الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

أمين "الأعلى للثقافة" الأسبق في حواره لـ"البوابة نيوز": الخلافة وهم.. السلطنة العثمانية حصلت على بعد ديني لإرهاب أوروبا.. و"أردوغان" يرتكب جريمة تاريخية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

محمد عفيفى: مصر أنفقت على الدولة العثمانية وكانت مصدر قوة السلطنة.. تركيا الحالية موطن البيزنطيين أجداد اليونانيين والأتراك مجموعة من بدو الصحراء الوثنيين.. محمد فريد صنع أسطورة الخلافة لمواجهة الاستعمار.. وحسن البنا تبناها لخدمة أفكاره.. الأتراك لم يحترموا فكرة القوميات التى قامت عليها الدولة العثمانية بالأساس


لم تُذكر كلمة خلافة فى الدولة العثمانية على الإطلاق، ولكن اللقب المتعارف عليه حينها هو «سلطان»، غير أن المصادر التاريخية لم تذكر أن العثمانيين تولوا الخلافة، ناهيك عن الجزم بأن جدهم الأكبر كان مسلمًا بالأساس، فهم فى الأساس مجموعة من بدو الصحراء الثلجية، وكانوا وثنيين، علاوة على ذلك فإنهم حاولوا إلصاق كلمة خلافة بحكمهم لإرهاب دول العالم بفكرة الجهاد وأنهم قادة الإسلام. تفاصيل كثيرة وسرد تاريخى يُطلق سراحه الدكتور محمد عفيفى أستاذ التاريخ المعاصر فى جامعة القاهرة، والأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للثقافة، فى حواره لـ«البوابة» فى ذكرى انهيار ما يُسمى بـ«الخلافة» وسقوط الدولة العثمانية.


■ كيف ترى طريقة تعامل أردوغان مع التاريخ العثمانى؟

هناك عدد من الملاحظات حول أردوغان وطريقة تعامله مع التاريخ العثماني، أولا أردوغان يرى أنه وريث الدولة العثمانية، وهذا الكلام غير صحيح لأن الدولة العثمانية أكبر من اختزالها فى تركيا الحالية، والدولة العثمانية كانت كيانا سياسيا وثقافى يضم منظومة شرق البحر المتوسط بأكملها، وشاركت بها كل الشعوب، وكون أردوغان يختزل التاريخ العثمانى فى الجانب التركى فقط؛ فهذا الأمر يمثل عدم فهم للتاريخ، أو توظيف سياسى للتاريخ، والسلطان العثمانى كان يرفض أن يُقال السلطان التركي، والأكثر من ذلك أنه طوال فترة الحكم العثمانى وحتى النصف الثانى من القرن التاسع عشر، كانت كلمة تركى تُعد مسبّة أو نوعا من أنواع التحقير والتصغير، وكانت الدولة العثمانية والسلاطين يفضلون كلمة عثماني؛ لأنها تعنى الانتماء إلى كيان أوسع، ولكن كلمة تركى لم تكن لتظهر بمعناها الحالى إلا فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر مع تطورات قومية داخل الدولة العثمانية مع عملية «التتريك»، ولكن كلمة تركى كانت أقرب للسباب، وكان السلاطين العثمانيون يعتبرون السلطان العثمانى الذى لا يعلم اللغة العربية غير مثقف وغير متحضر، لذلك كون أردوغان يختزل تاريخ الدولة العثمانية فى نفسه أو فى أسطنبول أو فى العنصر التركى فهذه جريمة تاريخية، ونحن لا نهاجم تاريخ الدولة العثمانية، فالعرب هم من شارك فى الدولة العثمانية ولهم فى تاريخ الدولة العثمانية، وليس من حق أردوغان أن يحتكر هذا التاريخ لنفسه، لأن العثمانيين قالوا إنهم نتاج أو تطور للتاريخ الإسلامى الكبير، وعلى مستوى اللغة لم يقولوا اللغة التركية، ولم يكن لديهم القدرة ليقولوا اللغة التركية، ولكن كانوا يقولون اللغة العثمانية؛ لأن أغلب كلمات اللغة العثمانية كانت عربية وفارسية ثم تركية، وما حدث فى فترات لاحقة فى أواخر الدولة العثمانية وفى فترة كمال أتاتورك أن تم بعث كلمات تركية قديمة لتحل محل الكلمات العربية، ولكن خلال فترات طويلة جدا كانوا يقولون اللغة العثمانية ولم يكن بمقدور أحد أن يقول اللغة التركية؛ لأن اللغة كان أكثرها كلمات عربية، وحتى الشعراء العثمانيين لم يكونوا يقولون على أنفسهم أنهم أتراك، وكانوا يتفاخرون بكم الكلمات العربية والفارسية فى أشعارهم، لذلك فكرة أن يحتكر أردوغان هذا الإرث منفردًا هى فكرة مرفوضة، وحتى على مستوى الأكلات الشهيرة فهى أكلات البحر المتوسط بالكامل، لذلك هناك خلاف بين تركيا واليونان حول الأكلات، وهنا نرى أن أردوغان يوظف التاريخ لأغراض سياسية بحتة، ويحتكر التاريخ العثمانى فى شخصه، بينما العرب هم من لعب الدور الأكبر هذا التاريخ.

