الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

جميلة بوحيرد.. أيقونة المقاومة الخالدة في مصر

المناضلة الجزائرية
المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وسط ترحيب كل المصريين، تقوم المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد بزيارة حالية لمصر للمشاركة في عدة فعاليات ثقافية، فيما تفتح هذه الزيارة صفحات مضيئة في ثقافة المقاومة.

كان المجلس القومي للمرأة برئاسة الدكتورة مايا مرسي، استقبل أمس الأحد في القاهرة، جميلة بو حيرد تكريما لدورها البطولي بوصفها أيقونة من أيقونات المقاومة الخالدة ضد الاحتلال والاستعمار وأعربت بوحيرد عن سعادتها البالغة بزيارتها الحالية لمصر معيدة للأذهان الصفحات المضيئة التي كتبتها المرأة المصرية في سجل الكفاح، والعطاء من أجل الوطن.

وقالت الدكتورة مايا مرسي إن جميلة بو حيرد صاحبة تاريخ حافل بالتضحية والإيثار وحب الوطن حتى باتت "رمزا خالدا للكفاح من أجل الحرية" لافتة إلى أ اسمها يستدعي دوما أسمى معاني النضال والتضحية وروح البطولة.

وتشهد جميلة بو حيرد في سياق زيارتها الحالية لمصر افتتاح فعاليات الدورة الثانية لمهرجان أسوان الدولي لسينما المرأة غدا الثلاثاء، وهي الدورة التي تستمر حتى السادس والعشرين من شهر فبراير الجاري تحمل اسم هذه المناضلة الجزائرية وتحضرها شخصيات سينمائية عالمية كالممثل الأمريكي داني جلوفر.

كانت وزيرة الثقافة إيناس عبد الدايم قد أعربت عن سعادتها البالغة بزيارة جميلة بو حيرد لمصر ووجهت التحية لهذه المناضلة الجزائرية التي ولدت عام 1935 في حي القصبة بالعاصمة الجزائرية مؤكدة على أنها ستظل دوما في قلوب الجميع.

وعندما اندلعت الثورة الجزائرية في بداية شهر نوفمبر عام 1954 انضمت جميلة بو حيرد وهي شابة في العشرين من عمرها لحركة المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي وقامت بعمليات فدائية حتى اعتقلت في العام 1957 بعد إصابتها برصاصة في الكتف لتتعرض لممارسات تعذيب وحشي على مدى ثلاث سنوات في سجنها وصدر بحقها حكما بالإعدام قوبل باحتجاجات عالمية ومشاعر غضب في كل مكان فعدل للسجن مدى الحياة إلى أن أطلق سراحها بعد نيل الجزائر استقلالها في العام 1962.

وإذ أكدت جميلة بو حيرد التي وصلت القاهرة مساء أمس الأول السبت أنها لن تنسى تضامن شعب مصر مع الثورة الجزائرية من أجل التحرر والاستقلال فإن هذه المناضلة تسكن بكل الإجلال في الذاكرة الثقافية المصرية كأيقونة للمقاومة ضد الاستعمار فيما ألهمت قصة كفاحها مبدعين مصريين مثل الكاتب والشاعر الراحل عبد الرحمن الشرقاوي الذي كتب رائعته "مأساة جميلة" كمسرحية شعرية تخلد بطولتها وصمودها في مواجهة التعذيب والحكم الاحتلالي بإعدامها قبل أن تقضي سنوات في سجون الاحتلال الفرنسي.

تأتي زيارة جميلة بو حيرد للقاهرة بعد نحو أسبوع من اختتام الدورة التاسعة والأربعين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب التي كانت الجزائر الشقيقة ضيف الشرف فيها بينما كان الكاتب والمبدع الراحل عبد الرحمن الشرقاوي الذي قضى في الرابع والعشرين من فبراير عام 1987 شخصية المعرض هذا العام.
وجميلة بو حيرد ألهمت الشعراء العرب بنحو 70 قصيدة من بينها قصائد لشعراء كبار كمحمد مهدي الجواهري ونزار قباني وصلاح عبد الصبور وبدر شاكر السياب فيما قال الشاعر فاروق جويدة" إن زيارة جميلة للقاهرة تحمل كل ذكريات البطولة والزمن الجميل" مضيفا" جاءت ابنة ثورة المليون شهيد إلى قاهرة المعز لتعيد ذكريات زمن الكرامة والشموخ الذي وحد شعوب هذه الأمة".

فهذه الزيارة ذات المضمون الثقافي الواضح تجدد ذكريات زمن تألقت فيه أسماء مثل المجاهدة الجزائرية جميلة بو حيرد التي خلدتها السينما المصرية بفيلم بتوقيع المخرج الراحل يوسف شاهين وقامت ببطولته الفنانة المصرية ماجدة الصباحي.

وإذا كانت الذاكرة الثقافية العربية تحتفظ بصيحة جميلة بو حيرد في وجه محكمة الاحتلال:"الجزائر أمنا" فإنها قد تستدعي بمناسبة زيارتها الحالية لمصر قصائد كتبها الشاعر الجزائري الراحل مالك حداد ودخلت بدورها في ثقافة المقاومة.

فهذا المثقف والشاعر الجزائري الكبير الذي ولد يوم الخامس من يوليو العام 1927 في قسنطينة وقضى في الثاني من يونيو عام 1978 أحد المبدعين الذين تركوا إبداعات خالدة حول "الأم" وكانت والدته تشعر بالجزع عندما يتعرض للاعتقال من جانب سلطات الاحتلال الفرنسي ليقول في قصيدته "بداية منفى":"جاؤوا إلى بيتي بقسنطينة..جاؤوا مساء فهم يزعجون الأحلام دوما في المساء..والدتي وجلة وبيتي يغمض عينيه".

