الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

كواليس الخدمة على "جبل أثوس"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يقع في شمال اليونان ويعتبر منطقة نسكية، حيث يقيم هناك رهبان من مختلف الكنائس الأرثوذكسية، يحتلّ الجبل أقصى شرق النتوءات الثلاثة – شبه جزيرة - لشبه جزيرة كالسيديس (تُنطق باليونانية خالكذيكيس)، التي تقع بدورها ضمن مقاطعة مقدونيا المطلّة على بحر إيجة.
مساحة جبل أثوس هي 390 كم² وذلك بطول 13 كلم وبعرض 7 كلم كمعدّل عام، وأعلى قمّة فيه 2030م وهي قمّة أثوس ويوجد عليه صليب حديدي كبير، ويخضع الجبل روحيًا لسلطة بطريرك القسطنطينية المسكوني.
عاصمة الجبل والبلدة الوحيدة فيه هي كارييس، وقد أدرج جبل آثوس ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو عام 1988. 

الوصول إلى الجبل:
- يبعد الجبل عن العاصمة أثينا حوالي 700 كلم.
- مرفأ الجبل يدعى أورا نوبوليس وهي كلمة مركّبة من أورانوس وتعني السماء وبوليس المدينة لتكون مدينة السماء.
- من هذا المرفأ تنطلق الباخرة باتّجاه الجبل، بعد الاستحصال على الإذن الشخصي المسبق، في الساعة العاشرة إلاّ ربع صباحًا لمدّة ساعتين لتصل إلى "دفني DAPHNI " وهي كلمة يونانية تعني ورق الغار أي النصر بالقيامة، وهو المرفأ الأساسي للجبل، والتوقيت المتبّع في الجبل المقدّس هو التوقيت البيزنطي القديم الذي يسبق الساعة المحلّيّة بخمس ساعات.


الصلوات والأعياد الكنسيّة
- الروزنامة الكنسيّة في الجبل المقدّس هي متأخرة بثلاثة عشر يومًا باستثناء عيد الفصح - إبتداءً من الصوم الكبير - الذي يتطابق مع الفصح الأرثوذكسي العالمي، ويعيّد مثلًا عيد الميلاد المجيد في 7 يناير.

الحياة في الجبل تبدأ عند الساعة الثانية صباحًا كمعدّل عام لتلاوة القانون الشخصي لكل راهب، وعند الرابعة صباحًا يجتمع الرهبان في الكنيسة الأساسية الخاصة بكل دير لصلاة الساعات والسنكسار اليومي إستعدادًا للبدء بالقداس الإلهي يوميًا، ولا تستعمل الكهرباء بتاتًا داخل الكنيسة بل تجري كلّ الصلوات على ضوء الشموع.
في خلال النهار يهتم كل شخص بالخدمة الموكلة إليه، قبل أن يتم الغذاء في صالة الطعام الجماعية المزيّنة بالجداريات ويتخللها قراءة آبائية وكتب روحية، ويسبق الغذاء صلاة في الكنيسة الأساسيّة،
الغروب والمديح عند الساعة الخامسة يوميًّا لمدّة حوالي ساعة، وبعد وجبة طعام خفيفة عودة إلى الكنيسة لصلاة النوم والسجود لذخائر القدّيسين.

وفي حوالي الساعة الثامنة يدق جرس الصمت ليدخل كل راهب قلايته ويُقفل باب الدير الخارجي، ويدعى رئيس الدير "بالييروندا" أي الشيخ الحكيم إذ في أساس الكلمة باللغة اليونانية يروس تعني المسن أمّا هنا فتعني الكبير في الحكمة والتمييز.

الضيافة المعهودة في الأديار هي راحة الحلقوم مع قدح من العرق شغل الدير وهو مقوّي للدورة الدمويّة، والكلمة المتبادلة عندما يلتقي شخصان هي باركوا " إفلوييتي" فيجيبه الثاني السيّد "أو كيريوس" أي السيّد المسيح الذي يبارك، وهناك عبارة جميلة جدًا يستعملها الرهبان إشارة للطاعة الحسنة وهي " كالي إيباكوّي" أي طاعة حسنة.

