب منين مصاريف بيته ومصاريف مدارس أولاده!». راتب «رأفت» لا يتخطى ١٨٠٠ جنيه، كما أن عمله كمدرس خصوصى لبعض التلاميذ، ممن على صلة قرابة به، لا يكفى لسد احتياجات بيته الشهرية، لذا يلجأ إلى «تجارة الهدوم» لزيادة دخله الشهري.
يستطرد رأفت: «الأيام اللى ما بديش فيها دروس بنزل العتبة أجمع شُغل؛ ملابس أطفال وحريمي، وأشحنها وأنزلها قنا، لتُجار أصحابى هناك، مُقابل فرق كام جنيه عن كل قطعة بيستلموها من سعرها اللى اشتريته بيه». موضحًا أن راتبه لا يكفى مصاريف بيته، المكون من زوجته وطفل، عمره ٣ سنوات، وابنتان، أكبرهما لم تتخط بعد ١٢ عامًا».
يُتابع، فى صوتٍ مرتفع: «شُغل بعد الضُهر بقى العادى بتاع الموظفين، فيه مدرسين أصحابى بيشتغلوا صنايعية؛ نقاش، سباك، أى حاجة تجيب ٨٠ جنيه فى اليوم، ظروف الموظفين صعبة، ومرتبات ١٢٠٠ جنيه و١٥٠٠ جنيه مابقتش تجيب حاجة اليومين دول».
وأضاف رأفت، أن بعض أصدقائه الموظفين يلجأون، كثيرًا، إلى العمل فى شركات أمن أو مطاعم أو سائقى سيارات، ملاكى وميكروباص، لزيادة دخولهم المتدنية، لدرجة أن من لا تسمح له صحته بالعمل خلال ساعات محددة، يضطر اللجوء لأعمال أُخرى خفيفة؛ كتركيب «أطباق دشّ» أو تجارة كل ما يمكن بيعه، طالما لا يتعارض مع الدين ولا يُخالف قوانين الدولة.
«رأفت» نُسخة مُكررة لأغلب الموظفين فى ربوع مصر، فعلى بُعد عشرات الكيلومترات من العاصمة القاهرة، يعمل «بدوى إسماعيل» موظفًا بالمجلس المحلى، بإحدى قرى شرق مركز دشنا بقنا نهارًا، وصاحب بقالة، بعد الضُهر. يقول الرجل الخمسيني: «المُرتبات ما بتجبش حاجة، سنين بنشتغل فى الحكومة والمرتب ماوصلش ٢٠٠٠ جنيه، فى حين أن كيلو اللحمة بأكتر من ١٢٠ جنيها، فلازم نشتغل حاجة واتنين تاني».
ويستطرد، فى لهجة صعيدية: «البيوت والعيال بيصرفوا كتير.. فتحت دُكانة بقالة، على قدها، علشان تساعد فى المصاريف، لا معانا زرع ولا طين ولا بهيمة، كل اللى معانا قروش الحكومة والدكانة وشهرنا بيمشى بالستر، الدنيا غليت». مُشيرًا إلى أن بعض أبناء قريته، من الموظفين، يضطرون أحيانًا إلى العمل كـ«أنفار» فى الزراعة، خاصة فترة مواسم؛ جمع القصب والقمح؛ حيث إن مرتباتهم لا تتجاوز ١٢٠٠ جنيه فى أفضل الأحوال، فى حين أن اليومية تكون ٧٠ و٨٠ جنيها.

الأرقام الرسمية تؤكد أن عدد موظفى الحكومة بلغ ٦ ملايين و٤٠٠ ألف موظف فى ٢٠١٧، وأن بند أجور الموظفين بالدولة، فى الموازنة الجديدة ٢٠١٨/٢٠١٩، زاد بنحو ٢٦ مليار جنيه، حيث قامت الدولة بتخصيص مبلغ ٢٦٦ مليار جنيه للأجور فى العام المالى القادم، وذلك مقارنة بـ ٢٤٠ مليار جنيه فى العام المالى الحالى، والذى ينتهى بنهاية يونيه القادم.
كما رفعت أيضًا الحكومة رواتب أصحاب المعاشات، بعد منحهم علاوة تبدأ من ١٥ ٪ وتصل إلى ٣٠ ٪، وراعت المواطن العادى عن طريق زيادة المخصصات التموينية، ورفعت قيمة الدعم للفرد على بطاقة التموين من ٢٠ جنيها إلى ٥٠ جنيها، حيث تصل مُخصصات الدعم وبرامج الحماية الاجتماعية إلى ١٠٠ مليار جنيه، مقارنة بـ ٩٤.٧ مليار فى موازنة العام المالى الجاري.


