أثارت التصريحات التى أعلنها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى ٢٩ مارس ٢٠١٨م، العديد من التساؤلات حول مستقبل الوجود الأمريكى فى سوريا وما يترتب عليه حال غياب هذا الدور، فى ظل وجود العديد من الفرضيات المتعلقة بأن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا سيفسح مجالا واسعا لتركيا وروسيا وإيران لإعلان انتصارها على الولايات المتحدة.
وبالرغم من تصريحات ترامب اعتزامه انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، إلا أنه تبع ذلك تصعيد جديد من جانبه تجاه النظام السورى وحلفائه، ففى ٨ أبريل ٢٠١٨م هاجم الرئيس الأمريكى ترامب بشدة روسيا وإيران وسوريا فى أعقاب ما يشتبه بأنه هجوم كيميائى فى مدينة دوما بالغوطة الشرقية، وهدد ترامب بـأن سوريا ستدفع ثمنا باهظا للهجوم بالأسلحة الكيميائية على المدنيين فى سوريا مع تصاعد احتمالية توجيه ضربة عسكرية لمواقع النظام السورى.
الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية أقدمت فى شهر مارس ٢٠١٧م على نشر قوات وآليات عسكرية لها فى مدينة منبج السورية شمال شرق حلب، الخاضعة لسيطرة مجلس منبج العسكري، التابع لقوات سوريا الديمقراطية الحليف الأبرز لواشنطن فى سوريا.
إن الوجود الأمريكى فى سوريا يتشابك مع الكثير من الملفات هناك خاصة فيما يتعلق بمواجهة تنظيم داعش وكذلك دعم حلفائها من الأكراد والمعارضة المسلحة، ومن قبل ركزت الاستراتيجية الأمريكية جهودها فى سوريا نهاية أكتوبر ٢٠١٥م، على تقديم الدعم اللوجستى للقوات الحليفة سواء الكردية أو قوات المعارضة المسلحة بإمدادات عسكرية أو معلومات استخباراتية وقصف مدفعى أو إسناد جوى من طائرات التحالف الدولى الذى تقوده الولايات المتحدة؛ وهى ذات الاستراتيجية التى اتبعتها القوات الأمريكية فى معارك استعادة المدن فى العراق.
أمريكا والحضور فى سوريا
كان للحضور الأمريكى فى سوريا العديد من المهام والأهداف، سواء على المستوى الأمريكى أو على مستوى التحالف الدولى والقوات الحليفة لها من داخل سوريا كالقوات الكردية أو فصائل المعارضة المعتدلة المسلحة، وتقديم كافة سبل الدعم والإمداد، ويمكن إجمال أهداف الولايات المتحدة داخل سوريا كما يلى:
١) مشاركة التحالف الدولى فى القيام بالعمليات القتالية ضد المجموعات الإرهابية، إضافة إلى تقديم الدعم العسكرى والإمداد والتموين، كما تمتلك الولايات المتحدة العديد من القواعد العسكرية فى سوريا منها (قاعدة المبروكة، مطار روباريا، تل بيدر، تل أبيض، والجلبية)، وتضطلع القواعد الأمريكية بالعديد من المهام أبرزها قطع الطريق عن إيران من إنشاء خط تواصل بين العراق وسوريا وخاصة المجموعات الشيعية.
٢) التوازن العسكرى مع العديد من القوى المنخرطة فى الصراع داخل سوريا، خاصة التواجد الروسى، والعمل على موازنة هذا الدور، خاصة فى ظل امتلاك روسيا العديد من القواعد العسكرية فى ميناء طرطوس وقاعدة حميميم عوضًا عن القاعدة الجوية الدائمة فى اللاذقية.
٣) دعم القوات الكردية فى مواجهة التنظيمات الإرهابية المسلحة، وإيجاد حلفاء جدد على الأرض، ومواجهة النظام السورى من خلال دعم فصائل مناوئة له وتقديم كافة الدعم اللوجستى والعسكرى، عوضا عن الإشراف والتوجيه للقوات الموالية لها، وخاصة قوات سوريا الديمقراطية، فى معركتها مع تنظيم داعش.
إن التواجد العسكرى والحضور الأمريكى فى سوريا يخدم الاستراتيجية الأمريكية فى المنطقة بشكل عام خاصة فى ظل توتر العلاقات التركية الأمريكية فى ظل الدعم الأمريكى للقوات الكردية المصنفة فى داخل تركيا على أنها إرهابية، خاصة أن الولايات المتحدة تحاول أن تخلق بديلًا احتياطيًا عن قاعدة أنجرليك التركية التى تستخدم كمنصة انطلاق العمليات ضد التنظيمات الإرهابية.
