الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

جاد الله نجيب يكتب: خميس العهد

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كان اليهود يحتفلون بعيد الفصح في الشهر الأول من التقويم اليهودي، أي في شهر مارس وأبريل كان اليهود، هذا الاحتفال هو تذكار لخروج الشعب العبراني من مصر بقيادة موسى. وكان لهم عيد حرية، فكان على كل أسرة أن تذبح حَمَلًا بلا عيب، ويأخذوا دمه، ويجعلوه على أبواب بيوتهم، علامة عهد أن الله خلَّص أبكارهم من الموت. وعبروا عن هذه الفدية بدم خروف.
وقد رتب السيد المسيح أن يكون العشاء مع تلاميذه قبل الفصح اليهودي، أي مساء الخميس 13 نيسان أي صابح الجمعة 14 نيسان ميعاد ذبح الحمل عند اليهود. في قراءة بشارة متى، نجد أن الفصح الذي أجراه المسيح كأنه فصيح بديل، حيث أنه كان يتعذر على المسيح أن يحضر الفصح اليهودي الذي كان يوم الجمعه لأنه يوم الصلب. فَقَالَ: "اذْهَبُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، إِلَى فُلاَنٍ وَقُولُوا لَهُ: الْمُعَلِّمُ يَقُولُ: إِنَّ وَقْتِي قَرِيبٌ. عِنْدَكَ أَصْنَعُ الْفِصْحَ مَعَ تَلاَمِيذِي" ( متى 26: 18)، أي أصنعه اليوم الخميس. وهذا ما أكده البشير لوقا: " شهوةٌ اشتهيت أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألم. لأني أقول لكم إني لا آكل منه بعد حتى يكمُل في ملكوت الله.." (لوقا 2: 15-17).
بالفعل قام بطقس الفصح اليهودي ما عدا أكل الخروف ( الحَمَل)، فقد استبدل به نفسه، بروح الحب والبذل والعطاء، من خلال تقديم الخبز والخمر. والجدير بالملاحظة أن الخبز في اللغة الأرامية " لخم" فهي تعني لحم، كما أن الخمر من عصير العنب الأحمر هو" دما" ( د م ا) أي دم. وهذا يعني أ، يسوع يعطي ذاته خبزًا، والخبز حسب كلمات يسوع في بشارة يوحنا " أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ. وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ العالم". فالهدف من البذل هنا هو أن يعبر يسوع أكبر مانع، وهو الموت، أي لكي يزيل الموت، فيحيا كل من يأكل هذا الخبز. وحسب اللغة الآرامية الخبز = الحياة = جسدي. ولذلك لا نستغرب في ارتباط بين الخبز والحياة.
وهناك سمتان رئيسيتان لهذا العشاء:
أولًا: غسل الأرجل.
أما عن غسل الأرجل فهي تسبق الفصح، على أن يكون هناك خادم يغسل أرجل الجميع. كتب لنا البشير لوقا أنه حدثت نزاع بين التلاميذ عن من يكون صاحب المكانه الأولى. "وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ أَيْضًا مُشَاجَرَةٌ مَنْ مِنْهُمْ يُظَنُّ أَنَّهُ يَكُونُ أَكْبَرَ. فَقَالَ لَهُمْ: «مُلُوكُ الأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَالْمُتَسَلِّطُونَ عَلَيْهِمْ يُدْعَوْنَ مُحْسِنِينَ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَيْسَ هكَذَا، بَلِ الْكَبِيرُ فِيكُمْ لِيَكُنْ كَالأَصْغَرِ، وَالْمُتَقَدِّمُ كَالْخَادِمِ. لأَنْ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ: أَلَّذِي يَتَّكِئُ أَمِ الَّذِي يَخْدُمُ؟ أَلَيْسَ الَّذِي يَتَّكِئُ؟ وَلكِنِّي أَنَا بَيْنَكُمْ كَالَّذِي يَخْدُمُ." ( لوقا 22: 24 – 27)
