الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

إيران وفلسطين.. تجارة لاختراق العالم العربي (ملف)

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
1979 طلب الخمينى من ياسر عرفات تأييد إيران ضد العراق وصدام حسين
2011 طالبت إيران حركة حماس بتأييد بشار الأسد ضد الثورة السورية
2016 طالب وزير خارجية إيران جواد ظريف من خالد مشعل مهاجمة السعودية مقابل دعم حماس

طهران.. ٣٩ عامًا من الكذب باسم القدس
الخمينى عرض على عرفات الدعم مقابل المساندة.. والزعيم الفلسطينى رفض.. وإيران ترفض التسوية بين منظمة التحرير وتل أبيب بموجب اتفاقية أوسلو
يتسم الخطاب السياسى الإيراني، منذ اندلاع الثورة الإيرانية 1979، وعبر النخب السياسية الحاكمة المتعاقبة، بمحورية القضية الفلسطينية والقدس فى الخطاب الموجه للعالم العربي، إلا أن العديد من الأحداث والوقائع تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن تلك الخطابات الحماسية لا تعدو إلا أن تكون مجرد متاجرة بالقضية الفلسطينية كإحدى أدوات إيران لاختراق عواصم العالم العربي، وكسب قلوب الشعوب العربية كون القضية الفلسطينية الأقرب إلى وجدان كل عربي.
ولقد مرَّت التوجهات الإيرانية تجاه القضية الفلسطينية بعدة مراحل؛ اتخذت أولاها بُعدًا أيديولوجيّا شعاراتيّا حمل مفاهيم التضامن والوحدة الإسلامية فى انسجام مع الخطوط الأيديولوجية العريضة للثورة الإسلامية الإيرانية؛ لكن هذه التوجهات وبفعل التحولات الاجتماعية والتحديات السياسية بدأت تأخذ منحى واقعيّا براجماتيّا فى العلاقات الدولية، سعيًا إلى تحقيق ما تسعى إليه الجمهورية «الإسلامية» من تعزيز مكانتها الإقليمية، والاعتراف بدورها كلاعب دولى مهم.
ولقد اتسم خطاب إيران بالازدواجية؛ حيث هو خطاب متضامن ومتعاطف ظاهريًا مع الحقوق الفلسطينية ومعادٍ لإسرائيل، فى حين هو فى حقيقته يتسم بالاستغلال السياسى للقضية، والمراوغة الشديدة إزاء القضايا المفصلية التى تؤرق شعوب المنطقة وتقلق حكوماتها، وهو ما يتضح بجلاء فى علاقاتها الخارجية على الصعيدين الإقليمى والدولي، وبخاصة تدخلاتها المتكررة فى شئون الدول العربية فى العراق، سوريا، لبنان، اليمن، وإثارة الأزمات مع السعودية والإمارات، وغيرها من دول العالم العربي.

يوم القدس السنوى
وبعد الثورة الخمينية مباشرة أُعلن عن يوم القدس السنوي، وتبنت إيران و«حزب الله» شعار «حماس» أن «أرض فلسطين وقف، ولا بد من إقامة دولة إسلامية فيها بعد التحرير»، وهو ما كانت تدركه إيران أنه سيؤثر سلبًا على الانتفاضة الفلسطينية الأولى (انتفاضة الحجارة ١٩٨٧).
بعد ذلك انتظمت طهران فى علاقتها بحماس، فأعطتها بطهران مقر السفارة الفلسطينية، فضلًا عن مؤتمرات الوحدة الإسلامية السنوية بطهران، والتى يخطب فيها رؤساء التنظيمات الشيعية فى العالمين العربى والإسلامي، وزعماء حركات المقاومة فى فلسطين، ثم يزورون منظمة الثقافة الإسلامية، ومدرسة صغيرة أقامتها إيران زاعمة أنه يُدرس فيها المذاهب الأربعة السنية، وهو ادعاء كاذب حيث إن السنة وعددهم فى إيران ١٥ مليونًا لم يتمكنوا يومًا من إقامة مسجد لصلاة الجمعة بالعاصمة، علاوة على ممارسات الاضطهاد ضدهم. وفى كل عام وفى يوم القدس تحديدًا، كما فى عاشوراء، يتسابق ويتفنن الإيرانيون فى شتم العرب «أتباع الإمبريالية الأمريكية والذين لا يريدون تحرير فلسطين، والذين لا يستحقون الولاية على الحج».

