الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

مخطط تطوير جزر النيل.. أسرار الخطة 2008

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

«جزر النيل».. واحد من أكثر الملفات التى طالها الجدل الكثير فى الفترة الأخيرة، وذلك لما فيه من زخم على المستويين السياسى والاقتصادي، ذلك أن موقعها فى وسط العاصمة القاهرة مَيزّها بالقرب من كل المصالح العامة والخاصة، مما رفع من أسعار الأراضى بها، إضافة إلى موقعها الذى يتوسط مجرى نهر النيل العتيد.

أما على المستوى السياسي، فإن قضية الجزر اكتسبت أهمية كبرى بسبب التعامل الحكومى «غير الموفق» بحسب خبراء، إذ منذ ظهور الجزر قبل أكثر من 4 عقود أهملت الحكومات المتعاقبة فى طرق التعامل معها، ثم ما زاد الأمر إثارة كان الحوادث الأخيرة التى وقعت فى أكبر جزر النيل «الوراق». لكل هذا وأكثر يكتسب الملف أهمية.

يقترب عدد جزر النيل- حسب تقديرات متفاوتة- من نحو 300 جزيرة، تعترف الحكومة بـ 144 جزيرة منها، حيث صنفتها كمحميات طبيعية، منها 95 جزيرة بالوجه القبلى تبلغ جملة مساحتها 32500 فدان، ويحوى فرع رشيد 30 جزيرة بجملة مساحة 3400 فدان، ويحوى فرع دمياط 19 جزيرة بجملة مساحة 1250 فدان.

وخلال الفترة الفائتة، أعلنت الحكومة نيتها بتطوير 180 جزيرة نيلية، من خلال مخطط وضعت لتنفيذه مليار جنيه، ولكن دون أن تفصح عن معالم المخطط أو طريقة تنفيذه؛ ولعل هذا ما سمح بجانب كبير من التكهنات التى طفت على السطح، أبرزها الخطة «حبيسة الأدراج» منذ عام 2008، التى أعدتها وزارة الإسكان فى عهد النظام الأسبق، وهى خطة أشَرف عليها بشكل رسمى مسئولون حكوميون ومستثمرون عرب.

 

 

بمساحة 37 ألف فدان

عددها 144 فقط فى سجلات الحكومة.. وخبراء: يُقارب الـ 300

 

تتميز الجُزر النيلية فى مصر بوجود نباتات طبيعية ومحاصيل زراعية عديدة، كالقمح والبرسيم والشعير والكرنب والجرجير والطماطم والقلقاس والباذنجان والكوسة والخيار والفجل والقرنبيط والبصل والثوم والقطن والذرة البيضاء وقصب السكر والأرز والكثير من الفواكه.

لا يوجد حصر مُحدد بعدد الجُزر النيلية فى مصر، وهو ما يؤكد غياب الرؤية الاستراتيجية للمسئولين الحكوميين عن أهمية تلك الجُزر، ففى حين تُشير تقارير معهد بحوث النيل أن مصر تمتلك ١٢٨ جزيرة فقط، تُشير تقارير الهيئة العامة للمساحة أنها ١٨١ جزيرة، ويُقدرها معهد بحوث الأراضى والمياه بحوالى ٢٠٩ جزر، كما أوضحت تقارير للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء أن عدد الجزر حوالى ١٦٣ جزيرة، فى حين تؤكد وزارة الموارد المائية أن عدد الجُزر النيلية فى مصر ١٩٧ جزيرة.

ووفقًا لسجلات الحكومة الرسمية، فإن عدد الجزر النيلية فى مصر يُقدر فقط بـ١٤٤ جزيرة، تبلغ مساحتها حوالى ٣٧ ألفا و١٥٠ فدانا، أى ما يعادل ١٦٠ كيلو مترًا من أجود الأراضى الزراعية وأخصبها، منها ٩٥ جزيرة توجد فى المنطقة ما بين أسوان جنوبا إلى القناطر شمالا بمساحة تقدر بنحو ٣٢ ألفا و٥٠٠ فدان، فى حين يوجد ١٩ جزيرة على طول فرع دمياط تبلغ مساحتها ألفًا و٢٥٠ فدانا، أما فرع رشيد فيوجد به ٣٠ حوالى جزيرة تبلغ مساحتها ٣ آلاف و٤٠٠ فدان.