الدكتور وائل النحاس، خبير اقتصادي، يقول إن ارتفاع تكلفة المعيشة فى مصر، يدفع الموظفين إلى العمل فى أكثر من مجال وأكثر من عمل نتيجة قلة دخولهم الشهرية، مؤكدًا أنه بالرغم من أن ذلك يلبى احتياجات الموظف من مصاريف إلا أنه يضر فى الوقت نفسه بالمجتمع، حيث إن هؤلاء الموظفين يحصلون على أعمال يبحث عنها شباب عاطلون من أسر أُخرى.
ويُضيف النحاس: «يؤدى ذلك أيضًا إلى حدوث خلل فى الأرقام الرسمية التى تُعلن عنها الدولة كُل فترة، فمثلًا؛ عندما تُعلن الحكومة عن مستوى البطالة، تكون الأرقام غير حقيقية، لأن هناك موظفًا مؤمن عليه يعمل عملًا آخر دون تأمين، وبالتالى؛ أرقام مؤشرات البطالة تكون غير دقيقة، وآخرها ما أعلنه جهاز التعبئة والإحصاء بأن نسب البطالة انخفضت إلى ١١.٣ ٪».

ويُشير الخبير الاقتصادي، إلى أن بعض الموظفين، ممن يسكنون وحدات عقارية بقانون الإيجار الجديد، قد يجدون أنفسهم فى الشارع خلال الفترات المُقبلة، بسبب ارتفاع تكلفة المعيشة الناتجة عن زيادة أسعار السلع وخفض الدعم، موضحًا: «صاحب الوحدة السكنية قد يُرغم الموظف إلى تركها أو زيادة قيمة الإيجار بنسبة كيرة إن كانت مصدر دخله الوحيد، لأنه فى حاجة أيضًا إلى زيادة أسعارها الضعف لمواجهة الغلاء».
ويؤكد النحاس، أن التنمية الاقتصادية الحقيقية تتطلب مُعدل نمو حقيقى ناتج عن مُعدلات الاستهلاك، التى لا بد أن تكون ناتجة عن قوة شرائية وليس نتيجة لارتفاع الأسعار، مُطالبًا الحكومة؛ بضرورة الإنفاق الاستثمارى على الخدمات، كالإنفاق على التعليم من خلال؛ توفير مُنشآت تعليمية تكون تكاليف الدراسة فيها أقل من المدارس الخاصة، وهو ما يوفر بدوره مُرتبات للمدرسين أفضل من الحالية، وأيضًا تكاليف أقل يتحملها المواطن الذى يسلك المدارس الخاصة لتعليم أبنائه.

ارتفاع تكلفة المعيشة فى مصر، يدفع الموظفين إلى العمل فى أكثر من مجال وأكثر من عمل نتيجة قلة دخولهم الشهرية
طوابير على أبواب الصدقات

«حكمت» حلقة الوصل بين الجمعيات الخيرية وأهالى حى الأسمرات.. و«سناء» سيدة الخير فى الشرابية
طابع التكافل فى الأحياء الشعبية، أصبح هو الحل البديل لسد احتياجات أفراده فى ظل ظروف اقتصادية صعبة، الحاج حكمت أحمد، أحد قاطنى حى الأسمرات، ٦٠ عاما، واحد من هؤلاء الذين أخذ على عاتقه مساعدة أهل الخير.. «حكمت» عاصر جميع الظروف الاقتصادية، يعرفه الجميع، يراه البعض مسئولا عن الحي، وعندما يكون أحد أفراد الحى بحاجة لمساعدة يذهب إلى الحاج حكمت لمساعدته، على الرغم من أن حاله لا يختلف عنهم كثيرًا، ولكنه يتواصل مع جمعية خيرية لتلبية طلبات المحتاجين، فهو حلقة الوصل بين أبناء الحى والجمعية الخيرية، ليوفر لهم ما تستطيع الجمعية أن تقوم بتدبيره من مساعدات. ولا يختلف الأمر كثيرًا فى حى الشرابية، حيث يقوم «أشرف» بجمع أسماء المحتاجين وتسليمها لـ«الحاجة سناء» المعروف عنها أنها «سيدة الخير» فى الحي، فهى تقدم كل جهودها لمحاولة تقديم المساعدة لكل محتاج، حيث لم تقتصر فقط على التواصل مع العديد من الجمعيات الخيرية وفاعلى الخير، بل تقدم مجهودات ذاتية من خلال توفير فرص عمل للسيدات فى مشغل خاص بها أو محلات أو معارض خاصة أو فتح أبواب رزق بسيطة مثل: عربة خضار أو سوبر ماركت لها، ويديره أحد المحتاجين.
«الصدقة تظهر الحب والتعاون فى الحي».. قالتها سناء.. لم تُغلق الحاجة سناء أبوابها فى وجه سائل، كما أنها تتدخل لفض المشاكل بين الأهالي. تستطرد سناء: بيقولوا لى يا كبيرة وكلمتى بيحترموها.. مش علشان بس أنا بساعدهم فى لقمة عيشهم بس.. علشان كمان براعى ربنا فيهم». لم يكن لدى «سناء» أبناء، لذا تعتبر جميع أبناء حى الشرابية أولادها، تعطف وتمد يد العون للجميع. وفى السياق ذاته، قامت جمعية «صوت طلاب مصر» بمبادرة شبابية، يتلخص مضمونها فى إعادة روح التعاون بين أفراد المجتمع الواحد، ليمد كل فرد يد العون لأخيه، ويقدم له المساعدة فى كل شيء.

