الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

"محمد": "عايش في أوضة مترين بالإيجار.. ونفسي أجمع حق الكفن"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
جلس على الرصيف، يحمل أوجاعه وهموم الزمن، تحيط من حوله مسابحه، وأحزانه، يبحث عما يخفف وجعه وأوجاعه بقليل من الجنيهات، فى يده اليمنى مسبحته، يتمتم بكلمات كلما اقتربت منه سمعتها بصوت متقطع «يالطيف.. يا صاحب الرزق والفرج».
تقترب منه قليلا حتى يقابلك بابتسامة خفيفة، لا تخفى حزنه وأوجاعه، وهو من الذين لم تمنحهم الحياة قليلا من السعادة سوى فى مسبحته وترتيله لورده اليومي، وهكذا يرى الدنيا «متاع زائف»، كمن دخل دورة المياه يحمل أثقالا تزول فى ثوان، ثم قال: «خير يا بنى عايز سبحة خفيفة، ولا بتحب الحاجة تبقى تقيلة فى يدك». هكذا عرض ما يبيعه بلهجته البسيطة، التى فشلت مدينة القاهرة فى أن تغيرها، مازال يحتفظ بموروثه من لهجة أهل الجنوب، رسمت على وجهه «علامة الصلاة» فزادته قبولا لدى الزبائن، يتابع حديثه: «شكلك مش بتاع سبح ربنا يهدي، ممكن تاخد خاتم، أقرأ عليه آيتين من القرآن يحفظك، واهى سنة، شيخ كبير زمان قالى، إن الرسول كان بيلبس خاتم».
أسند رأسه على كفيه بصوت متقطع يحمل الأوجاع والصبر فى آن واحد «يا صاحب الهم، إن الفارج الله»، سألته: «من كم سنة وأنت فى المهنة»؟ لم يرد وتوجه نحو القبلة رافعا يديه: «أيا من يجيب المضطر إذا دعاه، بشكى لعبد من عبيدك سامحنى على الذنب»، لن تشاهد فى حياتك رجلا أكثر صبرا منه، يرى أن الشكوى لغير الله ذنب.
وعلى الرصيف، يبتاع المسابح، ينادى فى الناس، يدعو الله ويرجوه، يبحث عن مخرج، فهو يرى أن كل ضيقة تمر به هى امتحان عليه أن يجتازه عبورًا للجنة، لا يبالى بغرفته فوق اسطح إحدى البنايات المتهالكة، والتى يدفع لها إيجارًا شهريًا ١٥٠ جنيهًا، فهو يراها لا تقل عن القصور، فلا فرق بينه وبين ساكن القصر سوى القبر، تحتضنه هو وأسرته المكونة من شاب وفتاة، وزوجته التى صبرت وتصبر حتى ينالا الجنة سويا كما قال: «مفيش حاجة دايمة غير القبر، مبفرحش من اللى بيشترى فيلا ولا أشوف حد راكب عربية بملايين، بدعى ربنا وأشفق عليه، حسابه هيكون تقيل، وأقول يارب خفف لو شاف الغلابة وقلبه مضعفش ليهم ولا حن».
يمر من حوله المئات بل الألوف يوميًا، لا يحفظ الوجوه، ولا الأسماء، وطلبت منه رقم هاتفه لعلى أن أجد من أهل الخير من يهون عليه ما تبقى من أيامه: «يا بنى تليفون إيه بس الاتصال بيبقى بربنا أحسن من الكل، ويوم ما تضيق علىَّ برفع سماعتى عليه، على الأقل لا رصيدى هيخلص، ولا ميرضاش يرد علىَّ، وبيرد ويدبر لى حالي، أنا مش عايز حاجة ولا هعيش أكتر من اللى عيشته، كل اللى طالبه ربنا يهون اليومين اللى فاضلين ويسترنى فى الموت بالكفن، ويراعى عيالى ومراتى من بعدى وربنا كريم ولا بينسى ولا بيسيب».