الخمينى وعرفات
إن البداية كانت واضحة، منذ مقابلة الخمينى عام ١٩٧٩ للزعيم الفلسطينى ياسر عرفات، حيث فوجئ عرفات بطلب الخمينى أثناء لقائه فى إيران مترجمًا للفارسية رغم أنه يعرف العربية جيدًا، وقوله فى مجالس مغلقة بعد ذلك «الثورة الإسلامية التى لا تتحدث العربية، وإنما فقط الفارسية»، تظاهر بمساندة القضية الفلسطينية ولكن فى أول اختبار حقيقي، ومع بداية الحرب العراقية الإيرانية طلبوا من عرفات موقفًا مؤيدًا لهم، وموقفًا عمليًا مناهضًا من الرئيس العراقى صدام حسين والعرب، لكنه بعد عدة وساطات ومحاولات لتجاوز أمر الحرب برمته، اختار الانحياز لعروبته.
فقام بإغلاق مقر المنظمة فى «الأهواز» ومنع لقاء القيادات الفلسطينية هناك، وعانت العلاقة من ركود لم يزل حتى اليوم.
كما لا يخفى أيضًا كيف أن إيران لم تحرك ساكنا لنجدة عرفات المحاصر فى بيروت عام ١٩٨٢، بل ذهبت ميليشيات شيعية بعد ذلك تابعة لحركة «أمل» التى بايعت الخمينى لارتكاب مجازر فى المخيمات الفلسطينية.

توظيف سياسى
هذا التوظيف السياسى لقدسية الأقصى وفلسطين ومعاداة أمريكا وإسرائيل يتحدث عنه بكل وضوح المعارض من داخل رحم النظام السيد مير حسين موسوى عن أن كافة الشعارات والمراسم والمناسبات الإسلامية والثورية للنظام كيوم القدس ومعاداة إسرائيل هى مجرد وسائل وأدوات بيد النظام لخدمة مصالحه فى الداخل والخارج.
وكان شعار الخمينى الجديد «الطريق إلى القدس يمر ببغداد» شاهدًا على أن طهران تستخدم اسم القدس كورقة سياسية ودعاية فجة، ومحاولة لاستمالة العرب، ولقد صرحت قيادات إيران غير مرة بأن بغداد ونظامها يشكلان عقبة أمامها من أجل إنجاز وعدها بتحرير القدس.
فقدمت إيران المساعدات لأمريكا عام ٢٠٠٣ لاحتلال العراق، وهو ما أكده أكثر من مسئول إيرانى منهم رفسنجاني، ومحمد على أبطحى النائب السابق لرئيس الجمهورية الإسلامية الايرانية للشئون القانونية فى كلمته أمام مؤتمر «الخليج والتحديات» حين قال: «لولا الدور الإيرانى المتعاون لما تمكنت أمريكا من إسقاط كابول وبغداد!»، ورغم سقوط بغداد، لم تتحرك طهران تجاه القدس لتحريرها.
بل استمرت، بدلًا من ذلك، فى العبث بسوريا واليمن عبر الحرس الثورى الإيرانى وفيلق القدس، وفى لبنان أيضًا عن طريق حزب الله، فى محاولة لحصار الدول العربية والسيطرة على عواصمها.
أيضًا، وفى صورة متكررة، فرغم الخطب الحماسية، امتنع الإيرانيون عن تسيير سفن مساعداتهم لكسر حصار غزة، أعلن الأمين العام للمؤتمر الدولى لدعم انتفاضة الشعب الفلسطينى السيد حسين شيخ الإسلام، وهو أحد رجال وزارة الخارجية الإيرانية المخضرمين، خبر إلغاء إرسال سفينة المساعدات، وهو تعبير حقيقى عن انكشاف الوجه المخادع للسياسة الإيرانية، كما استمرت فى تدبير وإدارة المناورات فى مياه الخليج العربى لتهديد دول الخليج واستفزازها.
أيضًا، فى الوقت الذى شن فيه أحمدى نجاد حملته الخطابية ضد عنصرية الدولة اليهودية وسياساتها، كانت إيران ذاتها لا تزال تحتل أراضى عربية صرفة وتدعى ملكيتها لها، لا بواقع الحقوق الجغرافية والوقائع التاريخية والمعطيات الديموجرافية، وإنما بواقع القوة الغاشمة والاستباحة العسكرية.

