الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

"البوابة نيوز" في دير الأنبا هدرا بأسوان

 دير الأنبا هدرا
دير الأنبا هدرا بأسوان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هدرا.. «ابن أسوان».. مفسر الكتاب المقدس
أوصى تلاميذه بأعمال الخير.. والابتعاد عن ظلم الآخرين
أكبر دير أثرى فى مصر يضم معالم دينية نادرة
اكتشفه الأثرى الإيطالى مونريه دى فلارد فى عام ١٩٢٥.. ووصفه بأنه واحد من أكبر أديرة مصر العليا
لم ينل شهرة واسعة كغيره من الأديرة الأثرية، والتى أقل منه عمرًا، وكثيرًا يسقط من برنامج الرحلات للشركات السياحية أو الأفواج الفردية فى مدينتى الأقصر وأسوان، رغم إدراج الآثار له ضمن خريطة أسوان الأثرية. أحيانًا لا تهتم الرحلات الكنسية من القاهرة والمحافظات بزيارة هذا المكان كغيره من المزارات القبطية، ربما لبُعده ووقوعه أعلى جبل فى قلب صحراء أسوان؛ أيضًا لم يأخذ هذا المكان نصيبه الإعلامى الذى يستحقه كأثر مصرى قبطى يحوى أسرارًا مسيحية ومصرية له احتفالاته الخاصة كل عام. اهتمت محافظة أسوان مؤخرًا بعمل طريق مُمهد للوصول إلى هذا الأثر الهائل، والذى يحتفظ داخل جدرانه بأسرار قبطية فى مجال الفن والعمارة والهندسة التى سادت فى ذلك الوقت، يحكى أيضا أسرارًا تاريخية عن الأوضاع السياسية والاقتصادية لبلاد النوبة العظيمة، وما حل بها جراء هجمات البربر فى القرون الأولى للمسيحية.. إنه دير أسوان «الأنبا هدرا السائح الأثري» أو «دير سمعان» بالبر الغربي.. ربما خدم الحظ محررة «البوابة القبطية» بزيارة هذا الأثر فى إطار رحلة لزيارة آثار مصر الفرعونية بمدينتى الأقصر وأسوان.
اكتشفه الأثرى الإيطالى مونريه دى فلارد فى عام ١٩٢٥.. ووصفه بأنه واحد من أكبر أديرة مصر العليا
بعد الرجوع للمخطوطات القبطية والمراجع، قدم القمص مرقس تواضروس، خادم بدير الأنبا هدرا، بحثا مفصلا بعنوان «الأنبا هدرا السائح»، يحكى فيه قصة حياة صاحب الدير، وتاريخ نشأة الدير الأثري، والذى يشهد الدقة المعمارية التى بُنى بها وتميز مبانيه فى الداخل والخارج، والذى لا يوجد شبيه له فى دير آخر فى مصر.
ويقول: «إنه لم يكن أحد يسمع أو يعرف شيئًا عن الأنبا هدرا السائح والأسقف إلا فى محافظة أسوان التى لم يكن بها إلا كنيسة واحدة، هى كنيسة السيدة العذراء فى وسط المدينة، وكان آباء الكنيسة يقومون بصلاة القداس الإلهى فى دير الأنبا هدرا الأثرى غرب أسوان فى عيد وفاته ١٧، ١٨، ١٩ ديسمبر من كل عام، بعد الحصول على تصريح من هيئة الآثار لخدمة القداس الإلهى داخل الدير الأثري، وكانت إيبارشية أسوان فى ذلك الوقت تضم الأقصر وأسنا وأرمنت». 
فى ٢٢ يونيو من عام ،١٩٧٥ وفى عهد البابا شنودة الثالث الراحل، تأسست إيبارشية أسوان وكوم أمبو وإدفو، وتمت سيامة أسقفها فى ٢٣ يونيو باسم الأنبا هدرا أيضًا، وهو نفس اسم أول أسقف لأسوان من ١٧ قرنًا، وتعتبره الكنيسة أول أسقف لإيبارشية أسوان فى القرن الرابع الميلادي. 