الناقوس والقطعة الخشبية 
- يستيقظ االرهبان إلى الصلاة ومن ثم الدخول إلى الكنيسة على صوت "التالندو"، وهي قطعة من خشب طويلة يحملها راهب ويدور بها في الممرات وهو يطرق عليها بمطرقة خشبية على نغم معيّن، وترمز هذه القطعة إلى نوح في العهد القديم عندما طرق على خشبة لدخول السفينة التي تشير اليوم إلى الكنيسة. كما لجأ إليها المسيحيون في بعض الحقبات عوض عن الجرس لظروف مضادة، كذلك يوجد الناقوس الحديدي المتعدد الأجزاء الذي يُدق عليه بنغم معيّن.

لمحة تاريخية
أقدم ذكر لجبل آثوس في المخطوطات القديمة موجود في إلياذة هوميروس، في القرن الخامس قبل الميلاد قام الملك الفارسي خشایارشا الأول بشق قناة في أكتي بطول 2.4 كم لتأمين حركة أسطوله وحمايته من أي محاولة للالتفاف حوله والإيقاع به، وآثار تلك القناة لا تزال واضحة للعيان حتى اليوم.

أما الرهبان فقد استوطنوا هذا الجبل بدءًا من عام 850م وقبل، ولكن الحياة الرهبانية المنظمة بدأت فيه فعلًا عام 963م، عندما قام القدّيس أثناسيوس الطرابزوني بمساعدة من الإمبراطور نيكيفوروس الثاني فوكاس بتأسيس أوّل دير في آثوس ودعي اللافرا الكبير.

وقام لاحقًا الإمبراطور يوحنا الأوّل تزيمسكيس بتعييّن القدّيس أثناسيوس حاكمًا على رهبان الجبل الذي سعى إلى تنظيم الجبل واستقامة الحياة النسكية فيه عملًا بما قاله بولس الرسول "إلهنا إله ترتيب" (1كو40:14).

على أثر ذلك ظهرت بعض المشاغبات من أناسٍ مدنيين كانوا قد استوطنوا الجبل وطريقة عيشهم لم تكن تتناسب والحياة الرهبانية، بالإضافة إلى بعض من الرهبان الذي استصعبوا عملية الانتظام في الحياة النسكية المشتركة.
وخلال القرن الحادي عشر بُنيت أديرة كثيرة في تلك المنطقة، ساعد على إنشائها هبات الأباطرة البيزنطيين الذي أغدقوا المال من أجل بناء الأديار ( اكسنفودوس – كركلّو...) وسميّ بعض هذه الاديار بأسمائهم.

يضاف إلى ذلك هبات قدّمت من روسيا كدير إيفيرون في الحقبة الأولى، وفي وقت قصير طغى الطابع الأرثوذكسي على شبه جزيرة كالسيديس، وبعض البلدان السلافية فيما بعد، ومن الجيّد أن نعرف أنّه كان يوجد في موسكو مكان الساحة الحمراء اليوم أنطشٌ كبيرٌ تابع لدير إيفيرون في الجبل قام ستالين بهدمه وإنشاء الساحة الحمراء مكانه، ومع حلول عام 1400م بلغ عدد الأديرة هناك قرابة الأربعين ديرا لم يبق اليوم إلاّ نصفها.

أخر ما بني من تلك الأديرة هو دير ستافرونيكيتا والذي تأذّى عدة مرات من الحرائق وأعيد بناؤه للمرة الأخيرة في القرن السادس عشر، وفي القرن الخامس عشر تخلّت بعض الأديرة عن النظام الإداري الصارم للجماعات الرهبانية، والقاضي بوجود شيخ (راهب رئيس) له سلطات واسعة في الدير، واتجّهوا لتبني منهج أكثر انفتاحًا وتحررًا يسمح للرهبان بأن يكون لهم ممتلكاتهم الشخصية، وأيضًا إقامة نظام رئاسي يقوم على انتخابات سنوية لراهبين موثوق بهما لإدارة شؤون الجماعة.

مرّت الأديار في هذا الجبل بكثيرٍ من الإضطّهادات المختلفة من قبل الحملات الصليبيّة وتبعتها الحالة العثمانيّة.

