الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"أبناء الظواهرى" يتفوقون على "أولاد البغدادى" فى الصومال

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لم يكن الصومال، بعيدا عن أجندة الجماعات الإرهابية منذ البداية، لأنه كالقارة السمراء، التى ينتمى إليها، تتوفر به البيئة الخصبة لتمدد الأفكار المتطرفة، وهى ثالوث «الفقر والجهل والمرض»، بالإضافة إلى الصراعات والحروب الداخلية.

ورغم أن هذا، البلد العربى الأفريقي، يكاد يمثل حالة فريدة لمجتمع موحد عرقيًا ولغويًا ودينيًا وحتى مذهبيًا، فإن ذلك، لم يحل دون قيام حرب أهلية فيه منذ 1991، وكان أخطر نتائج هذه الحرب تفكك الدولة، وانهيارها بشكل شبه كامل.

وفى 1992، أعلن شمال الصومال انفصاله باسم دولة أرض الصومال، وانفصل إقليم آخر تحت اسم دولة إقليم البونت، فى حين وقع الجنوب فى براثن عدد من أمراء الحرب ومجموعة من القوى القبلية والإسلامية، التى يصنف بعضها تحت خانة الإرهاب، كحركة «الشباب المجاهدين»، التى تأسست فى 2004، وأعلنت عن نفسها فى ديسمبر 2007، وانضمت لتنظيم القاعدة فى فبراير 2012، فيما وضعتها الولايات المتحدة فى قائمة الحركات الإرهابية فى فبراير 2008.

ومع أن الصوماليين تنفسوا الصعداء مؤخرا باستعادة بعض معالم الدولة، التى انهارت بشكل شبه كامل عقب سقوط نظام سياد برى فى يناير 1991، إلا أن بلادهم لا تزال تعانى من عدم الاستقرار، خاصة فى ظل استمرار حركة «الشباب المجاهدين» فى تحدى السلطة القائمة فى مقديشيو.

 

تقرير صادم

وجاء التقرير الأممي، الذى صدر فى 7 فبراير، وأكد تزايد نشاط القاعدة فى الصومال، ليزيد من قتامة المشهد هناك، ويبعث برسالة مفادها أن هذه الدولة المنكوبة، التى قامت الدول الاستعمارية بتقسيمها إلى خمسة أجزاء، ومنح أجزاء من أراضيها إلى جيرانها، لا تزال أبعد ما يكون عن استعادة السلام الداخلي.

وكان تقرير أعده مراقبون تابعون للأمم المتحدة، وتم رفعه لمجلس الأمن الدولي، كشف أن تنظيم القاعدة لا يزال «صامدا بشكل لافت» ويشكل خطرا أكبر من تنظيم داعش فى بعض الدول، خاصة الصومال واليمن.

وتسعى القاعدة من خلال حركة «الشباب المجاهدين»، وغيرها لفرض سيطرتها، واحتكار ما تسميه «الجهاد العالمي»، وعدم ترك المجال لتنظيم «داعش» للتمدد فى القارة السمراء.

وكشفت دراسة صومالية بعنوان «دخول القاعدة فى الصومال النشأة والتطور»، والتى نشرها مركز مقديشيو للبحوث والدراسات، للباحث الصومالى فى شئون الحركات الإسلامية، نور عبدالرحمن، عن جذور وبداية وجود تنظيم القاعدة فى الصومال، وأهمية القرن الإفريقى للتنظيم الإرهابي، والعوامل التى ساعدت على تمدده.

وأكد الباحث خلال دراسته، أن منابع الفكر الجهادى انطلقت جذورها من اجتهادات وتفسيرات الإخوانى «سيد قطب»، وشكلت كتبه المرجع الأول للجماعات الإرهابية المتواجدة على الساحة، إلا أن جماعات العنف فى العالم الإسلامى طوّرت رؤيتها عبر إعادة إنتاج واستكشاف وقراءة نصوص «سيد قطب»، وتوظيفها السياسى والعسكري، من أجل توريد فلسفة تبرر ممارسة العنف المسلح ضد النظم والمجتمعات غير الإسلامية والإسلامية.