ويعود السبب الرئيسى فى تباين عدد الجُزر النيلية فى مصر إلى قرار مجلس رقم ١٩٦٩ لعام ١٩٩٨ الذى حَدد عددها بـ١٤٤ جزيرة، واعتبرها محميات طبيعية، على جانب آخر، يؤكد خبراء فى الشئون البيئية والأراضى والمياه والزراعة، أن جُزر النيل المصرية تصل إلى ما يُقارب ٣٠٠ جزيرة، وأن الحكومة أصدرت هذا الرقم لتُغطى على تعدى رجال الأعمال على مجموعة من الجُزر المصرية.

وتُصنف الجُزر النيلية فى مصر إلى ٣ أجزاء طبقا لطبيعتها ونوعية حياة السكان فيها، أولها جُزر القاهرة الكبرى الأربع وهى؛ جزيرة الزمالك الأشهر فى مصر، وجزيرة الوراق الأفقر فى مصر، وجزيرة منيل الروضة صاحبة مقياس النيل الشهير، وأخيرًا جزيرة الدهب.

ثم تأتى جُزر الوادي، التى يبلغ عددها ٩٥ جزيرة، أكثرها فى محافظة المنيا ٢١ جزيرة، تليها سوهاج برصيد ٢٠ جزيرة، ثم الأقصر وأسوان ١٦ جزيرة، وأقلها قنا برصيد جزيرتين، أهمهما جزيرة «الفنتين» الأشهر سياحيًا، بالإضافة إلى جزر «النباتات وفيلة سالوجا وغزال وأسبونارتى وآمون وسهيل» فى أسوان، وهناك أيضًا جزر «بهيج وفاو والكراد والمعابد البحرية والعقب والشنابلة والعونة» فى أسيوط.

وفى سوهاج هُناك أيضًا جُزر «طما والشورانية وشندويل ومحروس وبوحة والزهور وقرمان والهريدى»، وجزر «البيهو وزهرة والبرجاية ودماريس وشارونة وشيبا وتل بنى العمران» فى المنيا، وجزيرة القرن الذهبى بالفيوم، وجزر أبو صالح والنور وببا فى بنى سويف، جزيرة بين البحرين وجزيرة الدهب وجزيرة محمد وطناش فى الجيزة.

بينما يأتى التصنيف الثالث من الجُرز النيلية فى مصر مُتمثلًا فى جزر فرعى رشيد ودمياط التى يبلغ عددها ٤٩ جزيرة، أهمها جزيرة الرحمانية وجزيرة الصفا فى البحيرة، وجزيرة محلة دياى ودمنكة والصافية وجماجمون وجزيرة محلة وقبريط ومفتاح والصياد بكفر الشيخ، وجزيرة الوكيل فى الغربية، وجزيرة الشعير والوراق والشاى الأخضر بمحافظة القليوبية.

وتتميز الجُزر النيلية فى مصر بالتنوع الاقتصادى والنباتي، ما يجعل الكثير منها موقعًا تجاريًا مُتميزًا على طول نهر النيل فى حالة استغلالها بطريقة جيدة، حيث يُمكن إقامة موانئ صغيرة للتجارة الداخلية بتلك الجُزر، بالإضافة إلى استغلال بعضها كمحميات طبيعية تتنوع فيها الحيوانات المصرية كالخيول والجمال والأبقار والماشية والماعز والأغنام والإوز والبط كمصادر مهمة لتوفير البروتين الحيواني.

كما تتميز الجُزر النيلية فى مصر بوجود نباتات طبيعية ومحاصيل زراعية عديدة، كالقمح والبرسيم والشعير والكرنب والجرجير والطماطم والقلقاس والباذنجان والكوسة والخيار والفجل والقرنبيط والبصل والثوم والقطن والذرة البيضاء وقصب السكر والأرز والكثير من الفواكه، وأيضًا عدد كبير من النباتات المائية، بالإضافة لعدد من الأعشاب البرية ذات القيمة الغذائية، وأشجار التوابل المختلفة.

ومن بين كُل تلك الجُزر النيلية، توجد حوالى ١٠، تمثل هذا الاهتمام فى إنشاء كبارى تربط بينها وبين أقرب نقطة يابسة إليها، وتتوجد الـ١٠ جُزر تلك فى ٦ محافظات، يأتى على رأسها؛ جزيرة الوراق، صاحبة الأزمة الشهيرة بين ساكنيها من ناحية والحكومة من ناحية أُخرى، وأيضًا جزيرتا منيل الروضة والزمالك بمحافظة القاهرة، وجزيرة هريدى التى تقع ما بين أسيوط وسوهاج، وجزيرتا المطيعة وبهيج بمحافظة أسيوط، وجزيرة الشيخ تيمى بمحافظة المنيا، وجزيرة الشعير بالقليوبية، وجزيرة الرحمانية بمحافظة البحيرة، وجزيرة كفور بلشيه بمحافظة الغربية.