دير فرض بقاءه عبر الدهور
على ارتفاع ٧٠ مترًا من سطح النيل بالشاطئ الغربى مقابل أسوان، يقع الدير الأثرى على هضبة متسعة تبعد عن الشاطئ بحوالى كيلو مترا، وهو الدير الوحيد الذى تحدى الزمن وفرض بقاءه عبر الدهور. وتبلغ مساحته فدان وربع الفدان، بحسب المراجع الكنسية، متخذًا شكل شبه منحرف، وشاءت العناية الإلهية أن تبقى قلالى الدير صامدة فى الوقت الذى ضاعت فيه معالم القلاية الباخومية فى جميع الأديرة.
تم تخريب كنيسة الدير، وبقيت القلالى لتصبح محط أنظار الباحثين وعلماء الآثار من بقاع الأرض كافة. وتتجلى فى مبانى الدير الهندسة المعمارية، حيث بُنى الدير على مستويين خضوعًا لتضاريس المكان المكون من وداى بُنيت عليه الكنيسة وحجرات الضيافة، والهضبة بُنيت عليها القلالى ومنافع الدير، ويتصل الوادى والهضبة بسلم غير منتظم الدرجات. 
تميز الدير بالأسوار المرتفعة يصل متوسط ارتفاع السور إلى ٦ أمتار والسُمك ٢ متر عند القاعدة، تتناقص تدريجيًا إلى أن تصل إلى متر ونصف المتر عند القمة، وبُنيت المداميك -كتل صخرية- من الحجر المهذب والطوب اللبن. 
ازدهر الدير بالرهبان وحوى حوالى ٣٠٠ راهب و١٠٠ تلميذ للتعبد والنمو الروحي. وطبقًا للكتب الكنسية المعتمدة، فإن دير الأنبا هدرا الأثرى كان عامرًا وبدأ فى الاضمحلال مع القرن الـ١٤ بسبب الغزوات الخارجية المتكررة وتدهور أحوال البلاد، ونتج عنها قلة عدد المسيحيين فى مصر بصفة عامة وفى الصعيد بصفة خاصة.
تتكون الكنيسة الرئيسية للدير من هيكل صليبى تتوسطه قبة، وفى أركانها حنيات ركنية وغرب الهيكل الصحن الذى يتكون من أكتاف من المبانى كانت تحمل قبتين متماثلتين فى منتصف الصحن وقبوات وقباب منخفضة تغطى الرواقين، وقد أضيفت حجرات شرق الهياكل. 
فى سنة ١٩٧٥، عثر أسقف أسوان على أيقونة أثرية للأنبا هدرا السائح بحجرة مغلقة بكنيسة العذراء، واشتركت الأيقونة فى أعياد الدير لأول مرة فى ١٩-٢ حتى ٢٢-١٢-١٩٧٥ واختتم الاحتفال فى الدير الأثري.
علماء أزاحوا الرمال عن الدير
اهتم الأثريون اهتمامًا كبيرًا بالدير وبذلوا مجهودًا مضنيًا فى استخراجه من تحت الرمال، وقاموا بدراسته وفك ألغازه بقدر المستطاع، وما زال الكثير من الأماكن والمعلومات مجهولة.
ويقول العالم الأثرى «ك.ك والتزر»، فى كتابه «الأديرة الأثرية فى مصر»: «إن اللوحات والأيقونات الموجودة بالأديرة والكنائس ليست أعمالًا فنية تعبر عن حرية الفنان، ولكنها كيانات حية تصور للعابرين أسس وأصول وجوانب إيمان الكنيسة القبطية الأرثوذكسية». 