الأقصى فى السماء
هذا التوظيف السياسى للقضية الفلسطينية، ينطلق من اعتبارات عقائدية راسخة، جوهرها أن القدس لا تحتل تلك المكانة الدينية المقدسة فى نفوس وأدبيات رجال الدين التابعين لولاية الفقيه فى إيران؛ حيث لهم نظرة خاصة للقدس والمسجد الأقصى تتناقض مع أبسط الأدبيات الإسلامية العامة؛ حيث يخلص جعفر مرتضى العاملى -رجل الدين الشيعى المعروف والمقرب من القيادة الإيرانية، فى كتابه المعنون «الصحيح من سيرة الرسول الأعظم» والذى حاز على جائزة أفضل كتاب فى إيران، وكرمه عليه الرئيس أحمدى نجاد شخصيًا- حيث يخلص إلى أن (المسجد الأقصى فى السماء وليس فى القدس).
أيضًا الشيخ محمّد باقر تقى المجلسي، وهو من كبار علماء الشيعة، الذى أورد ما نصه «عن أبى عبدالله عليه السلام، قال: سألته يومًا عن المساجد التى لها الفضل، فقال المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه، قلت: والمسجد الأقصى جعلت فداك؟ فقال: ذا لك فى السماء، وإليه أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن الناس يقولون إنه بيت المقدس؟ فقال: مسجد الكوفة أفضل منه».

سياسة الاختراق.. والدعم المشروط
لفترات طويلة ادعت إيران أنها تقدم دعمًا غير مشروط للقضية ولكل فصائل المقاومة الفلسطينية، واستخدمت هذا الاستقطاب فى تشكيل محور «الممانعة والمقاومة» الذى كان يضم إلى جانب إيران، سوريا، «حزب الله» اللبناني، حركتى حماس والجهاد الإسلامى الفلسطينيتين.
لكن التطورات والأحداث اللاحقة كشفت كيف أن هذا الدعم القادم من طهران قد توقف تمامًا لمجرد الاختلاف فى بعض الرؤى والمواقف السياسية لتلك الحركات الفلسطينية عن طهران، مثلما حدث حول سوريا.
فإيران كانت تريد من حماس دعم الرئيس بشار الأسد ضد الثورة التى اندلعت فى مارس ٢٠١١، لكن رفض حماس ذلك كلفها خسارة الدعم المالى الإيراني، ولجأت طهران إلى محاولة عمل انشقاق داخل الحركة عن طريق تقديم دعم للجناح المسلح لحماس كتائب القسام فى محاولة لتحريضه على المكتب السياسي.
ومثلما طلبت من عرفات موقفًا ضد العراق، وطلبت من حماس موقفًا مع الأسد، طلبت من «الجهاد الإسلامي» موقفًا واضحًا من الحرب فى اليمن، وهو نفس الطلب الذى قُدم لحماس من أجل استئناف العلاقات.
أيضًا عادت طهران فى اجتماع عُقد فى ٤ يناير ٢٠١٦ بين وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف مع ممثل حماس فى طهران خالد القدومى للبحث فى علاقات الجانبين إذ عرض ظريف على القدومى أن تقوم حماس بإعلان موقف سياسى رسمى ضد السعودية بعد إعلانها قطع كافة العلاقات مع طهران مقابل أن تقوم الأخيرة بتلبية مطالب حماس كافة ومنها الدعم المالى الثابت والدائم.