«جزر النيل».. واحد من أكثر الملفات التى طالها الجدل الكثير فى الفترة الأخيرة، وذلك لما فيه من زخم على المستويين السياسى والاقتصادي، ذلك أن موقعها فى وسط العاصمة القاهرة مَيزّها بالقرب من كل المصالح العامة والخاصة، مما رفع من أسعار الأراضى بها، إضافة إلى موقعها الذى يتوسط مجرى نهر النيل العتيد.

أما على المستوى السياسي، فإن قضية الجزر اكتسبت أهمية كبرى بسبب التعامل الحكومى «غير الموفق» بحسب خبراء، إذ منذ ظهور الجزر قبل أكثر من 4 عقود أهملت الحكومات المتعاقبة فى طرق التعامل معها، ثم ما زاد الأمر إثارة كان الحوادث الأخيرة التى وقعت فى أكبر جزر النيل «الوراق». لكل هذا وأكثر يكتسب الملف أهمية.

يقترب عدد جزر النيل- حسب تقديرات متفاوتة- من نحو 300 جزيرة، تعترف الحكومة بـ 144 جزيرة منها، حيث صنفتها كمحميات طبيعية، منها 95 جزيرة بالوجه القبلى تبلغ جملة مساحتها 32500 فدان، ويحوى فرع رشيد 30 جزيرة بجملة مساحة 3400 فدان، ويحوى فرع دمياط 19 جزيرة بجملة مساحة 1250 فدان.

وخلال الفترة الفائتة، أعلنت الحكومة نيتها بتطوير 180 جزيرة نيلية، من خلال مخطط وضعت لتنفيذه مليار جنيه، ولكن دون أن تفصح عن معالم المخطط أو طريقة تنفيذه؛ ولعل هذا ما سمح بجانب كبير من التكهنات التى طفت على السطح، أبرزها الخطة «حبيسة الأدراج» منذ عام 2008، التى أعدتها وزارة الإسكان فى عهد النظام الأسبق، وهى خطة أشَرف عليها بشكل رسمى مسئولون حكوميون ومستثمرون عرب.

 

الدولة تُطلق خطة تطوير 180 جزيرة فى 16 محافظة

بدأت حكومة المهندس شريف إسماعيل فى وضع مخطط استراتيجى لتطوير ١٨٠ جزيرة نيلية بإجمالى ٣٢ ألف فدان، وذلك من المسافة بين القاهرة وأسوان. وبحسب جهاز التخطيط العمراني، فإن المخطط يستهدف تطوير جزر موزعة على ١٦ محافظة بواقع ٥ بالأقصر، و١١ فى الغربية، إضافة إلى ٣٠ جزيرة فى بنى سويف، و٩ فى قنا، و٨ فى كفر الشيخ، و٣ فى دمياط، بالإضافة إلى ٢٣ جزيرة بالجيزة، وواحدة فى أسوان.

كما يوجد ١٦ جزيرة فى أسيوط، و٦ فى سوهاج، إضافة إلى ٢٠ فى البحيرة، و٨ جزر فى الدقهلية، فضلًا عن ٤ فى المنوفية، ولم يتم الانتهاء من حصر جزر محافظة القاهرة بشكل دقيق.

وتتبع هذه الجزر هيئة التعمير والتنمية الزراعية بوزارة الزراعة، حسبما يؤكد المهندس مدحت كمال الدين، رئيس هيئة المساحة بوزارة الري، الذى يشير إلى أن بداية أعمال التطوير ستنطلق صوب جزيرة الوراق بالجيزة عبر العمل على مساحة ٢٠٠ متر، بطول ٦ كيلو مترات، على جانبى محور روض الفرج، كجزء من خطة تطوير جزيرة الوراق.

ويلفت كمال الدين إلى أنه سيتم إقامة مدينة سكنية مطورة لأهالى الجزيرة، ومناطق لوجستية تحقق عائدا اقتصاديا يتناسب مع مكان كل جزيرة على حدة، متابعًا أنه سيتم إسناد تنفيذ المخطط إلى لجنة عليا تضم عددًا من الجهات الحكومية المسئولة عن الملف، وذلك خلال العام الجاري.

