الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

5 أسباب ترجح كفة "طالبان" أمام ترامب

طالبان
طالبان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعد واقعة "إنتركونتيننتال"..
خمسة أسباب ترجح كفة "طالبان" أمام ترامب
رغم أن التفجيرات ومشاهدة الدماء، أصبحت شيئا معتادا فى العاصمة الأفغانية كابول، فإن الهجوم الأخير، الذى استهدف فندق «إنتركونتيننتال »، يحمل دلالات أخطر بكثير مما قد يتصوره البعض للوهلة الأولى، وبدا وكأنه رد عملي من حركة طالبان على الاستراتيجية الجديدة، التى أطلقها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بشأن أفغانستان فى 21 أغسطس من العام الماضي، وألمح فيها إلى احتمال إجراء محادثات معها.
وكان هذا الفندق تحديدا، قد تعرض أيضا لهجوم فى يونيو 2011 ، تبنته حركة طالبان، وأوقع 21 قتيلا، إذ اقتحمت حينها مجموعة من تسعة مسلحين الفندق، وتطلب إنهاء الاعتداء، تدخل القوات الخاصة الأفغانية، بدعم من مروحيات حلف شمال الأطلسى «الناتو .»
ولعل إلقاء نظرة على تفاصيل الهجوم الجديد، الذى استهدف الفندق، يرجح أن الأسوأ لم يقع بعد، خاصة فى ظل ظهور منافس آخر لطالبان فى الساحة الأفغانية، وهو تنظيم «داعش»، ورغبة كل منهما فى
تنفيذ هجمات جريئة تساعدهما فى تجنيد عناصر متشددة جديدة فى صفوفهما.
وكان مسلحون اقتحموا مساء السبت الموافق 20 يناير، فندق «إنتركونتيننتال» وسط كابول، وأكدت وزارة الداخلية الأفغانية أن الهجوم جاء متزامنا مع إطلاق نار كثيف على النزلاء والعاملين فى الفندق، ما أسفر عن سقوط 22 قتيلا، من بينهم 14 أجنبيا، بالإضافة إلى إصابة عشرات آخرين.
بدوره، قال الناطق باسم حركة طالبان، ذبيح الله مجاهد فى بيان له: «مساء السبت، تعرض فندق إنتركونتيننتال لهجوم، شنه خمسة من مجاهدينا يتطلعون إلى الشهادة ».
وبينما كان دخان أسود يتصاعد من الطابق السادس فى الفندق، كان أشخاص يحاولون الفرار من
الشرفة بواسطة أغطية ربطت ببعضها، وقد سقط أحدهم أمام عدسات التليفزيون.
وبعد ليلة طويلة سادها الرعب وتبادل إطلاق النار، قال الناطق باسم وزارة الداخلية الأفغانية نجيب دانيش صباح الأحد الموافق 21 يناير، إن «الهجوم انتهى بعد 12 ساعة من اقتحامه، وتم قتل أربعة مهاجمين »، موضحا أنه تم إنقاذ 126 شخصا من النزلاء بينهم 41 أجنبيا.
ومن جانبه، قال أحمد حارس ناياب، مدير الفندق، الذى نجح فى الفرار سالما، لوكالة «فرانس