ويقول عنه عالم الآثار الإيطالى مونريه دى فلارد، والذى سجل الآثار المسيحية، وقدم أول تصور للعالم عن ملامح الحضارة النوبية وتاريخها «إن هذا هو دير القديس سمعان وهو واحد من أكبر أديرة مصر العليا، وبالتأكيد الوحيد الذى حفظ لنا أوضاع وبيانات العصر الوسيط». أتى مونريه لمصر فى ٢٥/١٩٢٦، واهتم فى بعثته باستخراج الدير من جوف الرمال وقام بتنظفيه وتدعيم ما استطاع تدعيمه من خلال بعثتين، مقدمًا التفاصيل الكاملة للظروف التى أتت به لدير أسوان، بعد أن وجد كمية كبيرة من شواهد القبور تتراوح حوالى ٥٤ شاهد قبر باللغة القبطية، وكذلك ثلاثة صغيرة بكتابات بالخط الكوفى. 
اكتشاف كتابات تاريخية
العالم الأثرى الفرنسى جان كليدا ١٨٧١- ١٩٤٣ قام باستكشافات فى كنيسة الدير، من بينها ثلاث كتابات على أعمدة الكنيسة، اثنتان منها ترجعان لعام ١٤٠٤م، والثانية ١٣٨٨م، ولا توجد اليوم لأنها اختفت مع الأحجار التى كُتبت عليها. ويرجع إلى العالم الفرنسى الفضل فى اكتشاف ١١ شاهد قبر عام ١٩٠٣.
أول خريطة للدير
قام العالم الأثرى دى مورجان برسم أول خريطة للدير عام ١٨٩٣ ضمن مؤلفه «كتالوج آثار وكتابات مصر القديمة»، اكتشف أيضًا بلاطة مربعة بين أنقاض الدير بمقاس حوالى ٦٠ سم، تحمل نقوشًا قبطية وهى محفوظة الآن فى المتحف القبطى بالقاهرة. 
وجاء فى دليل «آثار العصر المسيحى فى أسوان» الصادر عن الهيئة العامة للاستعلامات للمحافظة: «دير الأنبا هدرا المعروف باسم دير الأنبا سمعان، يعود إلى القرن الخامس الميلادي، وهو دير محصن بموقعه الممتاز على ربوة تشرف على الصحراء من الشرق والغرب، والدير مُحصن لأنه مكون من مبنيين رئيسيين شرقًا وغربًا، يصل بينهما درج واحد، كما أنه يؤدى إلى باب مغلق لا يفتح إلا بناء على أوامر بفتحه.
ومع كل هذه التدابير الأمنية؛ فإن صوامع الرهبان كان يحميها قصر ويمكن قطع الصلة بينه وبين بقية أجزاء الدير، ليكون الرهبان فى مأمن حتى لو تمكن المعتدون من التسرب إليهم، ومع كل هذه الحيطة لم تمنع الغارات المتتالية بدافع النهب والسلب، وأشد غارتين كانتا فى القرن ٨ والـ١٣ ميلاديًا، واضطر الرهبان إلى ترك الدير فى أعقاب تلك الغارة الأخيرة، ولم يتبق إلا الكنيسة حيث كان يقصدها المصلون بانتظام».. أما بقية الدير فقد أصبح مسكنًا لعائلات البدو. 
ومع أن الدير يتبع مصلحة الآثار؛ فإن الطقوس الدينية تُقام بكنيسته أحيانًا بعد استئذان مفتش آثار أسوان، وقد تهدمت قاعات وملحقات الدير. أما شواهد القبور بجبانة الدير التى كانت تقع إلى الجنوب منه فقد نُقلب إلى متحف القاهرة والإسكندرية، وقد لوحظ أن تاريخ هذه الشواهد ينحصر فيما بين عامى ٤٤٥ و٥٣٩.. وسجلت جدران الدير كتابات زواره باللغة القبطية، والتى ترجمتها حرفيًا إلى اللغة العربية كالتالي: «يا أحبتى.. اذكرونى يا جميع من يقرأ هذه الكتابات الحقيرة، أن تطلبوا من الرب أن يغفر لى خطاياى الكثيرة، أنا الخاطئ كى يشفق ويترأف علينا الله ويغفر لنا الذنوب». 

