السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

محمد أركون.. صاحب دعوة نقد العقل الديني

محمد أركون
محمد أركون
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ولد المفكر والباحث الأكاديمى محمد أركون، عام ١٩٢٨، فى بلدة تاوريرت ميمون الأمازيغية بالجزائر، وانتقل مع عائلته إلى بلدة عين الأربعاء فى ولاية عين تموشنت، حيث درس الابتدائية بها، ثم واصل دراسته الثانوية فى مدينة وهران.
ويذكر «أركون» أنه نشأ فى عائلة فقيرة، وكان والده يملك متجرًا صغيرًا فى قرية اسمها (عين الأربعاء) شرق وهران، فاضطر ابنه محمد أن ينتقل مع أبيه إلى هناك.
ويحكى «أركون» عن نفسه: أن هذه القرية التى انتقل إليها كانت قرية غنية بالمستوطنين الفرنسيين وأنه عاش فيها «صدمة ثقافية»، ولما انتقل إلى هناك درس فى مدرسة الآباء البيض التبشيرية، والأهم من ذلك كله أن أركون شرح مشاعره تجاه تلك المدرسة حيث يرى أنه «عند المقارنة بين تلك الدروس المحفزة فى مدرسة الآباء البيض مع الجامعة، فإن الجامعة تبدو كصحراء فكرية».
ثم درس الأدب العربى والقانون والفلسفة والجغرافيا بجامعة الجزائر، ثم بتدخل من المستشرق الفرنسى لوى ماسينيون، قام «أركون» بإعداد التبريز فى اللغة والآداب العربية فى جامعة السوربون فى باريس، ثم اهتم بفكر المؤرخ والفيلسوف ابن مسكويه، الذى كان موضوع أطروحته.
وفارق «أركون» الحياة فى ١٤ سبتمبر ٢٠١٠، عن عمر ناهز ٨٢ عاما بعد معاناة مع المرض فى العاصمة الفرنسية، ودفن بالمغرب. 
وأنجز محمد أركون مشروع فكرى كبير، يعد من أهم المشاريع الفكرية التى نمت على ضرورة التحديث، من خلال قراءتها للتراث وللنص الديني.
وأهم ملامح هذا المشروع تتمثل فى اعتقاد «أركون» بأن التراث الإسلامي- منذ انبثاقه فى لحظاته التأسيسية الأولى- لم يعالج ضمن إطار التحليل والفهم النقدي، والذى من شأنه أن يزيح اللثام عن المنشأ التاريخى للوعى الإسلامى وتشكل بنيته. والحال أن كل ما أنتج فى فترة ما يسميه «أركون» بالعصر التدشينى قد انصب كله على النص الديني، ففى هذه الفترة ظهرت علوم الفقه وعلوم الشريعة.. إلخ، ودخلت الفلسفة إلى البيئة الإسلامية، وحاول جل الفلاسفة الجمع ما بين العقل الدينى والعقل الفلسفى عبر تأويل النص الديني، فكيف لنا أن ندرس هذا التراث الدينى؟
يعتقد أركون بأنه لا يمكننا بلورة معرفة علمية تجاه التراث الإسلامى - الذى يشكل النص الدينى أحد ركائزه- إلا إذا أقحمنا المناهج التى ظهرت فى حقل علوم الإنسان والمجتمع، فاللجوء إلى هذه العلوم يساعدنا على تجاوز كل من المنهجية الإيديولوجية والمنهجية الوصفية السردية، لكى نسلط الضوء على منهجية نقدية وتفكيكية قادرة على تعرية التراث الإسلامى فى جميع مستوياته، وتمكننا من استحضار العديد من الأشياء المنسية، والتفكير فى كل ما لم يفكر فيه بعد، وفتح سجلات المستحيل التفكير فيه، ومن ثم معرفة الكيفية التى تشكل عبرها العقل الإسلامى فى جل المراحل التى قطعها، لكن القرآن، حتما، هو المرحلة الاولى، لذلك يدعونا أركون إلى التركيز وإعطاء أهمية قصوى على هذه المرحلة باعتبارها البداية والأساس، لأن فهم الأمور لا يتم إلا إذا فهمنا ما حصل فى البداية.