برس » إن المسلحين دخلوا الجزء الرئيسي من الفندق من خلال مطبخ، قبل أن يتمكنوا من الوصول إلى باقى أنحاء الفندق، وإنهم احتجزوا بعض موظفى ونزلاء الفندق رهائن.
ولعل ما يزيد من وطأة الهجوم، أن الفندق يقع على قمة تل، وتحيط به حراسة مشددة، مثل معظم المبانى الحكومية فى كابول، كما أنه يعد أحد فندقين فاخرين رئيسين في العاصمة الأفغانية، وكان من المقرر أن يستضيف مؤتمرا لتكنولوجيا المعلومات في 21 يناير، أى قبل الاعتداء بساعات.
وقال أحمد وحيد، وهو مسئول فى وزارة الاتصالات الأفغانية، إن أكثر من مائة من مديرى ومهندسى شركات قطاع تكنولوجيا المعلومات، كانوا فى الفندق وقت وقوع الهجوم.
كما جاء الهجوم بعد يومين من إصدار السفارة الأمريكية تحذيرا من احتمال وقوع هجمات على فنادق فى كابول، وبعد زيارة قام بها وفد من مجلس الأمن الدولى للعاصمة الأفغانية لتقييم الوضع هناك.
والفندق، الذى فتح أبوابه للمرة الأولى فى 1969 ، ليس فرعا لمجموعة فنادق إنتركونتيننتال العالمية، التى أصدرت بيانا فى 2011 ، قالت فيه:"إن فندق إنتركونتيننتال في كابول ليس تابعا لها".
ورغم أن الولايات المتحدة عززت مساعدتها لقوات الأمن الأفغانية، وكثفت الغارات على المسلحين المناوئين لحكومة الرئيس أشرف غني، إلا أن الهجوم على فندق «إنتركونتيننتال »، أظهر مجددا، قدرة طالبان، وغيرها، على استهداف مواقع حيوية، وبالتالي تقويض ثقة الأفغان فى الحكومة الحالية،
المدعومة من الغرب.
وكان نحو 150 شخصا لقوا مصرعهم، وأصيب حوالى 400 آخرين، معظمهم من المدنيين، فى انفجار شاحنة مفخخة في 13 مايو 2017 في الحى الدبلوماسى فى كابول، الذى يضم معظم السفارات، ورغم تشديد الإجراءات حينها، توالت الهجمات، التي استهدفت أيضا مواقع تابعة للاستخبارات الأفغانية، ومقرات إعلامية، وكذلك مساجد تابعة للشيعة.
ويبدو أن إعلان ترامب عن إرسال المزيد من القوات الأمريكية إلى أفغانستان، لن يسهم فى وقف التدهور الأمنى هناك، خاصة بعد تهديد طالبان، بأنه ستكون هناك «مقبرة » فى انتظارهم.
ويبلغ عدد القوات الأمريكية فى أفغانستان حاليا نحو 8400 جندى، وكان قبل 2011 يبلغ حوالى 100 ألف جندى، وانتهت العمليات العسكرية القتالية، التي قادتها واشنطن وحلف الناتو ضد طالبان رسميًا فى 2014 ، بعد إنشاء الجيش الأفغاني. وتنحصر مهمة الجنود الأمريكيين المتبقين- حسبما هو معلن- فى تدريب القوات الأفغانية، وتقديم المشورة لها، وبقى كذلك خمسة آلاف جندى من حلف الناتو
للمهمة ذاتها.