ويشرح مصطفى الشيمي، مسئول محافظات الصعيد بالجمعية، أن المبادرة عبارة عن مجهودات مجموعة من الشباب قرروا تقديم المساعدة وإعادة الروح المترابطة بين أبناء الحى والشارع، حيث جعلوا الصدقة تخرج من الفقير للفقير من خلال «طبق رايح جاي»، الذى يبدأ من أحد المنازل حاملا الطعام للمنزل المجاور، لتتجول الأطباق داخل الحى البسيط وتعود الروح المصرية إليه مرة أخري. ويقول محمد يوسف، رئيس مجلس إدارة جمعية المودة الخيرية، إن عمل الجمعية قائم على تقديم المساعدات لكل المحتاجين فى بعض القرى، وأنه لديهم قائمة أسماء بالمحتاجين وعلى تواصل مستمر معهم لتقديم الصدقات. ويؤكد يوسف، أن الصدقة تتغلب فى القضاء على الأمراض المجتمعية، حيث إن الفقر أصبح أحد الأسباب الأساسية فى انتشار الأمراض المجتمعية، لذا أحد أهداف الجمعية، ليس القضاء على الفقر فقط، ولكن أيضا القضاء على هذه الأمراض.

مرضى فى مواجهة غلاء الدواء: «علاجنا ع الله»
تقرير: 450 دواءً مستوردًا لا يوجد لها بديل فى الأسواق.. و«الصحة» ترفع أسعار ٤ آلاف صنف خلال عامين

استندت بظهرها على الباب الحديدى الصدئ لمبنى الوحدة الصحية بقرية الشخلوبة، إحدى قرى محافظة كفر الشيخ، حاملة طفلتها الصغيرة بين يديها وكأنها تتضرع بها إلى أحد.. أى أحد يُنقذ وليدتها التى أتمت عامها الثانى قبل شهر واحد.
نجلاء سعيد، أم لثلاثة أطفال، سعيد ٦ أعوام، وهبة ٤ سنوات، وأخيرًا رودينا صاحبة العامين، يعمل زوجها باليومية فى أحد المقاهى الصغيرة بالقرية. تقول نجلاء: «مرضت ابنتى قبل نحو شهر، وأبلغنى طبيب الوحدة الصحية بأنها مصابة بضيق فى أحد شرايين الدم».
وتتابع، أنه كتب لها على بعض الأدوية، والتى ليست فى حيازة الوحدة الصحية، ولا بد من شرائها، ولأن ثمنها مرتفع، فلم تستطع لا هى ولا زوجها الحصول على الدواء، ولو مرة واحدة لعلاج الطفلة الصغيرة. متابعةً: «لم أكن أعلم أن أسعار الدواء ارتفعت بهذا الشكل».
رفعت وزارة الصحة، أسعار نحو ٤ آلاف صنف دواء خلال العامين الأخيرين تباعًا، كانت الأولى فى منتصف العام ٢٠١٦، بعدما قررت الوزارة زيادة أسعار ١٣٠ نوعًا من الأدوية بنسب تراوحت بين ١٠ و٤٠ ٪. ثم وعقب قرار تعويم الجنيه، اضطرت الوزارة بعد ضغوط أصحاب مصانع الدواء، كما وُصف وقتها، لزيادة أسعار ٣ آلاف صنف، على رأسهم أدوية علاج القلب والسكر والسرطان.
«رجونا من الطبيب أن يشير علينا بدواء بديل، لعدم استطاعتنا شراء بديل» تقول نجلاء. واجه كثير من الأسر المصرية، نفس الأزمة ليس السبب الوحيد هو ارتفاع أسعار الدواء، ولكن لندرة المعروض من البدائل، نظرًا لوجود أزمة، حسبما أعلنت غرفة صناعة الدواء، خلال النصف الأول والثانى من العام ٢٠١٧، فى تصنيع الدواء وبدائله «المثائل».
عضو غرفة صناعة الدواء، الدكتور محمد البهي، يعلق، بأن ارتفاع أسعار الدواء، كان نتيجة طبيعية لقرارات الحكومة الاقتصادية خلال نوفمبر ٢٠١٦، بدءا بتعويم الجنيه، وما ترتب عليه من انخفاض لقيمة الجنيه أمام الدولار.
ويتابع، أن كل خامات الدواء مستوردة من الخارج، وبالتالى ارتفعت أسعارها، وكان يجب ذلك، لأن هذه مصانع يعمل بها مئات العمال، ويحتاج أصحابها لتحصيل هامش ربح.
من جانبه، يؤكد مركز «الحق فى الدواء» فى تقرير له، صدر خلال العام المنقضي، أن هناك أكثر من ٤٥٠ عقارًا لا توجد لها بدائل فى الأسواق، ٨٠ ٪ منها تقل أسعارها عن ١٥ جنيها، مشيرًا إلى أن هذه الأدوية هى التى اختفت من السوق وتسببت فى تفاقم أزمة نقص الدواء حتى الآن.

