الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قديس السياسة والصحافة!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يكتب التاريخ أسماء أبطاله بحروف من نور أو بحفنة من تراب.. ويجيء المؤرخون فينصفون بطلا أو زعيما على حساب آخر.. ثم تنشب معركة بين محبى هذا وذاك ويضيع التاريخ الحقيقي.. الراحل العظيم خالد محيى الدين من القلائل الذين نجوا من فخ الأعداء والأصدقاء.. حظى باحترام الجميع حتى خصومه من اليمينيين والساداتيين رفعوا له القبعة تقديرا لمواقفه وشخصيته.. لك أن تتخيل أن فؤاد سراج الدين زعيم حزب الوفد والخصم التقليدى لليسار الذى كان محيى الدين «عمدته» فى مصر داوم على الاتصال به والإشادة بمواقفه فى مجلس الشعب الذى كان عضوا منتخبا به من ١٩٩٠ حتى عام ٢٠٠٥.. قبلها بعد عودته من المنفى الاختيارى الذى أرسله إليه عبدالناصر عقب أزمة مارس ١٩٥٤ انتخب عضوا بمجلس الشعب المصرى عام ١٩٥٧.
هذا الزعيم الفذ اختلف مع عبدالناصر فى ١٩٥٤ وانحاز إلى محمد نجيب وكانا يفضلان عودة الضباط الأحرار للجيش وإفساح المجال لحكم ديمقراطى جديد.. تم نفى اللواء نجيب فى المرج واستقال خالد محيى الدين ورحل إلى سويسرا بضغط من عبدالناصر.. هنا يظهر معدن الرجل الأصيل فعندما عاد لم يأخذ موقفا من ناصر وحتى بعد أن كتب مذكراته بعنوان «الآن أتكلم» تحدث بشياكة عن الزعيم الراحل وبرر قرار نفيه واستبعاده من مجلس قيادة الثورة بأنه ربما كان جمال يرى الأمور بنظرة أوسع وأشمل من رؤيته الخاصة المحدودة.. وأكد فى الكتاب أنه ليس فى مجال تقييم ناصر أو انتقاد مواقفه ولكنه يروى الأمور من وجهة نظره الخاصة.
إنه رجل يندر أن تجد فى المصريين من يتحلى بصفاته، فلم نعتد أن نجد سياسيا على مسافة واحدة من الجميع مثله.. ولد فى عائلة تعددية بطبعها فى مركز كفر شكر بمحافظة القليوبية، فهو اليسارى كان يزامل ابنة عمه اليمينى زكريا محيى الدين مؤسس المخابرات العامة المصرية وأذكى أعضاء مجلس قيادة ثورة يوليو، وانتسب محمود محيى الدين ابن شقيقه الآخر إلى الحزب الوطنى الذى حكم مصر طوال ٣٠ عاما.. ولم تختلف العائلة مع أى من أبنائها بشأن توجهاتهم.. ضاربة أروع الأمثلة فى ثقافة الاختلاف واحترام الرأى الآخر.
ورغم اتهام الرئيس السادات له بالعمالة لموسكو بعد تأسيس حزب التجمع المصرى وهى تهمة كانت كفيلة بإيداعه السجن.
كما قلت هذا رجل عاش قديسا فى السياسة والصحافة، احترم الصغير والكبير.. له فى صاحبة الجلالة إسهامات منها رئاسته مجلس إدارة أخبار اليوم ١٩٦٥ و١٩٦٤ بعد سجن مصطفى أمين بعام.. فلم ينكل برجال أمين أو مساعديه ولم ينصب المشانق لمن ظلوا على وفائهم لمؤسس أخبار اليوم.. احترم الجميع فأحبه كافة العاملين عكس يسارى آخر تولاها بعده بسنوات.. وهو مؤسس أول جريدة مسائية فى مصر والعالم العربى والشرق الأوسط وهى المساء فى ١٩٦٣.. وبهر الجميع بصحافة جديدة ينادى باعة الصحف عليها فى الثانية ظهرا بأخبار تتفوق على الجرائد الصباحية.
اهتم بمشاكل الجماهير والبسطاء وحظيت القضايا الجماهيرية بعناية فائقة منه.. وخرج بمانشيتات غير رسمية عن الإسكان والخدمات والصحة والتعليم ونهض بالصحافة الرياضية نهضة غير مسبوقة.
الغريب -كما يقول مايلز كوبلان عنه فى كتابه الشهير «لعبة الأمم» ص١٣٦- إنه رجل ينجح فى أى مكان ويترك نجاحه لغيره ليفسده.. ماذا كسب خالد محيى الدين من مناصبه العالمية والمصرية؟ لا شيء! كان رئيسا ومؤسسا لمجلس السلام العالمى ورئيس منطقة الشرق الأوسط ورئيس اللجنة المصرية للسلام ونزع السلاح.. اسمه مكتوب فى مؤسسة اليونسكو لأنه كان رئيسا للجنة الخاصة التى شكلها ناصر لحل مشاكل أهالى النوبة بعد التهجير ونقل آثار المنطقة بالاشتراك مع اللجنة العالمية التى تشكلت لهذا الغرض.
رحم الله هذا القديس الذى ظل عضوا بمجلس الشعب من ١٩٩٠ إلى ٢٠٠٥ وخسر أمام مرشح الإخوان.. وفى أول حديث مع الرئيس الأسبق مبارك تنبأ بأن خسارة خالد فى مسقط رأسه وبين أهله الذين ظل يمثلهم منذ عام ١٩٥٧ مؤشر خطير على أن الإخوان استطاعوا خداع المصريين البسطاء.
رحم الله قديس الصحافة والسياسة الذى ولد بعد عبدالناصر والسادات بأربعة أعوام «١٩٢٢» وتوفى أمس «٦ مايو ٢٠١٨».. وكان أول سياسى مصرى يتخلى عن رئاسة حزبه ليعطى فرصة لأجيال أخرى ورغم علاقته القوية بمبارك الذى كان يحرص على تأدية التحية العسكرية له.. فإنه رفض أن يكون كومبارسا فى انتخابات رئاسة ٢٠٠٥ محافظا على اسمه وتاريخه المشرف الناصع.