الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"داعش" في القوقاز يثير رعب روسيا.. الهجوم على كنيسة بداغستان يدفع موسكو لفتح تحقيقات حول العائدين من التنظيم الإرهابي.. وعودة 400 متطرف سوري وعراقي أبرز النتائج

داعش
داعش
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أثار إعلان تنظيم «داعش» مسئوليته عن الهجوم على كنيسة فى داغستان الروسية، مخاوف موسكو من عودة الروس المنضمين إلى داعش، أو ضخ دماء جديدة فى الجماعات المتطرفة فى الجمهوريات الروسية. جاء إعلان تنظيم داعش الإرهابى عبر وكالة أعماق للأنباء التابعة له مسئوليته عن إطلاق نار فى إقليم داغستان فى جنوب روسيا، والذى أسفر عن مقتل خمسة أشخاص رغم أنه لم يقدم أدلة تدعم ذلك.
كانت وكالات أنباء روسية قالت نقلا عن وزارة الصحة فى إقليم داغستان، إن رجلا أطلق النار على حشد أثناء خروجه من كنيسة بالإقليم، مما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص وإصابة ما لا يقل عن خمسة آخرين.
تحقيقات روسية
من جانبها بدأت قوات الأمن الروسية إجراء تحقيق حول علاقة محتملة لمنفذ إطلاق نار أدى إلى مقتل خمس نساء لدى خروجهن من كنيسة فى داغستان، بـ«منظمات متطرفة»، كما أعلن الكرملين الإثنين بعد إعلان تنظيم الدولة الإسلامية مسئوليته عن الهجوم.
وأيقظ الهجوم الأخير مخاوف روسية من تمدد جماعات متطرفة فى القوقاز، حيث غالبية السكان من المسلمين وحيث تدفع الأوضاع الهشة شباب المنطقة إلى أحضان الجماعات المتطرفة. وفتح المحققون رسميا تحقيقا حول «مقتل شخصين أو أكثر وتهديد حياة رجال الشرطة»، من دون استخدام تعبير عمل إرهابي، بعد هذا الهجوم الذى وقع الأحد فى القوقاز الروسى وقبل شهر بالضبط من الانتخابات الرئاسية الروسية. وقال المتحدث باسم الكرملين ديمترى بيسكوف فى ندوة صحفية، إن «تحقيقا يجرى مترافقا مع عمليات تدقيق تتعلق بانتماء المهاجم إلى منظمات متطرفة». وأضاف أن «التصدى للمنظمات المتطرفة فى المنطقة يتواصل بطريقة هادفة ومتناسقة». وفى كيزليار، شمال داغستان، أطلق رجل الأحد النار على مصلين بعد قداس أقيم عشية بدء الصوم الأرثوذكسى الكبير، فقتل خمس نساء وأصاب اثنين من عناصر قوى الأمن بجروح. وقتل المهاجم وهو مواطن من داغستان مولود فى ١٩٩٥، كما تقول لجنة التحقيق الروسية، خلال تبادل لإطلاق النار مع الشرطة.
تهديدات «داعش»
وكانت روسيا قد تلقت مرارا تهديدات من تنظيم «داعش» والفرع السورى لتنظيم القاعدة، بعد بداية تدخلها العسكرى فى سوريا فى ٣٠ سبتمبر ٢٠١٥. وأعلن تنظيم «داعش» مسئوليته مرتين فى ٢٠١٧ عن هجومين بالسكين فى روسيا لم تصفهما السلطات بأنهما «عمل إرهابي»، خصوصا فى سورغوت بسيبيريا فى ١٩ أغسطس أصيب فيها ٧ من المارة وفى داغستان فى ٢٨ من الشهر ذاته أسفر عن مقتل شرطى واحد. وتعتبر داغستان جارة الشيشان والتى يشكل المسلمون أكثرية سكانها، واحدة من أفقر المناطق وغير المستقرة فى روسيا. وهى هدف دائم للهجمات التى يعلن تنظيم «داعش» مسئوليته عنها أحيانا، والذى أقسم التمرد الإسلامى المسلح فى القوقاز الروسى يمين الولاء له فى يونيو ٢٠١٥، إلا أن هذه الهجمات تستهدف قوى الأمن عموما.
