الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"البوابة نيوز" تفتح ملف الأسواق الحضارية المهجورة

 صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ملايين الجنيهات تم صرفها لإنشاء أسواق حضارية لتحتوى الباعة الجائلين بعدة محافظات، من المواردى بالسيدة زينب إلى الترجمان ووابور الثلج والمسلة بالمطرية، بعض هذه الأسواق تحولت إلى خرابات مهجورة والبعض الآخر تركه الباعة وعادوا مرة أخرى إلى الشارع ليفترسوا الطرقات.
«البوابة» فتحت هذا الملف لتبحث عن الأسباب التى أهدرت من أجلها الحكومة الملايين على إنشاء أسواق حضارية من أجل القضاء على فوضى الباعة الجائلين ولكن الأسواق تحولت إلى عشوائيات جديدة.
ويظل «لغز» هجرة البائعين للأسواق الحضارية يبحث عن تفسير، فهل سوء تخطيط من قبل القائمين على إنشاء مثل هذه الأسواق؟ حيث يتم تخطيطها فى أماكن مهجورة بعيدا عن المارة أو هو فى الأساس طمع وجشع البائع المتجول الذى اعتاد على المكسب السريع فى الشوارع يترواح ما بين 200 إلى 400 جنيه فى اليوم ما جعله يرفض تقنين وضعه وأن يلتزم بسوق مخطط ومرخص له، لأنه لا يحقق رغبته فى تحقيق دخل ومكسب سريع. 
«البوابة» تجولت فى أسواق المواردى بالسيدة زينب ووابور الثلج بحى الأزبكية وسوق الترجمان لتبحث عن إجابة عن ملف تجربة الأسواق الحضارية التى نفذتها المحافظات وقامت بتسليمها للباعة للقضاء على ظاهرة الباعة الجائلين الذين بدرورهم هجروا الأسواق وعادوا إلى الشوارع مرة أخرى، وأهدرت أموالًا كثيرة أنفقت على تجهيز أسواق مع إيقاف التفيذ. 

هنا «المواردى».. 300 محل تسكنها الأشباح
بائع: «مفيش حد بييجى يشترى».. وآخر حول المحل لمكتب محاماة السوق على مساحة 2000 متر مربع.. وبتكلفة 10 ملايين جنيه
هنا سوق المواردي.. حين تنظر حولك لكى تجد بائعا أو أى شخص هنا أو هناك لا تجده، فالمكان موحش ومقفر لا يوجد بداخله أدنى مخلوق اللهم إلا محلان فقط الذين وجدناهما مفتوحين، أحدهما محل عم سيد.
ورغم أنك حينما تنظر حولك تجد حوالى ٣٠٠ محل على مساحة طابقين كاملين، إلا أن هناك وضعا مذريا تجده حولك هنا فى سوق المواردى الكائن بمنطقة السيدة زينب، فعلى الرغم من أن تلك المنطقة من المناطق الشعبية والحيوية التى يوجد ويمر بها آلاف المواطنين، إلا أن هذا لم يشفع لسوق المواردى شيئًا، فالوضع فى تدهور مستمر.
بدأ سوق المواردى يظهر على أرض الواقع خلال عام ٢٠١٠، أكد رئيس حى السيدة زينب فى هذا الوقت أنه لن يسمح بتواجد أى من الباعة الجائلين فى محطة المواردى أو شارع السد أو بمحيط مسجد السيدة زينب، وبالفعل انطاع الباعة للحى وللمحافظة التى قامت بتخصيص قطعة أرض وتم بناء مجمع تجارى كبير حمل اسم سوق المواردي.
ووقتها أعلنت محافظة القاهرة إقامة أكبر سويقة لتجميع الباعة الجائلين بشارع السد والمنطقة المحيطة بمحطة أبو الريش بالسيدة زينب على مساحة ٢٠٠٠ متر مربع، وبتكلفة قدرها ١٠ ملايين تحملتها المحافظة كاملة. 