الأنبا هدرا
«هدرا» هو ابن مدينة أسوان، سمى بـ«هدرا» والتى تعنى جرة ماء، لأن الناس كانت تشاهده وهو يحمل جرة ماء من مياه النيل ثم يمضى بها إلى صومعته، وكان الناس يشيرون إليه قائلين «أبو هدرا». 
وُلد هدرا فى القرن الرابع الميلادي، وكان منذ صغره مداومًا على الصوم والصلاة وقراءة الكتب المقدسة، ورفض الزواج، وسار «هدرا» إلى أحد الأديرة تاركًا أهله وأملاكه، متخذًا طريق شيخ الرهبان الأنبا بيمن -٣٥٠:٤٦٠- وصار تلميذًا له وطلب من معلمه أن يسمح له بالانطلاق لمكان خالٍ للتوحد، ولبى له الأنبا بيمن رغبته واصطحبه إلى مكان يسمى «المتوحدين»، إلى أن خبر الراهب هدرا وفضائله دفعت الكثيرين لزيارته لسماع تعاليمه، وهو ما دفعه إلى أن يذهب لمكان آخر لا يعرفه فيه أحد. فمضى إلى البرية وبعد مسيرة ثلاثة أيام سكن فى مكان الدير الحالي. 

تفسير الكتاب المقدس
اشتهر الأنبا هدرا بتفسير الكتاب المقدس، وكان يأتى إليه رهبان من الشام يسألونه على بعض المسائل الغامضة للكتاب، فكان يفسرها لهم ويفك غموضها وتميز أيضًا بالاهتمام الكبير بالغرباء والمساكين.
وعن ملابسات اختياره أسقفًا، تقول مصادر الكنيسة، إنه عندما مات الأنبا نيلامون الثاني، الذى رسمه البطريرك الـ٢٠ البابا أثناسيوس الرسولي، صار كرسى أسوان شاغرًا، وذهب أراخنة المدينة واجتمعوا بالرهبان الذين حضروا من الشام، فأثنى هؤلاء الرهبان على «الأنبا هدرا»، مما جعل الأراخنة يأخذونه رغمًا عنه بسرعة إلى البطريرك ثؤفيلوس الـ٢٣، وطلبوا منه رسامة هدرا أسقفًا لأسوان. وما أن عكف الأنبا هدرا على كرسيه حتى وعظ شعبه وتعليمه الإيمان المستقيم.
نياحته «وفاته» 
بعد مشوار طويل فى التعليم وتفسيرات الإنجيل، مرض الأنبا هدرا وشعر الكهنة والرهبان أنه سيفارقهم فاجتمع حوله لتوديعه، فعزاهم بكلامه الروحى وأوصاهم قائلًا: «اعلموا يا أولادى أننا عندما نقف فى الكنيسة نمثل قائمين أمام الله، فليكن وقوفنا أمامه بورع وتقوى وأدب يليق بحضرته المقدسة حتى نستحق الرحمة فى يوم الدين.. أحبوا بعضكم بعضًا بقلب سليم ولا تظلموا أحدًا.. ولا تتوانوا عن أفعال الخير والرحمة».. ثم باركهم وودعهم وأسلم روحه فى يوم ١٢ من شهر كيهك (١٧ ديسمبر) فى عهد الإمبراطور ثيؤدوسيوس الأول ٣٧٩- ٣٩٥. وبعد كل هذه القرون الطويلة تمت سيامة أول أسقف على أسوان حسب حدودها الإدارية بيد البابا شنودة الثالث فى ٢٢ يونيو ١٩٧٥، ورسم الأنبا هدرا الأسقف الحالى لأسوان. 