الروس المنضمون لـ«داعش»
ويعد الروس المنضمون للجماعات المتطرفة والإرهابية وعلى رأسها تنظيم «داعش»، أحد مصادر قلق الأمن الروسى من عودة هؤلاء لتنظيم عمليات إرهابية فى الداخل الروسي. وقال سكرتير مجلس الأمن الروسى نيقولاى باتروشيف سابقا، إن حوالى ٢٧٠٠ شخص من أبناء شمال القوقاز يقاتلون فى صفوف المنظمات الإرهابية فى سوريا والعراق، وأشار إلى الكشف عن ٦٦ شخصا كانوا يجندون المواطنين للخدمة فى صفوف التنظيمات الإرهابية والمتطرفة وخاصة «داعش» و«جبهة النصرة».
الأرقام التى ذكرها المسئول الروسى تأتى أقل مما رصدها مركز «سوفان» البحثى الأمريكي، حيث أشار إلى أن هناك ٣٥٠٠ مواطن روسى لصفوف تنظيم داعش الإرهابى فى سوريا.
وفى أكتوبر الماضي، ذكر «مركز صوفان» الاستشارى للشئون الأمنية «أمريكي» فى تقرير له، إن عودة ما لا يقل عن ٥٦٠٠ عنصر من تنظيم «داعش» من العراق وسوريا إلى دولهم، سيشكل تحديا أمنيا هائلا لهذه الدول، وذكر المركز أن روسيا شهدت عودة ٤٠٠ متطرف من سوريا والعراق
وفى نفس السياق فإن الترويج للفكر الراديكالى فى روسيا ليس قضية جديدة، إذ يستخدم المتطرفون فى شمال القوقاز دائرة واسعة من الوسائل للاستمالة والتجنيد، وهم يستهدفون بصورة خاصة الفتيات الروسيات، لإشراكهن فى تقديم الدعم اللوجيستى للمسلحين وعمليات الدعاية وتوزيع المواد المحظورة بما فى ذلك شرائط فيديو مروعة تسجل ارتكاب جرائم بشعة، وكل ذلك عبر أحاديث عن الحب وتعهدات بالزواج.
لكن عمليات التجنيد تجرى أيضا فى أماكن أخرى، ويمكن أن تبدأ من أحاديث بعيدة عن الجهاد، وذلك فى إطار دورة لتعليم اللغة العربية أو تاريخ الشرق الأوسط أو حتى فى مجموعة خيرية.
ويتوسع نشاط مروجى الفكر المتطرف فى منطقة شمال القوقاز والأماكن التى يتركز فيها المهاجرون من دول آسيا الوسطى. ويستخدم عملاء «داعش» شبكة الإنترنت بنجاح، كما أنهم يتسللون إلى مؤسسات تعليمية وثقافية ورياضية. وكانت محكمة سانت بطرسبورغ قد قررت الأربعاء ١٠ يونيو اعتقال زعيم خلية «حزب التحرير» فى المدينة. وتم توقيف المشتبه به الثلاثاء ٩ يونيو، بعد أن تأكدت الاستخبارات من أنه كان يعمل على تجنيد شبان لإرسالهم إلى «داعش» فى سوريا.
اللافت فى القصة أن المشتبه به إلياس كاغيروف داغستانى الأصل (٢٤ عاما) هو طالب فى جامعة بطرسبورج البحرية التقنية التى تتميز بسمعة جيدة.
«القاعدة» فى روسيا
عودة العمليات الإرهابية إلى روسيا خلال السنوات الأخير يشير إلى أن روسيا ستكون هدفا للجماعات المتطرفة على رأسها تنظيم القاعدة وتنظيم «داعش»، فالقاعدة لديها حضور تاريخى فى روسيا منذ نشأة القاعدة من رحم الحرب ضد السوفييت فى أفغانستان، ثم انتقلت إلى الجمهوريات الإسلامية فى الاتحاد السوفيتى سابقا خاصة فى مناطق القوقاز والشيشان.
وبين سنتى ١٩٨٧ و١٩٨٩ شاركت المجموعة التابعة لأسامة بن لادن فى معارك ضد القوات السوفييتية فى أفغانستان. وبعد انتهاء الحرب تحوّل «الجهاد» إلى الشيشان مع اندلاع الحرب الأولى (١٩٩٦-١٩٩٢). وتم تدريب هؤلاء «المجاهدين» فى معسكرات القاعدة فى أفغانستان، وهو ما تخشى روسيا أن يتكرر مرة أخرى بعد الحرب السورية.
