الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

السيرة الهلالية.. ملحمة العرب التي خلدها "الأبنودي"

عبدالرحمن الأبنودي
عبدالرحمن الأبنودي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعد الملف: محمد لطفى وياسر الغبيرى وأحمد صوان وأميرة عبدالحكيم ومحمود عبدالله تهامي
تصوير: هشام محيى ومحمود أمين

بدأ فى جمعها مدة ثلاثين عامًا عقب هزيمة 67.. تقصى فيها فصولها من أفواه المنشدين والحكائين العرب تعلق فى طفولته بصوت «الحكواتى» فى الموالد وهو يروى فصولها غير المكتوبة.
يتداول الفلاحون فى قرية أبنود، مسقط رأس الخال عبدالرحمن الأبنودي، الذى نال لقبه من اسمها، حكاية عن «طاحونة قديمة» تقع على مقربة مما صار يُعرف الآن بـ«متحف السيرة الهلالية»، قيل إن «الخال» كان يجلس بها، وذكرت بعض الحكايات- نقلا عمن قيل إنهم كانوا مقربين منه- أن هذه الطاحونة شهدت العديد من الكتابات الشعرية؛ إلا أن هذه الطاحونة مهجورة ولم يقم أحد بزيارتها نهائيًا.
تُرى.. هل شهدت الطاحونة بداية تعلقه بالسيرة الهلالية؟ 
جاءت سيرة «بنى هلال» كملحمة متكاملة، لا تقل عن البطولات الأسطورية التى سجلها هوميروس لأبطال الإغريق، حاول العرب من خلالها الحفاظ على القيم العليا والمثل؛ إضافة إلى المتناقضات من الحب والنذالة والتبلد والتضحية، كأنها الحكاية التى حاولت توحيد العرب تحت راية عروبة واحدة. 
الحكاية تزيد على المليون بيت شعري، فى بعض الروايات، لتخرج فى النهاية عملًا تتجلى فيه الحكمة الشعبية العربية، فى تجل درامى من أجمل وأكمل ما عرفته البشرية من ملاحم، كان جوهر هذه الحكاية، هو زحف قبائل بنى هلال، فى منتصف القرن الحادى عشر الميلادي، من «هضبة نجد» بعدما جفت مياهها، ليستقروا فى تونس بحثًا عن حياة أفضل، وكان عددهم نحو ٣٦٠ ألف مقاتل، ونقل الأبنودى عن «ابن خلدون» أن القبائل زحفت إلى مصر فى عهد الخليفة الفاطمى المستنصر بالله نتيجة للجدب.
كانت ساحات الموالد فى طفولة «الخال» قد اشتهرت بصوت «الحكواتي» الذى كان يتحرك بصندوقه الخشبى العتيق، وهو يروى بعض فصول السيرة الهلالية، وقتها تعلق الطفل عبد الرحمن، بتلك السيرة المحكية، غير المكتوبة، كان يكبر ويزيد افتتانه بعالم شعراء الربابة والغوازي، فى موالد عبدالرحيم القناوي، وهو يبحث عنها فى كل مكان فلا يجد سوى من يرويها، وكان يستمع إلى فصول مختلفة من السيرة التى اعتبرها البعض مجرد ترديد لمحفوظات من التراث الشعبى فقط، وكان البعض الآخر، يرى هؤلاء «الرواة» أشبه بالغجر الذين ظهروا فى عالم جابرييل جارسيا ماركيز، عندما كتب روايته الأشهر «مائة عام من العزلة» عبر حكاياتهم التى لا تنتهي.
بدأت رحلة الشاعر الكبير فى جمع «السيرة الهلالية» فى أعقاب هزيمة يونيو ١٩٦٧ المعروفة بـ«النكسة»، واستغرقت منه، ثلاثين عامًا، حاول من خلالها تقصى السيرة الهلالية فى أفواه المنشدين والحكائين العرب، ليتمكن من رصدها ونقلها من الذاكرة الشفهية الآخذة فى الاضمحلال، إلى اللغة المدونة والمكتوبة، حفاظًا عليها من الاندثار؛ تنوعت الرحلة ما بين السودان والجزائر وليبيا، بالإضافة إلى حدود تشاد والنيجر ثم إلى تونس الخضراء.