الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

البريمادونا الفرنسية كارولين دوماس: العلاقات بين القاهرة وباريس قوية وراسخة.. "السيسي" يبذل قصارى جهده لخلق مناخ صالح للفن.. ووزيرة الثقافة المصرية تلميذتى ومن أعظم عازفى الفلوت فى العالم

 الفنانة الفرنسية
الفنانة الفرنسية كارولين دوماس في حوارها للبوابة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
العلاقات بين القاهرة وباريس قوية وراسخة
 الإرهاب سيفشل فى تركيع الشعوب ولن يقف فى وجه الفنون والموسيقى
 وزيرة الثقافة المصرية تلميذتى ومن أعظم عازفى الفلوت فى العالم
 «رجاء الدين» صاحب أجمل صوت «تينور»
 السفارة الفرنسية تُقدّم منحًا للمطربين المصريين
اعتادت الفنانة الفرنسية كارولين دوماس، مديرة الغناء فى المدرسة العليا للموسيقى فى العاصمة باريس، أن تحل ضيفة على أرض الفراعنة لتعليم الموهوبين من «أبناء الشمس»- كما تُسمّيهم، الكثير من الفنون التى دأبت عليها منذ كانت فى العاشرة من عمرها.
ولـ«دوماس»، تلاميذ فى العديد من الصروح الفنية فى جميع أنحاء العالم، وتتم دعوتها بانتظام لإعطاء الفصول الدراسية فى مصر والمغرب والصين وروسيا وجورجيا وغيرها، إلا أن أستاذة الموسيقى التى قامت بتدريب الكثير من الفنانين حول العالم تُفضّل دومًا تلاميذها المصريين.
وتزور كارولين دوماس القاهرة من جديد للمشاركة فى إعداد الفنانين الذين سيقدمون أوبرا «تورنادو» للعبقرى «بوتشينى» على مسرح دار الأوبرا المصرية فى يونيو المُقبل، التى يشارك فيها عدد كبير من مطربى الأوبرا من المصريين وغيرهم، بينهم الفنانات إيمان مصطفى، وداليا فاروق، وأميرة سليم، ومنى رفلة، وكذلك الفنانين رضا الوكيل ورجاء الدين وهشام قنديل وغيرهم.


المشروع يُقام بدعم من السفير الفرنسى لدى القاهرة ستيفان روميتيه، الذى يحمل إلى جانب صفاته الدبلوماسية حبه للفن وعشقه له، وهو من قام بدعوة أستاذة الأجيال الكبيرة للحضور إلى مصر وعمل هذا المشروع مع المصريين، لتقوم من خلاله بالاستماع إلى العديد من الأصوات المصرية ومن ثم اختيار الأفضل من بينهم ليسافروا إلى فرنسا وتقوم بتدريبهم هناك.

موسيقى منذ العاشرة
عن بداية عشقها للفن، تقول كارولين: «كم نحن فى حاجة إلى مزيد من الحب كى نتذوق الموسيقى. بالنسبة لى الفن هو الحياة منذ كنت فى سن العاشرة. لا يمكننى أن أتخيل أن أعيش من دون فن وموسيقى»؛ تحكى الفنانة التى تجاوزت العقد الثامن من عمرها عن بداية مشوارها مع الأوبرا والغناء: «منذ ولدت بالمغرب ثم انتقلت للعيش فى طفولتها إلى جنوب فرنسا هناك الناس ينشدون سويًا الغناء دومًا.
كنت أراهم أينما ذهبت إلى أى وكل مكان، ولذلك عشقت الموسيقى وذهبت لأدرس فى معهد الكونسرفتوار فى نيم الواقعة بجنوب فرنسا أيضًا، ثم بعد ذلك انطلقت إلى العاصمة باريس لأبدأ أولى خطواتى العملية فى طريق الفن والغناء». «الموسيقى تؤثرنى لأسبح فى عالم من السحر الأخاذ، لقد كنت أتصور فى شبابى أن الحياة هى الموسيقى وهى الأوبرا أيضًا بكل ما تحمله من ديكور وإضاءة وعازفين وآلات عزف. فنحن نهرب من رتابة الحياة اليومية لنعيش فى هذا العالم الخلاب الفاتن»؛ تتحدث أستاذة الموسيقى الفرنسية بحماس شديد عن تلك الأيام التى بدا من لمعة عينيها وكأنها استعادت ذكرياتها دفعة واحدة «التحقت بعد ذلك بالأوبرا كمطربة السوبرانو الأولى، أو من يُطلق عليها «البريمادونا»، بعد أن حصلت على الجوائز الثلاث الأولى فى حياتها، وتوالت بعد ذلك النجاحات، وسافرت إلى العديد من مدن وبلدان العالم لتقدم عروضا أوبرالية؛ كان منها اليابان، وشنغهاي، وروسيا، وبكين، والولايات المتحدة». فى الوقت نفسه تُشير إلى عشقها الثانى وهو «الرقص»، فتقول: «أعشق الرقص كوسيلة للتعبير عن كل شيء، هو متعة أخرى للحياة بدوره. وأنا صديقة لسيدة الباليه «أرمينيا»، وهى تعد من أفضل الأساتذة فى فن البالية». مُشيرة إلى عشقها للموسيقى الشعبية لدى البلدان التى زارتها «لأنى ولدت فى المغرب وحفظت هذه الموسيقى فى ذاكرتى».