وقتها انتهت المحافظة من إجراءات تسكين وتشغيل سوق المواردى بحى السيدة زينب عبر قرعة علنية أقيمت بمركز شباب السيدة زينب لاختيار المتعاقدين، وتم الإعلان خلال القرعة عن أسماء الفائزين وعددهم ١١٠ مواطنين من أصل ٦٠٠ شخص تقدموا وتزايد العدد إلى ١٧٣ بائعا جائلا آخرين فى عام ٢٠١٤ وهذا بعد حملات إزالة للباعة الجائلين قام الحى خلالها برفع ما يقرب من ٦٠ عربة للباعة الجائلين بجوار مسجد السيدة زينب وهى ما كانت تعيق حركة المرور والمواطنين.
يقبع الحاج سيد علي، ويعمل منجدًا، داخل سوق المواردى سارحًا وشاردًا فى عمله غير ملتفت أو عابئ للمشاكل التى تخيم به من كل جانب داخل السوق، قابلنا الرجل الذى قال بتأثر، إن الوضع على هذا الحال منذ فترة كبيرة، فرغم إنشاء السوق من المحافظة لكى تعمل على تقنين أوضاعنا، إلا إن العمل لا يسير على ما يرام، مضيفًا أنه كان لديه ورشة فى السيدة زينب يكسب منها بصورة أفضل بكثير عن الوقت الحالي.
واستطرد «الحاج سيد» بعد أن أصدرت المحافظة قرار نقلنا، تقبلنا الوضع وبدا أن السوق ستنجح والأمور ستسير على ما يرام، غير أن هذا لم يحدث، فالمكان لا يتردد إليه أدنى مخلوق، لاسيما مع سوء التنظيم وغياب دعم ودور الدولة فى التسويق للسوق، الأمر الذى يجعل مرور الزبائن من هنا شبه مستحيل إن لم يكن المستحيل بعينه، لاسيما أن المواطن والمستهلك يحب أن يرى البضاعة التى يرغب بها أمام عينيه ولا يحب أن يتجه إلى مكان مغلق كسوق المواردي.
وتابع: أغلب زبائنى من المعارف الذين يأتون، وهم على علم بمن سيتعاملون معه وهو ما يجعلنى أصبر على المرار الذى يوجد فى هذا المكان، إلا أنه برغم هذا فإنه يجب على المسئول أن ينظر لحالنا لأن الحياة لن تدوم لى على حد قوله.
وأضاف: عندى ابن تعرض كف يديه للبتر بسبب الماكينة الخاصة بالتنجيد، وهو ما يجعلنى أرغب فى توفير شيء له قبل وفاتي، غير أن الأمر لا يسير على ما يرام، وخاصة مع ارتفاع القيمة المالية التى يتم تحصيلها، والتى من المقرر أن يكون عليها زيادات خلال الفترة المقبلة من الحاصلين على المحال التجارية داخل السوق، مؤكدًا أن هذا الوضع صعب جدًا ويحتاج إلى نظرة من المسئولين عن هذا الوضع المؤسف.
أما شريف صالح، صاحب محل داخل سوق المواردى ففاجأنا بأن المحل الخاص به عبارة عن مكتب محاماة داخل السوق، كان قد استأجره وما زال حتى الوقت الحالى واصفًا الأوضاع داخل السوق بالسيئة للغاية.
وأوضح أن مبنى سوق المواردى عبارة عن مبنى أشباح لا يأتى إليه أى زبائن أو أحد من خارج السوق، كما أنه لا يوجد اهتمام من قبل البائعين شخصيًا للحضور إلى السوق، رغم أنهم يدفعون قيمة إيجارية شهرية، وهناك من هو متعثر عن الدفع بسبب غياب حركة البيع والشراء.