فى نهاية الدهليز شرقًا توجد حجرة تختلف فى هندستها وزينتها عن باقى الحجرات، حيث تميل الحجرة إلى الزخرفة الإسلامية. ويُظن أنها كانت غرفة لاستراحة واستضافة الغرباء والحجيج القادمين من شمال أفريقيا، بدليل تسجيل ذكرى أعلى جدرانها الغربى تقول إحداها «حضر العبد الفقير إلى الله معتمرًا على المشارف فى شهر صفر سنة أربعة وتسعين وستمايه، وهو يسأل الله بلوغ مقصده قبل الموت والسلام»، ويتضح منها أن الحجاج مروا على الدير للتزود بما يحتاجونه من مأكل ومشرب وهم فى طريقهم لقضاء فريضة الحج. 
وفى أعلى الجدار الغربى توجد ذكرى سجلها أحد الحجاج يظهر منها: «رحم الله من دعا له يقضى حاجته، بالإضافة إلى الأسماء التى توجد على الجدران، والتى تحمل أسماء إسلامية مثل: «الحاج محمد، علي، خالد، عمر، يونس.. وغيرها». 
وسجلت جدران الدير كتابات باللغة القبطية أيضًا، والتى ترجمتها حرفيًا إلى اللغة العربية كالتالي: «يا أحبتى.. اذكرونى يا جميع من يقرأ هذه الكتابات الحقيرة، أن تطلبوا من الرب أن يغفر لى خطاياى الكثيرة، أنا الخاطئ كى يشفق ويترأف علينا الله ويغفر لنا الذنوب». 

الحصن.. برج رباعى الأضلاع
الحصن، مبنى منفصل عن باقى مبانى الدير على شكل برج رباعى الأضلاع، ارتفاعه من ٣: ٤ أدوار، ودائمًا ما يكون الدور الأخير كنيسة الحصن، وغالبًا تسمى باسم الملاك ميخائيل، وهو قليل المنافذ. 
وحصن الأنبا هدرا الأثرى يقع على الشرفة العلوية، ومدخله يقع فى الركن الجنوبى الشرقى على مستوى سطح الأرض، ويتصل بالدهليز عن طريق طرقة شرقية، ومساحته ٢٤×١٨ متر، ولم يتبق منه سوى الحوائط الأربعة، وبعض الأحواض والتى يظن أنها كانت لتخزين المياه والترمس اللذين كانا يقتاتونهما الرهبان وقت حصار الدير بسبب الهجمات الخارجية. وفى نهاية مبنى الحصن يوجد برج الجرس المكون من ٣ طوابق.
طاحونة فى الدير
«المجمع» يقع شمال الدهليز، وهو عبارة عن ممر طويل يقسمه صف من ٤ أعمدة، تربطها بالحوائط الجانبية عقود على المحور، سقفه مكون من قباب صغيرة، وكان المجمع يتصل بمكان إعداد الطعام من خلال باب بالحائط الغربى شمالًا ويوجد وسطه نصف عمود من الطوب الأحمر.
أما (الأفران) و(المخازن) فتقع جنوب الدهليز من الخارج ويفصل بينهما طرقة صغيرة، ولا يزال رمادها ظاهرًا بصورة واضحة بالدير. 
أما الطاحون (الرحايا) فيقع فى المبنى نفسه، ومن الطرقة نفسها التى تفصل بين الأفران والمخازن توجد الرحايا فى الوسط شمالًا، وقد نحتت من الجرانيت الأحمر. والبعض يقول إن الطاحون كان يستخدم لطحن الحبوب، والبعض الآخر يقول إنها كانت لطحن الزيوت مثل السمسم والذى كان يُخزن فى حائط الحجرة الغربي. وُجد أيضًا بالدير (أحواض تكرير الملح) خلف الأفران والطاحون شمالًا، لتخزين المياه وتكرير الملح الذى يقتطع من الصحراء. حوى الدير أيضًا (معصرة) كبيرة لتكرير الزيوت لم يتبق منها إلا أطلال وبقايا الزيوت تأثرت بمناخ المكان. فى شمال الدير تراصت (أحواض الغسيل والحمامات) كل منهما فى صفين عمودى وآخر بزاوية قائمة.
