الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

السلفيون.. ووصف ما قد سلف

الدكتور شريف درويش
الدكتور شريف درويش اللبان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا يعجبنى استدعاء تيار الإسلام السياسى إلى المشهد الانتخابى الرئاسى الراهن، سواء كان لجماعة «الإخوان» الإرهابية أو التيار السلفى الظلامي؛ فقد تم استدعاء الإخوان فى المشهد السياسى مرتيْن؛ المرة الأولى حين أعلن الفريق أحمد شفيق ترشحه، وظهور مبادرات لمساندة الإخوان له ضد الرئيس السيسي، والمرة الثانية حين أعلن الفريق «مستدعى» سامى عنان ترشحه، ومنذ اللحظة الأولى غازل الفريق عنان الإخوان باختيار المستشار جنينة نائبًا له، واختيار د. حازم حسنى متحدثًا إعلاميًا باسمه. وفى الحالتيْن نلاحظ حجم العبث السياسى فى أسمى معانيه من ارتماء الإخوان فى أحضان اثنيْن من المرشحين من ذوى الخلفية العسكرية، وهم الذين صدعوا رءوسنا بالبيادة وعشاق البيادة، والأغرب هو كيف يضع اثنيْن من ذوى الخلفية العسكرية أيديهما فى أيدى جماعة إرهابية، طالما استهدفت- ولا تزال- أفراد وضباط الجيش والشرطة، بل والمدنيين من الأقباط والمسلمين فى الكنائس والمساجد. وقد فات على الفريق شفيق والفريق عنان أن الشعب المصرى لن يرضَ عن ذلك، وأن هذه الخيارات حكمت عليهما بالفشل الذريع فى العملية الانتخابية قبل انسحاب الأول واستبعاد الثانى لأسباب تتعلق بالقانون العسكري. وفى رأيى أن الأسوأ من الحضور الإخوانى فى المشهد الانتخابى الرئاسى هو حضور السلفيين ممثلين فى حزب «النور» السلفي، وقد تمثل ذلك فى إعلان الحزب دعمه للرئيس السيسى فى الانتخابات الرئاسية. إن هذا الإعلان كما علمنا عن حزب «النور» الذراع السياسية للدعوة السلفية ما قد سلف فى الانتخابات الرئاسية الماضية عام ٢٠١٤، حيث أعلنت قيادات الحزب عن دعمه للمشير السيسى فى حين أن قواعده وأعضاءه قاطعوا الانتخابات. وهذا ليس غريبًا على حزب «النور» والتيار السلفي، فالحزب نفسه شارك فى ائتلاف ٣٠ يونيو وحضر ممثلا عنه فى إعلان الفريق أول عبدالفتاح السيسى خارطة المستقبل فى الثالث من يوليو ٢٠١٣، والذى أعقب الثورة مباشرة، وفى الوقت نفسه كانت قواعد الحزب وأعضاؤه يشاركون بنى جلدتهم من الإخوان اعتصاميْ «رابعة» و«النهضة»..! وطيلة حكم نظام الرئيس الأسبق مبارك اقتصرت مشاركة السلفيين على دعم المرشحين الإسلاميين فى النقابات المهنية والاتحادات الطلابية، بينما كانوا يمتنعون عن التصويت لهم فى الانتخابات البرلمانية لما يروْن فيها من إقرارٍ بـ«الباطل»، كحضور سن القوانين المخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية. وبعد قيام ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، شكلت الحركات السلفية ظاهرةً فريدة فى الواقع المصري، لا سيما بعد انخراطها فى العمل السياسي، فيما الفقه السياسى الذى يمثل الإطار الحركى للحركات الإسلامية يرى أنها كانت نتيجة التدافع السياسى، وأنه مغلق أمام الإسلاميين عمومًا، وأن محاولات «الإخوان» فى هذا الإطار، هى محاولات عبثية لن تجدِ شيئًا. 