وأضاف أنه بسبب غياب حركة البيع والشراء، يقوم بعض التجار باعتبار تلك المحال كمخازن يضعون بها بضائعهم، كنوع من أنواع التخزين لها لكى يأخذوها ويبيعوها فى اليوم التالى خارج السوق لكى يستطيعوا توفير قوت يومهم، وهو الأمر الذى يقابل برفض من الحى والمحافظة فيتم اعتبار البيع خارج السوق كنوع من أنواع الجريمة.
وتابع صالح إنه يغيب الاهتمام من قبل المحافظة بالسوق، وهو الأمر الذى يجب أن يعاد النظر فيه، قائلًا إن المكان هنا يكون مخيفا من قبل الزبائن، فقل لى إزاى ييجى موكل هنا لى فى المكان عشان أعرف أشتغل.. الناس بتخاف تعدي.. مضيفًا إلى الأمان غير متوفر فى المكان كما أنه مكان مغلق ومخيف لا يوجد اهتمام به، الأمر الذى ينفر الزبائن عن السوق على حد وصفه، شاكيًا من ارتفاع سعر الإيجار الذى يدفعه مثله مثل الكثير من التجار وأصحاب المحال المساكين.

وابور الثلج.. يا قلبى لا تحزن
خلافات «الاستثمار» و«القاهرة».. أوقفت المشروع
قررت الحكومة منذ ثلاث سنوات تخصيص مساحة تزيد على ٣ أفدنة، وتسمى «وابور الثلج»، للباعة الجائلين للانتقال إليه بصفة دائمة، كحل بديل لعدم التواجد بالشوارع والأرصفة بوسط العاصمة، والذى كان من المفترض أن يتم إنشاء مركز الجلاء التجارى ١١ دورا وثقته «البوابة» بالصور، على أن يتم تخصيص ثلاثة أدوار منه خاصة للباعة الجائلين.
أرض «وابور الثلج»، عبارة عن جراج واسع ترجع ملكيته إلى الشركة القومية للتبريد التابعة لوزارة الاستثمار بمساحته ١٠ آلاف متر، وحسب الخطة الحكومية سيتم بناء ثلاثة أدوار لتضم بائعى «وسط البلد فى شوارع طلعت حرب، و٢٦ يوليو، وبولاق أبو العلا» الذى بلغ تعدادهم وفقا للحصر المبدئى ألفين ومائتين، على أن تكون مساحة المحل الواحد ٢.٥×٢.٥ متر، مقابل ١٠٠ جنيه شهريًا.
كما أن تكلفة المشروع كانت ٤٠ مليون جنيه، وكان ستساهم الباعة الجائلين بدفع ٥ آلاف جنيه من ٣ آلاف بائع ما يوفر للحكومة ١٥ مليون جنيه ويخصص ٣ أدوار للباعة مقابل دورين لسرفيس وسط القاهرة، والجدير بالذكر، أن الدكتور جلال السعيد أثناء توليه محافظ القاهرة فى أغسطس ٢٠١٤ أعلن أن أرض «وابور الثلج» ستكون مقرا دائما للباعة الجائلين، والتى ظلت حبيسة الأدراج لعشرات السنوات لكيفية الاستغلال، بعدما تنتهى المحافظة بتسكينهم بجراج الترجمان خلال ستة أشهر بعد التواجد بصفة مؤقتة للانتقال إليه بصفة دائمة.
يذكر أن وزارة الاستثمار ممثلة فى الشركة القابضة للتشييد والشركة القابضة للحديد والصلب هى التى ستتولى التصميمات النهائية والشكل الخارجى لتشييد الموقع الخاص بالباعة الجائلين، تحت مسمى مركز الجلاء التجارى والإدارى، على أن يتم تنفيذه على عدة مراحل، المرحلة الأولى تشمل سوقا صغيرة للتجار، وموقف سيرفيس، والمرحلة الثانية، تشمل مولا تجاريا، وجراجا متعدد الطوابق يتسع لعدد ١٠٠٠ سيارة، ومكاتب إدارية بتكلفة نصف مليار جنيه.