أما (اسطبل الدواب ومذاود الجمال) فتقع فى الجزء الغربى الملاصق لسور الدير، وبُنيت على هيئة جمالون يستطيع الجمل دخوله واقفًا، واستخدم الدير الجمال لنقل المياه والمؤن، وأظهرت البعثة النمساوية أن الجمالونات ربما استخدمت لمخازن الغلال وليست مذاود للجمال. 
اشتهرت الأديرة الباخومية بكثرة (بيوت العمل) بها، فالراهب عامل أيضًا، وكل منهم فى حرفته التى كان يعملها قبل رهبنته. أما عن إمداد الدير بالمياه فلا يوجد أثر لبئر مياه جوفى بسبب ارتفاع منطقة الدير عن مستوى سطح النيل حوالى ٨٠ مترًا، ومن ثم فكر الآباء الرهبان فى بناء خزانات صغيرة ويقدر العلماء سعتها بـ٣٠ مترًا مكعبًا.

«الجبانة».. أجساد دون توابيت
تقع جبانة الدير فى الجنوب من الدير، وخصصت للرهبان الذين عاشوا به، وهى عبارة عن قبور متراصة واحدًا بجوار الآخر (أجساد فقط دون توابيت) واندثر بعضها تمامًا. تميزت الجبانة بغناها بشواهد قبورها (وهو اللوح المسجل عليه بيانات المدفون بالقبر) واكتشف الأثريون جزءًا منها فى ١٨٨٣ والجزء الأكبر فى ١٩٢٥، بدأت الشواهد باسم السيد المسيح، ثم تذكار اليوم والشهر والسنة التى توفى فيها الأب الراهب ووظيفته واسمه. وهناك شواهد وُجدت دون أسماء. أيضًا عُثر على شواهد قبور لأسماء نساء باسم «الأخت» وهو ما يفسر وجود دير قريب للراهبات فى هذا المكان قبل قرون بعيدة، ففى الشاهد ٦٩ راهبة باسم «جالوتروبيا»، والشاهد ٧١ باسم «ماكرينا»، و٤٨ باسم الراهبة «نيمفي». ومن بين أسماء الشواهد (مينا، ميناس، باخوم، بيشاتي، هاتري) نقل أغلبها للقاهرة بالمتحف المصرى والمتحف اليونانى بالقاهرة. 

«هدرا» أوصى بدفنه سرًا خلفًا لأنطونيوس وباخوميوس
سُجل الدير الأثرى لدى الأجانب باسم دير القديس سمعان (سان سيمون)، وهذا ما عرف به بين بعض الأثريين. وفى المخطوطات القبطية جاء باسم الأنبا هدري، وحاليًا تكتب الأنبا هدرا. وكان الأثرى «والترز» أول من قام بدراسة مقارنة بالدير وكل محتوياته من أسوار ومداخل الكنيسة ومحتوياتها، وقال: «بالرغم من أن هذا الدير معروف باسم القديس سمعان، فإنه مكرس على اسم الأنبا هدرا الذى أصبح أسقفًا لأسوان أثناء البابا ثؤفيلس ٣٨٩- ٤١٢م، ومن المستحيل معرفة التجمع الأول الذى أقام هناك فى ذلك التاريخ المبكر».
الوصف الهندسى للدير
يتكون الدير من باب رئيسى وسط الحائط الشرقى للشرفة السفلية، والتى تطل على النيل مباشرة، والباب الثانى يوجد بالشرفة العلوية ويستوى منسوبها مع الصحراء. وتقع الكنيسة جنوب الممر القادم من المدخل الرئيسى للدير والمؤدى للسلم الصاعد إلى الدور العلوى، وتبلغ مساحتها ٢٨ مترًا طولًا و١٨ عرضًا، وبُنيت أواخر القرن الـ١٠م، وهدمت فى القرن الـ١٣ على يد شمس الدولة توران شاه ملك مصر والشام، وهو فى طريقه للقضاء على حركة «الكنوز» الذين شنوا هجومًا على جنوب مصر- بحسب ما أرخه حسين مؤنس فى كتابه «أطلس تاريخ الإسلام»- واستخدم فى بنائها الحجر الرملى المعالج بطريقة بسيطة، وأحيانًا الجرانيت المربع لبناء الأعمدة، والطوب المحروق لكل الأقواس والقباب وباقى أجزاء الكنيسة. وطبقًا للحفريات التى وُجدت بالكنيسة أكدت أن الكتابات الآتية من الكنيسة تنحصر بين تاريخى ٧١٨ و٩٩١م، مما يعنى إعادة البناء للكنيسة كان لاحقًا على هذا التاريخ. وللكنيسة مدخلان؛ الأول فى النصف الغربى شمال حائط الكنيسة والثانى فى الحائط الجنوبي، وهو مسدود فى الوقت الحالي.
