الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

يقظة مصـر الحديثة "2"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتابع الدكتور محمد رفعت فى كتاب «يقظة مصر الحديثة» بقوله: الواجب الأول لحكومة مستنيرة فى مصر هو إنقاذ أراضيها القابلة للزراعة من الصحراء الطاغية، وذلك عن طريق الزراعة الجادة والرى الذكي. الرمال والمياه عنصران، أحدهما يعنى الموت والآخر الحياة، وهما على الدوام فى صراع فى وادى النيل. وحينما تكون الحكومة ضعيفة تتغلب الصحراء على الزراعة، مما يؤدى إلى انتشار المجاعات والأوبئة. ولم تكن أرض مصر أبدا أقل إنتاجية، وأقل ازدهارا أو أقل سكانًا إلا فى الفترات السابقة مباشرة على الحملة الفرنسية.
وعندما علا نجم محمد على فى مصر أعطى الأرض اهتمامه المطلق، واتضح أن المساحة المزروعة هى ٣ ملايين فدان، وقرر بعد ذلك أن ينزع ملكية المماليك والأتراك. الذين اعتادوا بنظام الالتزام أن يجمعوا الضرائب عن بعض الأحياء، بحيث يدفع أقلها للخزينة العامة وتدليل الفلاح قدر المستطاع. ولتنفيذ هذه الخطة طلب من الملتزمين أن يقدروا دخولهم الصافية من الأرض والالتزام، أما الملتزمون فقد ساورهم الشك من الوعاء الجديد لفرض ضرائب إضافية. ولذلك عمدوا إلى إعطاء أدنى تقديرات لدخولهم. فتمسك بهذه البيانات وأصدر أمرًا بصرف معاش للملتزمين ومصادرة كل أراضيهم لحوزته. وكان على الملتزمين أن يقنعوا بمعاش سنوى مدى الحياة يساوى الدخل الذى قدروه بأنفسهم، إلى جانب نظام الالتزام.
كانت هناك مزارع خاصة أو أراضى الوسية وهى ملكية خاصة للملتزمين. وقد تركت هذه الوسايا فى أيديهم إذا كانوا أوفياء. وإلا فإنه مثلما حدث مع الملتزمين فى الصعيد، ثاروا ضد محمد على، وفى هذه الحالة أيضا تمت مصادرة الوسايا.
هناك فئة أخرى من الأرض هى الأراضى الوقف التى خصصها ملاكه للأعمال الخيرية وهذه لا يملك التصرف فيها بالبيع أو الشراء، وكانت تمثل جزءًا كبيرا من المساحة الإجمالية. ولذلك وجد الناس فى نظام الوقف ضمانة ضد المصادرة من جانب الحكومة، وكانت هذه الأراضى تدار بمعرفة المشايخ والعلماء تحت نظام الناظر.
وقد قرر محمد على إعفاء النظار من مسئولياتهم وأن يتولى إدارة الأوقاف، كما تعهد بأن يقوم بكل الأعمال الخيرية الواردة فى شروط الواقفين. وبذلك تملك محمد على فى الواقع كل الأراضى الزراعية مما جعله على اتصال مباشر مع الفلاحين، وبذلك بدأ ثورة زراعية واجتماعية. فقد أعطى كل فلاح جزءًا من الأراضى من ثلاثة إلى خمسة أفدنة يعيش عليها وينتفع بمحصولها على أساس أن السلطات وحده هو مالك الأرض.
وقد زود الفلاحين بالأدوات الزراعية والحيوانات والبذور لزراعة الأرض وتولى محافظو المناطق والأحياء تحديد المساحة والمحصول المطلوب زراعته فى كل منطقة. كذلك كان من مسئوليات مندوبى الحكومة أن يقدروا المحصول بأسعار الحكومة لكى يحددوا ضريبة الأرض. وتوزيع المحصول بين الحكومة والفلاح بحيث يكون سدس المحصول للاستخدام الشخصى للفلاح، ثم تنقل المحاصيل إلى مخازن الحكومة حتى يصبح الوقت مناسبًا لعرض المحصول فى الأسواق المحلية والأجنبية. ورغم أنه لم يكن من حق الفلاحين بيع الأراضى أو رهنها أو توريثها أو هبتها، وكانت تلك مقدمة بدأها محمد على لإقرار الملكية الخاصة وهو ما تحقق فى عصر سعيد نجل محمد على.
وبعد أن أصبح محمد على هو الملتزم الوحيد للأراضى المصرية، اهتم محمد على بزراعتها، فقد أدخل وشجع بعض أنسب المحاصيل وأكثرها ربحية مثل قصب السكر والأرز والقطن والكتان، وهى محاصيل صيفية، ولذلك كان من الضرورى حفر القنوات والآبار لتوفير المياه اللازمة لها. ولما كانت الأسواق الأوروبية بحاجة إلى هذه المحاصيل، فقد بدأ نظام الاحتكارات، وكان فى البداية مقصورًا على المحاصيل المذكورة، وبالتدريج اشتمل على كل منتجات الأرض.
ورغم أن هذا النظام انطوى على مصاعب جمة على الشعب، فقد انفرد محمد على بجمع المال الكافى لتنفيذ خططه العسكرية، وبهذه الطريقة أيضا أمكنة إصلاح الزراعة. وكان محمد على يرى أنه إذا ترك الفلاحون وشأنهم فلأنهم يهملون الأرض كما حدث فى السابق بسبب جهلهم وانعدام شعورهم بالمصلحة. وقال محمد على إن الفلاحين يعانون من داء الجهل وعلينا أن نقوم بدور الطبيب، يجب أن أكون حادًا كلما سارت الأمور فى الاتجاه الخاطئ.
ونتيجة هذه الشدة الإيجابية سرعان ما ظهرت آلاف الهكتارات الصالحة للزراعة بفضل محمد على، وفى شبكة القنوات على امتداد الدلتا لجلب المياه من روافد النيل إلى الأرض من خلال فصول الجفاف فى الربيع والصيف الطويلة. فقد تم استصلاح مالا يقل عن مليون فدان فى الصحراء، وفى عام ١٨٣٣ بلغ الدخل الزراعى حوالى ٢،٥ مليون جنيه استرلينى، بعد أن كان مليونًا واحدا عام ١٨١٨.