غير أنه بسبب خلافات كانت متداولة ما بين المحافظة ووزارة الاستثمار حول كيفية استغلال الأدوار وحصول إحدى الجهتين على المواقع والأدوار المناسبة، فضلا عن خلافات مادية حول قيمة الأرض والتى تبلغ ملايين الجنيهات، والتى ستقوم بدفعها ميزانية العاصمة، توقف المشروع على أرض الواقع، فلا مشروع أو مركز تجارى رغم مرور ٤ سنوات على الوعود، الأرض التى تم تخطيطها مربعات تمهيدًا لتسليمها للباعة، وتحول المشروع بسبب خلافات بين الاستثمار والمحافظة إلى جراج سيارات ولا وجود أصلا لأي مشروعات للباعة الجائلين.

الترجمان.. البائعون «بتهش وتنش».. والحركة فى الأعياد فقط
جرى تعاون حى غرب المحافظة ووزارة الأوقاف للانتهاء من ٨ آلاف محل بالمسلة، منذ أكثر من ١٢ سنة، ولكنها تحتاج للتنسيق بين الجهات المعنية بالتعاون مع الحماية المدنية على أن يتم التعاقد بـ٥ جنيهات إيجارا للمتر فى اليوم الواحد، وبذلك يصل المحل المكون من ١٠ أمتار ×٥ جنيهات × يوم لتصل القيمة الإيجارية ١٥٠٠ جنيه ويتم الاستفادة من الـ٦٥ وحدة إدارية بعمل المكاتب للمحامين والأطباء. إلا أن المشروع متوقف ويرفض الباعة الجائلون الدخول بسبب عدم وجود أى حركة هناك، كما أنهم يفضلون الشارع وسوق الخميس حيث ازدحام المارة وتحقيق المكسب السريع.
بدأت محافظ القاهرة فى ٢٠١٤، بالتعاون مع قوات من مديرية أمن القاهرة نقل الباعة الجائلين من منطقة وسط البلد إلى جراج الترجمان وسط حراسة أمنية، وقال حينها اللواء محمد أيمن عبدالتواب، نائب محافظ القاهرة للمنطقة الغربية، إن «نقل الباعة إلى جراج الترجمان سيتم على ٣ مراحل، الأولى تشمل مناطق عابدين وشارع قصر النيل وعبدالخالق ثروت، ويبلغ عددهم ٧٠٠ بائع، والثانية تشمل الباعة المتواجدين بشارعى طلعت حرب و٢٦ يوليو من اتجاه العتبة وحتى الإسعاف، وعددهم ٦٠٠ بائع تقريبًا، أما المرحلة الثالثة فستضم ٥٠٠ بائع من المتواجدين فى امتداد شارع ٢٦ يوليو من الإسعاف حتى الكورنيش.
فى الوقت نفسه، أعرب الباعة عن رفضهم لقرار نقلهم لمنطقة الترجمان، ووصفوه بالقرار الفاشل من جانب المحافظة، وسيصيب بضاعتهم بالركود لعدم وجود أى كثافة فى الترجمان، وقال علاء خيرى، نقيب الباعة الجائلين بمنطقة غرب القاهرة: «المحافظة مش عايزة تحل أزمة، بل إنها تخلق أزمة جديدة، وبتوقف حال ناس فاتحين بيوت، هنروح الترجمان نعمل إيه؟ مفيش سوق تكفى لتصريف بضاعتنا، كما أن تجار السبتية مسيطرون على المكان.
ومن المفترض أن بدء نقل الباعة الجائلين كان المرة الأولى التى يتم فيها تقنين أوضاعهم فعليًا لضمان حياة كريمة لهم ولأسرهم، والبعد عن كل الملاحقات التى كانوا يتعرضون لها بسبب مخالفتهم القوانين الخاصة بإشغال الطريق، فضلًا عن التأثيرات السلبية التى يسببها تواجدهم بشوارع وسط المدينة من اختناقات مرورية مزمنة تمتد لغالبية محاور العاصمة، موضحًا أن معظم الباعة متعاونون مع كافة الأجهزة.