تحرص كارولين، التى تمتلئ مكتبتها وغرفتها فى منزلها بالعاصمة الفرنسية، بالكثير من كتب علم المصريات، على زيارة مصر بانتظام كل عام، تأتى مرة أو اثنتين للمشاركة فى عروض دار الأوبرا المصرية وتدريب الموهوبين من فنانيها «قمت بتدريب الكثير من الفنانين حول العالم، وبخاصة فى مصر؛ كما أقوم بالتعاون مع مصريين كثيرين أساعدهم فى القدوم إلى مدرستى فى فرنسا لتلقى تدريب أكثر تميزًا؛ الكثير منهم كذلك ساعدتهم بعد تخرجهم حتى يصلوا إلى الانطلاق والنجاح، خاصة أن هناك الكثير منهم لديه صوت ممتاز، ولديه القدرة على التميز حول العالم»، قالتها وأضافت «وبعيدًا عن أجواء العمل لديَّ العديد من الأصدقاء هنا. ونقوم سويًا بالعديد من الرحلات السياحية. وأعترف أننى مفتونة بعلم المصريات وبتاريخ مصر العريق». أضافت «أشعر بالكثير من السعادة والغبطة عندما أقوم بتدريب الأصوات المصرية الجديدة. أنا قمت بتدريب الكثير من الفنانين حول العالم مثل: الصين وروسيا وأمريكا، ولكنى لم أجد مثل الود والدفء الموجودين فى مصر، كما لدى الكثير من الأصدقاء المصريين، لذلك أقوم بإعطاء الكثير من خبراتى للمصريين».

إيناس «ابنتى»
تشير كارولين فى حديثها، إلى أن السفارة الفرنسية فى القاهرة تُقدّم دائمًا العديد من المنح لشباب المطربين المصريين ذوى الأصوات المُميزة.
وتقول: «فى مدرستى حاليا فنان مصرى اسمه رجاء الدين، هو صاحب أجمل صوت «تينور» فى العالم وهذه السنة يبدأ الغناء فى العالم كله، فسيتنقل بين روسيا وإيطاليا وفرنسا فى مناسبات عدة وحفلات متنوعة».
وتابعت: «فى الحقيقة؛ فإن سفارة فرنسا ساعدته كثيرًا ليدرس فى مدرستى وأعطته منحة وانضم إلى صفوفى، وهناك تميز بشكل كبير وبدأ يُعرف فى العديد من الدول، وأتوقع له مستقبلًا باهرًا؛ وإذا كان العالم يعرف مصر فسيعرفها أكثر من خلال هذا الفنان، وطالما يُغنى فى مثل هذه المناسبات الكبيرة فسيتم ذكر اسم مصر مرات عدة فى العديد من المناسبات الخارجية».
لا يعرف الكثيرون أن عازفة الفلوت العالمية إيناس عبدالدايم، التى تولت رئاسة دار الأوبرا المصرية لعدة سنوات، ثم صارت وزيرًا للثقافة فى أحدث تعديل وزارى كانت من ضمن تلاميذ كارولين دوماس، التى وصفتها بأنها من أعظم عازفى الفلوت فى العالم».
يبتهج وجه الأستاذة الكبيرة عند ذكر تلميذتها المصرية التى طالما جمعتهما الصداقة بجانب العلم والعمل فى فرنسا، وتُضيف: «شعرت بفخر شديد جدًا عندما علمت بتوليها حقيبة الثقافة فى مصر؛ خاصة أننى أعرف إيناس منذ أكثر من عشرين عامًا، وجمعتنا علاقة قوية وأصبحنا صديقتين وكل منا كانت تزور الأخرى. ربما يظن البعض أننى أجاملها من أجل العمل، لكن إيناس صديقتى منذ زمن طويل».
تُضيف دوماس عن الوزيرة المصرية «أراها حقًا فنانة عظيمة بعدما اعتدت سماع عزفها فى حفلات متعددة، وعندما قمت بزيارتها مؤخرًا فى مكتبها لم أتمالك نفسى وقمت بالبكاء من السعادة. عندما ذهبت سألت عن إيناس وليس الوزيرة، فهى بالنسبة لى مثل ابنتي، وقلت لها أنا متأكدة أن والدتك كانت ستسعد أنك وزيرة الآن، وجمع بيننا حديث ودى مثل لقاء الأم بابنتها أو صديق بصديقه. أنا أيضًا أمى كانت تتمنى أن أصبح وزيرة، ولكنى وجدت تحقيق تلك الأمنية فى إيناس. وجدت فيها نفسي».

