الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

سياسة

أمريكا تعطل برامج مكافحة الإرهاب

الرئيس الأمريكي دونالد
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تناول تقرير أكاديمى أمريكى دور واشنطن فى «منع الإرهاب» عبر تقييم السياسة الأمريكية الجديدة فى مواجهة التطرف، خلص إلى أن دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة لا يملك استراتيجية شاملة فى هذا الملف، على الرغم من أهميته.
التقرير أعده كل من وليام برانيف، سيموس هيوز، شانا باتن، ماثيو ليفيت، الباحثين بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ويناقش الفرص والمخاطر المرتبطة بالتحول الذى تشهده إدارة ترامب على صعيد المصطلحات والسياسة فى مجال مكافحة التطرف. وفى 14 نوفمبر 2017، حاضر وليام برانيف وسيموس هيوز وشانا باتن وماثيو ليفيت، فى منتدى حول السياسة فى «معهد واشنطن» كجزء من «سلسلة محاضرات حول مكافحة الإرهاب». وبرانيف هو المدير التنفيذى لـ«الائتلاف الوطنى لدراسة الإرهاب والتصدى للإرهاب»، وأستاذ فى جامعة «ميريلاند».
أما هيوز فهو نائب مدير «برنامج التطرف» فى جامعة جورج واشنطن، وتدير باتن «برنامج مبادرات صمود المجتمعات المحلية» فى مركز «الصحة والأمن الداخلي» فى جامعة ميريلاند، وأما ليفيت فهو زميل «فرومر- ويكسلر» ومدير «برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات» فى «معهد واشنطن».
وفيما يلى عرض لكل من الباحثين المشاركين فى التقرير.
أصدر المركز الدولى لأبحاث التطرف والعنف السياسى (ICSR)، تقريرًا حول كيفية مواجهة دول منظمة الأمن والتعاون الأوروبى لموجات العنف التى شهدتها خلال العامين الماضيين.
يرصد التقرير أنه عمليًا لا توجد دولة فى منظمة الأمن والتعاون فى أوروبا إلا وشهدت أحداث تطرف وإرهاب، إذ تسببت الهجمات الإرهابية بالدول المشاركة فى منظمة الأمن والتعاون فى أوروبا فى وفاة أكثر من ألف شخص، كما تسببت فى تدمير عدد من الممتلكات والبنية التحتية والتى تقدر بملايين المليارات من اليورو، وأدت إلى تقلص ثقة الناس فى الحكومة والمؤسسات، كما خلقت حالة من الخوف والشك بين أعضاء الطوائف الإثنية والدينية المختلفة، أحد أهم الإشكاليات التى تواجهها دول المنظمة بخلاف العمليات الإرهابية وما تخلفه من موت ودمار، تسميم المتطرفين للمجتمعات الأوروبية بأفكارهم وأيدلوجيتهم العنيفة، والتى تحض على الكراهية، وبذلك فهم يعرقلون التنمية السلمية والحوار والتعاون، وقد اعترفت الدول المشاركة فى منظمة الأمن والتعاون فى أوروبا منذ فترة طويلة بهذا التحدى.
وفى هذا السياق قام المركز بعمل العديد من الأبحاث فى مجال مكافحة التطرف؛ لتقديم اقتراحات عملية لتعزيز التعاون، يكون الهدف منها تمكين منظمة الأمن والتعاون فى أوروبا من تقديم أكبر مساهمة ممكنة فيما تسميه مكافحة العنف ومكافحة الإرهاب، والوفاء بمهامها المنوطة بها فى إطار مسئولياتها والمكلفة بها منذ عام ٢٠١٢.
وخلص التقرير إلى أن منظمة الأمن والتعاون فى أوروبا رغم تعقيدها السياسى، فإنها قادرة على تقديم إسهامات مهمة فى مكافحة التطرف من خلال ثلاثة مجالات الأول من خلال منع الصراعات وحلها، وتعزيز حقوق الإنسان، وحماية حقوق الأقليات القومية، نظرا لأن الإرهاب كثيرا ما يكون مرتبطا بالصراعات المسلحة، خاصة أن المتطرفين يجيدون التلاعب بالخطوط السياسية والعرقية والدينية.
أما الثانى فمن خلال تعزيز وجودها المحلى القوى، لا سيما فى آسيا الوسطى وغرب البلقان، حيث تكون المنظمة فى وضع فريد لتنفيذ البرامج المحلية، وقيادة جهود بناء القدرات، والتنسيق بين الجهات الفاعلة الدولية.
وأخيرًا من خلال تنويع عضويتها وقدرتها على دعوة دول أخرى للمشاركة فى المنظمة، التى يمكن أن تسهل الحوار والتعاون والتبادل المنهجى للممارسات الجيدة بين الدول المشاركة المتباينة فى قدراتها، لا سيما فى مجال مكافحة العنف والإرهاب.