مصر من أكبر الأسواق استهلاكًا للأدوية فى الشرق الأوسط، إذ يلفت تقرير لشركة I.M.S، وهي؛ المصدر العالمى لمعلومات وتحليلات الأسواق الصيدلانية العالمية الصادرة حول سوق الأدوية، مقرها الرسمى بنيويورك، إلى أن حجم مبيعات سوق الدواء فى مصر بلغ ٤٠ مليار جنيه.
ويُضيف تقرير المؤسسة السنوي، أن حجم مبيعات الشركات الأجنبية العاملة فى مصر، بلغ ٢١ مليار جنيه، وتستحوذ الشركات على ٦٣ ٪ من السوق المصرية.
أفاقت الطفلة الصغيرة من شبه الإغماءة التى كانت عليها، والتمعت عيناها العسليتان، فيما راحت أمها تُقبلها، وكأنها عادت من رحلة طويلة.
وتعلق نجلاء سعيد، قائلة: «استعضنا عن الدواء، باستخدامنا كثيرا بعض الأعشاب، مما يُطلقون عليه «العلاج التقليدي»، بسبب أسعار الدواء، فلا أنا ولا زوجى نمتلك تأمينا صحيا، قد يساعد فى علاج رودينا، ولا الحكومة منحتنا مساعدة من جانبها».
بحسب المادة الـ١٨ من الدستور المصري، فإن الدولة مسئولة عن توفير الرعاية الصحية بمعايير معينة، وتخصيص نسبة لا تقل عن ٣ ٪ من الناتج القومى الإجمالى لموازنة الصحة سنويًا، مع خضوع جميع المنشآت الصحية لرقابة الدولة.
لكن شيئًا من هذا لم يحدث، على الرغم من صدور قانون التأمين الصحى قبل أشهر، والذى لا تزال لائحته التنفيذية قيد المناقشة حتى الآن. وبحسب إحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ عدد المستشفيات العامة والمركزية نحو ٥٥٠ مستشفى، علاوة على نحو ٥ آلاف وحدة صحية تنتشر بين القرى والنجوع بالمحافظات المختلفة، كثير منها يعانى غياب الإمكانيات وتوافر الأدوية.
ويقول الدكتور إيهاب الطاهر، الأمين العام للنقابة العامة لأطباء مصر، إن وزارة الصحة تُعانى عجزًا ماليًا ولا تمتلك توفير الموارد المالية اللازمة لحلحلة أزمات الدواء أو تنفيذ استراتيجية وقائية طويلة المدى. متابعًا أنه ينبغى التقيد بالميزانية التى رصدها الدستور المصري، وهى ٣ ٪، من أجل توفير منظومة صحية جيدة للمواطن.
ويطالب الدكتور محمد نصار عضو مجلس إدارة جمعية تطبيق وتطوير مهنة الصيدلة، بتعديل نظام التسعير الجبرى القديم لمنظومة الدواء، وتقنين نسب الربح حتى تكون أكثر ملاءمة وعدالة، إضافة لضرورة إنشاء مجلس أعلى للدواء فى مصر، يكون مسئولًا عن وضع التشريعات والسياسات الدوائية الثابتة والقابلة للتنفيذ، يشترك فيها عدد من الهيئات الاقتصادية والوزارات المختلفة.
وكان لمواقع التواصل الاجتماعي، نصيب من أزمة نقص الدواء، حيث أطلق عدد من رواد هذه المواقع «مبادرة» لتوفير الأدوية الخاصة بالحالات الحرجة والأمراض المزمنة، تحت شعار «الدواء حق»، خاصة تلك الأدوية الخاصة بأمراض «فيروس سى والسرطان والكبد».
«الأيد قصيرة والقرش عزيز اليومين دول.. لكن ربنا هو الشافى»، هكذا رددت نجلاء سعيد الأم، الكلمات، وهى تذهب لتلحق بدورها فى طابور الكشف لدى طبيب الوحدة الصحية.

