الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

نبيل عبدالفتاح الباحث في شئون الجماعات الإسلامية خلال حواره لـ"البوابة نيوز": أولى تجارب تجديد الفكر الديني خرجت من "الأزهر".. وتعميم "مسرح القرية" أهم خطوات مواجهة التطرُّف

الدكتور نبيل عبدالفتاح
الدكتور نبيل عبدالفتاح
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يرى الدكتور نبيل عبدالفتاح، الباحث المتخصص فى شئون الجماعات الإسلامية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية فى القاهرة، أن هناك ضرورة إلى تغيير مفهوم سياسة الثقافة فى مصر فى إطار مواجهة إشكالية التطرف العنيف فى مصر.

وطالب عبدالفتاح، فى حواره لـ«البوابة»، بضرورة أن تصل الثقافة بكل أشكالها، المسرح، والسينما، إلى القرى.

وأشار، إلى أن الشباب هم الفئة الجبيلية المستهدفة من أيديولوجيات التطرف الدينى، وبعض أنماط التطرف الفكرى والسلوكى، وحين نلقى نظرة على أعضاء تنظيم «داعش»، و«بوكو حرام»، نجد أن استهداف الشباب والصغار قد امتدَ من سن الثامنة عشرة حتى ما دون ذلك بأربع سنوات.

كيف يمكن أن تساهم وزارة الثقافة فى حل إشكالية التطرف العنيف فى مصر؟

لا بد من وضع سياسة ثقافية جديدة قائمة على إشاعة التفكير النقدى، ونشر فكرة أن الثقافة لا بد أن تكون للناس وليس للمثقفين، لأن المثقف المصرى يستطيع فى ظل الثورة الرقمية الهائلة أن يستدعى من المواقع الرقمية ومواقع بيع الكتب الجديدة باللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية، أى شىء يريده، ويمكنه استدعاء جزء كبير من التراث الفكرى والفلسفى والأدبى فى الثقافات المختلفة من خلال المواقع الافتراضية، وبالتالى فالمثقف لم يعد بحاجة إلى دور وزارة الثقافة، إلا قليلًا، ولذلك أصبح أمرًا إلزاميًا وضروريًا أن تصل الثقافة إلى القرى، وأعنى الثقافة بشكل أشكالها، المسرح، والسينما، ومسرح القرية بالذات لا بد من تعميمه على مختلف القرى المصرية، وكذلك الحفلات الموسيقية، فنحن نرى انتشار الموسيقى الـ«كلاسيك» فى عواصم المحافظات، ولذلك لا بد أن تذهب الموسيقى الشعبية إلى الأرياف، والقرى، والمدن غير الكبيرة التى تعتبر شبيهة بالقرى فى صعيد مصر، حتى تصبح الموسيقى جزءًا من حياة الناس، ويصبح المسرح جزءًا من حياتهم، وكذلك السينما

وينبغى أيضًا أن تُقدم الكتب بأثمان زهيدة إلى الطلاب فى المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية وطلاب الجامعات، باختصار هناك حاجة إلى تغيير مفهوم سياسة الثقافة فى مصر، وهى أنها تُقدم فى المقام الأول للناس، وليس للنخبة، فوسائل التكون والتشكل الثقافى متاحة بسهولة لدى النخبة، أما بالنسبة للمواطن البسيط فى الأرياف، فهذا غير متاح، وهو أمر خارج استطاعته من كافة الجوانب.

