الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الطفل "إيفانز" يفجر ملف الموت الرحيم ويكشف رأي الكنائس في الأمر

الطفل إيفانز
الطفل إيفانز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نداءات عدة أطلقها البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، لدعم الطفل «إيفانز» فى معركته القانونية التى خاضها والداه لاستمراره على أجهزة الإعاشة، وهو الأمر الذى يفتح ملف «الموت الرحيم»، والذى ترفضه الكنائس، مستندة إلى نصوص من الكتاب المقدس.
قال البابا فرنسيس، فى دعمه للطفل «إيفانز» على حسابه الخاص بموقع التواصل الاجتماعى تويتر، «أتمنى صدقًا أن نقوم بكل ما فى وسعنا لمتابعة، بكل عطفٍ، حالة الطفل ألفى والاستماع إلى عذاب عائلته والوقوف الى جانبهم. أصلى من أجل ألفى وعائلته وإلى كل المعنيين فى هذه القضية».
ولمزيد من الدعم، التقى البابا فرنسيس والد الطفل، توماس إيفانز، وقال فى ختام اللقاء المفتوح مع الناس فى ساحة القديس بطرس بالفاتيكان: «أود أن أؤكد مجددًا وبقوة أن سيد الحياة الوحيد، من بدايتها إلى نهايتها الطبيعية، هو الله»، وأن «من واجبنا نحن أن نبذل كل ما بوسعنا للحفاظ على الحياة»، كما أعلن مستشفى «الطفل يسوع» التابع للكرسى الرسولى استعداده لاستقبال الطفل الصغير.
وعقب نداء البابا، أعلنت السلطات فى روما، أنها منحت الجنسية الإيطالية للطفل البريطاني، بعد رفض كل من المحكمة العليا البريطانية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان استئنافًا قدمه والده، ضد قرار فصل أجهزة إعاشة تبقى ابنه على قيد الحياة؛ حيث يرى أطباء أنه ميؤوس من شفائه. وقالت وزارة الخارجية الإيطالية فى بيان: «منح الوزيران (أنجيلينو) ألفانو و(وزير الداخلية ماركو) مينيتى الجنسية الإيطالية للصغير ألفى إيفانز، مضيفة: «بهذه الطريقة، تأمل الحكومة بأن يسمح للطفل، باعتباره مواطنًا إيطاليًا، بالانتقال الفورى إلى إيطاليا».
وعقب إزالة أجهزة الإعاشة عن ألفي، ووفاته حرص البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، على تقديم التعازى لوالدى الطفل البريطانى «ألفى إيفانز» عبر حسابه الرسمى «تويتر»، وكتب البابا فرانسيس: «لقد تأثّرتُ جدًّا لموت الطفل ألفي. أصلّى اليوم بشكل خاص من أجل والديه، فيما يستقبله الله الآب فى عناقه الحنون».
بولس حليم: «قتل» ومخالف للإنجيل رفيق جريش: الموت الرحيم هزيمةٌ لمن يتصوره ويقرره ويمارسه
مارس البشر فكرة الموت الرحيم منذ قرون طويلة، وبدأت فى المجتمعات منذ العصور القديمة لوضع حد لحياة العجز، حيث قال أفلاطون: «أما أصحاب الأجساد العليلة، فلنتركهم يموتون؛ وكذلك أصحاب النفوس المنحرفة والفاسدة. ومما لا شك فيه أن ذلك يعود بالخير على المرضى أنفسهم وعلى المدينة»، وإبان الحرب العالمية الثانية، مارس النازيون القتل الرحيم على عشرات الألوف من المعوقين والمسنّين.
وفى العصر الحالى، أُنشئت جمعيّات عدة تطالب بتشريع «الموت بكرامة»، وباللجوء إلى الانتحار تحت إشراف طبيب، وذلك لأن أعضاء هذه الجمعيّات باتوا يعتبرون أن للإنسان الحق أن يرفض الألم ويختار الموت لوضع حدّ له.