وألمحت الدراسة إلى أهمية الصومال وموقعه الجغرافى لتنظيم القاعدة، نظرًا لما يستحوذ عليه من موقع جغرافى يقربه من اليمن الحاضن الأول لتنظيم القاعدة فى شبه الجزيرة العربية، فضلا عن الأهمية الاستراتيجية وقربه من مضيق باب المندب وتأثيره على حركة التجارة العالمية، إضافة إلى حالة الفقر والوضع المعيشى الصعب فى الصومال، ونموذج الدولة الفاشلة، والغياب الأمنى فى البلاد، والذى يسمح لـ«القاعدة» بالتمدد والنفوذ.

وأوضحت الدراسة، أن أسامة بن لادن زعيم القاعدة الراحل سعى إلى تأسيس مراكز تدريب لجماعات الجهادية وعناصر تنظيم القاعدة، فتم التواصل بين «بن لادن» والزعيم الدينى الشيخ حسن تركي، والذى يعد أهم شخصية صومالية تواصلت مع «بن لادن» وقت إقامته فى السودان.

وتابعت الدراسة أن تنظيم القاعدة، وجد فى الصومال أرضا خصبة عبر عوامل عديدة، لتمدده نتيجة لصراعات محلية وإقليمية ودولية هناك، لافتًا إلى أن الصومال ما زال يعانى من سطوة التطرف فى البلاد رغم وجود حكومة فى مقديشيو، إلا أن عوامل بقاء القاعدة والجماعات المتطرفة الأخرى كتنظيم «داعش» ما زالت تهدد الدولة الصومالية.

 

«الشباب المجاهدين»

وظهرت «الشباب المجاهدين» وهى حركة سلفية صومالية، فى البداية كذراع عسكرية لاتحاد المحاكم الإسلامية، الذى سيطر على مناطق واسعة فى جنوب الصومال فى النصف الثانى من عام ٢٠٠٦، وكان يهدف إلى فرض الشريعة فى عموم البلاد، ما دفع بعض جيران الصومال للتدخل.

وساهمت الحركة فى مساندة المحاكم خلال معاركها ضد القوات الحكومية المدعومة بقوات إثيوبية اضطرت إلى الانسحاب فى نهاية ٢٠٠٨، تاركة الساحة لقوات الاتحاد الأفريقي.

وكان بين أهداف الحركة المعلنة محاربة ما اسمته «الاحتلال الإثيوبي»، وفى شريط مصور بث فى فبراير ٢٠١٢، أعلن زعيم الحركة أحمد عبدى غودان الملقب «أبو الزبير» مبايعته أيمن الظواهرى زعيم تنظيم القاعدة.

وفى خطبة ألقيت فى جامع نصر الدين فى مقديشيو، قال مختار روبو المكنى «أبو منصور»، أحد أبرز وجوه الحركة والناطق باسمها: «نحن تلامذة الشيخ أسامة بن لادن فى الصومال».

وتستغل حركة الشباب الصومالية مواقع التواصل الاجتماعى والمنتديات الجهادية لنشر رسائلها وبياناتها وتسجيلات فيديو خاصة بها على مواقع التواصل الاجتماعى ومواقع ذات صبغة سلفية جهادية. واستطاعت الحركة فرض نفسها كأحد أبرز القوى العسكرية المؤثرة فى الساحة الصومالية، والخصم الرئيس لحكومة مقديشيو والقوات الأفريقية المساندة لها، وتنسب إليها مجموعة من التفجيرات داخل البلاد وفى كينيا المجاورة أيضا، وللحركة نفوذ كبير فى الجنوب وتسيطر أيضا على بعض المرافئ شرقى البلاد.

 

صراع حول الصومال

رغم الوجود القاعدى فى الصومال وتحديدًا السيطرة الكاملة على حركة «شباب المجاهدين»، إلا أن تنظيم داعش الإرهابي، وجد أيضا الصومال ملاذا كبيرًا له لفرض سيطرته، بسبب وقوعه فى منطقة جغرافية جيدة تربطه بشكل كبير بالبحر الأحمر وباب المندب.