استراتيجية ترامب

وكان ترامب أعلن فى 21 أغسطس 2017 ، عن استراتيجية جديدة بشأن أفغانستان، تراجع
فيها عن تلميحاته خلال حملته الانتخابية، بسحب القوات الأمريكية المتبقية هناك.
وقال ترامب فى خطاب ألقاه حينها من قاعدة «فورت ماير » قرب واشنطن، إن موقفه الجديد يهدف إلى الحيلولة دون تحول أفغانستان إلى ملاذ آمن للمتشددين الإسلاميين المصممين على مهاجمة الولايات
المتحدة، حسب تعبيره.
وتابع «الحدس يدفعنى للانسحاب، إلا أن مستشارى الأمن القومى أقنعونى بتعزيز القدرة الأمريكية لمنع حركة طالبان من الإطاحة بالحكومة، التي تدعمها الولايات المتحدة فى كابول".
وأشار الرئيس الأمريكى فى خطابه، إلى أنه توصل إلى خلاصة مفادها، بأن الانسحاب سيؤدى إلى فراغ يستفيد منه «الإرهابيون»، مضيفا «أن أعداء الولايات المتحدة في أفغانستان يجب أن يعرفوا أنه ليس هناك مكان يختبئون فيه، وليس هناك مكان لا تصل إليه الأسلحة الأمريكية »، وتابع "قواتنا ستقاتل
لتنتصر".
إلى ذلك، حذر ترامب في خطابه الحكومة الأفغانية من أن الدعم الأمريكى، الذي سيتواصل فى مواجهة عناصر حركة طالبان على الأرض، لن يكون "شيكا على بياض"، مطالبا إياها بإصلاحات ونتائج حقيقية.
ومن جهة ثانية، ترك الرئيس الأمريكى الباب مفتوحا على إمكان إجراء حوار مع بعض عناصر حركة طالبان، وقال: «فى وقت من الأوقات، وبعد جهد عسكرى ناجح، ربما يصبح الحل السياسى ممكنا ليشمل جزءا من طالبان أفغانستان »، وتابع «لكن أحدا لا يمكنه أن يعلم ما إذا كان هذا سيحصل، ومتى".
وكان وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون، قال فى تصريحات له، إن الولايات المتحدة مستعدة لدعم محادثات سلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، بلا شروط مسبقة.
ولم يحدد ترامب عدد الجنود الأمريكيين الإضافيين، الذين سيتم إرسالهم إلى أفغانستان، واستنادا إلى مسئولين كبار في البيت الأبيض، فإن ترامب سمح لوزارة الدفاع الأمريكية بنشر ما يصل إلى 3900 جندى إضافى.
وكان ترامب قال مرارًا خال حملته الانتخابية للرئاسة الأمريكية، إن الحرب فى أفغانستان مكلفة جدا فيما يتعلق بالأرواح والأموال.
وتشير إحصائيات أمريكية إلى مقتل قرابة 2400 جندى أمريكى فى أفغانستان منذ عام 2001 ، فيما أصيب أكثر من 20 ألفا آخرين، بينما تؤكد حركة طالبان أن عدد القتلى الأمريكيين، أضعاف ما سبق.
مقبرة للأمريكيين
ويبدو أن استراتيجية ترامب، لم تشكل فارقا، بالنسبة لحركة طالبان، إذ علقت عليها بالقول: «أفغانستان ستكون مقبرة للأمريكيين »، وقال المتحدث باسم الحركة المتمردين، ذبيح الله مجاهد، فى بيان: "إذا
لم تسحب الولايات المتحدة جنودها من أفغانستان، فإن أفغانستان ستصبح قريبا مقبرة أخرى لهذه القوة العظمى فى القرن الواحد والعشرين".
وتابع "على الولايات المتحدة التفكير باستراتيجية انسحاب بدلا من متابعة الحرب »، وأضاف "طالما هناك جندى أمريكى واحد على أرضنا، وطالما أنهم مستمرون بالحرب ضدنا، سنستمر فى جهادنا".
وأشار إلى أن الاستراتيجية الأمريكية، لا تحمل جديدا وشديدة الالتباس، وقال: «إن ترامب يشكل امتدادا للسلوك المتعجرف للرؤساء السابقين كجورج بوش الابن »، وأضاف "ترامب يهدر أرواح الجنود الأمريكيين، نحن نعلم كيف ندافع عن بلدنا، لن يغير ذلك شيئا".
وتابع مجاهد "لقد خضنا هذه الحرب على مدى أجيال، نحن لسنا خائفين، سنتابع خوض
هذه الحرب، حتى آخر رمق".
وبدورها، ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز » الأمريكية، أن قوة حركة طالبان فى تصاعد، ولذا، فإن زيادة عدد الجنود الأمريكيين بنحو 4 آلاف، لن تساعد كثيرا فى مواجهة هذه الحركة.
وأضافت الصحيفة فى تقرير لها فى 9 نوفمبر 2017 ، أن الولايات المتحدة وحلفاءها فى حلف الناتو، تواجه صعوبة فى توفير القوات الازمة لتنفيذ استراتيجية ترامب الجديدة. وتابعت "عدد الجنود الأمريكيين
والدوليين المسئولين عن تدريب القوات الأفغانية ومساعدتها على هزيمة حركة طالبان، يعتبر قليل جدا، مقارنة بتطور قدرات هذه الحركة".