الأب بولس حليم، المتحدث الرسمى باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، قال إن فعلّة الحياة هى الله، وهو رب الحياة ومحورها، وعندما يرفض الإنسان هذا المحور، فيقرر أنه سيد حياته وموته ويختار القتل الرحيم أو الانتحار.
وأضاف الانتحار فى نظر الكنيسة قتل، ومخالفة للوصيّة الإلهية بالحياة كالإجهاض والقتل الرحيم، وتجرّد من أهم ما يميزه عن غيره من المخلوقات كونه يحمل صورة الله، فبدلا من مرافعة المسنّ والاعتناء به قبَل أهله وأصدقائه والفريق الطبى الذى يعالجه، نرى البعض يدعو إلى التحرر من عبئه، والتساؤل الدائم من جدوى استمراره فى الحياة. وأشار إلى أن المريض بحاجة إلى من يرافقه بحبّه ورعايته واحتضانه، وعلى الكنيسة دعم ذوى المريض الذى يعانى مرضا مزمنا أو الذى يعانى من غيبوبة، ليس فقط، وشدد على أن الإنسان كيان خُلق على صورة الله ومثاله، وليس آلة أو مضخّة متى عجزت أو أُصيبت تُرمى فى سلّة المهملات، لا يجوز اليأس وفقدان الرجاء. هذه قمّة الخطيئة، مستطردًا: بدلا من تشجيع «حضارة الموت»، المطلوب أن نحب المريض، أيّا تكن حالته، كى يشعر حقّا بالفرح والطمأنينة والكرامة، فيحيا ويموت بتسليم كامل.
ومن جانبه، أكد الأب رفيق جريش، راعى كنيسة القديس كيرلس للروم الكاثوليك، أن البابا يوحنّا بولس الثانى عرف الموت الرحيم بأنه: «كل عمل أو كل إهمال يؤدّى إلى الموت، بذاته أو بالنيّة، بهدف إلغاء كل ألم».
واستطرد: هذا ما يؤكده البابا يوحنّا بولس الثانى فى رسالته الرسولية «إنجيل الحياة»: «كل نيّة تتعمّد الإجهاز على حياة بشرية بريئة هى دومًا عمل سيئٌ من الناحية الأدبية، ولا يمكن قط تسويغها لا كهدف ولا وسيلة لهدف جيّد، وهذا لا يمنع أن تكون بعض صيغ القتل الرحيم أخطر من غيرها.
وقال: ويميّز البابا يوحنّا بولس الثانى أنواعًا من الخطورة حتى وإن لم يكن السبب هو الرفض الأنانى لتحمّل أعباء حياة المريض المتألّم، يجب القول فى القتل الرحيم إنه ضرب من «الشفقة الزائفة»، لا بل إنه «انحراف» مقلق لمعنى الشفقة، فالرحمة الحقيقية تقوم على التضامن مع عذاب الغير، ولكنها لا تميت من لا نقوى على تحمل عذابه، ويمسى اللجوء إلى القتل الرحيم أشد خطورة عندما يمارسه آخرون فى حق إنسانٍ لم يطلب منهم ذلك البتّة، ولم يوافق قط عليه، وأمّا ذروة التحكّم والظلم ففى ما يدَّعيه البعض، من أطباء ومشترعين، من سلطة التقرير فى من يجب أن يعيش ومن يجب أن يموت.
وشدد على أنه لا تبرر «حرية اختيار» المريض القتلَ الرحيم، تعتمد الكنيسة على قيمة الحياة البشرية المقدسة والتى لا يمكن التلاعب بها، وعلى أساس هذا المبدأ، وكما هو الحال مع «حقّ الانتحار»، ولا تعترف الكنيسة أبدًا بهذه الحقوق المزعومة. 
وفى بيان أصدره مجمع العقيدة والإيمان عن القتل الرحيم ١٩٨٠، أكدت الكنيسة الكاثوليكية: أنّ الموت الإرادي، أى الانتحار، غير مقبول مثل القتل، ففعلٌ كهذا يعنى رفض الإنسان لسيادة الله ولمخطط محبته، كما أنّه رفضٌ لحبّ الذات، إنكار للتطلع الطبيعى نحو الحياة، تنازل عن واجبات العدالة والمحبة تجاه القريب ومختلف الجماعات والمجتمع بأكمله، على الرغم من تدخّل عوامل نفسية فى بعض الأحيان- كما نعلم- والتى قد تخفف لا بل قد تزيل المسئولية».