من جانبه، يقول الدكتور سامح العلايلي، خبير التخطيط، وعميد كلية التخطيط العمرانى جامعة القاهرة سابقًا، إن جميع الجزر النيلية تعتبر محميات طبيعية ويجب أن تعامل كمحمية، مضيفا: «نحن مزدحمون جدا حول النيل ويجب ألا نزيد التنمية العمرانية وسط النيل».

وعارض العلايلى فكرة إقامة أى تنمية عمرانية على الجزر حال تطويرها، وحذر من وجود بعض الخطط التى تهدف إلى «التجارة فقط لا غير وتهدف إلى تحقيق أموال فى الأساس، وفى حال تطويرها يجب أن تكون من خلال متخصصين فى البيئة أولا».

ويرى خبير التخطيط، أنه لا بد من أن إسناد الموضوع لهيئة التنمية العمرانية، فهى أداة تنفيذية فى يد السلطة وسيقومون بتنفيذ ما يطلب منهم من الدولة، فمن وجهة نظره «خبراء البيئة متخصصون فى التنمية والخروج بمقترحات تتناسب مع طبيعة هذه الجزر ولا تشكل ضررا على البيئة أو مزيد من الازدحام فى النيل».

وتابع: «الجزر محميات ويجب أن تكون هناك ضوابط للتعامل مع كل جزيرة على حدة، فبعض المحميات قد يصلح تطويره والاستفادة منه «multi uses» والعض الآخر لا يجب التعامل معه بأى شكل حتى لا يتم تشويهه».

وتوافقه الرأى الدكتورة سهير حواس، نائب رئيس الجهاز القومى للتنسيق الحضاري، مؤكدةً على ضرورة أن يقترن الإعلان عن التطوير بشرح عن مفهوم التطوير، على سبيل المثال: «هل هو تطوير تنموى أو سياحى؟ ومن المستحيل أن يتم تطوير ١٨٠ جزيرة على طريقة واحدة، ولا يمكن أن يتم تطويرها على أنها محميات طبيعية، وكنت أتمنى أن يتم الإعلان عن التطوير وتحديد طرق تطوير كل جزيرة».

وتدعو حواس إلى ضرورة تحديد نوع التطوير بدقة قبل الشروع فى تنفيذه على الجزر النيلية، فجزر مثل الدهب أو الوراق لها سمات خاصة لا يجب أن تعامل مثل المحميات الطبيعية فى الأقصر أو أسوان. وتتابع حواس قائلةً: إنه يجب التعامل مع كل جزيرة وفقًا لمقوماتها الخاصة وبيئتها، وذلك حفاظًا على الطيور والنباتات النادرة الموجودة بهذه الجزر».

وتتساءل رئيس جهاز التنسيق الحضارى عن طريقة التطوير التى ستُنفذها الحكومة، لافتةً إلى أنها ضد تحّول الجزر البكر إلى غابات إسمنتية، فلابد من المحافظة على مظهر النيل وبيئته من التلوث. مطالبةً بتحديد نوعية التطور على كل جزيرة وفقًا لسماتها، وتصنيف الجزر طبقا لطبيعتها ليتم الاستفادة منها على أكثر سبل الاستغلال الأمثل، وأن التطوير السياحى هو الأفضل بالنسبة للمحميات الطبيعية والجزر النيلية بدون تنمية عمرانية أو أن تستغل سياحيًا على غرار جزيرة النباتات، كما هو الحال فى أسوان وهذا تطوير لوجستى يضيف للمحمية الطبيعية».

وتقول حواس، إن الاستغلال الأمثل للجزر يمكن تحقيقه من خلال التنوع فى تطوير الجزر بحيث تكون هناك جزر للنباتات النادرة عن سبيل المثال، وأخرى كمتحف مفتوح وأخرى لحيوانات أو طيور معينة، بحيث تميل للطبيعة أكثر من التنمية العمرانية، متابعة: «أخشى من التكثيف السكانى على هذه الجزر والكبارى وغيرها من مظاهر التنمية العقارية والعمرانية مما يحرم الجزر من طبيعتها».

وكان قرار رئاسة الوزراء المرقم بـ ١٩٦٩ لعام ١٩٩٨ يعتبر أن كل جزر النيل محميات طبيعية، لكن ومع نهايات العام ٢٠١٧، قرر رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل استبعاد ١٧ جزيرة من القرار القديم.