مؤشرات الإخفاق

ولعل ما يرجح فشل استراتيجية ترامب أيضا، أنه كان يوجد منذ 2001 ، عدد كبير للغاية من الجنود الأمريكيين وقوات الناتو «حوالى 150 ألفا »، ولم يتم القضاء على طالبان، بل إنها ازدادت قوة، وهذا قد يعود لعدة أمور، من بينها، تنامى استياء الأفغان، من الحكومات المتعاقبة فى كابول، التى فشلت
فى تأمين الخدمات وتوفير الأمن لهم، كما أن ارتفاع عدد الضحايا فى أوساط المدنيين بسبب العمليات العسكرية، التى شنتها القوات الأمريكية وقوات الناتو، شكل وقودا إضافيا لهذا الاستياء الشعبي.
ففي 22 أغسطس 2008 ، لقى حوالى 90 مدنيا أفغانيا معظمهم من النساء والأطفال مصرعهم فى قصف جوى أمريكى لمنطقة «شينداند » بإقليم هيرات فى جنوب شرقى أفغانستان، كما قتل أكثر من 1000 مدنى أثناء عمليات لقوات الناتو والقوات الأمريكية ضد من تعتقد أنهم عناصر طالبان منذ مطلع 2008 وحتى سبتمبر من العام ذاته.
وبدوره، قال مارك هيرولد، الباحث الأمريكى بجامعة «نيو هامبشير »، إن نحو 3200 مدنى
قتلوا فى 2005 فقط فى عمليات لقوات الناتو والجيش الأمريكي، مشيرا إلى أن الخسائر السابقة فى صفوف المدنيين، تفوق الإحصائية التى كشفت عن مقتل 2256 مدنيا خلال القصف الأمريكى عام 2001 ، الذى أدى إلى الإطاحة بحركة طالبان.

حرب العصابات

وبجانب ما سبق، فإن من الأمور الأخرى التى أفشلت مهمة الناتو والقوات الأمريكية منذ 2001 ، تطوير طالبان الدائم لتكتيكاتها فى حرب العصابات، ما بين تفجيرات وعمليات انتحارية شبه يومية، بالإضافة إلى التقارير المتداولة حول أن أسلحة صينية متطورة كالصواريخ المضادة للطائرات والمدفعية والألغام والقذائف الصاروخية ومعدات صنع العبوات الناسفة، أصبحت بحوزة مقاتلى الحركة.
ويبدو أن امتلاك مثل تلك الأسلحة المتطورة، هو الذى دفع طالبان للثقة أكثر فى قدراتها، ولذا رفضت باستمرار دعوات الحوار، وربطت الموافقة عليها، بانسحاب القوات الأجنبية بالكامل من أفغانستان.
وكانت صحيفة «واشنطن بوست » الأمريكية، كشفت فى وقت سابق أن طالبان باتت تحظى بتسليح وثقة عالية، وأضحت قادرة على تنفيذ هجمات متصاعدة، مشيرة إلى أن مقاتلى الحركة أصبحوا قادرين على العمل في جميع الأقاليم، التى تحيط بالعاصمة كابول، بعد أن كانت عملياتهم تتركز فى المناطق القروية
الجنوبية.
وأضافت الصحيفة أن حركة طالبان خلقت هيكلً حكوميًا موازيًا يتضمن مجالس دفاع ومالية، وقامت بتعيين قضاة ومسئولين ببعض المناطق، كما أنها تدير مواقع إلكترونية وجهاز دعاية على مدار 24 ساعة يروج لكل عملية عسكرية أسرع مما يفعله المسئولون الأفغانيون والغربيون.
وفي السياق ذاته، توقع تقرير أعده أنطونى كوردسمان، الباحث فى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، أن يخسر حلف شمال الأطلسى والولايات المتحدة فى أفغانستان، كما حدث مع الاتحاد السوفيتى فى ثمانينيات القرن الماضى والإمبراطورية البريطانية فى القرن التاسع عشر.
وأضاف كوردسمان فى تقريره، الذى نشرته وسائل إعلام أمريكية، من بينها «سى إن إن »، أن الوضع فى أفغانستان يتدهور، ووصل إلى «مرحلة الأزمة »، مشيرا إلى أن أمريكا تواجه تحديا جديا من خلال حرب يتم خسارتها على المستويين السياسى والاستراتيجي.