وبعد مرور ٣ سنوات على تصريحات نقل الباعة الجائلين من شوارع وسط البلد، لسوق «الترجمان» خلف مؤسسة الأهرام، ولكن على أرض الواقع رصدت «البوابة» فى منطقة سوق «الترجمان»، أن السوق فارغة، فلا وجود لأحد أو هناك أية عمليات بيع وشراء، فى الوقت التى تقبع هناك بعض المحال أو البائعين القلائل جدا الذين يفترشون الأرض، أو يفتحون محالا صغيرة، كما أنه لا توجد عمليات بيع وشراء كبيرة فى المكان والحركة قليلة جدا وعلى نطاق ضيق تمامًا.
وقالت سعاد.ح، بائعة بالسوق إن الحال متوقف ولا يوجد أى عمليات بيع أو شراء، ونحن ننتظر على أمل أن ينتقل الباعة من منطقة العتبة إلى هنا حتى تكون هناك حركة ويأتى الزبائن بعد معرفة أن بائعى العتبة انتقلوا إلى هنا، كما نتمنى أن تكون هذه السوق من أكبر الأسواق الشعبية فى مصر ونبيع فيه كل شيء وبالأسعار المناسبة، كما أننا ننتظر هنا منذ أكثر من ثلاثة أعوام على أمل أن يحدث أى تغيير فى هذا المكان، وأن تكون الحركة كبيرة وتكون عمليات البيع والشراء أكثر من ذلك، ونحن كباعة جائلين هنا نؤكد أن الحكومة ساندة الجميع بغرض تسهيل الفرش والبيع هنا ولا ندفع أى أموال مقابل جلوسنا.
وفى السياق ذاته، قالت هناء، بائعة بالسوق، إن المكان جيد ويتسع للكثير من البائعين، ويختلف كثيرا عن الشارع والمشاكل التى يسببها للباعة، حيث إن الشارع يوجد به الكثير من الخلافات والبلطجة من بعض الباعة، بحيث يريد كل بائع السيطرة على منطقة وحده وكأنه ورثها عن أجداده أو اشتراها لنفسه، ولكن هنا نتسلم ترابيزة أو محل حسب التصريح ونفرش فى منطقة كبيرة حسب كمية البضاعة ونأخذ المساحة الكافية، ونتمنى أن ينتقل الباعة الموجودون فى القاهرة إلى هنا حتى يتوافد الناس إلى هذا المكان ويكون هذا المكان مقرا رئيسيا لعمليات البيع والشراء فى القاهرة.
تقابلنا هناك مع مسئول السوق «رفض ذكر اسمه» وقال: إن الحركة بطيئة وقليلة جدا فى المكان بعد فشل عمليات نقل الباعة الجائلين من مناطق وسط القاهرة إلى سوق الترجمان، رغم أن المحافظة توفر تسهيلات كبيرة على البائعين، فكل المطلوب لتسلم مكان فى السوق هو تصريح من المحافظة يتم تسليمه لمسئول السوق، وعلى أساسه يتسلم البائع مكانا فى السوق مناسبا لبضاعته، ولكن الباعة يجدون أن نقلهم من المناطق الحيوية إلى هذه المنطقة سيكون سلبيا بالنسبة لهم رغم أنه إذا كثر الباعة وتعددت البضائع فى هذا المكان، فان المشترين سيقبلون على المكان بلا أدنى شك، ولكن يجب أن يفهم الباعة أن مصلحتهم فى السير القانونى بدلا من افتراش الشوارع وملاحقات البلدية لهم لتكوينهم شللا مروريا كبيرا فى المناطق التى يفترشونها.
