الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الهلالية والنكسة.. والأبنودي

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بدأت رحلة الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي، فى جمع السيرة الهلالية عقب النكسة مباشرة، وربما ساعده فى ذلك أيضا افتتانه بعالم شعراء الربابة والغوازى فى موالد عبدالرحيم القناوي.. قال لي: إن التوقيت الذى كتب فيه السيرة الهلالية استهدف إحياء الأمل فى نفوس العرب بعد الهزيمة من إسرائيل.. أبوزيد الهلالى تجسيد لصورة البطل الذى يرمز إلى عبدالناصر.. وأنه فى نهاية رحلة العذاب وخيانة الأصدقاء مثل دياب بن غانم استطاع الانتصار على الزناتى خليفة أقوى ملوك المنطقة وأغناهم، رغم أن أبوزيد جاء لمنازلته، وهو خائر القوى ومهدود الحيل من كثرة ما خاض من معارك ومؤامرات.
كان «الأبنودي» يستمع إلى فصول مختلفة من السيرة الهلالية، من باب ترديد المحفوظات فقط، كان هؤلاء أشبه بغجر ماركيز فى مائة عام من العزلة وحكاياتهم التى لا تنتهي، إنها الرحلة التى استغرقت ثلاثين عاما حاول من خلالها «الأبنودي» تقصى السيرة الهلالية فى أفواه المنشدين والحكائين العرب.
يونس فى بلاد الشوق «آه يا ولد الهلالي» بتونسنى دموع العين وأنا سايب أهالي، كان «الأبنودي» من أشد المعجبين باستلهام التراث الشعبى للحياة المصرية، فدأب على جمعه، رحلة طويلة جاب خلالها الخال ربوع الوطن العربى كى يجمع هذا الإرث الضخم من سيرة بنى هلال.
تنوعت الرحلة ما بين السودان والجزائر وليبيا، بالإضافة إلى حدود تشاد والنيجر ثم إلى تونس الخضراء.
يُعدّ الشيخ جابر أبو حسين أحد أقطاب السيرة الهلالية، إنه شيخ الشيوخ، ثلاث سنوات من الحكى فى سوهاج حتى تمكن «الأبنودي» من حفظ هذا التراث فى صندوقه الخاص.
أما البطل الآخر فى الحكاية كما يروى الصحفى محمد توفيق فى كتابه الشيق الخال (منشورات دار المصرى - ٢٠١٣)، فكان الحاج الضوى الذى تعرف «الأبنودي» عليه فى إحدى المقاهى الريفية الخالية من الزبائن.
وكذلك هناك أبو عنتر واسمه الحقيقى سيد غشيمة الذى يدور على حماره ويقبض على ربابته منشدا أجزاء من السيرة الهلالية، إنها سيرة متكاملة حاول العرب من خلالها الحفاظ على القيم العليا والمثل، إضافة إلى المتناقضات من الحب والنذالة والتبلد والتضحية، كأنها الحكاية التى حاولت توحيد العرب تحت راية عروبة واحدة.
ويظل جوهر الحكاية هو زحف قبائل هلال فى منتصف القرن الحادى عشر الميلادى من هضبة نجد بعدما جفت ليستقروا فى تونس، وكان عددهم ٣٦٠ ألف مقاتل بحثًا عن حياة أفضل، لكن ابن خلدون رأى، بحسب «الأبنودي»، أن القبائل زحفت إلى مصر فى عهد الخليفة الفاطمى المستنصر بالله نتيجة للجدب.
كان لـ «الأبنودي» رؤية خاصة فى الحفاظ على هذا الإرث الشفاهى الذى يوزن بميزان ذهب، وربما يعادل مليون بيت للشعر، إنها دراما تتدرج فى انفعالها وتصوريها للأحداث، وهى ليست على وتيرة واحدة كما يظن البعض أنها تمجد أبوزيد الهلالي.