الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

يحيى حقي.. رائد القصة القصيرة

الكاتب والقاص يحيى
الكاتب والقاص يحيى حقي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحل اليوم الأربعاء، ذكرى ميلاد رائد القصة القصيرة الكاتب والقاص "يحيى حقي"، أحد الرواد الأوائل لهذا الفن، وخرج من تحت عباءته كثير من الكُتاب والمبدعين في العصر الحديث، وكانت له بصمات واضحة في أدب وإبداع العديد من أدباء الأجيال التالية كما تتلمذ على يده الكاتب الكبير إبراهيم أصلان وكان من أبرز تلاميذه. 
وُلد يحيى محمد حقي في 17 يناير 1905، ونشأ بحي السيدة زينب، وكانت عائلته ذات جذور تركية قديمة، وشب في مناخ مشبع بالأدب والثقافة، وكان كل أفراد أسرته يهتمون بالأدب مولعين بالقراءة. 
كان عمله معاونًا للنيابة لمدة عامين بصعيد مصر له أثر كبير على اسهاماته الإبداعية، والتي انعكست على أدبه، وكانت كتاباته تتسم بالواقعية الشديدة معبرًا عن القضايا والمشكلات الاجتماعية وخاصة في الريف والقرى والتي اتسمت بالصدق، فمن ينسى رائعته "البوسطجي" و"قصة في سجن"، و"أبو فروة". 
كما شكلت إقامته بأحد الأحياء الشعبية تراثه الأدبي وأخرج لنا إبدعات مليئة بالتفاصيل التي توضح الروح الشعبية من بساطة والتي صورها ببراعة واتقاف منقطع النظير كتحفته "قنديل أم هاشم" والتي شكلت في وقتها طفرة نوعية في عالم الرواية العربية بشكل عام والرواية المصرية بشكل خاص، وتحولت فيما بعد إلى فيلم سينمائي حمل نفس الاسم وجسد بطولته الفنان الراحل شكري سرحان والفنانة سميرة أحمد وأخرجها كمال عطية، والذي لم يحقق النجاح الذي حققته الرواية في تلك الفترة، كما صنفت من أفضل الروايات العربية التي صدرت في القرن العشرين لأنها جاءت معبرةً عن أزمة التفاعل مع الحضارة الغربية والموقف المذبذب منها، وكانت تهدف إلى الحفاظ على الذات العربيّة في خضم الموجة الغربية العاتية على الوطن العربي في العصر الحديث.
"إن الكتابة الخالدة بالكيف وليس بالكم".. كانت هذه كلمات الراحل الكبير يحيى حقي والتي سجلت اسمه بحروف من نور في عالم القصة القصيرة والرواية، فكان شخصًا متواضعًا أشد ما يكون التواضع، عطوفًا على أصدقائه مُخلصًا في صداقته لهم، وربطته صداقات وطيدة بعدد كبير من أعلام عصره، من أجيال مختلفة واتجاهات متعددة، لكن كان الحب دائمًا هو الرباط الذي يجمع بينهم، والأدب هو الصلة التي تضمهم، ومن هؤلاء: محمود محمد شاكر، وعثمان عسل، ومحمد عصمت، وفؤاد دوارة، ومصطفى ماهر، وعطية أبو النجا، ونعيم عطية، وسامي فريد، وسمير وهبي، وأحمد تيمور وغيرهم.
وكشف يحيى حقي في أحد كتبه عن علاقته الوطيدة بالكاتب محمود محمد شاكر والذي جمعهما رابط صداقة قوية حيق قال: "من سنة 1939 إلى الآن هذه الصداقة متصلة، بل له عليَّ فضل كبير، فهو الذي يدفع لي فاتورة التليفون، وهو الذي يدفع عني كثيرًا من الديون، وإذا تعثرت في الفلوس يعطيني لوجه الله".
ويقول عن تأثيره فيه وتأثره به: "أثناء عملي بديوان وزارة الخارجية توثقت صلتي بالمحقق بالحث الأستاذ محمود شاكر، وقرأت معه عددًا من أمهات كتب الأدب العربي القديم ودواوين شعره، ومنذ ذلك الحين وأنا شديد الاهتمام باللغة العربية وأسرارها، وفي اعتقادي أنها لغة عبقرية في قدرتها على الاختصار الشديد مع الإيحاء القوي". 
وبالرغم من قلة الأعمال القصصية لـ"يحيى حقي" فإنه يعد بحق هو الرائد الأول لفن القصة القصيرة، كما أثرى فن اللوحة الأدبية في مقالاته الأدبية العديدة التي لا تقل فنًا وبراعة عن القصة.
وصدرت الأعمال الكاملة ليحيى حقي في مجلدٍ عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وأعدّها وراجعها الناقد "فؤاد دوارة".
وتُرجمت بعض قصصه إلى الفرنسية، فترجم "شارل فيال" قصة "قنديل أم هاشم"، وترجم "سيد عطية أبو النجا" قصة "البوسطجي"، وقدمت تلك القصة الأخيرة في السينما وفازت بعدد كبير من الجوائز.
ومن أشهر أعمال "يحيى حقي": مجموعته القصصية "دماء وطين"، و"قنديل أم هاشم"، و"يا ليل يا عين"، و"أم العواجز"، و"خليها على الله"، و"عطر الأحباب"، و"تعالى معي إلى الكونسير"، و"كناسة الدكان".
واستطاع حقي أن يرسي أسس الدرس النقدي منذ وقت مبكر، فكان كتابه "فجر القصة المصرية" – على صغر حجمه – تأصيلًا مبكرًا للأسس الفنية للنقد الأدبي لفن القصة، كما كان لديه قدرة عجيبة على استشراف آفاق المستقبل الأدبي، ومتمكنًا من الأداة اللغوية، عارفًا بتراث أمته وتاريخها، وهو ما أضفى على أدبه سحرًا فريدًا، فجمع بين جمال الصياغة وروعة الفكرة والإحساس المرهف، مع الاهتمام بالقيم الدينية والأخلاق السامية وإعلاء المثل العليا.
نال "يحيى حقي" أكثر من جائزة في حياته الأدبية، من بينها جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1969، كما منحته الحكومة الفرنسية وسام فارس من الطبقة الأولى عام 1983، كما نال العديد من الجوائز في أوروبا وفي البلدان العربية، منحته جامعة المنيا عام 1983 الدكتوراه الفخرية؛ وجائزة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته السادسة عشرة؛ جائزة الملك فيصل العالمية ـ فرع الأدب العربي. 
وتوفي "يحيى حقي" في 9 ديسمبر 1992 عن عمر يناهز 87 عامًا، بعد رحلة معاناة مع المرض.