■ يراود أردوغان حلم عودة الخلافة وأنه سلطان كسابقيه.. هل هناك حقوق تاريخية تدفع أردوغان لمثل هذه الأفكار؟

أولا كما قلت، التاريخ العثمانى ساهم فيه العرب وليس حكرًا على الأتراك، وما يقوم به أردوغان يعد سرقة للتاريخ، ثانيًا الخلافة العثمانية ونحن هنا أمام مأزق تاريخى كبير، فليس هناك مصدر عربى واحد حتى القرن التاسع عشر يقول إن العثمانيين تولوا الخلافة، وهذا الأمر قضية مختلف عليها بشكل كبير، وقصة أن الخليفة العباسى الذى كان مقيمًا فى مصر والذى أخذه السلطان سليم الأول عندما غزا مصر وعاد به إلى أسطنبول وتنازل له عن الخلافة، فهذه قصة غير موجودة فى المصادر العربية، والأكثر من ذلك أن السلاطين العثمانيين لم يكونوا يفضلون لقب الخليفة، وحتى فى المسلسلات والأفلام لا تجد أحدًا منهم يقول الخليفة وإنما يقولون السلطان؛ لأنهم كانوا يعتمدون على قوة السلاح وقوة الغزو، وبالعكس من الممكن أن يضعوا لقب السلطان الغازي، وكلمة غازى عندهم لها دلالة كبيرة جدًا قد تتخطى مكانة كلمة الفاتح مثلًا، رغم أن كلمة الغازى ربما تحمل معنى سيئًا فى اللغة العربية، ولكن فى اللغة التركية تحمل دلالة طيبة وتعد مدعاة للفخر، فلا تفرقة فى اللغة العثمانية بين كلمة غازى وفاتح، ولا تفرقة بين كلمة ثورة وانقلاب، وكلمة انقلاب لديهم معناها ثورة، لذلك عندما تحدث ثورة يطلقون عليها كلمة «انقلاب»؛ لأن الكلمتين بنفس الدلالة لديهم ولا فرق بينهم، وهناك شكوك كثيرة حول حصولهم على الخلافة، والدليل أنه لا توجد مصادر عربية تقول إنهم أخذوا الخلافة، والمصادر العثمانية والتركية فقط هى ما تدعى ذلك، وحتى السلاطين العثمانيين أنفسهم لم يهتم أحد منهم أو يفتخر بلقب «الخليفة»، ولم يظهر توظيف سياسى للقب الخلافة إلا فى القرن التاسع عشر نتيجة الصراع مع أوروبا، وأنهم يحاولون الحصول على بعد دينى من أجل إرهاب أوروبا، وأنهم زعماء الإسلام، والأغرب من ذلك أن لقب خليفة كان قد فقد كل بريقه وكل سلطاته من قبل العثمانيين، لدرجة أن المماليك جاءوا برجل من الأسرة العباسية بعد سقوط بغداد على يد المغول، ووضعوه فى مصر وقالوا له أنت الخليفة، وكان رجل «بركة»، لا سلطة له وإنما كانت السلطة للمماليك قبل أن يأتى العثمانيون بمئات السنين، وهذا الرجل كان يخرج فى الأعياد بالبيرق النبوي، وكان يخرج فى أيام الحروب ليعطى البركة للجنود، وهذا الرجل العباسى نفسه الذى نقله العثمانيون إلى أسطنبول، ولقب الخلافة فقد قيمته وبريقه القديم لدرجة أنه كان هناك أكثر من خليفة فى الوقت نفسه، فكان هناك خليفة فى الدولة العباسية ببغداد، وكان هناك خليفة فاطمى فى مصر، وخليفة أموى فى الأندلس، وحتى أيام العثمانيين كان سلطان المغرب يسمى نفسه بالخليفة، وفى الهند بعض الناس أطلقوا على أنفسهم لقب الخليفة، وهذا يُبين لنا أن لقب الخليفة فقد قيمته، والإحياء الكبير للقب الخليفة لم يظهر إلا فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر، نتيجة ضغوطات كبيرة على الدولة العثمانية، فالسلطان العثمانى أعاد إحياء لقب الخلافة بمفهومه القديم لإرهاب أوروبا من ناحية، ولتخويف روسيا من ناحية أخرى، لأنه كان هناك مسلمون فى الجمهوريات الإسلامية التابعة لروسيا، وبالتالى من الممكن أن يهدد روسيا بالجهاد وهنا يظهر تسييس الخلافة، والعمل على إحيائها لدوافع سياسية.