انسحاب أم إعادة تقييم للدور؟
وفق تصريحات البيت الأبيض على لسان المتحدثة باسم البيت الأبيض «سارة ساندرز»، أن إعلان الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب»، جاء على خلفية خسارة داعش لما يقارب ٩٨٪ من الأراضى التى كانت تسيطر عليها فى سوريا، يذكر أن هذا الإعلان جاء من دون أن يشير إلى أى جدول زمنى محتمل لانسحاب القوات الأمريكية، إلا أنه يقيّم الوضع من منظار الفوز بالمعركة والتأكيد على الانتصار، أى إعلان نهاية المهمة فى سوريا؛ المهمة التى كان يقرر مدة استمرارها ما هو أهم من قتال داعش.
وتابع ترامب فى كلمةٍ له فى أوهايو «أنفقنا ٧ تريليونات دولار فى الشرق الأوسط ولم نجنِ شيئًا»، مضيفًا أن بلدنا الآن يبدو فى كثير من الحالات كأنه بلد من العالم الثالث، وأنه لأمر محرج، وأن انسحاب القوات الأمريكية يوفر الكثير علينا وعلى الحلفاء من خوض معارك طاحنة تستجذب المزيد من الأطراف الدولية لتلك المعارك، ما يلقى بدوره على عملية توفير التكاليف المادية والبشرية.
وعلى خلفية هذا الإعلان أصدر الرئيس الأمريكى ترامب أمرا لوزارة الخارجية بتجميد أكثر من ٢٠٠ مليون دولار من الأموال المخصصة لجهود التعافى فى سوريا مع قيام إدارته بإعادة تقييم دور واشنطن فى الحرب الدائرة هناك منذ فترة طويلة، بعد أن تعهد «ريكس تيلرسون» وزير الخارجية الذى سيغادر منصبه فى مايو ٢٠١٨م، بمؤتمر بالكويت للتحالف ضد داعش فى فبراير من نفس العام، وذلك لتحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار فى المناطق التى تمت استعادتها من تنظيم داعش.
ولعل هذا القرار المفاجئ جاء على خلفية زيارة ولى العهد السعودى محمد بن سلمان وما تبعه من توقيع صفقات متعلقة بالتسليح، ووفق إعلان ترامب فإنه طالب السعودية بتحمل تكاليف الوجود الأمريكى فى سوريا فى حال أرادت ذلك، وهو ما يفسر على أنه نوع من الابتزاز وحتى المساومة على من يدفع أكثر، وإذا ما وجد أن هناك من يمول فلن يتردد فى مسح تصريحاته ومواقفه، فى إشارة منه إلى التركيز على نقل المسئوليات إلى القوات المحلية لضمان عدم عودة ظهور تنظيم داعش مجددا، فى حين أعلن ولى العهد السعودى محمد بن سلمان عن تمنيه من الرئيس الأمريكى إعادة النظر بقرار الانسحاب القريب من سوريا.
وعلى العكس من ذلك يمكن أن يكون للولايات المتحدة دور جديد فى سوريا، يتمثل فى إعادة تقييم هذا الدور فى ظل التصعيد الأمريكى تجاه النظام السورى وحلفائه، خاصة بعد اتهام المجتمع الدولى النظام السورى بالتورط فى هجمات كيميائية فى دوما، والتى قد تتسبب فى انخراط وحضور أقوى من ذى قبل.
أمريكا تتفرغ للملف النووى الإيرانى
إن انسحاب واشنطن من سوريا، لم يمكن فصله عن إعلان واشنطن نيتها الانسحاب من الاتفاق النووى والمفترض أن يستمر حتى العام ٢٠٢٥م، وهو ما يبعث بالقول على نية واشنطن تصعيد الموقف الأمريكى تجاه طهران، أو الإيصال برسائل فحواها أن إلغاء التفاهم النووى قد يصاحبه توجيه ضربة عسكرية أمريكية لإيران، وأن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا مؤشر على تأمين القوات الأمريكية خارج توقعات الاستهداف من قبل إيران وحلفائها فى المنطقة، وتعتبر القوات العسكرية الأمريكية فى المنطقة هى أكثر نقاط الضعف للمصالح الأمريكية فى مواجهة إيران.
على الجانب الآخر، نجد إيران تسعى إلى فرض هيمنتها فى الشرق الأوسط ومواجهة حلفاء الولايات المتحدة بما فيها إسرائيل. ونظرا لأن سوريا بلد مشحون بالاضطرابات ويشترك فى الحدود مع إسرائيل، فهى تتيح فرصة مهمة لإيران التى تحرص على استغلالها، خاصة بعد إعلان نيتها سحب قواتها من هناك.