وقال خالد مصطفي، المتحدث باسم محافظة القاهرة، إن هناك جزءا من الباعة الجائلين انتقلوا إلى سوق الزاوية، كما أن هناك ترتيبات أخرى إلى الأسواق المخصصة للباعة الجائلين فى مناطق المحافظة، ولكن بصورة تدريجية، والمحافظة تقوم بواجبها بنقل الباعة إلى المناطق التى تؤسسها، ولكن هذا كله يقوم على أسس وأنظمة معينة حتى لا يكون هناك أى ضرر أو مشاكل على الباعة المنتقلين إلى المناطق الجديدة، كما حرصت المحافظة على راحة الباعة بحيث يكونون بعيدا عن أى مشاكل أو ما شابه، كما أن الأسواق الجديدة تتميز باتساع أرضها وتوافر الظروف والتى تساعد على جلب الزبائن من شوارع واسعة داخل الأسواق ومحال صغيرة، وتسعى المحافظة أيضا إلى الحفاظ على الشكل العام لشوارع القاهرة.

«النحاس»: ظاهرة لن تنتهى و«الجندى» فك شفرة رفضهم الانتقال إلى الأسواق البديلة
قال الدكتور وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، إن فكرة إنشاء أسواق جديدة للباعة الجائلين أمر يدعو إلى ضرورة إعادة التفكير من قبل المسئولين فى إنشاء تلك الأسواق، لاسيما إنه من واقع التجارب المختلفة لهذا النوع من الأسواق فشلت تلك التجارب بالفعل فى السيطرة على الباعة الجائلين، وأصبح الأمر عبارة عن إنشاء أسواق بلا طائل، وهو ما ظهر خلال الفترة الماضية، حينما شكا الكثير من الباعة الجائلين داخل سوق الترجمان من غياب البيع والشراء، لافتًا إلى أنه فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى تخيم على الساحة، فإن البائع يجد نفسه فريسة للضرائب التى تفرضها الدولة عليه بعد منحه محلا فى تلك الأسواق، رغم أنه لا يملك من المال ما يجعله يدفع تلك القيمة الضريبية ويدفع قوت يومه، وهو الأمر الذى يجعله يضطر إلى البيع بصورة عشوائية من خلال التوجه إلى المواطن وعرض السلعة التى يبيعها عليه، وأضاف، التوجه إلى المستهلك وعرض السلعة أمامه أسهل بكثير من توجه المستهلك إلى مكان السوق وشراء السلعة من هناك، وتلك هى الاستراتيجية التى يعتمد عليها الباعة الجائلون.
فى هذا السياق، قال المستشار هيثم الجندي، الخبير القانونى وعضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، إن الباعة الجائلين هم من أهم ملامح المجتمع المصري، ولا يمكن الاستغناء عنهم بسهولة لارتباط الشعب والمجتمع بهم كثيرًا، ولكن تقنين ومحاولة فك شفرة امتناع الباعة من الانتقال من منطقة العتبة والموسكى والمناطق الأخرى المكتظة بالباعة الجائلين يحتاج إلى نظرة مختلفة، وهى النظرة التى ينظر بها الباعة الجائلون إلى مناطقهم والتى يبيعون فيها كثيرا وبكميات كبيرة، نظرا لكثرة المشترين فى هذه المناطق.

5 ملايين بائع متجول فى مصر
قال الدكتور عادل عامر، الخبير الاقتصادي: يوجد فى مصر حوالى ٥ ملايين بائع جائل، منهم ١.٥ مليون فى القاهرة الكبرى، ٣٠٪ من الباعة نساء و١٥٪ أطفال يعولون أسرهم، وتقدر تجارة الشوارع والباعة الجائلين فى مصر بحوالى ٨٠ مليار جنيه سنويًا. وفى دراسة ميدانية عن الباعة الجائلين أعدها اتحاد جمعيات التنمية الاقتصادية وتنمية الدخل شملت محافظات: القاهرة والإسكندرية والمنيا وبورسعيد وتوصلت إلى نتائج مهمة منها: أن نحو ٦٨٪ من الباعة الجائلين تقل أعمارهم عن ٤٠ سنة، و٣٠٪ يحملون مؤهلات متوسطة و٣٪ يحملون مؤهلات جامعية، ٦٧٪ من الباعة يعولون أربعة أفراد فى المتوسط، ٣٧٪ من الباعة وافدون من محافظات أخري.