ومالك حداد هو الذي خاطب بالحنين طائر الحسون في قصيدته "العودة" ليقول:" أيها الحسون حدثني عن والدتي" كما تحدث عنها في قصيدته "سأداوم الحراسة هذا المساء" كما استدعاها في "كليرمون فيرون" بقوله:"أمي تدعى يما وأنا اسميها والدتي" ثم إنه القائل:"كتبت دوما لأجل أن أستحق أمي".

وجميلة بو حيرد تعيد للأذهان ما يعرف "بزمن الرومانسية الثورية" ونموذج المثقف المناضل الذي ازدهر في خمسينيات وستينيات القرن العشرين مع حالة العنفوان الثورى فى العالم حينئذ والعلامات الأساسية في تلك الحالة مثل المد التحرري العربي بقيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الذي ساند بكل الإخلاص الثورة الجزائرية و"الحالة النضالية لكاسترو-جيفارا" في أمريكا اللاتينية وصولا للمقاومة الفلسطينية التى برهنت على تجددها بعد أن كتبت الفتاة الفلسطينية عهد التميمي مؤخرا صفحة جديدة في ثقافة المقاومة حظت باهتمام لافت من المثقفين في كل مكان عبر العالم حتى أضحت أيقونة مضيئة للمقاومة السلمية والدفاع عن القضايا العادلة والمشروعة لشعبها.

وإذا كانت جميلة بو حيرد قد عانت أهوال التعذيب في سجون المحتل لبلادها فالادعاء العسكري الإسرائيلي قد وجه مع بداية هذا العام 12 اتهاما للفتاة الفلسطينية عهد التميمي البالغة من العمر 17 سنة، والتي أطلق سراحها مؤخرا بعد احتجاجات شارك فيها المثقفون حول العالم.

ولئن وصفت سنوات نضال الفتاة الجزائرية جميلة بو حيرد "بزمن الرومانسية الثورية" فإن الفتاة الفلسطينية عهد التميمي تمثل صيغة جديدة لثقافة المقاومة في زمن باتت فيه تحديات العولمة لثقافات الجنوب والقيم المتوارثة ومن ثم الهوية موضع بحث يتجلى في عديد الطروحات لمثقفين يشعرون بالقلق حيال ما تشكله تلك التحديات من مخاطر "اقتلاع الجذور الثقافية واستلاب الشخصية القومية" بما يعني تعميق التبعية للقوى التي تدير دفة العولمة وتتحكم في اتجاهات بوصلتها.

ورغم ما يقال عن انحسار "الرومانسية الثورية" فمن اللافت لكثير من المثقفين ذلك الولع الشبابي على مستوى العالم بأيقونات زمن الرومانسية الثورية مثل تشى جيفارا الأرجنتينى المولد ودارس الطب الذى قضى فى شهر أكتوبر عام 1967 بأحراش بوليفيا وهو الثورى المقاوم الذى تخلى عن منصبه الوزارى فى كوبا مودعا رفيقه فيدل كاسترو.

وإذ ارتبطت جميلة بو حيرد بقصة حب مع محاميها الفرنسي جاك فيرجيس الذي أشهر إسلامه ليتزوجا عام 1965 فغن فيلسوفة وكاتبة وقاصة قد ارتبطت بقصة حب كبير مع مقاوم آخر أعدم فى بلد غير بلده وهو يدافع بدوره عن قضية الحرية للإنسان أينما كان لتدخل قصة الفيلسوفة ديمى ميردوخ والمقاوم فرانك ثومبسون ضمن تاريخ "الرومانسية الثورية".

وهذه القصة سجلت بين دفتي كتاب صدر بعنوان:"كاتبة فى حرب:رسائل ويوميات 1939-1945" فيما قام المؤلف بيتر كونرديل بجمع رسائل ويوميات الفيلسوفة والكاتبة الأيرلندية الأصل ديمى ايريس ميردوخ التى ولدت العام 1919 وقضت عام 1999.

وفيما يركز فى هذا الكتاب على رؤية ديمى ايريس ميردوخ لقضية الحرب أثناء وجودها فى العاصمة البريطانية لندن وهى تتعرض للقصف الجوى الألمانى البالغ العنف فإنها تتحدث في رسائلها عن فرانك ثومبسون الذي انضم لحركة المقاومة البلغارية ضد الفاشية وأعدم عام 1944 فيما بقى وهو البريطانى الجنسية فى ضمير الشعب البلغارى الذى يعتبره حتى الآن من أبطاله الوطنيين.

وهذا الكتاب يحوى رسائل حب بين الفيلسوفة والمقاوم تشف فيها الكلمات محلقة بشاعرية الوجد والحنين والعشق فالمقاوم يعرف أيضا كيف يحب ويدرك معنى الحب لأنه يدافع عن الحياة ضد أعداء الحياة.
فالمقاومة تمثل دوما زادا متجددا للإبداع مثلما تخلد بقصص لا تموت كقصة المناضلة الجزائرية جميلة بو حيرد التي تحولت لأيقونة للمقاومة بقدر ماهي ملهمة للشعراء والمبدعين..فالمجد للمقاومة الجميلة التي يحتفي بها وطن الأحرار.