كما أن القوات الأمريكية الموجودة فى سوريا والمقدر عددها بــ٢٠٠٠ جندى، لم تحصل على الموافقة من النظام السورى الحالى، وهو ما يلقى بظلاله على أن الوجود العسكرى الأمريكى يختلف كثيرا عن الوجود العسكرى الروسى والإيرانى، خاصة أن الوجود العسكرى الأمريكى لا يستند إلى أى قانون دولي.
روسيا والفرصة الذهبية
جاء إعلان أمين مجلس الأمن القومى الروسى «نيكولاى باتروشيف» فى ٣٠ نوفمبر ٢٠١٧م، اعتزام موسكو سحب قواتها العسكرية من سوريا، إلا أن قرار البيت الأبيض المتعلق بسحب القوات الأمريكية يمثل نقطة فارقة فى إعادة التمدد الروسى أكثر شيئا فشيئا.
وعلى الرغم من هذه التصريحات، إلا أنه فى المقابل، شهدت مشاركة الروس فى العمليات العسكرية ارتفاعا كبيرا، وأن النجاحات التى حققتها القوات الجوية الفضائية الروسية فى سوريا، أثبتت للعالم كله ما يتميز به الجيش الروسى اليوم من قدرة قتالية عالية وكفاءة ممتازة بالإضافة إلى الإمكانيات التقنية لأسلحته ومعداته العسكرية، هذه الأمور مجتمعة قد تكون من شأنها زيادة الحضور الروسى فى سوريا بل وتصعيد دوره ليس فقط فى مواجهة الولايات المتحدة بل أيضا فيما يتعلق بمواجهة الحلفاء الأوروبيين.
تأتى هذه الفرصة من إمكانية وجود صفقة من خلالها قد تبتعد روسيا عن إيران لكسب حضور أقوى على الساحة السورية، إلا أن روسيا إن لم تتمكن من استغلال تلك الفرصة، ستتحول روسيا إلى الانخراط فى مستنقع استنزاف.
مستقبل التواجد الأمريكى فى سوريا
على الرغم من إدراك الولايات المتحدة أن تنظيم داعش والمجموعات المسلحة القريبة منه لم يختفوا بشكل نهائى قد يكتب نهاية فصل من فصول تهديداتهم للمصالح الأمريكية، ما قد يدفع إلى مواجهة محتملة بين هذه العناصر المتطرفة، حيث يشكل التواجد الأمريكى فى سوريا ضمانة ضد مواصلة تنظيم داعش نشاطاته أو إعادة هيكلية للتنظيم بما يتناسب مع الظروف الحالية.
إن تصريحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ألقت الضوء مجددًا على مستقبل الاستراتيجية الأمريكية فى سوريا، كقاعدة للانطلاق فى منطقة الشرق الأوسط، بيد أن هذه التصريحات بتأثيراتها على حدود الدور الجديد لها وآليات تحركها، خاصة فى ظل انخراطها فى العديد من الملفات الشائكة فى المنطقة والملف السورى فى مقدمة هذه الملفات.
كما أن تطور الموقف حيال الوضع فى سوريا، قد يدفع العديد من الدول الأخرى كتركيا إلى جانب روسيا، فى زيادة حضورها فى مواجهة الأكراد المصنفين كمنظمة إرهابية فى تركيا والحليف الأكبر للولايات المتحدة، حيث قامت تركيا بتنفيذ عملية غصن الزيتون فى ٢٠ يناير ٢٠١٨م، التى كانت امتدادا لعملية درع الفرات التى أطلقها الجيش التركى فى ٢٤ أغسطس ٢٠١٦م.
إن انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من سوريا قد يكون بمثابة الفرصة الذهبية للعديد من القوى الإقليمية والدولية الأخرى التى تسعى لتعظيم حضورها هناك، ما يعنى أن هناك تراجعا فى الدور الأمريكى لصالح قوى إقليمة ودولية أخرى.
واشنطن تتوعد بهجوم خلال يومين
بدأت الولايات المتحدة الأمريكية فى استعراض القوة العسكرية على الحدود العسكرية بعدما، لوح الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بتوجيه ضربة عسكرية واتهم فى وقت سابق كلا من روسيا وإيران بدعم الرئيس السورى بشار الأسد، على خلفية المزاعم عن وقوع هجوم كيميائى فى مدينة دوما بالغوطة الشرقية أسفر عن مقتل ٤٠ شخصا.