البعض يصف الفن الذى يعرى التطرُف وينتقده بأنه فن ذو غطاء إيديولوجي.. كيف ترى ذلك؟

ربما هم يتوجهون بكلامهم إلى هؤلاء الذين يوظفون السينما، أو الدراما التلفزيونية، فى تقديم صورة كاريكاتيرية للإرهابى، ولكن المعيار الأساسى فى هذا الأمر هو اللغة الفنية والإبداعية التى تُقدم بها مثل تلك الموضوعات، لا بد أن يكون هناك استخدام جيد للتقنيات السردية، والتقنيات التلفازية والسينمائية، من أجل تقديم هذه الأعمال على نحو إبداعى، وفى هذه الحالة سيكون تأثيرها كبيرا ومردودها واسع الصدى، أما الأعمال «المؤدلجة» فغالبًا ما يكون تأثيرها محدودا بلحظة مشاهدتها، وتظل عاجزة عن الالتحام بتكوين وإدراك ووعى المتلقى.

هل تستطيع وزارة الثقافة وحدها أن تضطلع بمهمة التصدى للإرهاب أم أنها مهمة كافة الوزارات؟

التصدى للإرهاب هو سياسة مواجهة عامة تقوم بها السلطة الثقافية الرسمية، والمنظمات غير الحكومية، والأزهر الشريف، ووزارة التربية والتعليم، والكنيسة، فالمسألة ظاهرة عامة، وبالتتالى فهى لا بد أن تواجَه على صعيد السياسات التعليمية، والتربوية، والدينية، والثقافية، لا بد من تضافر مجموعة من السياسات تأتلف لتحقيق مجموعة من قيم الاعتدال، وإنماء الثقافة النقدية والتفكير النقدى فى مصر.

الجماعات المتطرفة أصبحت تستهدف الأجيال الأصغر سنًا.. ما تفسيرك لذلك؟

الشباب هم الفئة الجبيلية المستهدفة من إيديولوجيات التطرف الدينى، وبعض أنماط التطرف الفكرى والسلوكى، وحين نلقى نظرة على أعضاء تنظيم «داعش»، و«بوكو حرام»، نجد أن استهداف الشباب والصغار قد امتدَ من سن الثامنة عشرة حتى ما دون ذلك بأربع سنوات، وصولًا إلى منتصف العشرينات من العمر، وتلك هى الفئات المستهدفة لأجل التجنيد داخل تلك الجماعات. وفى بعض الوقائع امتدَ التجنيد، والغواية، إلى بعض الصبية، على نحو ما ظهر فى سوريا، وفى المناطق التى سيطر عليها تنظيم بوكو حرام، وفى بعض مناطق الصومال والعراق، بحسب ما أثبتت دراسات بعض الباحثين. وأحد محفزات الشباب للتطرف تتمثل فى ديكتاتورية السن الكبير.

أو ديكتاتورية الشيوخ فى إدارة شئون البلاد العربية ومؤسساتها، وبروز الفجوات الجيلية، وهيمنة الفئات الأكبر سنًا على المواقع القيادية وهيكل الفرص المتاحة، وهذا يؤدى فى بعض الدول والمجتمعات، كما فى مصر، إلى الشعور بالإحباط، وغياب الأمل، وهذا قد دفع بعض فئات الشباب والصبية إلى تبنى أشكال التطرف، أو اللامبالاة والسلبية.

ما دور السياسة التربوية فى الوقاية من التطرُّف؟

دور التربية فى الوقاية من التطرف يحتاج إلى ميزانية زمنية، تمتد إلى الأجل الطويل حتى يمكن تحقيق بعض النتائج، فأى استراتيجية تربوية جديدة تحتاج إلى قدر من الوقت على المدى الطويل حتى تؤتى بعض الثمار الإيجابية. نحن فى مرحلة يمكن أن نطلق عليها مرحلة «ما بعدية»، تتداخل فيها مجموعة من أنظمة التنشئة الاجتماعية التسلطية، والتنشئة الدينية التسلطية، وفيها تشكلات جديدة دور حول الحرية، والنقد، وحقوق الإنسان، وحرية التدين والاعتقاد، ومجال عام رقمى يتسم بحريات بلا حدود، عمليات تشكل سريع للفردانية والفرد فى المجتمع المصرى.