وتضمن القرار إزالة الجزر الآتية من قوائم المحميات الطبيعية: القرصاية، والدهب، وردان الكبرى، وردان الصغرى، والقيراطيين، وأبو غالب، وأبو عوض، وأم دينار، والوراق، وكفر بركات، والرقة، وحلوان البلد، والشوبك البحرية، والعياط، وكفر الرفاعي، والديسمي، والكريمات».

ونصت المادة الثانية من القرار على أن تعلن الجزر المشار إليها فى المادة السابقة كمنطقة إدارة بيئية، فيكون دور وزارة البيئة، وأجهزتها معاونة الجهات المختصة فى وضع الضوابط، والشروط البيئية للأنشطة الواقعة عليها.

ويعلق الدكتور أحمد فوزى دياب، أستاذ المياه بمركز بحوث الصحراء وخبير المياه بالأمم المتحدة، على تباين قرارى مجلس الوزراء باعتبار كل جزر النيل محميات طبيعية، ثم استبعاد ١٧ منها خلال العام ٢٠١٧، بأن بعض هذه الجزر تحتوى على نباتات نادرة أو تكون مهبط لرحلات الطيور النادرة، ومن ثم لا يمكن الاستثمار فيها، لكن بعض هذه الجزر تم البناء والسكن عليها فعليًا، ومن ثم خرجت من باب المحميات لهذه الأسباب.

ويقول، إن معظم جزر نهر النيل تم التعدى عليها من قبل المواطنين، لافتًا إلى أنها ظهرت وفقًا لما يسمى بالتطور الطبيعى للنهر. متابعًا أن الدولة لأول مرة تتعامل مع ملف جزر نهر النيل من خلال وضع استراتيجية أو رؤية فهذا «أمر محمود»، خاصة أن كثيرًا منها يسبب تلوثا وأضرارا للنهر، مشيرًا إلى أن الحكومات المتعاقبة لم تهتم بجزر النيل أو طريقة الاستفادة منها.

وحول التفات الدولة أخيرًا إليها، يوضح دياب، أن سد النهضة وانخفاض منسوب المياه فى النهر جعل الدولة تنظر بشكل مختلف لمجرى النهر وما يحتويه، ومن أجل الحفاظ على مياهه من التلوث الحادث نتيجة تدفق مياه الصرف الصحى والزراعى فيه دون معالجة.

مضيفًا أن الدولة رغبت أيضًا فى الاستفادة من الجزر فى عملية التنمية السياحية، خاصة أن موقعها يجعلها مزارًا سياحيًا من خلال إنشاء بعض المشروعات السياحية الضخمة.

 

«السد العالى».. سبب ظهورها

أجمع الخبراء على أن ظهور جزر النيل بهذا العدد يعود إلى ما بعد العام ١٩٧٠، وهى مرحلة ما بعد ظهور السد العالي، الذى حجب الفيضان، وبالتالى أعطى الفرصة لظهور بعض قطع اليابسة فى منتصف مجرى النهر.

ولما كان ذلك عاملًا فارقًا فى تاريخ مجرى النهر، لم تقم الحكومة باتخاذ الإجراءات المناسبة من أجل الحيلولة دون إقامة عشوائيات على هذه اليابسة والتى تحولت شيئًا فشيئًا إلى تجمعات سكانية ضخمة، بدون مرافق أو خدمات حكومية.

ويقول الدكتور نور أحمد عبدالمنعم، الخبير الاستراتيجى فى شئون المياه بالشرق الأوسط، إنه للحديث عن تطوير جزر النيل ينبغى البحث أولًا عن منشأها، والذى يعود فى الأصل إلى مرحلة ما بعد بناء السد العالى وانحسار المياه خلف السد. مضيفًا قبل بناء السد العالى كان تصريف المياه فى فترة الصيف فى مجرى النهر نحو نصف مليار م٣، وبالتالى كانت كل اليابسة يتم غمرها، ولكن بعد عام ١٩٧٠، وصل تصريف النهر فى فصل الشتاء إلى ٦٠ مليون م٣، وفى فصل الصيف فى أقصى تقدير إلى ٢٤٠ مليون م٣، وهذا أعطى فرصة لظهور بعض اليابسة فى منتصف مجرى نهر النيل.

ويتابع عبدالمنعم، أن بعض هذه الجزر كانت موجودة منذ القدم فى مجرى النهر، ولكن كانت تختفى كليةً أو تختفى بعض أجزائها مع موسم الفيضان، لافتًا إلى أنه نتيجة لغيبة الدولة طيلة أعوام ماضية نشأت مجتمعات عشوائية.

