الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

قمة الكوريتين.. ضغط أمريكي وترقب روسي

قمة الكوريتين
قمة الكوريتين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تسود حالة من التفاؤل الحذر، حول نتائج قمة الكوريتين المقبلة فى 27 أبريل 2018، التى ستنعكس بشكل كبير على العلاقات بين الجانبين، وإن كانت القمة فى ظاهرها ثنائية، إلا أنها ستتضمن الولايات المتحدة الأمريكية أيضًا، باعتبارها الحليف الاستراتيجى لكوريا الجنوبية.
ستعقد القمة المرتقبة فى الناحية الجنوبية من المنطقة منزوعة السلاح بين البلدين، فى قرية «بانمونجوم» الحدودية بمبنى «بيت السلام»، وتعد القمة الثالثة منذ انتهاء الحرب الكورية فى الفترة ما بين (1950-1953) بهدنة لوقف إطلاق النار، وليس من خلال اتفاقية سلام، فقد عقدت الأولى فى عام 2000، والثانية فى 2007.
ومن المتوقع أن تتم إثارة بعض القضايا الشائكة بين البلدين على أجندة أعمال القمة، تعد أبرزها قضية إخلاء شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي، وبحث سبل إحلال السلام الدائم بدلًا من اتفاق وقف إطلاق النار بين الكوريتين، فضلًا عن مناقشة مدى إمكانية نقل وقائع القمة على الهواء مباشرة، لتعد السابقة الأولى، فقد تمت تغطية القمتين السابقتين بصور ثم إذاعتها لاحقًا للمشاهدين.
التحضيرات الأولية
مهّد استضافة كوريا الجنوبية للألعاب الأولمبية الشتوية، قناة للحوار الدبلوماسى بشكل غير متوقع، حيث زار وفد من كوريا الشمالية فعاليات الدورة فى فبراير ٢٠١٨. وبذلك تُعد المرة الأولى التى يتم فيها استقبال عضو من الأسرة الحاكمة لكوريا الشمالية فى الجنوب، منذ انتهاء الحرب الكورية.
وشهدت مراسم الافتتاح فى «بيونغ تشانغ» مصافحة الرئيس الكوري، مون جى إن، لشقيقة الزعيم الكورى الشمالي، كيم يو جونج.
واستبقت هذه القمة بداية الشهر الجارى محادثات بين الزعيم الكوري، كيم جون أون، والرئيس الصيني، شى جينبينج، أكد خلالها الزعيم الكورى على موافقته استئناف المحادثات السداسية، التى تتألف من كوريا الجنوبية، والولايات المتحدة، وروسيا، واليابان، والصين، وكوريا الشمالية، بشأن برامج كوريا الشمالية النووية والصاروخية، والتى عقدت آخر جولاتها فى ٢٠٠٩، فى حين زار وفد من كوريا الشمالية العاصمة الكورية سيول فى ٥ أبريل ٢٠١٨، للتحضير للقمة، من الناحية البروتوكولية، والأمنية، علاوة على التغطية الإعلامية.
اجتماع سرى بين الزعيم الشمالى ومدير المخابرات الأمريكية
كما شهد منتصف شهر أبريل ٢٠١٨ لقاءً سريًا بين مدير المخابرات المركزية الأمريكية، مايك بومبيو، وكيم جونج أون، لبحث القمة المقبلة ومدى استعداد «كيم» لعقد محادثات جادة، وقد رتب لهذه الزيارة مدير مخابرات كوريا الجنوبية مع نظيره الكورى الشمالي.
يُعد هذا الاجتماع السرى أول اتصال بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية رفيع المستوى منذ عام ٢٠٠٠، عندما زارت وزيرة الخارجية، مادلين أولبرايت، العاصمة الكورية للقاء والد الزعيم «كيم»، وبالرغم من زيارة رئيس المخابرات، جيمس كلابر، سرًا للتفاوض بشأن إطلاق سراح مواطنين أمريكيين فى ٢٠١٤، إلا إنها لم تقابل الزعيم الكوري.
كما تم تدشين خط هاتفي ساخن بين البلدين، فى ٢٠ أبريل ٢٠١٨، يمكن من خلاله إجراء المباحثات، لتجنب سوء الفهم بين الجانبين، ويذكر أن هذا الخط يُعد أول خط ساخن يتم فتحه بين الزعيمين، وستجرى المكالمة الأولى قبيل القمة، ولم يتم تحديد موعدها حتى الآن.
وفى هذا السياق؛ أعلنت كوريا الشمالية فى خطوة مفاجئة فى ٢١ أبريل ٢٠١٨، خلال اجتماع اللجنة المركزية لحزب العمال الحاكم، وبحضور كل الأعضاء، عن وقف التجارب النووية، وإطلاق صواريخ باليستية عابرة للقارات، وإغلاق موقع للتجارب النووية فى شمال كوريا الشمالية برهانًا على التزامها.