ارتباك فى البيت المصرى بسبب الغلاء
التعبئة والإحصاء: ارتفاع نسبة الفقر إلى 36 % فى الريف.. و17 % فى الحضر

اعتاد عزت الباجوري، شيخ ستينى بمحافظة سوهاج، أب لخمس بنات وولد واحد، ستر بناته الخمس وكلهن فى بيوت أزواجهن، وهكذا أكمل مسيرته فى الحياة، إلا أنه لا يزال يدخل الفرحة فى قلوب بناته بزيارته العامرة، ولا توجد مناسبة أكبر من فرحة رمضان ليعد العدة ويشد رحاله إلى بناته.
ولكن الواقع كان أكثر صعوبة، حيث إن طاحونة غلاء الأسعار التى ضربت كل التوقعات أدت لارتفاع أسعار الزيت والسكر والأرز والمكرونة والشاى وكل متطلبات الزيارة.
وفى حين، أن «الباجوري» كان يجهز زيارته الرمضانية بكلفة ١٥٠ جنيها بكل متطلباتها من جميع الأصناف، مضافًا إليها كيلو من اللحم، ليكون إجمالى زيارته ٧٥٠ جنيها، ولكن هذا الرقم بات يترحم عليه، بعدما ارتفعت الأسعار بشكل جنونى الذى دفع بسعر اللحوم إلى ١٢٠ جنيها للكيلو الواحد، أما باقى الأصناف فتحتاج إلى ٣٠٠ جنيه ما يعنى ضعف الأسعار.
كانت هذه الأسعار سببًا مباشرًا لأن يؤجل الرجل الستينى زيارته الرمضانية، أملًا فى أن يكررها العام القادم عسى أن تهدأ الأحوال ويزول الغلاء.
الأرقام الرسمة، تكشف عن ارتفاع كبير فى معدلات الفقر فى مصر، حيث بلغ عدد المسجلين بـ«تكافل وكرامة» إلى ٥.٣ مليون أسرة بما يشمل ٢١ مليون فرد، والتى على أساسها يتم تنمية وتطوير القرى الأكثر فقرًا، كما أنه وفقًا لبيانات المركزى للتعبئة والإحصاء، فقد شهدت معدلات الفقر ارتفاعًا ملحوظًا، حيث وصل إلى ٣٦ ٪ بالريف مقارنة بالحضر والذى يبلغ ١٧ ٪.
ووفقًا لآخر بيانات التعبئة والإحصاء؛ فإن الريف فى الوجه القبلى، يحتل المركز الأول بنسبة ٥٦.٧ ٪ يليه حضر الوجه القبلي، بنسبة ٢٧.٤ ٪، ثم الوجه البحرى والذى يمثل ١٩.٧ ٪، كما أن نحو ٢٧.٨ ٪ من السكان فى مصر فقراء ولا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من الغذاء وغير الغذاء، وأن ٥٧ ٪ من سكان ريف الوجه القبلى فقراء مقابل ١٩.٧ ٪ من ريف الوجه البحري.
وبلغت نسبة الفقر ٢٧.٤ ٪ فى حضر الوجه القبلي، وتقل النسبة إلى ٩.٧ ٪ فى حضر الوجه البحري، حيث كشفت الأرقام، أن نسبة الفقراء فى مصر وصلت إلى أعلى مستوياتها فى مصر فى محافظتى سوهاج وأسيوط بنسبة بلغت ٦٦٪، تليهما محافظة قنا بنسبة ٥٨ ٪، وأن أقل نسبة للفقراء فى مصر فى محافظة بورسعيد بنسبة ٦.٧ ٪، تليها محافظة الإسكندرية بنسبة ١١.٦ ٪، وأن ١٨ ٪ من سكان القاهرة من الفقراء.
ووفقًا للمركزى للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ متوسط الاستهلاك الفعلى السنوى للأسرة على الطعام والشراب خلال عام ٢٠١٥ نحو ١٢.٦ ألف جنيه فى حين أن متوسط الدخول تكشف عن وجود أكثر من ١١.٨ مليون مواطن، فى أدنى فئة إنفاق فى مصر، حيث يبلغ معدل إنفاق الفرد سنويا أقل من ٤ آلاف جنيه، «أى أقل من ٣٣٣ جنيها شهريا، الأمر الذى بدوره يكشف عن معاناة المصريين فى البحث عن غذائهم».
كما أن متوسط الإنفاق السنوى للأسرة فى مصر ٣٦.٧ ألف جنيه، ٢٥ ٪ نصيب الأفراد فى أغنى شريحة من إجمالى الإنفاق، مقابل ٤.٢ ٪ نصيب الأفراد فى أفقر شريحة، وذلك بالنسبة لمتوسط الإنفاق السنوي، وأوضح أن ١٤.٧ ٪ من إجمالى الأفراد فى مصر فى أغنى فئة وينفقون أكثر من ١٢ ألف جنيه سنويا.
الأكثر خطورة، يتمثل فى ارتفاع نسب البطالة؛ حيث يوجد ٢٧.٩ ٪ من أرباب الأسر فى مصر لا يعملون، وأن ١٧.٧ ٪ من أرباب الأسر من النساء، ما يدفع بالنساء للعمل فى مهن مهمشة، مثل: الحصاد والجنى فى الزراعات.