■ كيف كان يُنظر لفكرة الخلافة فى مصر؟

الزعيم محمد فريد زعيم الحزب الوطنى، والزعيم مصطفى كامل فى بداية القرن العشرين، كانا لديهما فكرة أنه لا يمكن مواجهة الاحتلال الإنجليزى فى مصر ولا الاستعمار الذى بدأ يستشرى فى الكثير من البلدان العربية إلا من خلال الاحتفاظ بالحق القانونى بأننا ولايات عثمانية، وبالتالى الحق القانونى هو الذى سيدفع إنجلترا للجلاء، ومن هنا أصدر محمد فريد كتاب «تاريخ الدولة العلية» أى الدولة العثمانية، وأهداه للسلطان عبدالحميد الثاني، وهنا صناعة أسطورة الخلافة والخديو عباس حلمى الثانى ممثل الخليفة فى مصر.


■ هل تقصد أن محمد فريد هو من صنع أسطورة الخلافة العثمانية؟

نحن هنا أمام صناعة أسطورة الخلافة التى بدأها محمد فريد ثم يواصل بعد رشيد رضا وتأثر بالاثنين حسن البنا، وحسن البنا فى مذكراته كتب عن تأثره بمحمد فريد، وأن كتابه تسبب فى وهج فى لحظات الضعف التى تعيشها الدول الإسلامية فى بداية القرن العشرين، وأن الأمل الأخير فى عودة الخلافة والجامعة الإسلامية، ومن هنا انبهر الشاب الصغير حسن البنا بكتاب «تاريخ الدولة العلية»، ثم كتاب رشيد رضا من بعده عن الخلافة، ومن هنا نجد أنه تمت صناعة تاريخ أسطورى للخلافة، وكما قلت نجد أن السلطان العثمانى بالأساس لا يهمه لقب الخلافة ولا يعنيه فى شيء، ولقب السلطان وقوة الغزو هو الأهم بالنسبة لهم، وهنا التاريخ والأسطورة يلعبان دورًا كبيرًا.