واعتبر «كيم» أن هذا هو النهج السياسى والاستراتيجى الجديد للحزب، حيث لم تعد «بيونج يانج» بحاجة إلى إجراء تجارب نووية أو صاروخية لأنها استكملت تسليحها النووي، وذلك قبل أسبوع من القمة، كما تسبق قمة بين الزعيم الكورى والرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» والمزمع عقدها فى مايو المقبل، أو أوائل شهر يونيو.
وأعلنت وزارة الخارجية الكورية الجنوبية فى ٢٢ أبريل ٢٠١٨ عن زيارة مساعدة وزير الخارجية الأمريكية لشئون شرق آسيا والمحيط الهادي، سوزان ثورنتون، لسيول لمناقشة التعاون قبل قمة الكوريتين، لتبادل وجهات النظر حول أجندت الأعمال المتعلقة بكوريا الشمالية.
الموقف الدولى من القرار
ورحب الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بإعلان «كيم» واعتبره تقدمًا كبيرًا بالنسبة لكوريا الشمالية والعالم، وأنه يمثل خطوة فى سبيل تعزيز نجاح القمة المرتقبة معه، فيما أوضحت كوريا الجنوبية أن هذا القرار سيساهم فى خلق بيئة إيجابية لنجاح القمتين المقبلتين، فى حين أصدرت الحكومة البريطانية بيانًا للإشادة بالقرار لأنه يمثل تعبيرًا عن حُسن نية كوريا الشمالية لإجراء المباحثات.
كما رحبت موسكو بالقرار، داعية واشنطن وسيول لاغتنام الفرصة للحد من النشاط العسكري، والتوصل إلى اتفاق خلال القمة المقبلة، كما أشارت وزيرة الخارجية الأسترالية، جولى بيشوب، إلى ضرورة اتخاذ خطوات يمكن من خلالها التأكد من ضمان وقف التجارب.
وأعرب الاتحاد الأوروبى على لسان الممثلة العليا للشئون الخارجية والسياسة الأمنية، فيديريكا موجيريني، عن ترحيبها بإعلان بيونج يانج وقفها لإجراء التجارب النووية والصاروخية، معتبرة ذلك مؤشرًا إيجابيًا، معبرةً عن أملها فى أن تأتى اللقاءات المزمع عقدها بين الكوريتين، وبين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، بنتائج ملموسة، كما أكدت على استعداد الاتحاد دعم المباحثات المقبلة.
فى حين تساءل رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، هل سيؤدى القرار إلى تخلى كوريا الشمالية بشكل تام عن تطوير سلاحها وصواريخها النووية بشكل لا رجعة فيه أم لا؟ وفى وقت سابق أعلن «آبي» إمكانية التطبيع مع بيونج يانج فى حالة وقفها على الطريق الصحيح، وذلك أثناء المؤتمر الصحفى مع «ترامب» فى ١٩ أبريل ٢٠١٨.
محفزات القرار
وتعانى بيونج يانج حالة من الضيق فى الآونة الأخيرة؛ نتيجة حدة العقوبات الاقتصادية التى فرضتها الأمم المتحدة ومن قبلها الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة الأمريكية. فقد أصدرت واشنطن فى أغسطس٢٠١٧، «قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات»، القاضى بتشديد العقوبات على الشحنات الكورية، وعلى الدول التى تتعاون معها، علاوة على التعامل التجارى مع كوريا الشمالي، وأعقبه فى سبتمبر من نفس العام قرار من الإدارة الأمريكية بحق واشنطن فى سحب أو تجميد أى حساب أو أصول مالية لأى شركة تتعامل مع بيونج يانج.
كما ساهمت الضغوط الأمريكية فى حمل الصين على فرض حظر على الاستيراد والتصدير تشمل المشتقات البترولية، والنفط الخام، والفحم، والحديد، والرصاص، والمأكولات البحرية، الأمر الذى أدى إلى تراجع حجم التجارة بين البلدين فى بداية عام ٢٠١٨ إلى أدنى مستوى له منذ يونيو ٢٠١٤، فقد بلغ ٢١٥.٩٧ مليون دولار أمريكي، بانخفاض وصل إلى ما يقرب من ٥٢٪ مع بدء سريان العقوبات، كما وصلت قيمة الصادرات الصينية إلى بيونج يانج إلى ١٦٨.٨٨ مليون دولار فى يناير ٢٠١٨، بينما بلغت الواردات من كوريا الشمالية ٤٧.٠٩ مليون دولار أمريكي.
وفى هذا السياق؛ أصدر مجلس الأمن فى ديسمبر ٢٠١٧ عقوبات تستهدف الحد من حصول كوريا الشمالية على المنتجات البترولية والنفط الخام، الأمر الذى طوق بيونج يانج اقتصاديًا، وهو ما اعترف به «كيم» فى خطاب رأس السنة بأن بلاده تواجه أصعب تحديات على الإطلاق، منوهًا بأن عام ٢٠١٨ قد يكون صعبًا عليهم، فى حين يتوجب عليهم الاعتماد أكثر على الذات، وقدرت الأمم المتحدة حجم الخسائر الناتجة عن الحظر الأخير، الذى فُرض بعد قيام بيونغ يانغ بتجربتها الصاروخية العابرة للقارات فى يوليو ٢٠١٧ بما قيمته ثلاثة مليارات دولار.