هنا يقول الخبير الاقتصادى الدكتور عادل عامر، إن سوء الإدارة الاقتصادية فى العهود الماضية تسبب فى إهدار مليارات الدولارات على مشاريع غير منتجة وغير مدروسة، مما أدى لزيادة أعباء الديون، وبسبب قلة المدارس قياسا على عدد السكان، هذا أنتج تسربا هائلا من التعليم وانضمام ملايين الشباب لطابور البطالة دون مؤهلات، عملوا انتشار الفساد والمحسوبية كنتيجة لعدم المساءلة والشفافية.
وتابع عامر: «هذا يهدر سنويا عشرات المليارات من موارد الدولة والفساد لا يعنى فقط السرقة، بل له أوجه كثيرة كتفضيل الشركات الموالى أصحابها للحكومة، وانتشار الوسطاء لعقود العمل بطريقة غير قانونية، هذا يمنع المنافسة الشريفة ويعطى الأفضلية للطبقة الحاكمة بالتوسع والثراء والنفوذ، وتأثيره مباشرة على هروب المستثمرين».
وأضاف عامر، أن عدم وجود عدالة اجتماعية سواء فى توزيع الدخول أو تحصيل الضرائب، فالضريبة التى يدفعها الفقراء والكادحين كبيرة لا تتناسب مع حجم الضرائب التى يدفعها أصحاب.
وأشار الخبير الاقتصادي، إلى تقلص أو اختفاء الطبقة المتوسطة التى تعد عامل أمان للفقراء، ومصدرا أساسيا للجمعيات الأهلية ونظام التكافل الاجتماعي، الآن أصحاب هذه الطبقة بدأوا الدخول فعليا فى طبقة الفقراء أو أصحاب حد الكفاف، وقلة الإنتاج بالقياس على عدد السكان، وسبب ذلك قلة المصانع، ووقف المزيد منها بعد ثورة يناير، وتحرير العملة، وقلة الصادرات كمصدر أساسى للعملة الصعبة.
بينما يقول الخبير الاقتصادي، الدكتور وائل النحاس، إن عدم وجود منظومة لحماية المستهلك، أنتج طبقة برجوازية (طفيلية) لا هم لها سوى الربح والنفوذ، وتسبب فى زيادة فقر الكثير من الأُسر.
وتابع النحاس، أن التذبذبات والتخبط الاقتصادى بدعاوى إجراءات كان لا بد منها لتعافى الاقتصاد يدفع المصريون فقط فواتيرها، بل وصلت الأسعار إلى ذروتها، لتبرز دعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعى داعية إلى تفعيل وتنشيط حركة مقاطعة شعبية موسعة للسلع الأساسية، كخطوة ضاغطة على جشع التجار.


«الفولاجية».. حزب الأغلبية
سعر طبق الفول يتجاوز الـ٧ جنيهات
عودة الحنين إلى وجبات الفول بأنواعها هربا من غلاء أسعار اللحوم والأسماك