تلك الثورة الرقمية تسرع من عملية ميلاد الفرد فى مصر، صحيح أن هناك أفرادًا صنعوا أنفسهم بأنفسهم، أو من خلال قنوات وأساليب مختلفة، لكن على الأقل الفرد الآن فى طور الميلاد المتسارع فى المجتمع المصرى، وهذه النقطة تعد مهمة، لأن صياغة أى سياسة تربوية، أو تعليمية، تقوم على التفكير النقدى، لا بد لها من وجود الفرد، وأى فرصة لبعث وتشكل الديمقراطية الكاملة، تحتاج لوجود الفرد والنزعة الفردانية فى المجتمع، وهى تتشكل بوتيرة سريعة فى أعقاب ثورة ٢٥ يناير

هل لديك كتاب جديد تقوم بإنجازه خلال الفترة الحالية فى هذا الصدد؟

أنجزت بالفعل الطبعة الثانية من كتاب «تجديد الفكر الدينى»، بعد أن أضفت إليه الكثير من الفصول والمحاور، وسيُنشر خلال الفترة المقبلة صادرًا عن دار بتانة للنشر.

ما الفرق بين الموضوعات التى تناولتها فى طبعتى كتابك؟

أكدت فى الطبعة الأولى للكتاب أن تجديد الفكر الإسلامى هو تجديد أولى فى بنية العقل الإسلامى، يرمى إلى إحداث تحولات فى نظم التفكير، والمقاربات المنهجية، وآليات التفكير، والبحث، والمقارنة، تستهدف إعادة النظر فى بنية الموروثات الفقهية والإفتائية، وذلك بهدف تطوير وتجديد العلوم الإسلامية النقلية والكلامية، وإعادة النظر فى دراسة هذه العلوم من منظورات متعددة، والسعى إلى مقاربتها تاريخيًا، وسوسيو ثقافيًا، وسياسيًا.

وكانت تلك المحاولة التجديدية ترمى إلى طرح الأسئلة، والإشكاليات الجديدة، ومسألة الإجابات القديمة، بهدف تحريك الجمود العقلى والنقلى، ومواجهة أسئلة العصر المُعولَم، وما بعد الحديث، وما بعدهما، من خلال الاجتهاد العقلى، والشرعى، والفلسفى، والسياسى. كما أننى أشرت فيها إلى بعض الأسباب التى أدت إلى جمود الفكر والخطابات الدينية، ومنها التأثر بالفقه الوهابى والسلفيات الأخرى فى أعقاب ثورة عوائد النفط، ونظام الإعارات لبعض الأزهريين إلى الجامعات العربية النفطية. أما الطبعة الثانية فهى تعالج بعض المفاهيم الجديدة من منظور مختلف

ما البواعث التى دفعتك إلى إضافة فصول جديدة إلى الكتاب؟

موضوع تجديد الفكر والعقل الدينى الإسلامى كان ولا يزال أحد شواغلى البحثية منذ كتابى الأول «المصحف والسيف.. صراع الدين والدولة فى مصر»، فى أوائل ثمانينيات القرن الماضى، وافتتاح مشروعى البحثى أولى أهمية كبرى للدين والدولة، وبنية الموروث النقلى الوضعى، وتأويلاته الفقهية والكلامية، والأسباب التاريخية والمنهجية السائدة فى مدارس الفقه والكلام الإسلاميين، والتى تعيد إنتاج الأسئلة والمفاهيم والمقولات الموروثة داخل كل مذهب ومدرسة فى واقع تاريخى مختلف ومغاير. هذا عن الباعث الأول. أما الباعث الثانى، فهو معرفة أسباب توارث الجماعات الإسلامية السياسية لبعض هذه الاتجاهات الفكرية، وتبنيها لها، دون اجتهاد أو مراجعات، والبحث فيما وراء النزعة التأويلية المحافظة أو المتشددة، وانتقائيتها، واستخداماتها الإيديولوجية من بعض هذه الجماعات، وتوظيفها لهذا الانتقاء الفكري التأويلي المنتزَع من سياقاته، من أجل أن يعبر عن مصالحها في الانقلاب المسلح على السلطات الحاكمة العربية.