ويشير إلى أن معظم هذه الجزر ينحصر ما بين القاهرة وأسوان وتتباين مساحتها، خلافًا لأن بعضها صخرى كالموجود فى أسوان، والتى لا تصلح لتكون مأهولة بالسكان، متابعًا أن كل الجزر غير مقننة بخلاف جزيرة القرية الفرعونية بالجيزة، والتى حصلت وزارة السياحة على رخصة استغلالها سياحيًا.

ويقول الخبير الاستراتيجى، إن الحكومة لم تلتفت لهذه الجزر على الإطلاق، اللهم إلا محاولات من قبل رجال الأعمال للسيطرة على بعضها من أجل استغلالها، ومن هنا نشأت ملكيات بوضع اليد على مر السنين، وبالتالى باتت فكرة إخراج الأهالى من الجزر أو تطويرها وإدخال الخدمات إليها فكرة تقترب من الاستحالة.

ويلفت عبد المنعم إلى أن أول محاولة من قبل الدولة لتطوير هذه الجزر كانت فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، أى بعد ما يقرب من ٥٠ عامًا على ظهور جزر النيل.

فى المُقابل، يَرى خبراء الشئون البيئية والأراضى والمياه والزراعة أن تجاهل بعض الجزر المصرية وعدم إدراجه فى سجلات الحكومة، وأيضًا عدم الاهتمام بما هو موجود فعليًا فى تلك السجلات، يُعد إهدارا للمال العام وإهدارا للاقتصاد المصري، خاصة أن الجزر تتنوع ما بين جزر بيئية فى الشمال تتجمع فيها الطيور المهاجرة، وما بين جزر زراعية فى جنوب الدلتا وشمال الوادى من أجود الأراضى الزراعية، بالإضافة إلى الجزر السياحية فى الأقصر وأسوان.

كما طالب عدد من خبراء البيئة فى ورقة بحثية، صادرة عام ٢٠١٦، بضرورة الاهتمام بالجزر النيلية باعتبارها مشروعًا قوميًا يمكنه أن يفعل الكثير للاقتصاد المصري، وذلك عن طريق عدة مشروعات، على رأسها؛ إنشاء شبكة صرف صحى لكل جزيرة، ومحطة تحلية تتناسب مع عدد السكان، وتخصيص محطة وسيطة لتجميع القمامة والتخلص الآمن منها، وتطبيق نظم الزراعة العضوية، وإنشاء مخطط عمرانى صديق للبيئة الخاصة بكل جزيرة.

فضلًا عن وجوبية ربط قاعدة البيانات الوطنية عن جزر النيل بمثيلتها فى دول حوض نهر النيل، وتوفيق أوضاع المنشآت الملوثة للبيئة على هذه الجزر، وجمع وتدوير المخلفات الزراعية والعمل على تنفيذ قانون البيئة لعام ١٩٩٤، وأخيرا إلزام المنشآت الخاصة بالأنشطة والواقعة على نهر النيل بدراسة الأثر البيئي.

كما أن المشكلة الأخطر الخاصة بالجُزر النيلية فى مصر، تتمثل فى أن هناك حوالى ١٣١ جزيرة معزولة تماما عن البر ولا يربطها بالشاطئ أى كوبرى، ويضطر مليون مصرى إلى استخدام الزوارق والقوارب للعبور إلى الشاطئ الآخر، مما يؤدى إلى التعرض للهلاك بالموت غرقا فى شريان النيل، فالحكومة لم تهتم إلا بـ٩ جزر وأنشأت لها الكباري.

ويظهر عدم اهتمام الحكومة بالجُزر النيلية جليًا فى اضطرار المواطنين فى ٤ جُزر لإنشاء كبارى عادية، بمجهودهم الشخصي، من الإسمنت المسلح لقضاء مصالحهم، وهى فى جزيرة الحمودية بمحافظة قنا ويوجد بها كوبريان، وجزيرة العونة بمحافظة أسيوط ويوجد بها كوبريان، وجزيرة فاو بمحافظة أسيوط ويوجد بها كوبرى، وجزيرة كفر بركات بمحافظة الجيزة، ويوجد بها كوبرى واحد، أما باقى الجزر فلا يوجد بها أى كوبرى، مما ضخم من مشكلات القمامة وخاصة مخلفات الزراعة، ومشكلات الصرف الصحي.