سمعتوا عن حزب الفول النابت؟ كلنا هذا الحزب، نصف البشر فى هذا المجتمع تربى على هذا المدعو «الفول النابت»، زاد الطلب عليه فترات الفقر والجوع فى الزمن الفائت، كان قطاع كبير من البشر لا يقدر على تكاليف البروتين من اللحم أو الأسماك، وكان الهرب دائما إلى «فتة النابت» تعويضا على نقص البروتين لضيق حالة اليد، لكن اختفى النابت لسنوات ثم عاد بقوة فى الفترات الأخيرة على موائد الكثيرين من الأسر المصرية بعد الغلاء وجنون أسعار الأسماك.
السمك -بحسب ما يبدو- صار من الأكلات البعيدة المنال، المستهلك لا يملك إلا مصمصة شفاه تحسرا على الأوضاع مع سؤال دائم ومستمر الطرح: «هو فى إيه؟»، دهشة المستهلك متصاعدة بعد قفز كيلو البلطى إلى ٤٠ جنيها، والبورى لـ ٦٠، والباغة لـ ٣٠، والروسى لـ ٥٠، والبساريا إلى ٢٠ وأحيانا ٢٥، فى غياب رقيب فى ظل أرقام رسمية، تؤكد أن لدينا بحيرات قادرة على سد فجوة بروتين البحر وبأسعار غير خيالية.
الأرقام تؤكد أن مصر تمتلك ١٣.٢ مليون فدان مائى، ونستورد فى الوقت نفسه نصف مليون طن أسماك مجمدة سنويا بـ ٤٠٠ مليون دولار، كيف ولماذا الأزمة وجنون الأسعار؟ خبراء مائيون ردوا، أن المشكلة فى الخطط، والحل بسيط، سرعة اللجوء للبدائل مثل الاستزراع السمكى وإعادة الأسطول البحري.
وتكشف التقارير، أن مصر الأولى عالميا فى استيراد الأسماك المجمدة، حيث تستورد حوالى نصف مليون طن سنويا بما يقارب الـ ٤٠٠ مليون دولار سنويا رغم وجود ٢٠٠ مصنع للأسماك فى مصر.
وأكدت إحصائية لوزارة الزراعة، أن مصر تنتج سنويا مليونا و١٠٠ ألف طن من الأسماك، ولا يكفى الاستهلاك المحلى فتضطر إلى استيراد ما يقرب من ٥٠٠ ألف طن سنويا، وأن أبرز الأسماك المستوردة هى الهارينج والماكريل والسردين والباسا..
قالت وزارة الزراعة، إن أبرز الأسماك التى يتم استيرادها السردين والهارنج والمكريل والهورس، ويتم استيرادها من إسبانيا وأمريكا واليابان وهولندا والنرويج وأيرلندا.
فيما يبقى السؤال: لماذا النقص فى الإنتاج؟ ويرد الدكتور ممدوح عزب، خبير الثروة المائية، أن السبب فى الخطط وعدم الاستفادة من ثرواتنا المائية، مضيفا أنه ليس لدينا متخصصين فى هيئة الثروة السمكية، موضحا أنه فى موريتانيا التى تطل بطول ٥٠٠ كيلومتر على المحيط الأطلنطى، تصدر أسماكا سنويا بـ ٢٠ مليار دولار، لافتا إلى أن بحيرة ناصر سواحلها تطل على ٥٠٠ كيلو وعرضها ٢٠ كيلو، وبها أسماك من كبر حجمها وصل إلى درجة التوحش، ويتم اصطيادها بالسموم والبوتاجاز حتى هذه اللحظة بدلا من اصطيادها بأسطول منظم.
أكد عزب أن مصر غنية بالثروة السمكية، ولكن لا تستغل بشكل صحيح فلدينا ١٢٠٠ كيلو من البحر الأحمر و١٢٠٠ كيلو بحر متوسط و١١٠٠ كيلو من نهر النيل و٥٠٠٠ كيلو ترع ومصارف، ولدينا من البحيرات بحيرة ناصر ثانى أكبر بحيرة صناعية فى العالم، إضافة إلى بحيرة أدكو ومريوط وغيرها. شدد عزب، على تحسين الإدارة للهيئة العامة للثروة السمكية والموجود بها ٧ أساتذة ليس لهم علاقة بالأسماك نهائيا، إضافة إلى الحفاظ على البيئة المائية للأسماك من التلوث، كما حدث فى البحيرة وكفر الشيخ العام الماضى من نفوق الأسماك نتيجة التلوث وارتفاع المعادن الثقيلة فى المياه، رأى عزت أن الفترة المقبلة ستشهد انفراجة كبيرة للأزمة مع بدء إنتاج المزارع السمكية التى تبناها الرئيس.
الفول النابت يتصدر موائد الطبقات المحدودة.. ومواطن: «مجبر أخاك لا بطل»


وجع قلب فى «أتوبيس 999»

خبير اقتصادي: اختفاء الطبقة المتوسطة التى تعد عامل أمان للفقراء ومصدرا أساسيا للجمعيات الأهلية