وصرح ترامب بأنه توجد لدى واشنطن خيارات عسكرية عديدة للرد على الهجوم الكيميائى المزعوم فى سوريا، وأفاد أمس الاثنين أنه سيتخذ قرارا حول الرد الأمريكى بهذا الصدد خلال يوم أو يومين، وتوعد بمعاقبة المسئولين عن الهجوم، ولم يستبعد مسئولية الرئيس الروسى فلاديمير بوتين عنه.
وهرعت المدمرات الأمريكية إلى البحر المتوسط فى انتظار إشارة الضرب الفعلى حيث أفادت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن مدمرة أمريكية ثانية قد تدخل البحر المتوسط فى الأيام القريبة القادمة، وذلك بالإضافة إلى المدمرة «USS Donald Cook» الموجودة حاليا فى المتوسط.
ونقلت الصحيفة عن مسئولين أمريكيين فى مجال الدفاع انه «توجد شرق البحر المتوسط مدمرة «USS Donald Cook» الصاروخية، ويمكنها المشاركة فى أى ضربة على سوريا، ومن المفروض أن تصل مدمرة «USS Porter» إلى هذه المنطقة بعد عدة أيام».
من جانبها أكدت مندوبة أمريكا لدى الأمم المتحدة أن بلادها ستشن ضربة عسكرية على سوريا سواء أقر مجلس الأمن بأن الحكومة السورية استخدمت الكيماوى أو لم يقر.
وأضافت فى جلسة مجلس الأمن أن واشنطن إلى الآن لم تتمكن من الحصول على أى دليل بشأن استخدام الكيماوى فى سوريا.
وفى السياق ذاته كشفت وكالة «رويترز»، نقلًا عن مسئولين أمريكيين رفضوا الكشف عن هويتهم، أن أمريكا تدرس ضربة عسكرية جماعية على سوريا، لافتين إلى أن فرنسا وربما بريطانيا وحلفاء فى الشرق الأوسط يعتبرون شركاء محتملين فى أى عملية عسكرية أمريكية، مشيرين إلى أن الضربات يمكن أن تستهدف قاعدة الضمير الجوية، التى توجد بها الطائرات الهليكوبتر السورية من طراز مي-٨، كما لفت الخبراء إلى احتمال استهداف قاعدة حميميم الجوية فى شمال غرب سوريا التى تتواجد بها القوات الروسية بضربة أكثر قوة، ما يسبب مواجهة مباشرة بين روسيا وأمريكا فى سوريا، حيث هددت موسكو سابقًا واشنطن أنها فى حال تسببت الأخيرة بقتل أى جندى روسى فهذا سيكلفها الكثير.
ويأتى هذا الاستنفار الأمريكى وتوجيه الاتهامات التى لم تتمكن إلى الآن من إثبات صحتها، مع انسحاب فصائل المعارضة من الغوطة الشرقية بشكل كامل، واعتراف الدول بضرورة بقاء الرئيس السورى بشار الأسد فى الحكم.
كواليس الضربة المحتملة
ويتوقع الخبراء العسكريون أن تركز الضربات الانتقامية إذا حدثت، على منشآت مرتبطة بما ورد فى تقارير سابقة عن هجمات بالأسلحة الكيماوية فى سوريا، وأشاروا إلى ضربات محتملة لقواعد تشمل قاعدة الضمير الجوية، التى توجد بها الطائرات الهليكوبتر السورية من طراز مي-٨ والتى ربطتها وسائل التواصل الاجتماعى بالضربة فى دوما. وقد تستهدف ضربة أكثر قوة قاعدة حميميم الجوية فى شمال غرب سوريا، والتى حدد البيت الأبيض فى بيان فى الرابع من مارس أنها نقطة انطلاق لمهام القصف التى تنفذها الطائرات العسكرية الروسية فى دمشق والغوطة الشرقية.
وقال دبلوماسيون إن الولايات المتحدة تعتزم الدعوة إلى تصويت فى مجلس الأمن الدولى أمس الثلاثاء بشأن مقترح لإجراء تحقيق جديد بشأن المسئولية عن استخدام الأسلحة الكيماوية فى سوريا.
وقالت منظمة إغاثة سورية إن الهجوم الذى يُشتبه أنه كان بالأسلحة الكيماوية ووقع فى ساعة متأخرة من مساء السبت أسفر عن مقتل ما لا يقل عن ٦٠ شخصا وإصابة أكثر من ألف آخرين فى عدة أماكن بمدينة دوما الواقعة قرب العاصمة دمشق.