فترة الحكم العثماني
عندما استولت الإمبراطورية العثمانية على تسالونيكي عام 1430 م خضع رهبان جبل آثوس لسلطان الأتراك، سبّب ذلك خللًا في تنظيم الأديرة مما أدى إلى إفقارها بشكل سريع فتكاثر ظهور القلالي المتقشّفة في القرن السادس عشر، وفي عام 1783 شهد جبل آثوس إصلاحات ناجحة قام بها البطريرك غبريال الرابع، وخلال حرب استقلال اليونان (1821-1832) عانت المجتمعات الرهبانية من عمليات النهب التي شنّها الأتراك في المنطقة، إضافة إلى قيامهم بإحراق مكتبات بأكملها.

وفي القرن التاسع عشر وبرعاية من القيصر الروسي شهد الجبل توسعًا في الأديرة الروسيّة وفي الممتلكات التابعة لها، ودخل إلى الجبل إثر ذلك بعض ممّا تأثر به الروس من الحضارة الغربية وخاصّةً في الأيقونات والجدارّيات بحيث مثلًا ظهرت رسومات لله الآب على شكل رجلٍ مسنٍ وهذا منافٍ للاهوت الأرثوذكسي الذي لا يصوّر الثالوث على شكل رجل مسن وآخر شاب بجانبه وحمامة الروح القدس كون الله الآب لم يتجسّد وأكّد ذلك الرّب يسوع بقوله لفيلبس:" الله لم يره أحدٌ قط.الإبن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبّر(يو18:1) "، 


جبل آثوس اليوم
في عام 1924 وُضع دستور الجماعات الرهبانية في جبل آثوس، وأقرّه الدستور اليوناني عام 1975، وينص هذا الدستور على وجود حاكم يمثّل الحكومة اليونانية في المنطقة، يتم تعيينه في منصبه من قبل وزارة الخارجية، ولكن الإدارة الفعلية تكون بيد المجمع المقدّس في عاصمة الجبل كارياس، والذي يضم أعضاءً يمثّلون جميع أديرة الجبل.

تحتوي كنائس الجبل على أمثلة ممتازة لفن الإيقونات البيزنطية، كما تحتوي مكتبات أديرته الباقية اليوم على كنوز من المخطوطات ترجع للعصور الكلاسيكية والوسطى.


الأديار في جبل آثوس اليوم
- عدد الأديار الأساسيّة في جبل آثوس اليوم عشرون ديرًا، بالإضافة إلى عددٍ من الأساقيط (مفردها إسقيط) وهو مكان يعيش فيه جماعة من الرهبان يتراوح عددهم بين عشرة وثلاثين راهبًا من مختلف الجنسيات بالإضافة إلى مئة من القلالي (مفردها قلاّية مكان يجمع عددًا من الرهبان لا يتعدّى الخمسة تحت إشراف أبٍ روحيّ)، ويختلف نظام القلالي بين قلايّة وأخرى، ولكن كلّ القلالي هي تابعة لديرٍ محددٍ ولا يوجد مكان لحياة إنعزالية في اللاهوت الأرثوذكسي، فحياة الشركة هي الأساس والجوهر.
منع دخول النساء لجبل آثوس
لا يسمح بدخول النساء إلى الجبل، حيث يخبر التقليد الآثوسي أنّه في إحدى رحلات والدة الإله من أورشليم إلى روما، توقّفت السفينة مقابل الجبل فأعجبت السيّدة العذراء بجمال المكان والطبيعة الخلّابة فيه، فقالت إن هذا الجبل سيكون بستانًا لها للعبادة وخلاص نفوسٍ كثيرة، ومن هنا يُدعى جبل آثوس ببستان والدة الإله وهناك أيقونة تُظهر والدة الإله تقف فوق الجبل وتلاله.

انتهاك حرمة الجبل ودخول النساء اليه يعاقب عليه بالسجن من سنة واحدة إلى سنتين، برلمان الاتحاد الاوروبى دعا اليونان مرتين لتغيير هذا القانون، ولكن الطلب رفض.

بالرغم من ذلك فقد أوى جبل آثوس اللاجئين بمن فيهم النساء مرتين في تاريخه، وذلك في أعقاب ثورة عام 1770 (المعروفة في اليونان باسم ورلوفيكا) وفي اعقاب ثورة عام 1821، كما لجأ إليه بعض اليهود الرجال من مدينة تسالونيكي إبّان الحرب العالميّة الثانيّة رغم أن هتلر كان قد وضع جنديًا على كلّ دير دون التعرّض للحياة الرهبانيّة.