وعندما باغتت الثورة الجميع، بدأ السلفيون فى إطلاق حوارٍ بينهم حول خياراتهم السياسية فى مواجهة هذا الواقع الجـديد، فكان فريق يؤيد الانخراط فى اللعبة السياسية بضوابط معينة، ويمثله «الدعوة السلفية» بالإسكندرية و«السلفيـة الحركية» بالقاهرة، بينمـا حاول فريقٌ ثانٍ المقاربة وإمساك العصا من المنتصف، فلم يقوموا بإنشاء أحزابٍ سياسية ولم يتجهوا لأن يكون مرجعية لأحدها، ولكنهم كانوا متابعين للتطورات السياسية فى مصر، ويقــومون بإصدار البيانات التى توجه السلفيين من أجل ما سموْه الحفاظ على هوية مصر الإسلامية، ويمثل هذا الاتجاه جماعة «أنصار السنة المحمدية»، التى قامت بإنشاء «مجلس شورى علماء أنصار السنة» وضمت فى عضويته رموزًا بارزة من خارج الهيكل الإدارى للجــماعة، أما الفريق الثالث فقد تشكـل من الممانعين، وهؤلاء تنوعت مواقفهم ما بين إيثار الصمت والرفض التام، والقول بكُفر النظام الديمقراطي، وحرمت المشاركة فى الانتخابات والتأييد فى بادئ الأمر، ثم الانقلاب والتبرؤ من القول بجواز إنشاء الأحزاب السياسية أو المشاركة فى العملية الانتخابية باعتبار أنهم يفضلون البقاء كجماعة ضغط والنشاط فى طلب العلم والتنمية الاقتصادية والاجتماعية فى القطاع الأهلي، فالسلفية -على حد تعبيرهم- منهاجٌ ودعوةٌ لا يمكن اختزالها فى الشكل السياسي. وفى نهاية المطاف تمكن السلفيون من حسم أمرهم، واتجهوا مباشرةً إلى الانخراط الكامل فى العمل السياسي، بفعل ما أوجدته ثورة ٢٥ يناير من متغيرات جذرية داخل مصر، وتغيرت موازين اللعبة السياسية، فاستقر السلفيون على أن الظروف باتت مهيأةً إلى حدٍ يسمح لهم بمساحة لا بأس بها من المشاركة الإيجابية. وفى أعقاب ذلك مباشرة، سمح السلفيون لمن أراد من طلابهم فى الجامعات بخوض انتخابات الاتحادات الطلابية، بناءً على قاعدة المصالح والمفاسد، بعد ذلك تم تأسيس «حزب النور»، حيث لم يكن الحزب الوحيد الذى أسسه السلفيون، بل أسسوا فى القاهرة والإسكندرية عددًا آخر من الأحزاب السلفية من بينها أحزاب «الأصالة» و«الفضيلة» و«الإصلاح». وتُعد الانتخابات البرلمانية التى جرت بعد ثورة ٢٥ يناير مباشرة، هى الأولى التى يخوضها السلفيون على الإطلاق. وقد توصلت رسالة دكتوراه نوقشت مؤخرًا تحت إشرافى بكلية الإعلام جامعة القاهرة أعدها الإعلامى المتميز حسين حسنى، إلى أن الخطابات الصحفية نسبت فى أعقاب ثورة ٢٥ يناير للتيار السلفى عديدًا من الأدوار التى جاءت سلبية فى معظمها. ولم تختلف «الصفات» المنسوبة للسلفيين عن «الأدوار» المنسوبة لهم فى الخطابات الصحفية؛ فالصفات هى الأخرى جاءت سلبية بدرجة كبيرة جدًا. أوضحت الدراسة أن حزب «النور» حرص على عدم الانجراف، وشرع فى تقديم نفسه وتوضيح ما يسعى إليه، كما تورط أنصار بعض مرشحيه فى حملات لتشويه المنافسين والادعاء عليهم بغير حق.
إن وصف ما قد سلف يؤكد بالأدلة الدامغة أن الأحزاب الدينية وحزب «النور» السلفى على رأسها لا تصلح للعمل السياسى وإظهارها التأييد للرئيس هو مجرد إجراء يتسم بالشكلانية البحتة، ولا تعبر عن الجوهر الحقيقى لقواعد الحزب وتحالفهم السابق مع جماعة «الإخوان» الإرهابية، بل إن السلفية التكفيرية هى التى تعيث فى الأرض فسادًا ودمارًا. إن وصف ما قد سلف، يؤكد أن السلفيين يجب ألا يكونوا جزءًا مما هو آت.. فهؤلاء السلفيون يُظهرون أن قلوبهم معنا، فى حين أنهم يتحينون الفرصة لكى يخرجوا سيوفهم من أغمدتها لتكون مسلطة على رقابنا.. يجب أن تستكمل الدولة المصرية ما قد بدأته فى معركتها المصيرية من عدم خلط الدين بالسياسة.