وأضاف البيان: إنّ مشاركة شخصٍ آخر فى نيّته على الانتحار ومساعدته على تحقيقه، وهو ما يُسمّى بالمساعدة على الانتحار، يعنى التواطؤ وأحيانًا الضلوع المباشر بفعلةٍ لا يمكن قط تبريرها، وإن جاء ذلك استجابة لطلب، وكما توضع الأخلاق فى خدمة الحياة الإنسانية، فكلّ أخلاق تدّعى خدمة الإنسان وتدمّر حياته، ستقع فى النهاية فى خلطٍ خطير.
وأكد البيان: توصى الحكمة الإنسانية والمسيحية على أغلبية المرضى استخدامَ الأدوية التى تقلل أو تمحى الألم، وإن نتج عنها تأثيراتٍ جانبية مثل الخدر وغيره، إن الرعاية التى تخفف من الألم، والتى تتكون فى المقام الأول من المسكنات والمرافقة، هى الإجابة الأفضل على طلب القتل الرحيم من جانب المريض المحتضر الذى يتألم. ويُلاحظ تغييرٌ فى موقف المرضى الذين يطلبون القتل الرحيم من اللحظة التى يحصلون فيها على عنايةٍ مناسبة ولا يبقون لوحدهم.
واقتبس الأب رفيق جريش حديث البابا يوحنّا بولس الثانى، فى اجتماع الأكاديمية الحبرية للحياة، فى عام ١٩٩٩، حيث قال: المريض الذى يشعر بأنّه محاطٌ بحضور محب، إنسانى ومسيحي، لا يقعُ فى إحباط وكآبة مَن يشعر بأنّه متروك لمصير الألم والموت، فيطلب نتيجة لذلك إنهاءَ حياته. ولهذا القتلُ الرحيم هزيمةٌ لمن يتصوره ويقرره ويمارسه، ولهذا السبب، تحثّ الكنيسة على تبديل أماكن المحتضرين إلى حيث يمكنهم الشعور بالمحبة والمرافقة. كما يعبرُ المريض المحتضر عدّة مراحل نفسية، أوّلها هى أكثرُها كآبةً، وآخرُها أكثرُها هدوءا. وقد يمنعُ القتلُ الرحيم الإنسان من الدخول فى المراحل الأكثر إيجابية التى تسبق الموت.
وشدد البابا فى حديثه على رفض العلاجات الضارية تعبيرٌ عن الاحترام الذى يستحقه المريض فى كلّ لحظة، غالبًا ما يفقدُ المريض فى المستشفى اتصاله بعائلته، ويخضع لنوعٍ من التكنولوجيا التى تمسّ كرامته، وبالتالي، يكونُ قرارُ عدم البدء أو توقيف العلاج صحيحًا وأخلاقيًا إذا ثبت عدم فعّاليته لتحقيق هدف الحفاظ على الحياة أو استعادة الصحّة، مستطرد: ولذلك عندما تدافع الكنيسة عن قدسية حياة المحتضرين؛ فإنّها لا تتبع أى شكلٍ من أشكال الحكم المطلق للحياة الجسدية، بل تعلّم على احترام الكرامة الحقيقية للشخص، خليقة الله، وتساعد على قبول الموت بهدوء عندما تستنفذ القوى الجسدية.
وأشار إلى أن المريض بحاجة إلى من يرافقه بحبّه ورعايته واحتضانه، وعلى الكنيسة دعم ذوى المريض الذى يعانى مرضا مزمنا أو الذى يعانى غيبوبة، ليس فقط ماديا بل معنويا وروحيا، وذلك لإخراجهم من حالة التشنج والقلق النفسى الذى حلّ بهم بسبب حالته.