تذكرة الأتوبيس فى العاصمة تتراوح بين ١٫٥ إلي ٢٫٥ جنيه

خليل أبو عماد «الكمسرى»: «لسه بنتعامل بالقروش.. وبشد على بطنى من الجوع»
مصر التانية وجع، بتبكي، بتئن، رحلة فى أتوبيس هيئة النقل العام ٩٩٩ أحمد حلمى- المرج، كفيلة لنفاذ رصيد دموعى وهبوط حاد فى الدورة الدموية، مع السقوط أرضا مفارقا الحياة بلا رجعة تأثرًا بسكتة دماغية، كنت مع خليل أبو عماد الكمسرى، وكان الله ثالثنا، حكى ما حكى عن ١٧ سنة خدمة فى الهيئة، وقال ما قال عن المرتب والبدلات والحوافز ومعجزات كل شهر عبر صندوق الزكاة والصدقات التابع لأهل الخير. الحياة ومنذ زمن طويل شبه توقفت عند «خليل»، تحديدًا من تانى شهر خدمة فى الهيئة الموقرة التابعة لمحافظة القاهرة، برنامج يومه روتينى للغاية، نوبة صحيان قبل الفجر، ٥ صباحا بالتمام يوقع حضورا فى موقف حلمى ثم يتجه مباشرة قبل السائق إلى أتوبيسه وعلى بابه، وقبل أن يصعد يجرى عدة أمور منها، يشد من نفسه، يتمم على اليونى فورم «بدلة الهيئة الكئيبة الزرقاء»، يراجع عدة الشغل «دفتر التذاكر والصفارة»، التى يطلق بها صفير «٦ بالدقيقة» لـ«عم يوسف» السائق، إشارة بالحضور وبدء التحرك.
أكلات خليل مدمجة للتوفير، سندويتشين فول حتى المساء مع تزويده غير ثابتة فى الخامسة مساء إذا شد الجوع جدار بطنه الواهنة، مع ٢ حلو «كوبتين شاى»، يتم طبخهما على سخان محمول بحقيبة يده يتم توصيله على بطارية الأتوبيس.
خليل يطبق دستة محظورات على نفسه من باب التقشف والتوفير لأفراد أسرته «أم العيال و٣ بنات» فى مراحل تعليمية مختلفة، أبرز المحظورات رغم إدمانه لها «السجائر»، يدخن سيجارة من وقت لآخر، يشتريها «فرط» من كشك عم صابر بموقف أحمد حلمي، ويحظر خليل على نفسه أيضا كل المتع، وكل المشروبات الساخنة والباردة، لا يجلس على المقاهى ولا يذهب لأى ترفيه، متعته الخاصة والوحيدة هو الإمساك بشباك سريره، ثم القفز عليه ببطء وتعب، تأثر بيوم عمل شاق يبدأ من ٤ صباحا وينتهى أحيانا ١٢ ليلا، وقد يصل البيت بعد هذا التوقيت إذا عانده حظة وتعطل الأتوبيس أو وقع له مكروه، حادث تصادم مثلا، خليل لا ينتهى عمله قبل دخول الأتوبيس العهدة إلى جراجه سالما غانما.
خليل لا يرى أسرته إلا بضع ساعات يوميا، وهم على فراش نومهم، يغادر منزله قبل استيقاظهم ويدخل بعد أن يكونوا قد راحوا فى النعاس، يوم أجازته الأسبوعية يضطر للخروج باكرا دون أن يراهم، يعمل إضافى «عامل نظافة» فى محل ملابس بالعتبة.

لك الله يا خليل، هكذا صرخ فى وجهي، ثم باغتنى بهذا السؤال بابتسامة ساخرة: «هو اللى زينا هيدخلوا الجنة ولاّ النار؟»، وابتسمت هربا ولم أرد حابسا نفْسى حتى لا تذرف عينى بالدموع أمامه، وسريعا غيرت مجرى الكلام، قائلا: وأخبار المرتب يا أبو عماد؟ ولم يرد واكتفى بهز الرأس ثم أردف: «الرزق فوق».
عرفت لاحقا أن أصعب لحظاته خليل، هى لحظة نهاية الشهر، وهو ماض إلى الصراف لصرف جنيهات مرتبه، كل ما يقترب من شباك الصرّاف يعيد ويزيد فى قراءة المعوذتين ويردد بالدعاء: «يا جبار ابعد عنا الخصم والانهيار.. يا رحيم كتر من البركة فى المرتب الرجيم».

ومرتب خليل وفقا لأحدث بيان مفردات أجره، إجمالى المستحق «١٢٥٨ج و٨٤ قرشا»، إجمالى المستقطع «١٧٧ج و٨٤ قرشا»، قيمة استقطاعات تأمينات «١٣٦ج و٩٦ قرشا»، وتكافل اجتماعى «٣٤ ج و٧٨ قرشا»، والصافى للمرتب بالحوافز والبدلات والعلاوات ١٠٨١ ج، بقى أن نشير إلى أن ٤ج فقط هى إجمالى بدلات الغلاء، و١٠ ج منحة مايو، عدت أغرق فى دهشتنى لأعود للسؤال: أنت عايش؟ عايش إزاى؟ أنت مين؟ أنت من الكوكب ده والا من هناك؟ ولاحقنى بالرد: «البركة فى البركة وصدقات أهل الله الخير»، صدمنى خليل أبو عماد بما دار بيننا من حكايات عن المرتب اللى فات وحوافز وبدلات.
خليل لا يرى أسرته إلا بضع ساعات يوميا، وهم على فراش نومهم، يغادر منزله قبل استيقاظهم ويدخل بعد أن يكونوا قد راحوا فى النعاس