الجدير بالذكر، نتائج الدراسة كشفت نحو ٩٠٪ من الباعة على استعداد للتحول للشرعية وتحمل أعباء تنظيم القطاع، و٢٦٪ من العينة دفعوا رشوة أكثر من مرة للبقاء فى مواقعهم.

خبير: إعداد خريطة للأسواق للعشوائيات.. ضرورة
عبر الدكتور حمدى عرفة، خبير الإدارة المحلية واستشارى تطوير المناطق العشوائية، عن استيائه من إهمال المحافظين ورؤساء الإدارات المحلية لملف الباعة الجائلين والأسواق العشوائية، قائلا: يأتى ذلك نتيجة سوء تعامل الحكومة مع ملف الأسواق العشوائية والباعة الجائلين، لأنه يجب أن يتم الاتفاق بين صندوق تطوير المناطق العشوائية ووزارة التجارة والصناعة لإنشاء أسواق حديثة متطورة بديلة للأسواق العشوائية الموجودة، وأن يقوم الصندوق بإعداد خريطة قومية للأسواق العشوائية، وإعداد دراسة عن الإطار المؤسسى بجميع الجهات ذات الصلة بالأسواق، وإعداد الخطة القومية لتطوير الأسواق العشوائية.
وأضاف عرفة، أن إجمالى عدد الأسواق العشوائية يتخطى ٣ آلاف ٤٢٥ سوقًا عشوائيًا أهملتها الحكومة تماما عبر العقود الماضية وحتى الآن، ولا بد أن يقوم مجلس إدارة صندوق العشوائيات بالتعاون مع المحافظين بوضع عدد من البرامج والمشروعات لتنفيذ خطة تطوير الأسواق العشوائية، منها تطوير الموقع وجمع المخلفات وتحسين المنتجات، وإنشاء نقابة للباعة بالأسواق، وإصدار قانون تنظيم الأسواق وتوفير الخدمات الصحية، لافتًا إلى وجوب قيام الصندوق بتطوير عدد من الأسواق العشوائية، كما يجب أن يتم وضع خطة تطوير الأسواق العشوائية، وفى تقديرى أن عدم توفير أسواق للباعة الجائلين يضيع على الدولة سنويا دخل بقيمة ٦٢ مليار جنيه.
وأضاف نطالب جميع المحافظين فى محافظات الجمهورية بتوفير أماكن للباعة الجائلين من خلال إصدار تعليماتهم لرؤساء الأحياء وبدون تأخير بتوفير أماكن مخصصه لمزاولة أعمالهم، حيث إنهم بالفعل حدد البعض منهم أماكن عديدة متوفرة تملكها الدولة، ولكن ينقصها جدية المسئولين.

رئيس شعبة الباعة الجائلين: نحتاج لمزيد من الأسواق
دخُلاء المهنة يهجرون الأسواق.. ويذهبون للشارع بحثًا عن المكسب السريع 
أرجع محمد عبدالله، رئيس شعبة الباعة الجائلين فى اتحاد العمال، أسباب هجرة الباعين للأسواق التى تم إنجازها، إلى سوء التخطيط من خلال تنفيذ أسواق معزولة عن حركة السير أو المارة التى تعد بمثابة الأساس لعمليات البيع والشراء.