■ هل الأتراك الحاليون هم أحفاد سلاطين الدولة العثمانية كما يدّعى أردوغان؟

كثير من الناس لا يعلم أن العثمانيين ليس لهم علاقة بتركيا الحالية، فالموقع الجغرافى الحالى لتركيا ليس له علاقة بالأتراك بالمرة، وهذه المنطقة أو الدولة كانت للبيزنطيين أجداد اليونانيين الحاليين، والأتراك موطنهم الأصلى جنوب الاتحاد السوفييتى وشمال الصين، وما حدث أن مناطق وسط أسيا كان يطلق عليها «المراعى الباردة»، وعندما يشتد البرد بها تهجم هذه القبائل على أى مناطق محيطة بها تمتلك الزراعة وتستولى عليها، فهم فى الأساس مجموعة من البدو ولكنهم بدو الصحراء الثلجية وكانوا وثنيين، ولذلك اللغات فى أوزباكستان يفهمها من فى الشيشان، ويفهمون اللغة التركية أيضًا وهى أقرب للغة اليابانية، ونتيجة قسوة الطبيعة فى هذه المناطق ونظرًا لضعف الدولة العباسية، بدأت هذه القبائل التركية يتم تجنيدها عسكريًا وبدأوا بالسلاجقة، ونتيجة دخولهم فى الخدمة العسكرية للدولة العباسية تحول جزء منهم من الوثنية إلى الإسلام، لدرجة أن هناك شكا كبيرا هل الجد الأكبر للعثمانيين أسلم أم لا؟ لأنهم كانوا قبائل وثنية، ولكن مع ذلك تم توظيفهم فى الخدمة العسكرية وتحولهم للإسلام، وأشهرهم قصة السلاجقة، وقصة العثمانيين جاءت من خلال هجوم المغول والتتار بالإضافة إلى قسوة الطبيعة، دفع قبائل الأتراك فى وسط أسيا بالزحف ناحية الغرب، وكانت هناك الدولة البيزنطية الموجودة فى تركيا الحالية وبلاد اليونان، وهم أجداد اليونانيين الحاليين، ومن هنا بدأت تضعف الدولة البيزنطية، ولذلك جاءت هذه القبائل التركية الفارة على أطراف الدولة البيزنطية واستولت على أجزاء منها، وبدأ التمدد شيئًا فشيئًا، وكانت قبيلة آل عثمان إحدى هذه القبائل. ومن هنا توسعت قبيلة آل عثمان على حساب الدولة البزنطية شيئًا فشيئًا من ناحية، ومن ناحية أخرى توسعت على حساب القبائل التركية الصغيرة، لتصبح أكبر إمارة أو قوة، وبعدها حصلت على جزء من الدولة البيزنطية والتفت حول منطقة البلقان وهى شرق أوروبا وكانت منطقة ضعيفة جدًا، وكانت منقسمة على نفسه، ومن هنا بدأت التوسع على حساب منطقة البلقان المسيحية فبدأت تقوى شيئًا فشيئًا، وهنا حدث التطور الكبير حيث كانت الدولة البيزنطية لم يتبق منها شيء سوى القسطنطينية، وهى أسطنبول الحالية، وكان حينها من السهل على السلطان محمد الفاتح الدخول إلى القسطنطينية وإسقاطها وتحويلها إلى إسطنبول دار الإسلام، ومن هنا اكتسبوا شهرة فى العالم الإسلامي، وهذا السرد التاريخى يبين لنا سبب الخلاف والقطيعة التاريخية بين الأتراك واليونانيين؛ لأن اليونانيين يرون أن تركيا الحالية هى فى الأصل أرض يونانية.

■ هل الأتراك لهم جنس وسلالة امتدت عبر التاريخ، أم أنهم خليط من أجناس مختلفة؟

تركيا الحالية ليست كيانا واحدا، والكثير من الناس يتصور أن تركيا الحالية عبارة عن شعب أتراك، وهذا الأمر غير صحيح بالمرة، فهناك أقليات عربية فى جنوب تركيا كبيرة جدًا، وبها أقلية كردية ومسيحية ويهودية، والنظر لأن تركيا الحالية كيان واحد نظرة مغلوطة، فتركيا كان بها شيعة وتم طردهم وكان بها أرمن وتم طردهم، وكان بها يونانيون، وأيام الحرب العالمية الأولى تم تبادل الأتراك الذين يعيشون باليونان، باليونانيين الذين كانوا يعيشون بالأناضول والذين تم ترحيلهم لليونان فتركيا عبارة عن خليط من مجموعة من الأجناس.

