الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

عفرين.. حصان طروادة داعش في سوريا

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ظن متابعون أن تنظيم "داعش"، انحسر في سوريا، بعد سلسلة الضربات، التي تلقاها على يد قوات التحالف الدولي من جهة، والنظام السوري وروسيا من جهة أخرى، إلا أنه في الأسابيع الأخيرة، توالت التقارير التي تكشف أمورا صادمة للغاية حول حقيقة الأوضاع على الأرض، وأن التنظيم ليس فقط بصدد إعادة تجميع صفوفه، وإنما يعود أيضا بقوة وبشكل أكثر شراسة. ولم يجد التنظيم صعوبة في استئناف تمدده على الأرض، لأن الأرضية كانت مهيأة لمثل هذا التطور، في ظل تناحر الأطراف التي تحالفت في الحرب ضده، بل وقتال بعضها البعض أيضا، مثلما يحدث بين الأكراد والجيش السوري الحر.

وبدت العملية العسكرية التركية في مدينة عفرين شمالي سوريا، كلمة السر في عودة التنظيم بقوة، لأنها أحدثت شرخا جديدا بين الأطراف المتصارعة في سوريا، والتي اختلفت في كل شيء، واتفقت فقط على محاربة التنظيمات المتشددة.

وجاء الهجوم الواسع، الذي شنه مؤخرا النظام السوري وحلفاؤه على محافظة إدلب، في شمال سوريا، ليزيد كذلك من فرص نجاح التنظيم في إعادة تجميع صفوفه، في ظل الاتهامات التي يرددها البعض، حول وجود داعش هناك، ويستغله نظام بشار الأسد لشن حرب لا هوادة فيها، للتخلص من عدد كبير من المعارضين له، والقضاء أيضا على مقاتلين من "هيئة تحرير الشام"، المحسوبة على تنظيم القاعدة، حتى وإن تسبب ذلك في قتل آلاف المدنيين، على غرار ما حدث سابقا في حلب.

ويبدو أن الأسوأ لم يقع بعد، في ظل الاتهامات المتبادلة بين أطراف الصراع في سوريا، بأنها مستفيدة من بقاء "داعش"، لاتخاذه ذريعة، لمهاجمة أعدائها، وتحقيق مصالحها الخاصة هناك، لدرجة أن البعض ربط بين عودة التنظيم في شرق سوريا، والسباق المحتدم بين إيران والولايات المتحدة، للسيطرة على هذه المنطقة الاستراتيجية، التي يتواجد بها النفط وتشكل كذلك عنصرا جوهريا في مخططات طهران لإقامة "هلال شيعي" يمتد من حدودها مرورا بالعراق، وسوريا، ولبنان، وصولا إلى البحر المتوسط.

ورغم أن هناك قلة في الإحصائيات والبيانات الرسمية، حول أماكن تمركز "داعش" الجديدة في سوريا، إلا أن التقارير الغربية، التي صدرت في الأسابيع الأخيرة، كشفت بعض الغموض في هذا الصدد، لدرجة أن صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، عنونت " داعش يعود سريعا في سوريا، وبشكل قاتل، بعدما تفرق أعداؤه، وأصبحوا يحاربون بعضهم البعض".

 

شهادة كوبيرن

وفي تقرير لها في ٥ مارس، قالت "الإندبندنت"، إن داعش بدأ في الفترة الأخيرة في تجميع صفوفه من جديد في سوريا، مستغلا حالة الصراعات والنزاعات، التي تفاقمت هناك.

وأضافت الصحيفة أن ما يحدث في عفرين، وحالة الحرب القائمة بين الأكراد والنظام السوري من ناحية، وبين الأكراد السوريين وبين تركيا من ناحية أخرى، سهلت على داعش العودة من جديد.

وتابعت "من المبكر للغاية القول إن داعش انتهى في سوريا، وأصبح من الماضي، لأن عناصر التنظيم الإرهابي متواجدون، وبكثرة في سوريا، وفي المناطق الحدودية مع العراق". ونقلت الصحيفة البريطانية عن قائد كردي بارز، قوله:"إن هناك أكثر من ١٧٠ من مقاتليه لقوا مصرعهم خلال معارك مع مقاتلي داعش خلال الأسابيع الستة الأخيرة في شمال سوريا، وذلك لأن التنظيم عاد بقوة، واستطاع أن يسترجع قواه من جديد".