جندى أمريكى يروى مشاهد الجحيم فى أفغانستان

وبدوره ، كشف الجندى الأمريكى تايلر ستافورد، لشبكة «سى إن إن»، عن تجربته الشخصية مع جحيم هجمات طالبان، قائلا إن مجموعته التابعة للكتيبة الثانية من فوج المشاة الأمريكى الـ٥٠٣، فى اللواء ١٧٣ المحمول جوًا، تعرضت لأكثر العمليات دموية ضد الجيش الأمريكى فى أفغانستان.
وحول تفاصيل الهجوم، الذى شنته مجموعة من عناصر طالبان على وحدته فى شرق أفغانستان فى أواخر ٢٠٠٨، والذى خلف تسعة قتلى بين صفوف القوات الأمريكية، قال تايلر ستافورد: «وجدنا أنفسنا فجأة وجها لوجه مع ٢٠٠ من مقاتلى طالبان، الذين أطبقوا علينا من ثلاث جبهات، لتبدأ مواجهات شرسة، انتهت بمحاولة الناجين منا إنقاذ حياة بعضنا البعض، بعد سقوط تسعة قتلى وإصابة العشرات بجراح».
واستطرد: «عند إصابتى صرخت مناديًا صديقي، الجندى ماثيو فيليبس، طلبًا للمساعدة، لكن ما من مجيب، وعندها نظرت إليه، وسألته: هل أنت بخير؟ غير أنه لم يتحرك مطلقا، وكان ماثيو أول رفاقى الذين شهدت مقتلهم. وتابع «شاهدت رفيقى الآخر، الجندى جونثان آيرز.. كان مذهلا، لم يتوقف لوهلة عن إطلاق وابل الرصاص على عناصر طالبان، حتى أصابته قذيفة آر. بي. جي، فخر صريعا».
واسترسل بالقول: «الانفجارات دوت فى كل مكان، وكان هناك أكثر من ٢٠٠ من مقاتلى طالبان يطلقون نيران أسلحتهم علينا.. كانت فوضى عارمة»، واصفا موقع الاشتباكات وهو يلقى بنظرة أخيرة عليه من على متن مروحية الإنقاذ، بأنه كان على غرار المواقع فى حرب فيتنام.
وبجانب الاعتراف السابق؛ فإن ما يزيد من مأزق ترامب، أنه فى ٢٠٠١، وبعد الغزو الأمريكى لأفغانستان، تسابق المسئولون الأمريكيون، وعلى رأسهم وزير الدفاع الأسبق دونالد رامسفيلد والرئيس الأسبق جورج بوش الابن، فى الحديث عن أن طالبان قد انتهت إلى غير رجعة، إلا أنه بعد ١٧ عاما من هذا التدخل العسكري، اتضح زيف الادعاءات السابقة، وأن طالبان لم تستمر فقط، بل تصاعدت أيضا قوتها عما كانت عليه فى السابق.