الأمن الإسرائيلى
لقد أدرك الإيرانيون أن نقطة الضعف الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط هى الأمن الإسرائيلي، ولذا وتحت عنوان تحرير الأرض اللبنانية وتحرير فلسطين لاحقًا، أنشأوا «حزب الله»، واستتبعوا الجهاد ثم حماس فضلًا عن تنظيمات أخرى غير إسلامية، واستخدموها ضد إسرائيل أحيانًا، وأسكتوها أحيانًا أخرى حسبما تقتضيه مصالحهم الباقية فوق كل اعتبار، والآن تقاتل إلى جانب الميليشيات الإيرانية بسوريا فصائل فلسطينية قومية ويسارية، من بينها جيش القدس، وشأن جيش القدس فى العلاقة بإيران، مثل شأن الإرهابيين الذين يسمون أنفسهم بيت المقدس، ويقاتلون الجيش المصرى بسيناء من سنوات، وربما كان لهؤلاء أيضًا علاقات بإيران، إذ تلقوا سلاحهم من قطاع غزة.
مع الوقت طوعت طهران عناصر حماس وبالتدريج، ليكونوا منفذين لأهداف السياسة الخارجية الإيرانية، والتى ما كان دعم القضية الفلسطينية مهمًا عندها، وإنما الضغط على الولايات المتحدة من أجل فك الحصار عليها، وغض الطرف عن استراتيجيات إيران تجاه المنطقة العربية.
ولم تتوقف محاولات إيران استقطاب الفلسطينيين على الفصائل الكبيرة فتح وحماس والجهاد، بل سعت حتى لتجنيد مجموعات مسلحة لها فى غزة والضفة الغربية كانت ترسل لهم الدعم مقابل تنفيذ عمليات.
وحاولت إيران تشكيل فصائل بأسماء تدل على الأصول الشيعية، مثل جماعات عماد مغنية وما يسمى «حزب الله» الفلسطيني، وأيضًا إنشاء حركة الصابرين المتشيعة التى أصبحت ممثلا شبه رسمى لطهران، وتوجهها إيران فى قطاع غزة منذ نحو أربعة أعوام.
وهو ما أكده موقع «عصر إيران» القريب من المحافظين فى طهران أن المذهب الشيعى بدأ فى الانتشار بغزة، وأن العدد وصل إلى المئات، كما صرح بذلك عبدالرحيم حمد وهو أحد المتحولين الغزاويين، حيث ذكر الموقع أن مئات الفلسطينيين الذين تشيعوا سيتحولون بعملية حسابية بسيطة إلى ألوف ثم إلى عشرات الألوف وسيطالبون بوجود سياسى ومذهبي، وسيلعبون دورًا بارزًا فى إدارة هذه المنطقة مستقبلًا.
إيران لم تكتف بتوجيهها لحركة الجهاد الإسلامى فى غزة حيث تمول لها ميزانيتها كاملة كما تقدم لها الدعم العسكرى والتدريب وكل ما يتطلبه العون اللوجيستي، وإنما أرادت إحكام السيطرة على حماس، ما دفع رئيس المكتب السياسى لحركة حماس خالد مشعل بتقديم استقالته من موقعه بسبب ازدياد السيطرة الإيرانية على كوادر الحركة فى غزة ومحاولة تغيير بوصلة حماس عن الأهداف الأولى التى قامت لأجلها، كما أن ذلك الربط بين اتخاذ مواقف معينة وبين استمرار الدعم، دفع رئيس المكتب السياسى لحركة حماس موسى أبومرزوق، لمهاجمة إيران بشدة حيث قال: «منذ ٢٠٠٩ تقريبًا ما وصل منهم أى شيء».
أيضًا قامت طهران بدفع حركة فتح لاحتضان القيادات التى هربت من الشاه، ثم استقرت فى بيروت حيث تلقت التدريب على حرب العصابات فى البقاع، ثم أوجدت لهم عملًا منتظمًا فى وكالة الأنباء الفلسطينية فى بيروت، وكان من بين أولئك اللاجئين إبراهيم يزدى وزير خارجية الخميني، والسيد مصطفى شمران وزير الدفاع للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ولم يمضِ وقت طويل، حتى أبعدت الحكومة الأردنية اثنين من أعضاء السفارة الإيرانية بعد اكتشاف الخلايا التنظيمية التى أسسوها فى المخيمات والأموال الهائلة التى أنفقوها لتجنيدهم، لقد فشلوا فى اختراق الأردن، ونجحوا فى التأثير على العراق من خلال البعد الطائفي، حاولوا فى فلسطين، واخترقوا سوريا ويحاولون تغيير الطبيعة الديموجرافية للمناطق التى يسيطرون عليها وبخاصة بعد موقعة حلب.

