الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الله عندما يقول "لا"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اعتاد الوثنيّون أن يصنعوا آلهتهم بالشكل الذى يحققون فيه رغباتهم. فيشكّلونها بمختلف الأحجام ويُلوّنوها بأجمل الألوان، ويجتهدون فى إرضائها ويخشون ويلاتها. يحملونها على الأكتاف، فهى لا تقدر أن تحمل نفسها، أو يضخّمون تماثيلها حتى يشعر المتعبد لها بحقارته أمامها. واعتادوا أن تسجيب لهم الآلهة بوسائل ضغط وأساليب وحِيَل ماكرة وضعوها فى شكل طقوس دينية وفرائض صعبة التنفيذ تصل إلى حد تقديم الأطفال ذبائح لتلك الآلهة.
أما إلهنا الذى نعبده فهو الله الذى خلقنا وشكّلنا، لا نراه لكنه يرانا، لا نلمسه لكنه يتلامس معنا. هو الذى صنعنا وأبدعنا وله كل الحق فى يمسك زمام أمور حياتنا. وهو عالٍ مرتفع إلا أنه قريب متضع. يسكن السماء ولا يمتنع عن السكن فى قلوب المؤمنين البسطاء.
ولأنه إله كبير وملك قدير فوق كل ملوك الأرض. فهو أكبر من تصوراتنا المحدودة. فهو ليس ذلك الإله الذى تُصوّره بعض القصص الخيالية بأنه رجل مُسِنّ أو كبير الحجم. وهو ليس إله غريب الأطوار، غضوب، قاسٍ، متقلّب المزاج، غير مفهوم ومحتجب دائمًا. كما أنه ليس الإله الذى يحقق كل ما يخطر ببالنا ولا يقول إلا «نعم» على كل رغباتنا، حتى إن لم تكن ضرورية أو فى صميم مشيئته المَرْضية.
فلماذا نتعجب عندما يستجيب الله ويقول لطلباتنا «لا»؟، فالاستجابة ليست معناها «نعم»، ففى كلمة «لا» تكمُن كل البركات والنِعَم. فهناك أنواع من الاستجابة لا تعجبنا منها إلا «نعم.» مهلًا، تذكر أن الله عندما «يمنح» ويفتح الأبواب فذلك من فيض نعمته الكريمة، وعندما «يمنع» ويغلق الأبواب فذلك من فضل حكمته الرحيمة. فالخير الذى نتوقعه من «نعم» قد يكون هو الشر بعينه. واللعنة التى نتوقعها فى «لا» قد تكون هى البركة بعينها.
فهل تستمر تشكر الله عندما يقول لك «لا»؟ هل ستظل تحبه وتعبده بنفس القوة والحماس؟ هل ستطيعه رغم أنك لا تفهمه؟ هل تشعر بأنه خذلك ولم يحقق سؤل قلبك الذى طلبته منه بدموع؟ هل تشعر بأنه أعطاك مفاجأة صادمة غير سارة وغير متوقعة؟
عزيزى تذكّر أن الأمور «غير المتوقعة» لا تعنى أن الله «غير قادر» بل تعنى أننا «غير فاهمين» لطرق الله «غير المحدودة»، فحكمة الله تعمل دائمًا لخيرك الذى لن تراه عينك اليوم لكن ستراه غدًا بالإيمان. فعندما يستجيب الله بـ«لا» هذا لا ينفى حبه أو قدرته أو علمه وحكمته؛ بل يثبت أننا ما زلنا محدودى الفكر والقدرة على استيعاب طرق الله. فهو يريد أن يمتحن إيماننا الحقيقى به فى الأوقات غير العادية والصلوات غير المستجابة والأمور غير المفهومة والأحداث غير المتوقعة. فأمور الله عجيبة إلا أنها تعمل دائمًا لخيرك، وطرقه قد تبدو غريبة إلا تسير منتهى الدقة فى التوقيت والحكمة فى التنفيذ. وأفكار الله سامية تحمل السلام لكل محبيه.
من السهل أن تشكر على «نعم» لكن من الصعب أن تشكر على «لا». فأصعب أنواع الشكر عندما تشكر الله على شيء لم يحدث، وطلبة لم تُستجب. لكن تأكد أن نار مشيئة الله خير من جنة مشيئتك، وغموض خطة الله أفضل من وضوح خطتك، وغرابة طرق الله وأفكاره أعظم من منطقية طرق الإنسان وأفكار.
فالله أب حكيم لا يفتح كل الأبواب فى آن واحد، ولا يغلقها أيضًا فى آنٍ واحد. فهو يفتح ويغلق، يجرح ويعصب، يسحق ويداه تشفيان. يعوّض بأفراح ويضمد الجراح فى وقته وبطريقته التى يراها أنسب لمحبيه. فهو لا يحتاج أن يثبت محبته ويؤكد رعايته ببراهين جديدة كل يوم، لأنه أثبتها بالفعل فى الصليب. فغلق الأبواب قد يكون لحمايتك، والسماح بالصعاب قد يكون لتشكيل ونمو شخصيتك وتقوية إيمانك.
وأخيرًا، تذكّر أن إلهك أكبر من أفكارك، وصانعك أعظم من كل تصوراتك واحكم من كل طرقك وحساباتك. فاخضع له شاكرًا، واصبر له واثقًا، واسجد له عابدًا معترفًا بمحدوديتك ومؤمنًا بعدم محدوديته.