فاتورة باهظة

وتبقى الكلفة الاقتصادية للحرب فى أفغانستان، كابوسا آخر يؤرق الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وآخرها إدارة ترامب، فقد أظهرت تقديرات مركز الدراسات الاستراتيجية فى واشنطن فى أغسطس ٢٠١٧، أن الكلفة المباشرة للحرب فى أفغانستان بلغت ٨٤١ مليار دولار، بينما تقول تقديرات أخرى إن هذه الحرب، قد تجاوزت تريليون دولار، وقد تصل إلى ٢ تريليون مستقبلا، وإنها تجاوزت نظيرتها فى فيتنام بمراحل، بينما الحرب الوحيدة، التى كانت الأعلى من حيث الكلفة، هى الحرب العالمية الثانية، التى بلغت كلفتها ٤.١ تريليون دولار.
ونقلت هيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سي» عن نيتا كراوفورد، منسقة مشروع كلفة الحروب فى جامعة «براون» الأمريكية، قولها: «إن كلفة الحروب الأمريكية فى كل من العراق وأفغانستان وباكستان منذ عام ٢٠٠١ قد قاربت ٥ تريليونات دولار من بينها ٢ تريليون كلفة الحرب فى أفغانستان، بما فى ذلك الكلفة المتوقعة مستقبلا».
وتابعت «أما على صعيد الكلفة البشرية، فقد تجاوز عدد قتلى الحرب فى أفغانستان أكثر من ١١٠ آلاف شخص، ما بين مدنى أفغانى ومسلح وجندي، وبلغ عدد قتلى القوات الأمريكية ٢٣٥٠ جنديا، إلى جانب إصابة ٢٠٠٩٢».
واستطردت الباحثة «٣٢٠ ألف جندى أمريكى سابق خدموا فى العراق وأفغانستان يعانون آثار الإصابة فى الرأس، ومن أبرز تداعياتها الاضطرابات الذهنية والشرود، ومن بين هؤلاء هناك ٨٢٣٧ ممن يعانون إصابات شديدة فى الدماغ، إضافة إلى ١٦٤٥ جنديا فقدوا جميع أو أحد الأطراف». وخلال عام ٢٠١٦، أقدم ٢٠ جنديا أمريكيا متقاعدا على الانتحار، حسب إحصاءات المركز الوطنى للجنود المتقاعدين.
كما أشارت الباحثة فى جامعة «هارفارد» الأمريكية ليندا بلايم، إلى أن نفقات الخدمات الطبية لقدماء المحاربين، ومعاقى الحرب خلال السنوات الأربعين المقبلة ستتجاوز تريليون دولار.
وبالإضافة إلى ما سبق، فإن تتبع تاريخ طالبان يضاعف ورطة أمريكا، ويرجح أنها لن تترك السلاح بسهولة.
فقد تشكلت هذه الحركة في البداية من الطلبة، الذى كانوا يدرسون فى المدارس الدينية فى باكستان، وبدأت تنتشر فى أفغانستان منذ ١٩٩٤، ورحب الأفغان، الذين شعروا بالاستياء من الاقتتال الداخلى بين المجاهدين، الذى قاتلوا السوفييت، بظهور طالبان، خاصة بعد نجاحها فى الحد من الانفلات الأمني، فى المناطق الخاضعة لسيطرتها فى جنوب وغرب البلاد.
وفى ١٩٩٦، استولت الحركة على العاصمة الأفغانية كابول بعد الإطاحة بنظام حكم الرئيس برهان الدين رباني، ووزير دفاعه أحمد شاه مسعود.
وبحلول عام ١٩٩٨، كانت قد سيطرت على نحو ٩٠ فى المائة من أفغانستان، وتعهدت بتطبيق الشريعة.
ووجهت للحركة اتهامات دولية بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، كما قامت فى بداية ٢٠٠١ بتدمير تمثالى بوذا فى باميان وسط أفغانستان، ما أثار حينها انتقادات دولية واسعة.
كما اتهمت واشنطن الحركة بتوفير ملاذ آمن فى أفغانستان لزعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن، بعد هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١ فى الولايات المتحدة، وفى ٧ أكتوبر من العام ذاته، قام تحالف دولى بقيادة الولايات المتحدة بغزو أفغانستان، وتمت الإطاحة بطالبان من السلطة فى ديسمبر ٢٠٠١.