انعكاسات التقارب بين الكوريتين على واشنطن
جاء التقارب الأخير بين الكوريتين، بعد فترة انقطاع دامت لقرابة عشر سنوات، نتيجة الضغوط الأمريكية، حيث شهدت العلاقات الأمريكية الكورية فترات طويلة من المد والجزر، الأمر الذى انعكس بشكل سلبى على سلوك بيونج يانج، وجعلها أكثر عنفًا تجاه واشنطن وسيول.
وانتهجت بيونج يانج استراتيجية هجومية، سواء على مستوى الخطاب الرسمي، بتهديدها المستمر لواشنطن بأنها تمتلك صواريخ تستطيع الوصول لها، فضلًا عن تهديدها بضرب جزيرة «جوام»، أو بامتلاكها برنامجًا نوويًا، كرد فعل مباشر على نشر نظام الدفاع الحرارى المرتفع، وهو نظام دفاع أمريكى مضاد للصواريخ فى كوريا الجنوبية، بجانب استمرار تجاربها الصاروخية العابرة للقارات.
وتُعد القمة بين الكوريتين مؤشرًا إيجابيًا على تهدئة الأوضاع بين واشنطن وبيونج يانج، والمستفيد الأكبر من هذه القمة وما ستصل إليه من نتائج هو «ترامب»، وذلك من أجل منافسة روسيا والصين تحديدًا فى عمقها الاستراتيجي، وكانت الأزمة الكورية بمثابة القوة الدافعة الجديدة للتنافس بين الأقطاب المهيمنة على النسق الدولي، لتكون إحدى آليات المواجهة المقبلة بينهم.
وشرع «ترامب» بتصعيد تجارى من خلال اعتزام واشنطن فرض رسوم جمركية بنسبة ٢٥٪ على ١٣٠٠ سلعة صينية تستوردها من بكين، كما يرغب فى العودة إلى «الشراكة عبر المحيط الهادي» بعد أن وقع على الانسحاب منها فى نهاية يناير ٢٠١٧ للوقوف فى وجه النفوذ الصينى المتنامي، لمواجهة الصين اقتصاديًا نتيجة استمرار عجز الميزان التجارى بين البلدين لصالح الصين بقيمة ٥٠٠ مليار دولار، بالإضافة إلى خسائر بسبب سرقة حقوق الملكية الفكرية بلغت ٣٠٠ مليار دولار، علاوة على إقدام الصين على تخفيض قيمة العملة واتباع سياسة الإغراق لمنتجاتها، بجانب التوافق السياسى والأمنى مع موسكو فى عدد من الملفات الشائكة، مثل بحر الصين الجنوبى حيث الدعم الروسى للصين، فى مقابل الدعم الصينى لموسكو فى الملف الأوكراني.
ومازالت المؤشرات إيجابية حتى الآن حول السلوك التمهيدى للزعيم الكورى فى أعقاب التحضيرات الأولية للقمة، إلا أنه من المتوقع أن تتعامل بيونج يانج بحذر شديد فى المباحثات القادمة.
فبرغم إعلانه وقف التجارب النووية، والمبادرة باستئناف المباحثات للتوصل إلى حل سلمى يضمن استقرار العلاقات بين الجانبين، إلا أن «كيم» سيتفاوض فى البداية على وقف العقوبات الاقتصادية التى لعبت دورًا بارزًا فى إعلانه الاستسلام بشكل غير مباشر للتفاوض لتخفيف حدة الضغط عليه، ثم التفاوض بشأن القوات الأمريكية المتواجدة فى سيول، انتقالًا إلى طلب الدول النووية نزع سلاحها.
فى المقابل، وعلى الرغم من التخلى الظاهرى للصين وروسيا عن كوريا الشمالية، بسبب العقوبات المفروضة عليها إلا أنها لن يتركاها لقمة سائغة لواشنطن، ومن الواضح أن «سيكولوجية» الزعيم الكورى من الصعب التنبؤ بمساراتها فى توجهاته الخارجية، إلا أنه يحاول الدفع بعيدًا عن أن تكون نهايته فى محكمة العدل الدولية، أو مقتولًا مثل الزعيم الراحل «صدام حسين»، لذا فإنه لن يتخلى عن برنامجه النووى، ولكنه سيكون فى إطار سلمي، ليكون صمام الأمان أمام المتغيرات الدولية والإقليمية المتلاحقة التى تكاد تعصف بنظامه فى أى وقت.
ورحب الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بإعلان «كيم» واعتبره تقدمًا كبيرًا بالنسبة لكوريا الشمالية والعالم، وأنه يمثل خطوة فى سبيل تعزيز نجاح القمة المرتقبة معه
تعانى بيونج يانج حالة من الضيق فى الآونة الأخيرة؛ نتيجة حدة العقوبات الاقتصادية التى فرضتها الأمم المتحدة ومن قبلها الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة الأمريكية.