الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قوة عربية.. وفق منظومة عربية فقط

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الرئيس ترامب بعد التزامه نهج من سبقوه، وحديثه قبل توجيه ضرباته الأخيرة إلى سوريا عن قلقه البالغ بشأن تكاليف الحرب.. بدأت تصريحاته منذ أول هذا الشهر فى الإشارة إلى ترتيبات أخرى، بالإضافة إلى الشق المالى تحديدا، بكلمات مباشرة (طلبنا من شركائنا تحمل مسئولية اكبر فى تأمين منطقتهم).
سحب الوحدات العسكرية الأمريكية من بؤر الصراع يفرض عدة احتمالات، إذ لا يمكن عودة هذه المناطق إلى حالة فراغ سياسى وأمنى فى انتظار استقبال التنظيمات الإرهابية مرة أخرى.. الأول، التخلى عن هذه المناطق لصالح صراع النفوذ الإقليمى، «تركيا - إيران».. الثانى، اتجاه مساعى إدارة ترامب لتشكيل قوة عربية دورها الحلول بديلا عن الوحدات الأمريكية أو الغربية، دول حلف شمال الأطلسى «الناتو»، على غرار قوات التحالف العربى، وفى كلا الحالتين لن تكون سياسة التوازن الروسى مع كل الأطراف وفقا لمصالحها بعيدا عن هذه الترتيبات الجديدة، هذا الملف بالتأكيد من العبث أن يترك بيد القرار الأمريكى فقط، خصوصا عند وضع القوات العربية أمام تحد تفوق مخاطره كثيرا الحروب التقليدية بين الجيوش، مع ميليشيات وتنظيمات تعتنق ولاءات بعيدة عن الانتماء للوطن.
انخراط قوات الجيش المصرى الوطنى فى تأمين الحدود الغربية والجنوبية والشمالية من محاولات تربص التنظيمات الإرهابية واجتثاث بقايا عناصرها من سيناء، لم يُثنى القيادة السياسية والرئيس السيسى، عن التأكيد مرارا على حرص مصر على الدفاع عن الأمن القومى العربى، لكن فى إطار منظومة عربية، وليس وفق ترتيبات أو ضغوط أمريكية، بالإضافة إلى اضطلاع قوات السعودية والإمارات فى الدفاع عن التهديدات الموجهة إلى حدودها الجنوبية من ميليشيات الحوثى المدعومة من إيران، هذا الواقع يفرض حسابات دقيقة قبل تشكيل قوة عربية جديدة تتواجد فى سوريا، ليبيا، أو حتى العراق، وفق استراتيجية أمنية ناجحة.
التحدى الأمنى الآخر أمام أى قوة عربية، أن دفاعها عن الأراضى المحررة من التنظيمات الإرهابية سيصطدم بمواجهة هذه الميليشيات سواء كانت طائفية أو عرقية أو دينية، فى ليبيا أسفر التشابك بين المصالح القبلية وصراعات الميليشيات الإرهابية التى يقترب عددها من 300 فصيل، أغلبها مؤيد لجماعة الإخوان فى ليبيا، عن تعقيد أجواء الفوضى التى تعيق إعادة كيان الدولة الليبية، فى ظل تناحر محموم بين الأحزاب السياسية والجماعات المسلحة على توزيع الثروات والسلطة.
تفكك وهشاشة سلطة الدولة المركزية فى العراق بعد الغزو الأمريكى، خلق دور العشائر والميليشيات التى باتت دولة داخل الدولة، تجاوز نفوذها السلطات القانونية والدستورية، وغلب الانتماء العام إليها على الانتماء للوطن والدولة، حتى فرضت هذه القوى أعرافها وتقاليدها كبديل للدولة الغائبة التى لا تملك حتى مراجعة تسليح هذه العشائر والميليشيات، رغم امتلاك البعض منها لنوعية الأسلحة الثقيلة، خريطة الميليشيات فى سوريا أيضا بالغة التعقيد، بين قوات الحرس الثورى الإيرانى، حزب الله وغيرها من الفصائل التابعة لإيران سواء قدمت من لبنان أو العراق أو أفغانستان، «الجيش الحر» الفصيل الإسلامى المعارض، جبهة «فتح الشام»، «الجهادية السلفية»، «قوات سوريا الديمقراطية» من المقاتلين الأكراد.
وجود قوة عسكرية عربية فى مواجهة غير تقليدية مع ميليشيات تتبنى تكتيك حرب العصابات، إذ حتى تطهير المناطق من تواجدها لا يقطع الطريق على قدرة عناصرها المنفردة على ارتكاب مختلف الأعمال الإرهابية، أو الانتحارية. مهمة حفظ السلام فى حد ذاتها لا تشكل حلا جذريا تحديدا فى أجواء الصراع المسلح بين هذه القبائل والميليشيات على النفوذ، خصوصا أن أمريكا وبعض دول الغرب انحازت منذ سقوط بعض الأنظمة العربية إلى توريد الأسلحة الثقيلة إلى مختلف التنظيمات الإرهابية، «القاعدة، جماعة الإخوان المسلمين، وداعش»، ما يؤدى إلى تعطيل عودة الاستقرار وإعادة تشكيل كيان هذه الدول، وهو مسعى لا يقتصر تحقيقه على الحلول الأمنية، إذ ستبقى إشكالية صراع القبائل والميليشيات عائقا أمام إعادة قيام أى دولة ما لم تعالج أسباب تواجدها من خلال تضافر الحلول الأمنية مع الحلول السياسية.