الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

ثورة 1919.. شرارة أججت نار الإبداع

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم تكن ثورة 1919، التى تحل ذكراها فى هذه الأيام من شهر مارس، مجرّد انتفاضة شعبيّة لها ما يبرّرها سياسيًا بسبب وجود الاحتلال الإنجليزى الجاثم على صدور المصريين آنذاك، ولم تكن مجرد واقعة سياسية شاهدة على توحُّد المصريين بكافة أطيافهم واختلافاتهم وحسب، وإنما كانت الينبوع الذى فجَّر شرارة الإبداع، وشحذ طاقات الابتكار، لدى جيل كامل، بل لدى أجيال من الشباب والكبار، وليس أدل على أهمية تلك الفترة المحوريّة فى تاريخ مصر إلّا مسمَّى "جيل 19"، الذى أُطلِق على جيل الكتّاب والفنانين والمفكرين الذين خلّفتهم تلك الحقبة.
ولم يكن من المعقول فى ظل ذلك الزخم الثورى والثقافي الذى اتسمت به هذه المرحلة أن تمر الثورة دون أن تصوّرها الأعمال الأدبيّة والفنيّة من وجهات نظر مختلفة، لعل أول هذه الأعمال رواية "عودة الروح"، للراحل الكبير توفيق الحكيم.
هذه الرواية التى لا تعد مجرد رواية رومانسية واجتماعية تدور أحداثها فى بيت ملىء بالشخصيات فى ظل قصة حب محورها جارة جميلة، وإنما كانت رواية تصوّر شعبًا بأكمله عبر تمثيله فى أسرة جمعها نفس المشهد فى البداية والنهاية. 
وقد ظهرت فى هذا العمل، الذى يعد من أهم الأعمال فى فجر القصّة المصرية، الروح الواحدة المتمثلة فى أسرة جسَّدت سمات الشعب المصرى عندما مر بظروف عصيبة، كما صوّرت مرحلة الأزمة التى عاشها الشعب فى عام 1919، فبات الشعب كجسد واحد عادت إليه الروح فى تلك الفترة الفارقة من تاريخ مصر، وقد التفَّت تلك الروح حول رمز الثورة وزعيمها سعد زغلول. 
واستعرضت رواية "بين القصرين"، للراحل الكبير نجيب محفوظ، المسارات الحياتية لأسرة "سي السيد" خلال فترة الاحتلال الإنجليزي قبيل اندلاع "1919"، بدءًا من رب الأسرة الذي يتعامل بصرامة شديدة مع أفراد عائلته، بينما هو يعيش ليلًا حياة من اللهو والانحلال، وإبنه فهمي الذي ينضم ﻹحدى التنظيمات السياسية السرية، والابن الأكبر ياسين الذي يحذو حذو والده في ملاحقة النساء.
وقد تحولت "بين القصرين"، فيما بعد لفيلم عُرض فى 1964، للمخرج حسن الإمام، بطولة يحيى شاهين، وآمال زايد، ومها صبرى، وصلاح قابيل، وعبد المنعم إبراهيم، وهالة فاخر، ونعمت مختار، وسمير صبري، من تأليف يوسف جوهر، فكان الفيلم الأول الذى تناول ثورة 1919 فى السينما المصرية، حيث عرض للمرة الأولى فى 14 ديسمبر 1952، بعد جلاء الاحتلال الذي كان يمنع عرضه، وتبدأ أحداث الفيلم من اندلاع الثورة فى التاسع من مارس عام 1919، وتستمر لمدة سبع دقائق تقريبًا، قبل أن يعود الفيلم "فلاش باك" ليقص علينا حكاية الزعيم مصطفى كامل، وهكذا يقدم لنا المخرج فى مشاهد.
وصوّرت رواية "قصر الشوق"، لمحفوظ، حياة أسرة السيد أحمد عبد الجواد في منطقة الحسين، بعد وفاة نجله فهمي في أحداث الثورة، وتعرض حكاية الإبن الأصغر كمال، الذى كبر ورفض أن يدخل كلية الحقوق، مفضّلا المعلمين، لشغفه بالآداب والعلوم والفلسفة، وكذلك يتعرض لحياة نجلتي السيد أحمد وأزواجهم وعلاقتهم ببعض، وزواج ياسين وانتقاله إلى بيته الذي ورثه من أمه في قصر الشوق، وتنتهي أحداث القصة بوفاة سعد زغلول.
وفى رواية "1919"، للكاتب أحمد مراد، نجده يصوّر عوالم شخصيات تعود إلى تاريخ ثورة 1919، بدءًا من سعد زغلول وأم المصريين، وحتى الأميرة نانا، التى ستصبح الملكة نازلى ذات الصيت الأكثر جدلًا فى تاريخ القصر الملكى، وحتى فدائيى الثورة، وعلى رأسهم أحمد عبد الحى كيرة، الذى عاش فى ظل حياة قاسية ينتقم فيها لذكرى أب رافق سعد زغلول، وقُتل غدرًا، ولأم باتت أسيرة منزل قاتم لا تدخله شمس إلّا بحساب، أحاط بشخصياته التى تناولتها أوراق التاريخ، وأضفى عليها قبسًا من خياله، ليؤكّد بعمله أن ثورة 19 مازالت هى المنبع الذى يفيض بثراءه إلى الآن.