ويتوخى أركون من تطبيقه للمنهجية النقدية دراسة الظاهرة القرآنية فى شموليتها، من خلال تطبيق التحليل الألسني، والتحليل السيميائى الدلالي، والتحليل الاجتماعى أو السوسيولوجي، والتحليل الأنثروبولوجي، والتحليل الفلسفي، وعلى هذا النحو نحرر المجال لولادة فكر تأويلى جديد للظاهرة الدينية، ولكن من دون ان نعزلها أبدا عن الظواهر الاخرى المشكلة للواقع الاجتماعي- التاريخى الكلي.
ويطرح التحليل السيميائي- فى نظر أركون- نفسه بقوة على كل باحث يرغب فى ممارسة فكر تحرري، يرمى عبره البحث والكشف عن العديد من المناطق المظلمة فى أى تراث معين، وينطبق هذا الموقف بشدة على التراث الإسلامي، حيث يقول: «أصبح مؤكدا اليوم أن التحليل السيميائى يجبر الدارس على تمرين من التقشف والنقاء العقلى والفكرى لابد منه. يمثل ذلك فضيلة ثمينة جدا، وخصوصا أن الأمر يتعلق هنا بقراءة نصوص محددة، كانت قد ولدت وشكلت طيلة أجيال عديدة الحساسية والخيال الجماعى والفردي، عندئذ نتعلم كيف نقيم مسافة منهجية تجاه النصوص أو بيننا وبين النصوص المقدسة دون إطلاق أى حكم من هذه الأحكام الثيولوجية أو اللاتاريخية التى تغلق باب التواصل الفكري». 
ويقول «أركون»: إننا عبر المقاربة السيميائة، نتخذ مسافة منهجية تجاه النصوص الدينية، ونتجاوز فى مقابل ذلك القراءات التقليدية التى تقوم بعمليات الانتقاء والانتخاب وبتر النصوص من سياقها التاريخى ليتم إسقاطها بشكل تعسفى وبنفس الطريقة على الماضي، وعلى الحاضر، وعلى المستقبل عن طريق التأويلات الحرفية التى تحاول أسطرت الخطاب القرآنى والتراث الإسلامى عامة، لأنها تتجاوز المادة الاولية أو الأصلية باعتبارها معطى تاريخي- اجتماعى- ثقافى». إن علم السيميائيات يمكننا من استعادة التراث استعادة نقدية، عندما نتخذ مسافة بيننا وبين المواد المقروءة الأولية، ثم بيننا وبين كل المواد الثانية الثانوية التى أنتجها التراث فى آن معا.
ولئن كان محمد أركون، يلح على ضرورة الاستفادة من مجال علوم الإنسان والمجتمع، فإنه يريد أن يفكر فى التراث بأطر فكرية خارجة عن التراث؛ أى أنه يرغب فى بلورة قراءة معاصرة للتراث، وينأى عن كل قراءة تراثية له، بيد أن هذا يبدو فى نظر أركون مدركا صعبا، والسبب هو أننا نصطدم هنا بمواقع دوجمائية تشكل الهيكل الصلب لكل فكر يكون خطابا عن الإسلام بصفته دينا ونظاما من العقائد واللاعقائد.
والحال أن «أركون» فى جل كتاباته يطرح هذه الصعوبات ليحللها ويحدد منطق تفكيرها بغية تجاوز نمط التفكير المهيمن فى الثقافة الإسلامية، الذى يشكل عائقا أمام إطلاق مشروع تحديث الفكر الإسلامي، ذلك أن شرط انفتاح الفكر العربى الإسلامى لا يمكن أن يتم إلا بتفكيك الأطر الدوجمائية الخاصة بتراثه.