وسبق أن وجه الرئيس فلاديمير بوتين، اتهامات فى مناسبات عديدة لـ«الولايات المتحدة باستخدام الإرهابيين لزعزعة الوضع السياسى الداخلى فى القوقاز والشيشان»، وقال إن «واشنطن ساعدت على صعود تنظيم القاعدة الإرهابى وعليها أن تدرك مسئوليتها عن ذلك».
وفى ٣١ أكتوبر ٢٠٠٧ بدأ على دوكو عمروف زعيم المقاتلين الشيشان تأسيس إمارة القوقاز، على أنقاض الحركة الانفصالية القومية لجمهورية الشيشان إتشكيريا، وتضم الإمارة كل جمهوريات شمال القوقاز وهى (داغستان، نخشيشو الشيشان وغلغايشو، إنغوشى وإيرستون أوسيتيا الشمالية وولاية كابردا بلكار ـ كرشاى المجتمعة وهى جمهوريتى قبردينو – بلقاريا وقراتشاى تشيركيسيا)
وبرغم العلاقة الوثيقة التى تربط إمارة القوقاز بمنظومة الجهاد العالمي،، إلا أن العديد من الباحثين والمحللين والأكاديميين يتعمدون التعتيم على هذه الحركة، بل إخفاءها عن الدوائر السياسية والشعبية الغربية. 
ودائما ما تحمل المواقع الإعلامية التابعة لإمارة القوقاز، ترجمة لكتب المنظرين من السلفيين الجهاديين من علماء السعودية والعراق على وجه الخصوص إضافة إلى رموز السلفية الجهادية مثل أسامة بن لادن وأيمن الظواهرى وأبومحمد المقدسى وأنور العولقي، فضلا عن كتب ابن تيمية وسيد قطب وأبوالأعلى المودودى وأبوبصير الطرطوسى والشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين والشيخ عبدالله بن محمد الراشد وغيرهم.
كذلك تحرص هذه المواقع على تعقب ونشر تصريحات وبيانات قادة القاعدة، حتى أنها نشرت خلال أيام فى أعقاب مقتل بن لادن فى مايو ٢٠١٢ ما يزيد على خمسة عشر مقالة وبيان له. كذلك تقدم هذه المواقع ترجمة روسية لمجلة Inspire، التى تمثل الذراع الإعلامية لتنظيم القاعدة، فضلا عن إعادة نشرها عام ٢٠١٠ لفتوى الشيخ ناصر الفهد (والتى يصفها هان بأنها فتوى سيئة السمعة) ثلاث مرات والتى تدعو إلى “استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد الأمريكيين الكفار”.
وعلى الجانب الآخر، حظى الجهاد القوقازى بدعم وتأييد من العديد من الشبكات المحسوبة على الحركة الثورية الجهادية العالمية وذات العلاقة الوثيقة بتنظيم القاعدة كشبكة أنصار المجاهدين والتى أعلنت فى ديسمبر ٢٠١٠ عن بدء حملة جديدة لدعم إمارة القوقاز، كما طلبت من المجاهدين والممولين دعم الجهاد القوقازي.
ومع بدء الصراع السوري، ساهمت إمارة القوقاز بقيادة دوكو عمروف، بإرسال المقاتلين الشيشان إلى سوريا. ويقوم عيسى عمروف، بالتنسيق مع معين أبومصعب وأودوغو وعثمان فرض الله والثلاثة مرتبطون بمعين أبومصعب فى سوريا، عبر الأراضى التركية، وهنالك أيضا شبكات عمل اخرى لإدخال المقاتلين إلى سوريا.
وفى سوريا هناك كتيبة تطلق على نفسها «مجاهدى القوقاز والشام» بقيادة سيف الله الشيشانى والتى أعلنت فى سبتمبر ٢٠١٣ استقلالها عن تنظيم القاعدة بشقيه فى سوريا.
ويبلغ عدد كتيبة «مجاهدى القوقاز والشام» نحو ٢٠٠ مقاتل بأسلحة خفيفة، لكن روسيا تقدر مواطنيها الذين يقاتلون فى سوريا إلى صف المعارضة بـقرابة ٢٠٠ مقاتل وفق ما ذكرته رويترز، وتعتبر «الدولة الإسلامية» و«جبهة النصرة» من المجموعات المدرجة ضمن لائحة الإرهاب.
الهجوم الأخير فى داغستان يعيد فتح الملفات القديمة الجديدة للجماعات المتطرفة والإرهابية فى روسيا، وهو ما يعنى مزيدا من الجهد الروسى لمواجهة «الذئاب المنفردة» فى الداخل الروسي.