الهيكل والشرقية
الهيكل على شكل رأس الصليب، وتوجد حجرة خلف المذبح الأوسط كانت لحفظ أوان ومستلزمات الخدمة وتتصل بالهيكل عن طريق نافذة. أما الشرقية والموجود بها النافذة المذكورة فلم يتبق من معالهما سوى ما يميز أنها «الشرقية» كما رسمها عالما الآثار «دى مورجان وكليدا»، وتبين المنظر للسيد المسيح جالسًا على العرش، وزُينت جدران الهيكل بصور تحمل الذوق البيزنطى تمثل أشخاصا مرتدين ملابس طويلة ورءوسهم تحيطها هالة ذهبية، ويمكن رؤية سلسلة من ٢٤ شخصًا يحتمل أنهم يمثلون الـ٢٤ قسيسًا المذكورين فى سفر الرؤيا.

المذبح والمعمودية
يتضح من المبنى الأثرى أن للدير وكنيسته مذبحا واحدا فقط وتهدم تمامًا. أما المقصورة الغربية فتوجد نهاية صحن الكنيسة وفيها تقف السيدة العذراء بالوضع الأمامى بوجه كامل الاستنارة وعلى جانبيها ملاكان. أما معمودية الكنيسة فتقع فى الطرف الشرقى جنوب الكنيسة على عكس الطقس الكنسى، والذى يحدد موقعها بالشمال الغربى من الكنيسة، ولا يزال جزءا من جُرن المعمودية الفخارى باقٍ للآن. وعن المغارة الغربية للدير فتقع فى نهاية الجانب الشمالى للكنيسة، مكونة من ثلاث حجرات محفورة فى صخور الجبل، أكبرها مفتوحة على الكنيسة وما زالت رسوم سقفها موجودة لليوم، ويصف «مونريه» المغارة قائلًا: «فى هذا الجزء الأكثر أهمية فى الدير بأسره نجد مغارة مزينة برسومات من القرن الـ٧». احتوت الجهة الشمالية من الدير على فناء فسيح به مصطبة ملاصقة لسور الدير الشرقى ومرتفعة عن مستوى الأرض بثلاث درجات، وكان فى الأصل حديقة منزرعة بالنخيل والخضراوات. 

قبور الدير
خلف الكنيسة من جنوب شرق يوجد بعض الآثار لبعض القبور لم يبق منها سوى قبر فارغ مستطيل الشكل ممتد من الشرق للغرب، والقبر يجسد عادة الأقباط قديمًا وحتى الآن فى دفن الموتى؛ حيث يدفن الميت رأسه ناحية الغرب، أما قدميه فناحية الشرق. ويوجد نقش على أرضية القبر يخص راهبًا يدعى «أبيفانيوس» يعود تاريخه لـ٧٩٦م. أما ردًا على عدم وجود جسد للأنبا هدرا صاحب الدير، يقول العالم الأثرى «ك.ك والترز» «إن العادة الرهبانية كانت تجرى بدفن مؤسس الجماعة الرهبانية فى المغارة، ومع الوقت يتحول المكان إلى مزار ومركز لتلاميذه، وهو ما دفع مشاهير النساك مثل الأنبا أنطونيوس -أبو الرهبنة فى العالم- والأنبا باخوميوس -مؤسس نظام الشركة الرهبانية- بدفنهما سرًا دون احتفال، وهذا تفسير منطقى لعدم وجود جسد للأنبا هدرا، والذى أوصى به تلاميذه بدفنه دون احتفال أو ضجيج أو معرفة مكان جسده».