■ كيف تمت عمليات الإبادة للأرمن فى تركيا؟

فى بدابة الدولة العثمانية كان كل السكان سواء أكانوا عربا أو بربرا أو أكرادا يعيشون فى حالة أمن، والدولة العثمانية كانت تترك المساحة ليتعايش الجميع، ولذلك البداية العثمانية كانت بها سلام وأمان، والمشكلة بدأت فى القرن التاسع عشر مع بداية محاولات تتريك هذا الخليط، ومن هنا حدث الصدام، فعلى سبيل المثال، العرب رفضوًا فرض الحضارة التركية عليهم لأنهم يمتلكون حضارة أعلى وأكبر من الحضارة التركية بكثير، ففى البداية لم يكن هناك مشكلة؛ لأن الأرمن كانوا تجارا كبارا فى الدولة العثمانية، وكانوا يشغلون مناصب كبيرة فى الدولة، ومنهم نوبار باشا فى مصر وهو أرمنى فى الأصل، ولكن عندما بدأ الأتراك فى فرض حالة التتريك حدث الصدام بين القوميات المختلفة، ومن هنا بدأت مذابح تركية ضد العرب، ففى بيروت هناك «ميدان الشهداء»، وفى دمشق القوميون العرب الذين ذبحهم جمال باشا، والأمر نفسه حدث مع الأرمن، وكانت فكرة الأتراك تكمن فى فرض اللغة والحضارة التركية على الجميع على اعتقاد أن هذا الأمر سيؤدى إلى تماسك الدولة ضد العدو الأوروبي، وهذا الأمر ضد فكرة الدولة العثمانية فى نشأتها الأولى التى تركت حرية المعتقد والثقافة للجميع، وهو ميراث الدولة الإسلامية فى الأساس، وما حدث أن العرب استعانوا بالإنجليز والفرنسيين ضد الدولة العثمانية وقصة الشريف حسين ولورانس العرب، والأرمن استعانوا بالأوروبيين ضد الدولة العثمانية أيضًا، فالأتراك اعتبروا هذا الأمر خيانة، ومن هنا بدأوا مذابحهم ضد العرب والأرمن، ومن هنا جاء الصدام الدموى بشكل كبير، ولكن الأتراك لم يحترموا فكرة القوميات التى قامت عليها الدولة العثمانية بالأساس.

■ كيف كانت علاقة مصر بالدولة العثمانية خلال تاريخها المختلف، وهل كانت مصر تقبل بفكرة الخلافة؟

على ذكر كلمة الخلافة، الجبرتى وهو أشهر مؤرخ مصري، عندما تحدث عن العثمانيين والسلطان العثمانى استخدم لقب سلطان، ولم يستخدم لقب خليفة، وهو أكبر مصدر مصرى وعربي، وهذا الأمر يُبين أن كلمة خلافة لم يكن لها وزن أو قيمة، بدليل أن الجبرتى طوال تاريخه المكون من أربعة أجزاء كان دائم الاستخدام لكلمة سلطان، ولم يذكر كلمة خليفة، أما عن علاقة مصر بالدولة العثمانية، فمنذ أن فتحها السلطان سليم ولها مكانتها لدى الدولة العثمانية، أولا الموقع المصري، فمصر هى الدولة الوحيدة فى هذا التوقيت التى تطل على ناصيتين، فالجزء الأكبر من مصر فى أفريقيا، والجزء الأصغر فى أسيا، وقوافل الحج التى كانت تأتى من المغرب والجزائر وتونس وليبيا كانت لا بد لها أن تمر بمصر حتى تصل إلى أرض الحجاز، ومن هنا كان اهتمام الدولة العثمانية بمصر بشكل كبير، ثانيًا الأزهر وما له من دور كبير فى الحفاظ على اللغة العربية والثقافة، ثالثًا ثروات مصر الاقتصادية، فمصر كانت تصدر السكر للدولة العثمانية، وكذلك الأرز والغلال المصرية إن لم تصل أسطنبول لحدثت مجاعة، فالأرز المصرى كان له قيمة وتأكل منه أسطنبول وجنوب البحر المتوسط بالكامل، فمصر كانت أغنى ولاية، وكان يخرج منها غلال الحرمين الشريفين، والسلطان العثمانى كان حينها يحصل على لقب خادم الحرمين الشريفين، ولقب ملك السعودية الحالى حصل عليه السلطان العثمانى من قبل، ولذلك كان لزامًا على السلطان العثمانى أن ينفق على إطعام الحجاز وكان هذا الإنفاق من غلال يتم من خلال الخزائن المصرية، ولو لم تخرج هذه الغلال من المخازن المصرية لحدثت مجاعة، ولذلك عندما حدثت أزمة الوهابيين فى السعودية لجأ السلطان العثمانى لمحمد على والى مصر، وهذا يبين الدور الكبير لمصر التى تعد أهم وأكبر وأخطر الولايات لما لها من قيمة عند الدولة العثمانية.

