الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

شيرين بكر تكتب.. أرملة .. ولكن!

شيرين بكر
شيرين بكر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أنتي أرملة.. لم أعلم أن تلك الكلمة التي أصبحت مدونة ببطاقتي الشخصية رغمًا عني تسبب لي ضيقا معنويا ونفسيًا كبيرًا وسط مجتمع لا يتفهم ولا يعترف باستقلالية امرأة صغيرة في السن تفقد زوجها، وتظل تدافع بكل قوتها عن الاستقلال المادي والمعنوي والمجتمعي تريد أن تصنع لنفسها ولأولادها حياة أفضل لتخرج من حالة الألم .. من واقع مرير يستحيل تغييره.. فترى أنه من الأذكى أن تصنع حاضرًا وربما مستقبلا أفضل فتجتهد لزرع مساحة ممكنة من الرضا داخل روحها وعقلها؛ مما يسهل عليها الإجهاز على كل ما يمكن أن يهددها بسرقة عمرها في معاناة قاسية ومريرة لن تعرفها وتتفهمها إلا من مرت بهذه الفاجعة.
لا يستطيع أحد على وجه الأرض إنكار أن الزواج من أقدس العلاقات الإنسانية التي رزقنا الله بها وفقدان أحد الطرفين يمثل حزنًا عميقًا وعبئًا عظيمًا على الطرف الآخر، وإن كانت نفسي تميل إلى أن واقع الفقد يكون أكثر إيلامًا على الزوجة التي تفقد زوجها وذلك نظرًا لطبيعتها العاطفية، وربما لأنها الأكثر ضعفا، فتجد نفسها أمام أعباء غير متوقعة، فلم يكتف المجتمع بحزنها بمرارة فقد شريك حياتها وأعباء الحياة عليها بل يبدأ في ممارسة ضغوط من نوع آخر بنظرته المتدنية وتطفله غير المقبول.
كانت البداية عند موظف التأمينات الذي سألني .. أين بطاقة الأرملة؟ فبدى على وجهي الاندهاش وفي إجابة سريعة مني "يعني إيه بطاقة الأرملة دي إجيبها منين"، وحين عرفت مقصده تأكدت أن عقلي كان رافضًا من البداية للكلمة لدرجة أنني لم أفهم أنه يريد بطاقتي الشخصية فألقى عليّ مسمى الأرملة، ولم أستوعب أن هذا ما يريده إلا بعد بضع ثوان ظن خلالها إنني امرأة "غبية".
ومع تكرار الكلمة من القريب والغريب نمى إلى عقلي شعور كئيب رافضا لرسائل العجز والشفقة وقلة الحيلة، نافرا لكلمات ساخرة تلقيها بعض السيدات خفيفات الظل من باب الضحك والفرفشة، وربما تتحول طعناتهن الضاحكة إلى طعنات أخلاقية يشعرن عبرها بأنهن يتميزن عن هذه التي فقدت سندها في الحياة والتي ربما تخطف زوجها يوما ما أو تبحث عن آخر بأي شكل!!.
ومع البحث وجدت أن هذه المعاناة النفسية والمجتمعية لست وحدي أمر بها فكثير من السيدات اللاتي مررن بنفس الفاجعة وأصبح الخوف من الدنيا يحتل مكانًا ملحوظًا لديهن واجهن ما هو أبشع .. فتوجهت للمعجم لأبحث عن معني "أرملة" فربما أجد سر تلك الفكرة المجتمعية المسيطرة فوجدت أن .. إنسان أرمل تعني الفقير الذي لا يجد من يعوله ولا أهل له .. وأيضا هو من ماتت زوجته أو مات زوجها ويعني الإنسان المحتاج المسكين ... أما عام أرمل تعني قليل المطر والخير.. يا الله كم هو شيء بائس هذه أنا .. هذه نظرة المجتمع لمن فقدت زوجها وهكذا يتعامل إذن "أنتي امرأة بدون زوج إذن أنتي صاحبة إعاقة أنتي مكسورة الجناح .. أنتي بكي نقص ما".. دائما مراقبة ومحاصرة من الجميع حياتك ملك كل من "هب ودب" الجميع يظن أنك تحت سيطرته ماذا فعلتي وماذا ستفعلين؟ ولماذا ؟ وكيف؟ ولا يجب فعل هذا .. بل عليكي تفعلي هذا أنتي أرملة ..............".
كلماتي هنا ليست لإثارة الشفقة أبدا .. بل أرغب في مخاطبة وجدان المجتمع وأريد أن أهمس إلى أفراده فردا فردا... يا سادة عليكم أن تتفهموا البنية النفسية لكل زوجة تفقد زوجها وهي في ريعان شبابها والعكس أيضا .. عليكم أن تكونوا سندا وعونا معنويا .. كفوا ألسنتكم .. لا تتطفلوا وتتدخلوا فيما لا يعنيكم .. أتركوا كل من فقدت سندها في الحياة تلملم نفسها من جديد ترسم وتخطط حياتها وحياة أبنائها بأريحية، لا تكونوا عبئا عليها .. ويكفى ما تتحمله من عبئ نفسي ومعنوي لا تكون ثقالى سخافى يسيطر عليكم الفضول وإلسنتكم كلدغة الثعبان .. وإلا فالتتحملوا أظافرهن الحادة التي حتما ستجرح الجميع بلا استثناء.