الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

سياسة

"السلفية والصوفية".. معارك الإسلام "الخاسرة" بين التكفير والتحريم

 الشيخ علاء ماضى
الشيخ علاء ماضى أبو العزائم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بين الحين والآخر، تتجدد المعارك الكلامية، والفتاوى الدينية، ما بين التحريم والتجريم والتكفير تارة أخري، بين مشايخ الدعوة السلفية وقياداتها، وبين أنصار وأبناء الطرق الصوفية ومشايخها، فى حرب فتاوى ومعارك، الخاسر الوحيد فيها، هو الدين الإسلامى الحنيف، ووسطيته، مؤخرا تجدد الخلاف بين الفريقين، عقب تصريحات، الشيخ علاء ماضى أبو العزائم، شيخ الطريقة العزمية، رئيس الاتحاد العالمى للطرق الصوفية، التى أثارت جدلا واسعا، بين أنصار كل فريق، وجددت الحرب الكلامية بينهما.

كان «أبو العزائم» قد أدلى بتصريحات صحفية، قال فيها إن بعض التيارات السلفية تتعمد تكفير الصوفية، وبث الشائعات وعرضهم اقتراحات مثيرة للجدل من جانبهم، بغرض إفساد، احتفالات الصوفية بموالد، أولياء الله الصالحين، وآل بيت «الرسول» الكريم، المنتشرة مساجدهم وأضرحتهم بمصر. 
فالعبارات والجمل التى يرددها المتصوفة مثل «التصوف متعة تزكية النفوس، والمتصوفة هم حضرة الملوك، حديثهم تزكية للنفس وصفاء القلوب، وإصلاح للأخلاق، والصحابة والتابعون كانوا صوفيين فعلًا واسمًا، يعيشون لربهم، ملازمين للزهد والعبودية والإقبال على الله بالروح والقلب معًا»، كفيلة بإخراجك من الدين والدنيا معا، لو نطقت بها أمام أبناء الدعوة السلفية.
كما يروج «السلفيون» إلى أن عددا من كبار المتصوفة، أمثال، الصيرفى، والغزالي، والزجاجي، والنساج، والقصار، والوراق، والخراز، والحلاج، ومن بعدهم المريدين، هم أصحاب بدع وشركيات ومنكرات ترتكب، جهارا نهارا باسم التصوف وباسم الأولياء، وباسم المرجعية وباسم الهوية، وتخالف الدين بل وتحاربه أيضا، بأن جعلت الشرك مكان التوحيد، والبدعة مكان السنة، والمنكر مكان المعروف، وحولت الناس إلى الجهل والخرافة، مما يخرج المنتمين للطرق الصوفية من الإيمان للكفر، وبالتالى يستحل أعراضهم وأموالهم ودماءهم.
حيث يقوم «السلفية» بتقسيم «الصوفية» إلى ثلاث طبقات: الأولي، يغلب على أكثرهم الاستقامة فى العقيدة، والإكثار من دعاوى التزام السنة ونهج السلف، ومن أشهر رموز هذا التيار، أبو القاسم الخراز المعروف بـ«الجنيد»، ويلقبه الصوفية بـ«سيد الطائفة»، ومن أهم سماتهم كثرة الوعظ، والقصص مع قلة العلم والفقه والتحذير من تحصيلهما فى الوقت الذى اقتدى أكثرهم بسلوكيات رهبان ونساك أهل الكتاب حيث حدث الالتقاء ببعضهم.
مما زاد فى البُعد عن سمات الصحابة وأئمة التابعين، ونتج عن ذلك اتخاذ دور للعبادة غير المساجد، يلتقون فيها للاستماع للقصائد الزهدية أو قصائد ظاهرها الغزل بقصد مدح النبى الكريم، مما سبب العداء الشديد بينهم وبين السلف، كما ظهرت فيهم ادعاءات الكشف والخوارق.