■ ما أسباب انفصال مصر عن الدولة العثمانية؟

سلاطين الدولة العثمانية كانوا يخافون من ولاة مصر، ومن قوة وإمكانيات مصر الاقتصاد والسكانية، وكان الموقع المصرى والقوة المصرية تغرى أى وال لمصر للانفصال عن الدولة العثمانية والاستقلال بولايته، وكان هناك محاولات انفصال لمصر عن الدولة العثمانية، ولعل أشهرها على بك الكبير، الذى حارب الدولة العثمانية، وكان لديه مشروع للاستقلال ولكن تم القضاء عليه، ثم بعد ذلك محمد على الذى لم يأت من فراغ، ومحمد على رغم استعانة الدولة العثمانية بأوروبا لمحاربته ومعاقبته، إلا أنه استطاع أن يستقل بمصر والسودان، والسلطان العثمانى والدولة العثمانية تعلموا من تجربة محمد علي، فالمؤرخون الأتراك يتحدثون عن تأثر الدولة العثمانية بتجربة محمد على فى إصلاح منظومة التعليم فى الدولة العثمانية، لدرجة أنهم يقلدون محمد علي، وحتى عصر الخديو إسماعيل كان من ضمن أهدافه الاستقلال عن الدولة العثمانية، وعندما نظم الحفل الضخم لافتتاح قناة السويس، كان قصده أن يدعو كبار حُكام وأباطرة أوروبا ليوضح لهم دور مصر وأهمية مصر، ليضمنوا له استقلال مصر عن الدولة العثمانية، فدائمًا مصر لديها نزعة نحو الاستقلال مع الإحساس بأنها دولة كُبرى.

■ ما الأسباب التى أدت إلى سقوط وانهيار الدولة العثمانية؟

هناك أسباب كثيرة جدًا أدت لانهيار الدولة العثمانية، منها أن هذا العصر لم يكن عصر الإمبراطوريات الكبيرة، لذلك نجد أنه مع انتهاء الحرب العالمية الأولى الإمبراطوريات الكبيرة تسقط من تلقاء نفسها، وأشهرها الدولة العثمانية والإمبراطورية الروسية، وإمبراطورية النمسا والمجر، فالإمبراطوريات سقطت أمام عصر الدولة القومية، إضافة إلى أن الدولة العثمانية وقتها كانت رجل أوروبا المريض، وفكرة تدخل أوروبا فى شئون الدول العربية، تسبب فى الكثير من المشاكل ما أحدث مواجهات مع العرب والأرمن وخلف الكثير من الأزمات، ثم التحولات التى حدثت فى الاقتصاد العالمي، وحتى القرن السادس عشر كانت الدولة العثمانية هى القوة رقم واحد على مستوى العالم، وحركة الكشوف الجغرافية واكتشاف الأمريكتين والحركات الاستعمارية دفعت أوروبا لتكتشف مناجم ذهب فى الأمريكتين والدولة العثمانية لم يكن لديها هذه الاكتشافات الجديدة، وهذا الأمر دفع الدول الأوروبية للقوة والدولة العثمانية للتجمد، إضافة إلى الاكتشافات العلمية والتطور العلمى فى أوروبا والدولة العثمانية لم يكن لديها الموارد لتواكب هذه التطورات العلمية، بالإضافة إلى تغير طبيعة السلاطين، فالسلاطين العثمانيين الأوائل كانوا يعتزون بلقب «الغازي»، وكانوا يقودون الجيوش فى الحرب، أما السلاطين فى نهاية الدولة فكانوا مترفين ويخافون من الحروب وما يهمهم هو الترف، لذلك فقدت الدولة قوتها وهيبتها ولكل هذه الأسباب والعوامل ضعفت الدولة وانهارت.