وقال إن الباعة نوعان، منهم من يبيع أبًا عن جد، ويعرف أصول البيع ويتحلى بالصبر، والآخر الذى أضيف لقائمة الباعة الجائلين عقب ثورة ٢٠١١ بعد توقف السياحة أو إغلاق مصنع ما، مشيرا إلى أنه من سمات الأخير أنه متعجل ولايتحلى بالصبر، فقد اعتاد على مكسب سريع من ٢٠٠ إلى ٣٠٠ جنيه، وليس لديه صبر أن يكسب من ٧٠ إلى ١٠٠ جنيه فقط، وربما يقضى يومه دون بيع فى الأساس.
وأضاف «عبدالله»: إنه فى أول مارس القادم سيتم فتح سوق الزاوية الحمرا بجوار سوق «غزة القديم» بسعة ٣٨٠ محلا، لكى يحل مشكلة سوق «الترجمان» لأنه لا يوجد هناك مارة أو عمليات بيع وسيتم تسليم بعض الباعة المنتظمين والثابتة أسماؤهم فى كشوف الحصر، وبالفعل كتبت العقود.
وتابع «عبدالله»: أن «الزاوية الحمرا» قد تحل جزءًا من الأزمة، حيث بلغ حصر عدد الباعة الجائلين فى ٢٨ أبريل ٢٠١٤ نحو ألفي بائع، ولكن أغلبهم هجروا الترجمان لأن حاله صعب وظل فقط الـ ٣٠٠ بائع فقط الذين سيجرى تسليمهم خلال مارس القادم، والباقى ترك الترجمان وعاود افتراش الشارع من جديد سواء فى وسط البلد أو العتبة أو المؤسسة.
وفيما يخص «مشروع وابور الثلج» الذى تصل سعته لأكثر من ٣ أفدنة، لاستيعاب بائعى وسط البلد والمسرح القومي، فقد تم التراجع عن المشروع لخلافات بين المالك للأرض ومحافظة القاهرة، كما عزز دخولها ضمن منطقة تطوير مثلث ماسبيرو خروجها تمامًا من مخطط تحويلها لمركز تجارى لاستيعاب الباعة الجائلين.
وهناك أماكن لها حلول وأخرى ليست لها حلول، فمثلًا فى سوق «المنيرة_ إمبابة» البائع يرفض تقنين وضعه فالشارع يمثل كنزا له، كما هو الحال فى سوق «العتبة» صاحب المحل يؤجر من ٥ إلى ٧ فرش أمام محله أى أنه يؤجر «الشارع» حق الدولة، سوق المسلة بالمطرية يرفض بائعو رمسيس ووسط البلد دخوله، كما تم تسليم سوق أحمد حلمى بقوة ٥٥٠ بائعا، وسوق المرج وسوقين فى حلوان، ويجرى عمل أسواق فى التبة فى مدينة ناصر والجراج فى عين شمس والمطار فى إمبابة، وما زلنا فى احتياج لأسواق جديدة.
وتابع «عبدالله» بعد صدور قانون النقابات العمالية، الذى يخول الحق فى إنشاء نقابات عامة، ويجرى إنشاء نقابة عامة للباعة الجائلين، ولدينا ٧٥ ألف عضو عامل « بالاستمارات وصور ضوئية للبطاقات الشخصية» خلال ٨ لجان فى محافظات عدة.
وأضاف ندرس الانتهاء من خطة شاملة، تسعى لتقنين أوضاع الباعة الجائلين بما فيها بائع الفرش فى الشارع، وهدفنا أن يدفع رسوما بدلًا من أن يلتهمها فساد المحليات فقط، أن يكون لها بند معين ينعش خزانة الدولة، فمثلًا الأكشاك التى تملأ الطرق تدفع ١٠٥ جنيهات فقط رسوما للمحليات فى السنة، والمستفيد صاحب الكشك ومهندسو الأحياء فى حين أن متوسط المكسب ٢٠٠ إلى ٣٠٠ جنيه يوميًا ما يعادل ٦ آلاف شهريًا ولماذا لا يدفع ٣٠٠ جنيه شهريًا.