 

خبراء تخطيط: على الحكومة الاستفادة من التجربة السعودية

واحد من أكثر المُهتمين بجزر نهر النيل، وله عدد من الدراسات والمقالات حول طرق تطوير الجزر والاستفادة منها دون التعدى على مياه النهر أو تلويثها، المهندس وائل زكي، استشارى التخطيط العمرانى والمحاضر فى قطاع مشروعات التنمية، بدأ حديثه لـ «البوابة نيوز» حول تطوير جزر النيل، بضرورة التفرقة بين المحميات الطبيعية والمحميات الإدارية.

ذلك أن الغرض من لفظ محمية طبيعية هو وجوب حمايتها، ففى كينيا الغابات كلها محميات طبيعية، ومع ذلك فهى المورد الرئيسى للسياحة وتصرف الدولة الملايين من أجل الحفاظ عليها، حسبما يؤكد زكي، متابعًا أنه لا يمكن بأى حال من الأحوال أن يكون توصيف المحمية الطبيعية مرتبط بأن تغلق ولا يقترب منها أى شخص، فهذا أمر خاطى، ولذلك يجب أن نطورها ونجعل منها موردا طبيعيا يحقق عائدا اقتصاديا، فهناك العديد من المحميات كانت على ضفاف النيل على بعد ٢ كيلو متر فقط من السودان، وكان بها أندر أنواع النباتات الطبيعية فى العالم، ولكن لما يعد لها وجود بسبب عدم وجود جهود لحمايتها، وفى حالة فتح مفيض توشكى ستظهر الجزر من جديد، ولكن هل توجد رؤية لتنميتها.

وعن حقيقة أن الجزر تعد مسارات للطيور المهاجرة، يوضح الخبير الهندسي، أن بعضًا من جزر النيل تقع على مسار الطيور المهاجرة، حيث تذكر المواقع الرسمية الخاصة بالدراسات الإيكولوجية وتوزيع محميات الطيور ومساراتها إلى جزر جنوب النيل تقع ضمن مسارات الطيور، وذلك ضمن مسارات البحيرات المصرية والمسارات فوق الصحراوين الشرقية والغربية وصولا لمواقع مستقبلات تلك الطيور.

ويشيد استشارى التخطيط العمراني، بقرار الحكومة المصرية باعتبارها محميات طبيعية، مؤكدًا أن الحكومة كانت على إدراك ووعى بأهمية حماية تلك الجزر، وعلى الرغم من الأهمية الإيكولوجية لبعض تلك الجزر والأهمية البيولوجية لمعظمها للثروة السمكية والنباتية وكونها إمكانية استزراع وإفراخ لنوعيات مطورة من الزراعات والنباتات النادرة وتحويل معظمها لمراكز حفاظ وتنمية بيئية، إلا أن وجودها على المواقع الرسمية يقع على الخريطة السياحية فقط، والتى تعتمد عليها السياحة البيئية لمحميات جزر نهر النيل كما ورد بموقع دليل مصر السياحي.

ويشير ذكى إلى إصدار وزارة البيئة دراسة فى عام ٢٠٠٥ عنوانها «نحو استراتيجية وطنية وخطة العمل للسياحة البيئية فى مصر» توضح فيها تبنى الدولة سياسات حماية البرية والبحرية، وذلك من خلال الإعلان عن أراض ومناطق محمية لرعاية السلالات والكائنات النباتية النادرة والمُهددة بالانقراض، فضلًا عن المحافظة على التكوينات الجيولوجية المتفردة والتراث الطبيعى والثقافى الأصيل، علاوة على تطوير وتنمية وإدارة تلك الموارد على أسس وقواعد علمية وفنية وتنظيم استغلالها للأنشطة التنموية والسياحية والتقنية والبحثية والترفيهية، لتكون نبعا متجددا للدخل القومى وتراثا قيما مصانا للأجيال المتعاقبة واحتياطيا استراتيجيا للموارد الطبيعية بالدولة.

ويتابع، بأن تلك استراتيجية الدولة احتوت أيضًا على ولاية الدولة حماية الطيور وموائلها المقيمة أو المهاجرة، وتنمية الثروة السمكية، ومعاونة المجتمعات المحلية وتشجيع السياحة البيئية. موضحًا أن النيل يحتوى على نحو ٢٠٠ جزيرة، وأن بناء السد العالى شَكل علامة فارقة، ولكن كثيرًا من الجزر اختفى عند ارتفاع منسوب المياه فى بحيرة السد، وكلها موجود فى وسط المجرى الرئيسى لنهر النيل، بمعنى آخر لم يكن لها وجود فى التاريخ قبل هذا الزمان.