يتضح هنا أن يسوع قام بدور الخدام مع أنه السيد " قَامَ عَنِ الْعَشَاءِ، وَخَلَعَ ثِيَابَهُ، وَأَخَذَ مِنْشَفَةً وَاتَّزَرَ بِهَا، ثُمَّ صَبَّ مَاءً فِي مِغْسَل، وَابْتَدَأَ يَغْسِلُ أَرْجُلَ التَّلاَمِيذِ وَيَمْسَحُهَا بِالْمِنْشَفَةِ الَّتِي كَانَ مُتَّزِرًا بِهَا......... فَلَمَّا كَانَ قَدْ غَسَلَ أَرْجُلَهُمْ وَأَخَذَ ثِيَابَهُ وَاتَّكَأَ أَيْضًا، قَالَ لَهُمْ: «أَتَفْهَمُونَ مَا قَدْ صَنَعْتُ بِكُمْ؟ أَنْتُمْ تَدْعُونَنِي مُعَلِّمًا وَسَيِّدًا، وَحَسَنًا تَقُولُونَ، لأَنِّي أَنَا كَذلِكَ. فَإِنْ كُنْتُ وَأَنَا السَّيِّدُ وَالْمُعَلِّمُ قَدْ غَسَلْتُ أَرْجُلَكُمْ، فَأَنْتُمْ يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ يَغْسِلَ بَعْضُكُمْ أَرْجُلَ بَعْضٍ، لأَنِّي أَعْطَيْتُكُمْ مِثَالًا، حَتَّى كَمَا صَنَعْتُ أَنَا بِكُمْ تَصْنَعُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا." يوحنا 13: 12 – 15)
فأراد السيد أن يضع قاعدة العمل والخدمة المسيحية وهي إنكار الذات والإحساس بعدم الإستحقاق للقيادة والخدمة عن صدق ويقين الضمير والفكر. بل أراد أن يقدم درسًا أخيرًا وهو قمة التعليم، أنه جاء ليكون مثالًا للذين عزموا عزم الإيمان واليقين أن يتبعوا الرب من قلوبهم اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ، وَلاَ رَسُولٌ أَعْظَمَ مِنْ مُرْسِلِهِ. إِنْ عَلِمْتُمْ هذَا فَطُوبَاكُمْ إِنْ عَمِلْتُمُوهُ." (يوحنا 13: 16)
ثانيًا: تأسيس العشاء الرباني ( الإفخارستيا)
كما ذكرت لاحقًا، أن المسيح قام بطقس الفصح اليهودي حيث تناول الكأس الأولى حسب الطقس اليهودي، "ثُمَّ تَنَاوَلَ كَأْسًا وَشَكَرَ وَقَالَ: «خُذُوا هذِهِ وَاقْتَسِمُوهَا بَيْنَكُمْ، لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي لاَ أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ حَتَّى يَأْتِيَ مَلَكُوتُ الله." ( لوقا 22: 14 – 16). ثم ابتدأ في تأسيس الأفخارستيا بعد مدة كبيرة من العشاء.
"وَأَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلًا: «هذَا هُوَ جَسَدِي الَّذِي يُبْذَلُ عَنْكُمْ. اِصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي
وَكَذلِكَ الْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَ الْعَشَاءِ قَائِلًا: "هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي الَّذِي يُسْفَكُ عَنْكُمْ" ( لوقا 22: 19 و20)
إن قوة الإفخارستيا هي أن المسيح جعل من الخبز المكسور قوة وفعل وطبيعة الجسد المذبوح، والدرس ليس هو تذوق الخبز والخمر بل استطعام الإيمان، وما يرتوي به. فالإفخاريستيا هي انفتاح عيون وانفتاح أذهان لمعرفة الله في حبه الذي بلا حدود.
وقد كانت الوصيه بأن يعملوا العشاء الرباني للذكرى، ليكون هذا الطقس حقيقةً ووجودًا حيًا من خلال اجتماع المحبة للكنيسة وشركة كأس الحب والخلاص، مستمرًا حتى يجئ ثانية. فهو حضور ووجود فعلي لله متجسدًا بيننا في يسوع الناصري.