الاستغلال السياسي.. المصالح فوق الأيديولوجيا
مما يدل على استغلال إيران للقضية لصالحها رفضها عملية التسوية؛ بين منظمة التحرير وإسرائيل بموجب اتفاقية أوسلو؛ مخافة أن تصبح معزولة فى المنطقة، تحت ذريعة عدم استجابتها لحقوق الشعب الفلسطيني، لأن هذه التسوية فى المنظور الإيرانى جاءت لخلق نظام جديد فى الشرق الأوسط بناء على العملية السلمية بين فلسطين وإسرائيل، وإدراكها بأنه من شأن التسوية الحيلولة دون تحقيق مصالحها وتراجع دورها الإقليمى فى المنطقة.
وكان من مصلحة طهران استمرار الصراع، بما يعزز فكرة التضامن الإيرانى مع القضية، وهو ما يمهد الطريق لإيران لزعامة المنطقة، بعدما اتخذت من القضية ورقة ضغط على الدول الكبرى بشأن ملفها النووي، وإجبار الولايات المتحدة الأمريكية على الاعتراف بإيران كقوى إقليمية عظمى فى المنطقة، لأن إيران من شأنها التأثير على مصالح واشنطن المتمثلة فى النفط وأمن إسرائيل.
وقد كانت إسرائيل، ورغم الثورة الإسلامية فى إيران وسيطرة نظام معادٍ لها على الحكم، ترى أن الخطر الاستراتيجى على وجودها يأتى من العرب وخصوصًا من الجبهة الشرقية، ولذلك كانت ترى أن انتصار العراق فى الحرب على إيران سيجعله أقوى وصاحب رصيد يمكنه من قيادة العالم العربي.
وفى المقابل، فقد رأت طهران أن المصالح والحقائق الجيوسياسية أقوى من الأيديولوجيا فى رسم العلاقة الجدلية بينها وبين القضية الفلسطينية وإسرائيل، فقد كانت مصلحة إيران وتعزيز قوتها الذاتية المعيار الناظم لعلاقتها بالقضية الفلسطينية وإسرائيل، وقد جاءت الأيديولوجيا والمذهب كأدوات استراتيجية للحفاظ على المصالح العليا لإيران.
ولقد تعاطت إيران فى وقت مبكر مع إسرائيل سرًا، حيث عملت إسرائيل على توريد السلاح للنظام الإيرانى بشكل مباشر بالإضافة إلى الدور الذى لعبته كوسيط من أجل إقناع الإدارة الأمريكية بضرورة توريد السلاح لإيران، ويذكر تريتا بارزى فى كتابه «حلف المصالح المشتركة» أن إيران اشترت بشكل مباشر من إسرائيل أسلحة فاقت قيمتها الـ ٥٠٠ مليون دولار فى الفترة الواقعة بين عامى ١٩٨٠ و١٩٨٣، وذلك استنادًا إلى معهد «يافى» للدراسات الاستراتيجية فى جامعة تل أبيب، وقد تم سداد معظم هذا المبلغ عبر تسليم شحنات من النفط الإيرانى لإسرائيل.

تعامل مفضوح
ولكن ورغم التكتم الشديد، بات التعامل ما بين إيران وإسرائيل مفضوحًا مع توالى الشواهد والأحداث عليه مثل: تحطم طائرة الشحن الأرجنتينية على الحدود التركية السوفيتية فى ١٨ يوليو ١٩٨٠، والتى كانت تحمل شحنات سلاح من إسرائيل إلى إيران وأثارت حينها ضجة على المستوى الدولي، وقدمت على إثرها منظمة التحرير احتجاجًا على معايير إيران المزدوجة.
أما الحادثة الأخرى والتى تعد الأبرز والأكثر شهرة فهى فضيحة «إيران - كونترا» والتى لعبت فيها إسرائيل دور الوسيط لإقناع إدارة الرئيس الأمريكى السابق ريجان بتزويد إيران بالسلاح الأمريكي، وقد اعترف ريجان فى ٢٥ نوفمبر ١٩٨٦ «مدافعًا عن تعامله السرى مع إيران بالقول إنه على الرغم من «حظر الأسلحة لإيران، فقد باعت أمريكا أسلحة لها.. وبالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية لإيران ونفوذها فى العالم الإسلامي، اخترنا تفحص إمكانية إقامة علاقة أفضل بين بلدينا».