الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

ماذا قالوا عن الصوم؟

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ماذا قالوا عن الصوم ؟
صوم «المسيح» والتجربة على الجبل للقديس «يوحنا ذهبى الفم»
«ثم أُصعِدَ يسوع إلى البرية من الروح ليُجرَّب من إبليس»، فحكمة الله من سماحه بالتجارب لنا، معنى كلمة: «أُصعِدَ إلى البرية» ليُجرَّب من إبليس، وحكمة صوم المسيح عن الطعام، فى بداية خدمته الخلاصية للبشرية.
حكمة الله
«ثم أُصعِدَ» متى كان ذلك؟ بعد نزول الروح القدس عليه من السماء، وبعد الصوت الآتى من فوق: «هذا هو ابنى الحبيب الذى به سُررتُ»، والعجيب أنه أُصعِدَ من الروح القدس، ولهذا يقول أيضًا فى هذه المناسبة: «وللوقت أخرجه الروح إلى البرية».
ولأنه يهدف إلى تعليمنا من كل ما عمله واجتازه، لذلك رَضِيَ أن يُقتاد إلى هناك وأن يتصارع مع إبليس، حتى أن كل مَن يعتمد، إذا ما قابل بعد عماده (أو نواله أية نعمة) أشد التجارب، لا يضطرب كما لو كان ذلك أمرًا غير متوقع، بل عليه أن يُثابر على تحمُّل كل شيء بشهامة كأمور طبيعية تسير فى مجراها.
نعم، إنك حملتَ الأسلحة، لا لتكون عاطلًا، بل لتُحارِب بها، لذلك نجد أن الرب لا يمنع التجارب إذا ما أتت، أولًا: ليُقوِّمك حتى تكون شديد البأس؛ وثانيًا: لكى تظل متواضعًا، وحتى لا ترتفع بعِظَم ما نلتَ من نِعَم، فالتجارب كفيلة بأن تقمعك؛ وثالثًا: بمحَك التجربة يتأكَّد عدو الخير جيدًا - الذى قد يرتاب أحيانًا فى هجرانك له - من أنك تخليتَ عنه ونبذته تمامًا؛ ورابعًا: حتى تصبح عن هذا الطريق أشد متانة وأقوى من الفولاذ؛ خامسًا: لكى تكون على يقين تام مما أُودِعته من كنوز.
فالعدو لم يكن ليُهاجمك لو لم يكن قد رآك حائزًا على كرامة أكثر رِفعة منه، فهو على سبيل المثال، قد شرع منذ البداية بمهاجمة آدم، لأنه قد رآه يتمتع بكرامة عظيمة. لهذا السبب نفسه قد أعدَّ العدَّة أيضًا للهجوم على أيوب عندما رأى أن إله الكل قد أحاطه بسياج نِعَمِه ورفع شأنه.
إذن، فكيف يقول الرب: «صلُّوا لئلا تدخلوا فى تجربة» (مت ٢٦: ٤١)؟ لهذا يُعلن لك الإنجيل بوضوح، ليس أن يسوع قد خرج إلى البرية، بل إنه: «أُصعِدَ (اقتيد)»، بحسب ما يقتضيه منطق التدبير الإلهي، مُلمِّحًا لنا بهذا أننا لا ينبغى أن نرمى بأنفسنا فيها (أى فى التجربة)، ولكن إذا ما سُحِبنا إليها بغير إرادتنا، فعلينا أن نصمد مقابلها ثابتى العزم. ثم أيضًا إلى أين يقوده الروح عندما حَمَلَه؟ لا إلى مدينة وساحة عامة، بل إلى برية قفرة. وإذ أراد أن يجتذب إبليس ويعطيه فرصة للاقتراب منه، ليس فقط بجوعه، ولكن أيضًا باعتزاله فى مكان مُوحِش. ففى معظم الأحيان يشنُّ العدو هجماته بصفة خاصة على الناس عندما يراهم معتزلين وحدهم بأنفسهم.
وهكذا فعل منذ البداية مع المرأة (حواء) إذ هاجمها بعنف، عندما انفرد بها بعيدًا عن زوجها وأوقعها فى فخاخه، أما إذا رآنا مترابطين معًا برباط المحبة، فإنه لا يجرؤ على مهاجمتنا. لذلك نحن فى أمسِّ الحاجة جدًا والحال هذه أن نظل قطيعًا واحدًا معًا دون انفصام، حتى لا نكون مُعرَّضين لهجمات إبليس.
حكمة صوم المسيح عنا، وصومنا نحن:
فإذ وجد (المجرِّب) المسيح فى برية قفرة وغير مطروقة لأن هذا ما يعنيه معنى البرية كما يؤكِّد مرقص الإنجيلى قائلًا: «إنه كان مع الوحوش»، انظر بأى دهاء شديد وبأية حيلة ماكرة يقترب، وما نوعية الفرصة التى ينتهزها! فليس فى وقت الصوم بل فى جوع الرب يَقْدُم إليه (المُجرِّب)، لكى نتعلَّم جلال ومنفعة الصوم، أو كيف أنه أقوى درع نتحصَّن بها مقابل الشيطان، وأنه بعد المعمودية (أو نوال أى سر) لا ينبغى الاستسلام للإسراف فى الأكل والشُّرب والموائد المكتظَّة بشتَّى الأطعمة؛ بل للصوم لأنه لأجل هذا قد صام الرب لا لحاجته هو بل ليرسم لنا طريق الخلاص. ولما كانت خطايانا قبل المعمودية قد نتجت (معظمها) من كثرة الأكل والشرب، يتقدَّم الرب كمثل طبيب يمنع مريضًا قد عُوفى من الرجوع إلى تلك الأمور التى قد تسبَّبت فى اعتلال الصحة، وهكذا نرى المسيح بعد المعمودية يضع على نفسه هو الصوم عنا، لكى يكون لنا مثالًا. إن آدم طُرِدَ من الفردوس بسبب عدم كبح النفس عن شهوة البطن، وهذا هو أيضًا الذى جلب الطوفان أيام نوح، والبروق الحارقة على سدوم. فبالرغم من أنه كان هناك تحذير بعدم البغاء، إلاَّ أنه طلع من عدم كبح النفس من شهوة البطن.
بسبب هذا يصوم المسيح أربعين يومًا، ليدلنا على أدوية خلاصنا، غير مواصلٍ إلى أكثر من هذا لئلا تصير حقيقة تدبيره غير مُصَدَّقة بسبب عظمة المعجزة. فهذا لم يكن فى إمكان البشر، وإن كان موسى وإيليا قد صاما وقتًا طويلًا بهذا المقدار، إلاَّ أنهما كانا متشدِّدَيْن بقوة الله.