وبدوره، كتب باتريك كوبيرن، محرر الشئون العسكرية في "الإندبندنت"، من الرقة في شمال سوريا، قائلا:" إنه شاهد بعينيه عشرات القبور المخصصة لدفن مقاتلين من الميليشيات الكردية المسلحة شمالي سوريا خلال معارك مع داعش، وذلك بعد ثلاثة شهور من إعلان هزيمته، وهو أمر ما كان ينبغي أن يحدث إن كان التنظيم قد انتهى فعلا".

وأضاف كوبيرن أن زعيم مجموعة كردية مسلحة اشتبكت مع مقاتلي داعش في منطقة دير الزور شرقي سوريا، أبلغه أن مسلحي التنظيم برزوا فجأة من المجهول، وأطلقوا النار على أفراد مجموعته.

وخلص كوبيرن إلى القول: "إن مساحة الأراضي، التي سيطر عليها التنظيم في أقصى تمدد له عام ٢٠١٥ كانت تماثل مساحة المملكة المتحدة، وإنه رغم تراجعه في ٢٠١٧ وانحساره في جيوب متفرقة شرقي سوريا، وغربي العراق، إلا أنه يعود بشكل سريع ومخيف للأراضي السورية من جديد".

 

تكتيكات جديدة

وبدورها، قالت صحيفة "الفايننشال تايمز" في تقرير لها في ٤ فبراير الماضي، إن تحالفات عدة متنافسة شاركت في الحرب على داعش في سوريا، مثل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، الذي دعم الميليشيات التي يقودها الأكراد، ومثل التحالف بقيادة روسيا وإيران، الذى دعم الرئيس السوري بشار الأسد. وأضافت الصحيفة " بعد أشهر فقط من السيطرة على أكبر معاقل داعش في سوريا، وإعلان روسيا وإيران هزيمة التنظيم، فإن التوترات المتصاعدة، والطموحات الجديدة للقوى الإقليمية والدولية المتنافسة على الساحة السورية، حولت التركيز بعيدا عن جيوب داعش المتبقية".

وتابعت " الهجوم التركي في عفرين ومناطق أخرى في شمال سوريا ضد الميليشيات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، والتي قاتلت بنجاح داعش، زاد أيضا من فرص عودة التنظيم". ونقلت الصحيفة عن أحد رموز المعارضة السورية، قوله إن "داعش بعيد عن الانتهاء، وربما يكون هناك رغبة لدى العديد من الأطراف في ترك ما تبقى من التنظيم، حتى تتمكن من مهاجمة أعدائها".

ورصدت "الفايننشال تايمز"، تكتيكات عودة التنظيم، قائلة: "في ٢٠١٧ بعد سقوط الرقة عاصمة التنظيم المزعومة على يد قوات الأسد، التي يسيطر عليها الأكراد، والمدعومة من الولايات المتحدة، واستعادة قوات النظام المدعومة من روسيا مدنا كدير الزور والميادين والبوكمال (شرقا)، بدأ مقاتلو داعش بالتسلل إلى المناطق الحدودية الصحراوية التي يسهل اختراقها بين العراق وسوريا".

ونسبت الصحيفة إلى أحد الزعماء القبليين في شرق سوريا، قوله أيضا: "إن مقاتلي داعش لا يحاولون السيطرة على المدن، ما يفعلونه هو فتح الطرق، هم بحاجة فقط إلى ربط جيوبهم المتبقية، وخلاياهم النائمة المنتشرة في جميع أنحاء سوريا، من الحدود الجنوبية، وصولا إلى البوكمال شرقا، ما يساعدهم على سهولة الحركة مجددا".

كما أبرزت "الفايننشال تايمز"، اتهامات روسيا والولايات المتحدة في الأشهر الأخيرة حلفاء كل منهما على الأرض بالسماح بعودة داعش في شرق سوريا تحديدا، خاصة أنه توجد قاعدة عسكرية أمريكية في التنف، بالقرب من الحدود مع الأردن والعراق، فيما تتواجد ميليشيات موالية لإيران في البوكمال. وحسب الصحيفة، فإن التوتر بين إيران، والولايات المتحدة، زاد بعد إعلان واشنطن في فبراير الماضي عن نيتها بإبقاء ٢٠٠٠ جندي أمريكي في شرق سوريا لردع داعش، ومواجهة الوجود المتزايد لإيران.