وفى السعي إلى التوغل المجتمعي الكبير عبر أساليب التجنيد، والعنف، وتغيير أنماط القيم والسلوك اليومي. والباعث الثالث هو التغيرات الكونية الكبرى في إطار الثورة التكنولوجية الرابعة وما تطرحه من تحديات على العقل العربي بشكل عام، والعقل الديني بشكل خاص، ومحاولة البحث في إمكانيات استخدام بعض المناهج الحداثية وما بعدها في العلوم الاجتماعية لدراسة أزمات الفكر الديني.

هل يمكن «عصرنة» الفكر والمقولات التي يقدمها الأزهر الشريف؟

مؤسسة الأزهر الشريف لم تكن على مدار التاريخ كتلة فكرية صمَاء، وإنما لعبت أدوارًا تاريخية في مواجهة الاستعمار الغربي، وفى الدفاع عن الهوية الوطنية المصرية، ونستطيع القول إن بعض علماء الأزهر الشريف تفاعلوا مع تحديات التحديث والحياة العصرية من خلال الاجتهاد، والتأويل، ومحاولة تحديث الفكر الإسلامي، والإجابة عن أسئلة وإشكاليات التغير الاجتماعي التحديثي.

كما أننا نستطيع أن نؤكد دون شك أن تجارب التجديد في الفكر الديني وعلم الكلام جاءت من قلب علماء الأزهر الشريف، وعلى رأسهم الرواد الشيخ خليفة المنياوي، واضع أول تقنين مدني على المذهب المالكي في أيام إسماعيل باشا، ثم المشايخ الكبار ومنهم محمود شلتوت، ومحمد عبدالله دراز، وعبد المتعال الصعيدي، ومحمود بخيت، ومن قبلهم الشيخ مصطفى المراغي تلميذ الشيخ محمد عبده، وآخرون

وهناك أيضًا الاتجاه الليبرالي الإسلامي الذى مثله وفق بعض المؤرخين العميد طه حسين، وأحمد أمين، وعلى عبدالرازق، ومصطفى عبدالرازق، ثم المدارس التاريخية التى حاولت استخدام مقاربات منهجية فى العلوم الاجتماعية الحديثة لأجل دراسة التاريخ الإسلامى ومدارسه الفقهية والكلامية، ومنها على سبيل المثال مدرسة الدكتور عبدالمجيد الشارفى وغيره فى تونس، ومحمد عابد الجابرى، وعبدالله العروى، وآخرون فى المغرب، ومحمد شحرور، والطيب تيزينى فى سوريا، والجزائرى الفرنسى محمد عبدون، وهى محاولات بغض النظر عن مدى توفيقها أو إخفاقها، إلا أنها تشير إلى أن البعض حاول طرق باب الاجتهاد الفكرى فى بحث أزمات التجديد تاريخيًا.

هل يمكن تجديد الفكر الدينى «من الداخل»؟ وهل هى مهمة رجال الدين المتواجدين بدوائر الدولة الرسمية بالأساس؟

الوضعية الراهنة للجمود النقلى، بالإضافة إلى شيوع النزعات المتطرفة العنيفة والإرهابية وتعقيدها تشير إلى أنه من الصعوبة بمكان، لأسباب فكرية ومنهجية، أن تقتصر عملية التجديد فى الفكر على علماء دين فقط، أو على المؤسسات الدينية الرسمية، وإنما هى إشكاليات تتطلب فتح باب الاجتهاد وفق ضوابطه أمام جميع الباحثين والمفكرين ورجال الدين جميعًا، لا سيما ذوى النزعة الاجتهادية ممن يمتلكون المخزون المعرفى والأدوات والمنهجية التي تسمح لهم بدرس وتحليل الأزمة سعيًا وراء إيجاد تصورات جديدة.