هل تعرف يا صديقى القارئ، أقصد ذلك الذى ما زال يصر على القراءة ويبحث عن معنى بين تلال من ركاكة الألفاظ، أنى واحد ممن يسعدهم فى الحياة وقع تأثير كلمة على قارئ أكثر من سعادتهم بجنى أموال طائلة، فالحرف نعمة إذا كتب فى موضعه، ونعمة إذا رأته العين كما يجب، وإذا نطقه اللسان صحيحا، ونعمة إذا تلقفته الأذن دون نشاز..، تكلم حتى أعرفك، تكلم حتى أداويك، لم تكن تلك المقولة قد وصل إليها عمدة قريتنا وحده، وقالها صدفة حينما جلس بجوار ابن أخيه المريض والذى عجز الأطباء عن شفائه، بعدما كتبوا له كل الأدوية وأجروا التحليلات.. ولكن أبوقراط هو الآخر قالها فى موقف مشابه، سنعود إليه حالما ننتهى من ذكر ما جرى من شقيق العمدة الذى كان قد وصل إلى مرحلة اليأس واستسلم أن ولده راحل إلى العالم الآخر لا محالة، خرج يجلس فى «الفراندة» يبكى بجوار العمدة، الذى كان قد أحضر الكثير من الكتب عن الوصفات الطبية، وعن الأطباء منذ معرفة الدواء، ربت العمدة على كتف شقيقه، وقال له: «يا عويس يا أخويا ما تزعلش نفسك إن شاء الله طريقة الدكتور أبوقراط هتنفع»، خرجت ضحكة من خفير رغم عنه، وعلق «على كده بقى يا عمدة الدكتور أبوفدان يبقى اشطر»، رد عليه العمدة: «اتلهى يا خفيف واتجر أقعد فى قودة السلاح ولما أعوزك هنده عليك، قال أبوفدان قال.. حمار زى ده إيه اللى يوصله للثقافة دي»، خرج الخفير فمد يده وسحب كتابا من «أسفل الدكة التى يجلس عليها» وأخذ يقرأ: «أصيب الملك المقدونى بيردسياس بحالة من الذبول، لم يستطع أى من أطباء كنيدوس، أن يشفوه منها، ولحسن الحظ حضر أبوقراط من «كوس» وتبين له من استجوابه المتأنى أن بيردسياس مغرم بواحدة من محظيات أبيه، وعلاجه الزواج منها»، أغلق العمدة الكتاب وقال: «أنا عرفت دوا ابنك بيردسياس يا عويس»، التفت عويس فى دهشة لشقيقه العمدة وقال: «برسيس مين يا عمدة.. إنت جرالك إيه، الواد هيروح مني»، رد عليه العمدة: «ما انا قلتلك يا عويس على الدوا اللى وصفه أبوقراط للملك المقدوني».. «اللى هو إيه يا عمدة؟» ابتسم العمدة وقال له: «ابنك كبر يا عويس وبيحب وحدة من محظياتك»، بحلق عويس وصمت ثم قال: «وتطلع إيه محظياتى دي»، فرك العمدة فى رأسه وقال: «فى الحقيقة هم مش كتبين، بس أنا شاكك إنه بيحب البت الصغيرة اللى اتجوزتها على أمه يا عويس».