علاقات مصر وفرنسا
«شعب مصر مضياف وقد فتح لى هذا الأمر الباب على مصراعيه كى أرى فى مصر وشعبها وجهًا لا يُمكن أن يراه السائح العابر»، بهذه الكلمات بدأت كارولين الحديث عن العلاقات بين البلدين، وقالت: «وجدت فى المصريين عبقرية متميزة، وحب يشع من القلوب، وهذه المشاعر كثيرًا ما أفتقدها فى باريس حيث ضغوط الحياة ووتيرتها السريعة». عشق مصر لا ينتهى لدى البريمادونا الفرنسية صاحبة العديد من الأصدقاء المصريين الذين تسعد باستضافتهم لها فى أرض النيل؛ تؤكد كثيرًا خلال حديثها عن الجزء الموازى لحياتها الموسيقية وهو علم المصريات، الذى ربما ورثته عن طريق مواطنها جان فرانسوا شامبليون، الذى كان أول من فك رموز الحضارة المصرية، كانت مجهودات الرجل والكتابات التى تركها غيره فى هذا المجال الواسع هى ما دفعها للقراءة كثيرًا عن مصر وتاريخها «رغم أن الحظ لم يُحالفنى لكى أقوم بدراسات فى هذا المجال». لكنها رغم كل هذا العشق لم تستطع تعلم العربية «لكنى حفظت كلمتين أو ثلاث فقط مثل «إزيك» و«شكرًا»، وكم أود أن أتعلم العربية باللهجة المصرية؛ لأنى أحب هذا البلد، فكم من أمور مدهشة وساحرة يمكن أن تكتشفها على أرض الفراعنة».
قد يختلف برنامج زيارتها لكن الثوابت الفرعونية لدى دوماس لا بديل عنها «زرت العديد من الأماكن الأثرية فى مصر، فالحضارة المصرية حضارة عظيمة، وأنا مهتمة، ولكن أفضل الأماكن بالنسبة لى الأهرامات وبخاصة عرض الصوت والضوء، فكل مرة أقوم بزيارة مصر أحرص على زيارته وشاهدته عشرات المرات حتى إننى حفظته عن ظهر قلب، فأنا لى أصدقاء من مصر كثيرون، وفى كل مرة كانوا يقولون إننى سأنشغل أو أنسى وأننى لن أذهب للصوت والضوء فى هذه الزيارة، إلا أنهم يُفاجأون بأننى أذهب لأننى أشعر بسعادة بالغة هناك وسط الفراعنة».
الحديث عن مصر وعلاقتها بفرنسا لا ينتهي، ومن خلال زياراتها المُتعددة والمنتظمة إلى مصر أشارت دوماس إلى رؤيتها التغييرات التى حدثت فى الأعوام التى تلت الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وحتى تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى إدارة البلاد، وقالت: «أشعر براحة كبيرة فى مصر ولا أشعر بأى خوف على الفن؛ وبخاصة عندما استمعت إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى عندما تقابل مع الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، واللذين تحدثا بشكل كبير عن الفن ودوره فى تقريب الشعوب، وإصلاح ما فعله الإرهاب، فالإرهاب لن يقدر على ترهيب الشعوب ولن يقف فى وجه الفن والموسيقى»، وأضافت كارولين «أعلم تمامًا أن الأوضاع قد تغيرت ورغم الظروف الصعبة التى تمر بها مصر؛ فإن الرئيس السيسى يبذل قصارى جهده لخلق مناخ موات وأرضية صالحة. لم أشعر قط بالخوف وليس لدى أى هاجس يمنعنى من زيارة مصر، فهى كأنها وطني، والمواطن الفرنسى يعشق مصر ولديه فكرة طيبة عن شعبها. حقًا هناك إرهاب كثير فى العالم، ولكنى أحس بالأمن فى مصر، وأظن أن الفن بصفة عامة والموسيقى بشكل خاص يستطيعان إرساء السلام ونشره فى كل أنحاء العالم».