ومع سقوط «داعش» فى سوريا والعراق، والتنافس الحاد الذى ظهر بعد عام ٢٠١٤ بين «داعش» و«القاعدة» فى شمال وغرب إفريقيا؛ انقلبت كثير من التنظيمات التابعة للقاعدة فى حملة مبايعة لداعش، كما انشق عدد قليل عن حركة الشباب المجاهدين وبايعوا داعش، إلا أن الحركة فى معظمها استمرت على ولائها للقاعدة.

وكانت جهود القاعدة، لإقناع الشباب المجاهدين بالانضمام إليها، استمرت لثلاث سنوات، وبالنظر إلى وجود حضور قوى للقاعدة فى الصومال وشرق إفريقيا، فإن داعش لم يتوسع مثلها فى الصومال، خاصة فى ظل وجود صلات وثيقة بين فرعى القاعدة فى اليمن والصومال، خاصة أن تأسيس فرع القاعدة فى اليمن ارتبط أصلًا بكون الصومال ساحة دعم لوجيستى لقاعدة اليمن.

وكشف إعلان بعض فصائل حركة الشباب انضمامها لـ«داعش» عن الخلافات والانقسامات الحادة فى صفوف حركة الشباب، حيث قررت الحركة مواجهة عناصرها الذين انضموا إلى داعش عسكريا؛ فخاض الجانبان «أنصار القاعدة وانصار داعش»، مواجهات مسلحة أسفرت عن قتلى وجرحى فى صفوف الجانبين، وهددت حركة الشباب على لسان ناطقها الرسمى على محمود راغى بقطع رأس أى عنصر ينشق عنها للانضمام إلى داعش.

وبعد مقتل العديد من أنصار داعش على يد أنصار القاعدة، فرت بعض القيادات المنشقة عن الحركة والمنتمين لداعش من القبضة الحديدية التى يتعرضون لها، وسلموا أنفسهم إلى الحكومة الصومالية هربا من قمع أنصار القاعدة واغتيال العديد من قياداتهم، وكان من بين القيادات الموالية لداعش، والتى استسلمت للحكومة «مالك عبد الوهاب»، الذى يحمل الجنسية الأميركية، والذى يطلق عليه اسم «جونز»، حيث سلم نفسه للقوات الحكومية المتمركزة فى مدينة براوى فى جنوب الصومال.

وبالرغم من الضغوط التى تعرضت لها الفصائل الموالية لداعش الصومال؛ إلا أنها تمكنت من السيطرة على بعض البلدات فى جنوب الصومال، كما أن عناصر داعش الموجودين فى جبال «غالغالا» شمال شرق البلاد، قاموا بعدة تحركات فى محاولة لبسط سيطرتهم فى تلك المناطق.

 

خبراء: 4 أسباب وراء اهتمام «بن لادن» بـ«مقديشيو»

كشف خبراء فى شئون الحركات الإسلامية، أن تنظيم القاعدة، سعى بشكل كبير إلى إيجاد مكان يثبت فيها أقدامه فى قارة أفريقيا، ووضع عينه على الصومال بالتحديد نظرًا لموقعها الجغرافى الجيد داخل القارة السمراء، وأكدوا فى الوقت نفسه، أن أيمن الظواهرى زعيم تنظيم «القاعدة» الحالي، ومن قبله أسامة بن لادن، اختارا الصومال كذلك لأنها بعيدة عن أعين الحكومات، ولأنه دولة نائية وفقيرة، والأهم من هذا الأمر، أن أغلب أبنائه اتخذوا أفكارهم من جماعة الإخوان الإرهابية ورجالها الإرهابيين وأبرزهم «سيد قطب».

وقال سامح عيد، الإخوانى المنشق والباحث فى شئون الحركات الإسلامية، إن تنظيم القاعدة الإرهابى يتواجد بكثافة فى بلدان القارة السمراء خاصة الصومال، لأنه من أكثر البلدان الإفريقية فقرًا، وبسبب الفقر المتفشى فيها استطاعت القاعدة أن تتوغل فى الصومال وتُجند عناصر كثير لها مقابل أموال طائلة.

وأضاف أن دولة تركيا افتتحت خلال الشهور السابقة قاعدة عسكرية لها فى الصومال، وهذا سبب ثانى وراء تواجد القاعدة بكثافة فى الصومال، خاصة أن تركيا من أكبر الدول الراعية للإرهاب، إضافة إلى أن تركيا تربطها علاقات وثيقة بتنظيم القاعدة الإرهابي.