ويشير زكي، إلى أنه فى حال الحديث عن جزر حديثة ليست تاريخية، فالجزر التاريخية تركزت فى الشمال، حيث وجود زحف مجرى النيل مثل جزر المنيل والزمالك، ووجدت نتيجة اتساع المسطح المائي، والخرائط التاريخية للنيل توضح أن جزيرة الروضة لم تكن جزيرة ولكن كانت ضمن محافظة الجيزة، وظهرت نتيجة زحف المجرى المائى للنيل، وهو نفس ما حدث مع تطورات العوامل التاريخية، اختفت العديد من الجزر، مثل بركة الفيل، لافتا إلى أن منطقة العتبة الخضراء كانت جزيرة على بحيرة الأزبكية وكانت هناك قناة تخرج إلى السوق القديم.

كما أن وسط البلد التى تعتبر من أرقى المناطق فى القاهرة كانت عبارة عن مستنقعات بجوار النيل، ولم يكن هناك سوى قصر عابدين فقط فى وسط القاهرة، وبدأ التطوير يضرب هذه المنطقة فى عهد الخديوى إسماعيل بعد أن طرح المنطقة كحق استغلال بشرط البناء خلال عام أو مدد زمنية قصيرة بحد أقصى سنتين، ومن هنا جاء الأجانب إلى مصر وتملكوا العمارات الشهيرة فى وسط القاهرة، وآلت كل هذه العمارات إلى شركات التأمين، هناك العديد من العمارات الهامة فى وسط البلد بلا مالك حتى الآن، بحسب استشارى التخطيط العمراني.

وعن التطوير، يقول ذكى «يجوز أن يكون قرار تحويل هذه الجزر لمجرد أنها جزيرة جغرافيا بهدف حمايتها من التعدى، وفى هذه الحالة يكون قرار سياسى محترم، ومجرد وجود جزيرة «أرض كفر» بها حشائش يستدعى تنميتها، وهنا تسمى محمية إدارية، ومن هنا دعا خبير التخطيط لعدم معاداة سكان الجزر كما حدث فى الوراق، وتحويلهم إلى متهمين. مستشهدًا بالتجربة السعودية فى حال تطوير أى منطقة، فالحكومة السعودية لا تضع نفسها فى مواجهة مع الشعب أبدا، وإنما تتفق مع مستثمرين وتضع معايير للتعامل مع المواطن، وتوفر الإمكانيات للمستثمر فى التعامل مع المواطن باعتباره الأجدر على التعامل مع رجل الشارع، وفقا للمعايير الموضوعة من قبل الحكومة التى تقوم بدور المراقب والفاصل فى حال نشوب اختلاف، وتتدخل الحكومة بدور «المصلح»، مؤكدا أن المواجهة المباشرة بين الحكومة والشعب غير مجدية فى كل الأحوال.

وعن تحقيق الاستفادة الأكبر من الجزر، يقول زكي: «من الأفكار الجديدة للاستفادة من الجزر هو أن نقيم حديقة عالمية تجذب مزيدا من السياحة فى ظل طبيعة مصر الخلابة، كما أنه لا يوجد فى مصر معرض أسماك أو كائنات بحرية، ففى المنطقة العربية بأكملها لا يوجد سوى فى المركز العلمى فى الكويت، ونحن كبلد سياحى لا يوجد لدينا مثل هذه المشروعات التنموية التى تتماشى مع الطبيعة وتعبر عن «قصر ديل اقتصادي»، وتقتصر الأفكار على التنمية العقارية، وهناك عشرات المشاريع التى يمكن الاستفادة منها على هذه الجزر وتقوم على أنشطة تتماشى مع الطبيعة».

ويدعو ذكى إلى ضرورة الإبقاء على «رئة للقاهرة» تتمثل فى مسطح أخضر، بعدم الاقتصار على التنمية العمرانية فى تطوير جزر النيل، وقد يحدث ذلك من خلال عمل حديقة عالمية وأن تكون مفتوحة وعدم تشويهها بالكتل الخرسانية.

وأضاف أنه يجب على الدولة الاستفادة من هذه الكنوز الطبيعية وعدم تركها لسيطرة رجال الأعمال وواضعى اليد، وأنه يجب أن تصل إلى حل وسط لإخلاء هذه الجزر من ساكنيها والاستفادة منها لتحقيق مكاسب للأجيال القادمة والاستفادة من المشروعات العملاقة التى من الممكن أن تقام على هذه الجزر.