وتابعت "الإيرانيون يسيطرون فعليا على البوكمال، والتحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة، يمكن أن يستخدم القضاء على داعش، ذريعة للسيطرة على منطقة شرق سوريا".

ونسبت الصحيفة للمرصد السوري لحقوق الإنسان، قوله أيضا إن سيطرة داعش على الأراضي في سوريا تقلصت من ٥٠٪ إلى ٣٪ أواخر العام الماضي، لكن في الشهرين الماضيين ارتفعت هذه النسبة إلى ٣.٧٪، بعد أن سيطر التنظيم على ٨٢ قرية في شمال غربي البلاد.

وخلصت "الفايننشال تايمز" إلى القول:" إن داعش يعيد تنظيم صفوفه فى سوريا، رغم الهزائم التى تعرض لها، إذ يستغل الخلافات بين صفوف أعدائه للعودة بقوة".

وفي السياق ذاته، قالت وكالة الأنباء الفرنسية في تقرير لها في ١٧ فبراير الماضي، إنه رغم استعادة النظام السوري وميليشيات إيران مدينة البوكمال بمحافظة دير الزور شرقي سوريا من قبضة داعش أواخر العام الماضي، إلا أن التنظيم لا يزال يسيطر على ٢٥ ٪ من دير الزور الغنية بالنفط.

وأضافت الوكالة أن التنظيم لا يزال منتشرا أيضا في جنوب دمشق، في حي اليرموك، الذي يضم مخيما للاجئين الفلسطينيين، وحي الحجر الأسود، كما يتواجد في حمص "وسط"، و"درعا" جنوبا، فيما استغل التنظيم هجوم النظام السوري على إدلب "شمالا"، للعودة إليها، بعد طرده منها في ٢٠١٥، على يد قوات المعارضة السورية.

 

شبح حرب عالمية ثالثة

ويبدو أن الكارثة لن تقتصر على عودة داعش، إذ حذرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية من أن هناك سباقا محموما بين القوى الأجنبية لفرض نفوذها في سوريا، بسبب تنوع مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية، ما سيؤدي إلى صراع إقليمي ودولي أوسع.

وأضافت الصحيفة في تقرير لها في مطلع مارس، أنه في فبراير الماضي، استهدفت غارة أمريكية عددا غير محدد من المتعاقدين مع الجيش الروسي في شرق سوريا، وأسقطت قوات نظام بشار الأسد مقاتلة إسرائيلية جنوبي سوريا، ما دفع إسرائيل لاستهداف عدد من المواقع التابعة لإيران داخل سوريا، فيما شنت تركيا عملية عسكرية ضد الأكراد في عفرين شمالي سوريا.

وتابعت "وول ستريت جورنال"، أن التطورات الخطيرة السابقة، جاءت نتيجة الطريقة،التي اتبعتها هذه الدول في الحرب على "داعش"، إذ سيطرت بعضها على أراض، فيما قامت أخرى بتسليح ميليشيات، ما أدى إلى تفاقم الصراعات في سوريا، وظهور مناطق ساخنة جديدة هناك قد تشتعل فيها مواجهات بين القوى الكبرى والإقليمية، بل واحتمال امتداد الحرب أيضا خارج حدود سوريا.

وأبرزت الصحيفة الأمريكية المناطق الساخنة الجديدة، وهي "عفرين" في شمال سوريا، وكذلك في الشرق، حيث تتنافس الولايات المتحدة وإيران، وأيضا في الجنوب، حيث تتواجد ميليشيات مدعومة من إيران، ما قد يشعل حربا بينها وبين إسرائيل.

وبصفة عامة، فإن داعش في ٢٠١٤، تمكن من السيطرة على ما يقارب من نصف سوريا وثلث العراق، معلنا دولة خلافته المزعومة، ويبدو أن الظروف، لا تزال مهيأة أمامه لتكرار هذا السيناريو الكارثي، في حال لم يتم إنهاء الأزمة سريعا في سوريا، والتي قد تتطور كذلك إلى حرب عالمية ثالثة.