الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

د. خالد كمال يكتب: رمضان السكينة

خالد كمال
خالد كمال
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في رمضان تستلهم البيوت ذكر ربها وقراءة القرآن، فتتحول إلى خلايا تنبعث منها إشعاعات السكينة على الدوام تنصرف منها الشياطين وتسكن بدلا منها الملائكة السماويون فتتغير النفوس وتتبدل وتلين.
في رمضان تسامح الأسرة بعضها بعض وتستلهم حبها للنبي صلى الله عليه وسلم، تحاول الاقتداء به في إفطاره وعباداته وفي سحوره، فتحظى بأجر الاقتداء وتنتشر بينهم كلمات الود ومشاعر الرحمة ويمرون بتجربة روحية نادرة جعلت سيدة فرنسية لاحظت على جارتها المسلمة الطيبة من جنوب شرق آسيا أنها في هذا الشهر تكون أكثر رقة ودماثة وتمتنع تماما عن الطعام والشراب وكانت مقربة منها للغاية، فلما سألتها أخبرتها عن طبيعة شهر رمضان فقررت السيدة الفرنسية أن تصوم معها يوم كتجربة تقول في البداية ومع اشتداد الجوع والعطش لم أفهم الجدوى من هذا الأمر لكني قررت استكمال اليوم وعند العصر بأت أفكر مع آلام الجوع في هؤلاء المساكين والفقراء الذين يمرون بهذا الشعور كل يوم في حياتهم غالبا.. وما هي الإرادة والعزيمة والإيمان العميق عند المسلمين الذي يدفعهم لترك الطعام والملذات لمدة شهر كامل.
ويا لها من فرحة حين جاء المغرب وأفطرت، رغم رقة حال جارتي المسلمة وبساطة الطعام عندها لكني كنت سعيدة وشعرت بقيمته وكأني حصلت على الجائزة التي كافحت من أجلها طوال النهار.
اندهشت للغاية من كرمها فلقد وضعت طبقا كبيرا يساوي كل ما وضع أمامها هي وأسرتها وحين رفضت ذلك قالت أرجوكي نحن معتادون وقد تعلمنا التحمل والجلد وابتسمت براحة مدهشة.
رمضان يظهر لنا بعض روعته في هذه التجربة السابقة، فهو يمثل في السنة 8.3% كأنه أرباح العام أو فوائد بلغة البنك أن هذه النسبة قريبة للغاية مما تعطية البنوك من فائدة وكأنه بفوت الروحية وسحر أيامه ولياليه مكافأة العام فيه تربي النفس وتسمو وتروض فيه الروح وتتماهى في حالة من الوجد الصوفي فتكون العبادة بأشكالها المختلفة شغلها الشاغل ليل نهار.
(كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)
إننا جميعا فهمنا الآية الكريمة على أن الصيام من التقوى، وهذا جائز لكن الآية قد ترمي مرامى أخرى، فكلمة تتقون تعني أن التقاء بالصوم تجعل الإنسان يقاوم غرائزه الحيوانية ويسيطر على طموحات معدته التي لا تنتهي ويكبح جماح شهواته .
كأن قوله تعالى "تتقون" تنصرف لوقاية الإنسان من كل رذيلة، وبالتالي السلوك مسلك كل فضيلة ممكنة بذلك كان اللفظ مطلق أانها كلمة فلسفية عالية المغزى لا يأتي البيان والعلم بأروع من لفظها فهي تنصرف أيضا لوقاية النفس من كبريائها وعجرفتها من خلال الصيام يعلو الجانب الروحي على الجسدي فيرقق القلب وترهف المشاعر تجاه الأرحام والأسرة الواحدة وما أحوجنا لذلك.
تتقون العزلة الاجتماعية والوحدة فنجد الناس كأنه نادى فيهم منادي الإخوة، فيتعمق الترابط ويزداد التزاور، فها هي العزائم على مدى أيام الشهر وصلات الرحم، فيعود الغائب ويأؤي المسافر إلى أحضان أهله إن استطاع إلى ذلك سبيلا وتمتد موائد الرحمن في الآفاق.
وتتقون انشغالكم بهموم الحياة والرغبة في الترف وتكديس المال بأي طريقة لأن الصوم سيجعلك تشعر بمعاناة الفقراء الذين يشغلهم أبسط حاجات لقيمات يقمن أوده وأود أسرته المسكينة.
وتتقون بذاءة اللسان وعفن الخاطر وسوء النوايا ورذيلة الجسد وجريمة الحصد والحسد والمكية كل هذا نفعله غالبا في رمضان تحت سلطان الصيام خشية أن يضيع التعب ونخسر الثواب.
نجتهد لنحسن من أنفسنا ونضبط بوصلتنا الداخلية ونجمل البناء النفسي بداخلنا، تذكر ستجد أننا نفعل ذلك نفعنا الله وإياكم بنفحات الشهر الكريم ثابروا علي الصالحات وأبشروا، فلقد قيل عن بعض السلف (يوضع للصوام مائدة يأكلون عليها والناس في الحساب فيقولون يا رب نحن نحاسب وهم يأكلون فيقال إنهم طالما صاموا وفطرتم وقاموت ونمتم)
جعلنا الله وإياكم من هؤلاء وإلى ملتقى قريب.