منطقة القلالى
القصر أو الدهليز عبارة عن صالة طويلة تمتد من الجنوب إلى الشمال فى نهايته بعض الفتحات والتى بها قليل من النور بالكاد يساعد العابرين على رؤية محتوياته. وعلى جانبى الصالة توجد قلالى الآباء الرهبان عددهم ٧ يمينًا و٥ يسارًا، وسقف القلالى على هيئة نصف برميل يعلوه سقف مستوى، وهو ما أعطى الفرصة لبناء الطابقين العلويين ويعود ذلك للعام ١١٥١م. 

٤ أسرة تحويها كل قلاية
يعتبر دير الأنبا هدرا الأثرى الوحيد الذى أعطى فكرة دقيقة عن هندسة القلاية الباخومية، فما تبقى من قلالى الدير يوضح أن كل قلاية كانت تحوى ثلاثة أو أربعة أسرة، كل سرير مشيد على هيئة زاوية منفرجة، أى أن السرير يعلو كثيرًا عن الرأس، لكى لا ينام الراهب نومًا عميقًا ويظل مسبحًا لله، وأعلى كل سرير طاقة لحفظ احتياجات الراهب القليلة، يوجد بالقلاية بعض الرسومات والزخارف؛ مثل رسم القربان ويلف منتصف حوائطها من الداخل شريط مزخرف بالصلبان والألوان، كما يتناثر على الجدران بقايا من الحروف القبطية. وطبقًا للنظام الباخومى فى القلالى يقول الأنبا غريغوريوس: «كان يقتضى ألا ينفرد الراهب فى غرفة واحدة، إنما كل ثلاثة من الرهبان يقيمون فى غرفة واحدة، يصلون ويشجعون بعضهم البعض، فى بداية حياتهم الرهبانية، ولا يسمح لأحدهم بالانفراد إلا بعد أن يثبت أنه بلغ قامة روحية تمكنه من أنه يرتقى إلى مرحلة التوحد المطلق».
أسباب هجرة الرهبان دير
ترجع هجرة الرهبان من الدير إلى العديد من الأسباب، من بينها تعرض الدير لهجمات قبائل البلميز منتصف القرن الخامس، مما دفع الأنبا أبيون، أسقف أسوان، بأن يبعث برسالة استغاثة إلى القيصر ثيؤدسيوس الثانى (٤٢٥- ٤٥٠م) طالبًا الحماية العسكرية. 
وقد تعرض الدير للترميم الجزئى فى القرنين الـ٨ والـ١٠ الميلاديين، وفى المرة الثانية تم التوسيع بحالته الموجود عليها الآن، والمرة الثالثة تمت على يد السلطان شمس الدولة توران شاه، الأخ الأصغر لصلاح الدين الأيوبى ١١٧٣، أثناء سيره إلى بلاد النوبة. ويقول المؤرخ لكنائس وأديرة مصر «أبو المكارم» فى القرن الـ١٢ «إن دير القديس هدرا فى الجبل الغربى عامر، ويبدو أن خراب الدير حدث فى القرن الـ١٣ بسبب اضطرابات البلميز وهجومهم على أسوان قادمين من النوبة». وكانت صعوبة الحصول على المياه أحد عوامل هجرة الرهبان الدير، لعدم قدرتهم على تزويد الدير بخزانات كافية، بعدما أصبح الحصول على مياه النيل عملًا صعبًا عليهم. طبقًا للكتابات الكنسية؛ فإنه فى عام ١٣٢١م دمر العرب ١١ كنيسة فى أسوان، ثم قُتل آخر الرهبان الذين كانوا فى الدير حتى القرن الـ١٤.. نتيجة لهذا الدمار هجر الدير نهائيًا وصار مأوى للأسر البدوية.