الفن والتطرف
تؤكد كارولين أن الفن هو القوة الناعمة التى تملك القدرة على الإشعاع الحضارى ونبذ الكراهية والعنف «كما أن الفن والثقافة يشكلان جسور التواصل الحضارى بين الدول؛ وقد ناقش السيسى عند زيارته لفرنسا مع الرئيس ماكرون سبل توسيع قاعدة التعاون والتبادل الثقافى بين البلدين؛ وأشارت إلى أن هناك تعاونا ثقافيا كبيرا بين مصر وفرنسا «فروابط التواصل بين مصر وفرنسا وطيدة وراسخة، وقد التقيت سفير فرنسا فى مصر ستيفان روماتيه، وهو بالمناسبة فنان موسيقى وعازف للبيانو والكمان. والرجل فى الحقيقة لا يألو جهدا فى توطيد الأواصر الثقافية بين البلدين. إن مصر لديها ثروة عظيمة من المواهب الغنائية المتميزة التى ستنطلق كالشرارة فى عالم الفن لتتوهج عندما تتاح لها الفرصة. وقد وقعت فى أسر هذه الأصوات، لدرجة أننى وصفتها بأنها «أصوات الشمس». وأنا على قناعة تامة بأن صيت وسمعة أى دولة ينبع من مطربيها». أشارت الموسيقية الفرنسية الكبيرة خلال حديثها كذلك إلى أنه كلما توغل الفن بداخل الشعوب كلما فقد التطرف فرصته فى الدخول إلى عقول أبنائها «هل أذن الإرهابى تطرب لسماع الموسيقي؟ وهل يمكن للموسيقى أن تجد طريقها للمتطرفين؟ لا أعرف، فالإرهابيون لديهم أفكار وأهداف محددة بعيدة كل البعد عن جوهر وماهية الموسيقي. فالاثنان يقفان على طرفى نقيض. الموسيقى تشترط القدرة على الحب وهو ما لا يُمكن أن نجده عند الإرهابي. لكنى آمل فى أن ترتقى الموسيقى بعقلية الشعوب وتمارس دورها الحقيقى فى تهذيب القلوب، فهى لغة عالمية لا تعرف الحدود، وإذا كانت هناك رسالة أود بثها إلى شعوب العالم؛ فهى رسالة حب. علينا أن نتحاب، وتلك هى حسنة الموسيقي؛ فهى وحدها كفيلة بلم الشمل وتأليف القلوب». تلفت كارولين فى نهاية حديثها إلى أزمة اللاجئين الذين تضرروا من الحروب التى اندلعت فى الشرق الأوسط فى الأعوام الماضية «موضوع اللاجئين مهم بالنسبة لي، إذ ترك هؤلاء اللاجئون بلادهم، فمعنى هذا أنهم يشعرون بالحزن والإحباط فيها، وعلى كل بلد بذل مجهود أكبر لاستقبالهم جيًدا؛ لكن ولأجل ذلك فلا بد من المال، لكن هناك مشاكل مالية فى بلاد أوروبا كلها. وعندما أرى على التليفزيون اللاجئين فى الشارع فى فرنسا أبكي، ولكن الإمكانيات المالية لا تكفى لمساعدة جميع اللاجئين، فالموضوع يتعلق بكل دولة وقدرتها على تحمل الأعباء المادية لاستقبال اللاجئين».