أما الطبقة الثانية، فهى التى خلطت الزهد بعبارات الباطنية، وانتقل فيها الزهد من الممارسة العملية والسلوك التطبيقى إلى مستوى التأمل التجريدى والكلام النظري، ولذلك ظهر فى كلامهم مصطلحات: «الوحدة، والفناء، والاتحاد، والحلول، والسكر، والصحو، والكشف، والبقاء، والمريد، والعارف، والأحوال، والمقامات»، وشاع بينهم التفرقة بين الشريعة والحقيقة، وتسمية أنفسهم أرباب الحقائق وأهل الباطن، وسموا غيرهم من الفقهاء أهل الظاهر والرسوم، وغير ذلك مما كان غير معروف عند السلف الصالح من أصحاب القرون المفضلة ولا عند الطبقة الأولى من المنتسبين إلى الصوفية، ومن أهم أعلام هذه الطبقة، أبو اليزيد البسطامي، ذو النون المصري، الحلاج، الترمذي.
والطبقة الثالثة، فيها اختلط التصوف بالفلسفة اليونانية، وظهرت أفكار الحلول والاتحاد ووحدة الوجود موافقة لقول الفلاسفة، كما أثرت فى ظهور نظريات الفيض والإشراق على يد الغزالى والسهروردي، ويعتبر «السلفيون» هذه الطبقة من أخطر الطبقات والمراحل التى مر بها التصوف، والتى تعدت مرحلة البدع العملية، إلى البدع العلمية، التى بها يخرج التصوف عن الإسلام بالكلية، ومن أشهر رموز هذه الطبقة، السهروردي، ابن عربي، ابن الفارض، وابن سبعين.
هذا التقسيم جعل «السلفيين» ينظرون إلى «الصوفية» و«التصوف»، بازدراء بل ويصل الأمر إلى التكفير والقتل، كما حدث فى العديد من الوقائع، وآخرها حادث مسجد «الروضة» فى شبه جزيرة سيناء، وهو الذى يدفعنا إلى التساؤل عن أسباب هذا العداء بين فصيلين كلاهما يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
ولفهم هذا العداء يجب أن نتعرف على الاتهامات التى يوجهها السلفيون للصوفية، والتى يأتى فى مقدمتها «التقية»، فالسلفيون يعتبرون «الصوفية» تمارس «التقية الشيعية» وأنها مجرد «مخرج» من مخرجات التشيع، وأن فكرهم يعتمد على الكذب على الخصوم وعدم الرغبة فى الحوار والمصارعة بالألفاظ بعيدًا عن الحجة بالدليل والبرهان كالكتاب والسنة.
كما يتهم أصحاب الفكر السلفى دائما، أهل التصوف بـ«الخنوع» و«الجبن» تحت دعوى التكيف والعيش فى مجتمع مدني، وأنهم لا يبغون التسيد على المشهد السياسى والاجتماعى على خلاف التيار السلفى، الذى يسعون بشكل دائم إلى تكريس خطابهم وإعلاء كلمة «السلفية» التى يجب أن تنازع الملك فى السيطرة على قلوب وعقول المواطنين.
كما يعتبر السلفيون أن حياة التصوف لا تليق بالمسلم الحق الذى يجب أن يكون عالى الهمة وليس ذليلا وضعيفا وزاهدا فى الحياة، ويعيش داخل المجتمع يعانى الانطواء والاستبعاد الاجتماعي، وكراهية الحياة، وحب الخمول والكسل حتى يصل إلى التسول.
ويعتبر السلفيون «الصوفية» وأنصارهم قوة كبيرة معطلة، ويريدون استغلالها أو القضاء عليها حتى يحتلوا المشهد الدينى وحدهم، ليتفرغوا لمواجهة الدولة وتحقيق أهدافهم السياسية، وهو ما حدث فى عهد المعزول محمد مرسى. 
الصراع بين السلفية والصوفية لا يقف عند القضايا الفقهية العقائدية، بل كلا الطرفين يسعى كل منهما لاستقطاب أكبر عدد من الأتباع، ويرى كل طرف منهما أن لديه القوة لابتلاع الآخر وإلغائه وإنهاء وجوده إلى الأبد من خلال تكثيف الدعوة ومحاولة اجتذاب أتباع جدد.
فالسلفية والصوفية لديهم إحساس بالاصطفاء، فالسلفيون يعتبرون أفكارهم ومنهجهم الدعويّ، قائم على صحيح الدعوة الإسلامية ويركزون على إطلاق اللحى وتقصير الثوب للرجال ولبس النقاب للسيدات، وهو الأمر الذى يراه الصوفيون أنه تركيز على الشكل والمظهر دون الجوهر، وأن السلفية هى شكل بلا روح، وأنهم جماعات متشددة ومتجهمة تحتفل وتحتفى بالطقوس على حساب الحقيقة الدينية، وتتعامل مع الإسلام بشكل لا يقوم على الحب بقدر ما يقوم على المنفعة، كما يتهم الصوفية السلفيين بأنهم مصابون بمرض التعالى على المجتمع الذى يعيشون فيه ولديهم شعور زائف.
وهناك خلاف محتدم بين السلفية والصوفية لم يتوقف حول «ابن تيمية» الذى انتقد الصوفية، وما سماها بـ«البدع»، وشن عليهم حملة شعواء لاهوادة فيها، واتهمهم بالتآمر مع التتار، فى إسقاط الخلافة العباسية، وهو ما رد عليه الصوفية بتأليب الناس ضده واتهام أتباعه بالتطرف، واتهامه بالنصب والنفاق. 
وفيما يتعلق بإثبات صفة الله، اعتمدت الصوفية على العقل فى تأويل الآيات القرآنية التى تفيد التشبيه والتجسيم وغيرها من الصفات التى لم يروها تليق بذات الله، وهو ما يرفضه السلفيون رفضا قاطعا، ونتيجة لموقف هؤلاء القاطع من عملية التأويل التى مارسها المتصوفة، يناصبونهم العداء، ويهاجمون ممارساتهم وطقوسهم وحتى عقائدهم، بل ويعتبرها بعضهم من تلابيس إبليس، وهو ما يعنى عدم وجود أى مساحة مشتركة للتلاقى مع المتصوفة. 
دائما ما يتهم «السلفية» أتباع الطرق الصوفية، بممارسة الشرك الخفي، وأنهم يتبركون بالأضرحة ويلجأون للأولياء الصالحين لقضاء حاجاتهم، ويصل بهم الأمر إلى تقديم الولى على النبى، والإيمان بالحقيقة على حساب الشريعة، وعدم الالتزام بالفرائض المعلومة من الدين بالضرورة، كما يوجه السلفيون نقدًا حادًا للسلوكيات التى تحدث فى موالد الأولياء الصالحين التى يرتادونها، ويحتفى بها الصوفيون، ويؤكد السلفيون أن الموالد يحدث بها اختلاط بين النساء والرجال، مما يترتب على ذلك شيوع أعمال الفسق والفجور فى زحام الموالد، وأن حلقات الذكر تقوم على حساب الصلاة المفروضة.