وأشار الإخوانى المنشق، إلى أن القاعدة العسكرية التركية المتواجدة فى الصومال تشكل خطرا قوميا كبيرا على المنطقة العربية بالكامل، وذلك لأن عدد كبير من عناصر تنظيم «داعش» الإرهابى اتجهت إلى أفريقيا والصومال لتأسيس تنظيمات إرهابية مشابهه لتنظيم «القاعدة» الإرهابي.

وأضاف، أنه رغم عقيدة العنصر الداعشى عدم العودة لتنظيم «القاعدة»، إلا أن عددا كبيرا من عناصر تنظيم «داعش» الهارب اتجه إلى الصومال وانضم لتنظيم القاعدة، وهذا الأمر ساهم فى توغل القاعدة فى الصومال، خاصة عقب أن خسر داعش جميع معاقله فى سوريا والعراق.

وأوضح، أن تواجد تنظيم «القاعدة» الإرهابى بهذا الشكل المكثف فى الصومال سيساهم فى وصول الإرهاب إلى «السودان واليمن»، لأن البلدين بهما توترات سياسية كبيرة، وهذه الأمور تساعد على نمو الإرهاب وتوحشه.

وواصل، ومن أكثر أسباب تواجد القاعدة بشكل مكثف فى الصومال هو أن جميع التنظيمات الإرهابية المتواجدة فى الصومال كانت لها علاقة وثيقة بين التنظيمات الإرهابية المتواجدة فى أفغانستان، فى فترة الثمانينيات، لأن أفكارها كانت تتشابه بشكل كبير.

وتابع: «تنظيم القاعدة الإرهابى نجح فى تجمیع واستقطاب عدد كبير من العناصر الإرهابية الصومالية، بسبب الدعم السیاسى والمالي، الذى استطاعت القاعدة أن توفره للصوماليين، وبسبب تلك الأموال تكون عدد كبير من التنظيمات الإرهابية التابعة لتنظيم «القاعدة» الإرهابى فى مقديشيو».

وأضاف، أنه من أهم العوامل التى ساعدت تنظيم «القاعدة» الإرهابى على الانتشار والتوغل فى الصومال، هو سقوط الحكومة المركزية وضعف الأجهزة الأمنية. وأشار «عيد»، إلى أن تنظيم القاعدة الإرهابى قبل أن يذهب إلى الصومال ويستقر هناك فى بداية التسعينيات، أرسل مجموعة من عناصره وتفقدوا المكان، واستطاعوا أن يكتشفوا مناطق حيوية وهامة بالنسبة لهم، واختاروا الصومال ليكون المعقل الأساسى والثانى بعد أفغانستان.

ومن جانبه، قال خالد الزعفراني، الخبير فى شئون الحركات الإسلامية والإخوانى المنشق، إن تنظيم القاعدة الإرهابى متواجد بشكل مكثف فى الصومال، لأنه أسس معاقل إرهابية له كبرى منذ أكثر من ٢٥ عاما، بالأخص عقب سقوط الحكومة المركزية الصومالية عام ١٩٩١، ويعتبر هذا العام هو العام الذى ترعرع فيه أسامة بن لادن لأنه أعاد تنظيم القاعدة فى ثلاث بلدان وهما «أفغانستان وباكستان والصومال».

وأضاف أن جميع التنظيمات الإرهابية منها تنظيم «القاعدة» الإرهابى ينمو فى وقت الصراعات والأزمات، والصومال فى فترة التسعينيات شهدت أزمات سياسية واقتصادية كبرى كان لها تأثير سلبى على الصومال، وأعطت الفرصة كاملة أمام القاعدة ليتواجد فى بلادها. وأشار إلى أن العوامل الاقتصادية المتدهورة جعلت عدد كبير من أبناء الصومال ينخرطون فى العمل الإرهابي، وكانوا طعما سهلا لأسامة بن لادن ومن ثم أيمن الظواهرى الزعيم الحالى لتنظيم «القاعدة» الإرهابي.