وأشار التقرير إلى الصعوبات التى تواجه دول المنظمة لتحقيق هذه المجالات، فى ظل وجود عدد من القضايا السياسة الدولية ذات طابع ديناميكى كامن متنازع عليها، وفشل جهود كثيرة لتعزيز التعاون الدولى بين المشاركين، خاصة أن كل دولة لديها أفكار متناقضة ورؤى مختلفة بشأن أسباب التطرف والعنف وآثارهما.
ويصف التقرير الممارسات التى اتبعتها كل دولة على حدة لمواجهة التطرف والعنف، وذلك سعيًا من الباحثين لتوضيح أهمية النهج غير القسرية، وتأثيرها المحتمل فى التصدى للتطرف. وثانيا، حتى لا تبدأ دول المنظمة ولا أى دولة مشاركة من الصفر لمواجهة تحديات الإرهاب والعنف، ولكن يمكن أن توجد أفكار جيدة فى كثير من الأحيان عن طريق التواصل مع الشركاء، خاصة أن منظمة الأمن والتعاون فى أوروبا تستطيع أن تؤدى دورا مفيدا فى تيسير هذه العملية، لا سيما بالنظر إلى المستويات المتباينة لقدرات الدول المشاركة فيها.
ويتضمن التقرير ٢٢ دراسة حالة عن السياسيات الفاعلة لدول المنظمة وهى برامج تضمنت خطط العمل الوطنية؛ فى مجالات السجن، الشرطة، الشباب، التعليم، الدين، الإنترنت، النساء، اللاجئين، التدخلات، والمقاتلين العائدين. وأوضح التقرير التوصيات التى لخصت إليها الدراسة وهى أربع، الأولى أنه على منظمة الأمن والتعاون فى أوروبا أن تفهم الدوافع السياسية والهيكلية المستمرة التى من شأنها زيادة التطرف، ومعالجة القضايا المستجدة التى تشهدها بطريقة استباقية مثل الآثار الأمنية للهجرة، التزام الدول المشاركة فى حل هذه المشاكل، حتى لو كان ذلك يعنى تغيير المسار أو إعادة النظر فى سياساتها وإجراءاتها.
كما أوصت الدراسة المنظمة بتكثيف جهودها فى مجال بناء القدرات الأمنية والبنى التحتية لدول آسيا الوسطى وغرب البلقان، خاصة أن وجودها المحلى القوى والعريق، يؤهلها لتكون الشريك المثالى للقيام بدور قيادى فى مواجهة المنظمات الدولية المتطرفة الأخرى، وأن الدول الأعضاء عليها دعم هذا الدور وعمل الترتيبات المحلية لتحقيق هذا الغرض.
قال وليام برانيف: لا تملك الولايات المتحدة استراتيجيةً شاملة فى ما يخص الإرهاب. فخلال السنوات الست عشرة منذ اعتداءات ١١ سبتمبر ٢٠٠١، عوّلت الولايات المتحدة على نظامها للعدالة الجنائية والمجتمعات العسكرية، متسلحةً بجهاز استخبارى أكبر وأفضل، من أجل عرقلة خصومها الإرهابيين والحؤول دون حصول اعتداء كبير آخر. غير أنه فى خضم ذلك، وصل الإرهاب العالمى إلى أعلى مستوياته التاريخية، ما أدّى إلى بروز أعمال عنف رجعية وحدوث جدالات حول شئون الهجرة واللاجئين والقومية والأممية والأمن والحرية والدين. وتُعتبر أدوات مكافحة الإرهاب التقليدية ضرورية، لكن يبدو أنها غير كافية للحدّ من عنف الإرهابيين وتداعياته السياسية المضرة مع مرور الوقت.
وبهدف إتمام الجهود العسكرية وجهود إنفاذ القانون، أى سبل مكافحة الإرهاب التقليدية، انتهجت الولايات المتحدة والمجتمع الدولى نموذجًا مختلفًا هدف إلى تقليص عدد الأشخاص الذين يحشدون لأعمال العنف فى المقام الأول من خلال معالجة العوامل الفردية والمجتمعية والاجتماعية التى يستغلها الإرهابيون. ولم يحظَ هذا النموذج البارز (مكافحة التطرف العنيف) بالمصادر الكافية، ولم يجرِ مدّه إلا بعدد قليل من الموارد البشرية واستُخدم كأولوية ثانوية بعيدة بالنسبة لمكافحة الإرهاب التقليدية. ومنذ اعتماد نموذج مكافحة التطرف العنيف، هاجمه النقاد الذين لم يعتبروه صوابًا سياسيًا مثاليًا لمكافحة الإرهاب بقوة.
وترتبط هاتان المشكلتان، أى عدم كفاية مكافحة الإرهاب التقليدية وانعدام زخم مكافحة التطرف العنيف، مباشرةً بتقدير غير ملائم لطبيعة الإرهاب الجوهرية. فالإرهاب هو فى الأساس شكل من أشكال السياسة العنيفة، وبالتالى يجب أن تكون استجابتنا سياسيةً فى المقام الأول.
ونظرًا إلى تركيز مكافحة التطرف العنيف على عوامل سياقية تتيح الإرهاب على المستوى الفردى والمجتمعى والاجتماعي، بإمكانها تغيير الظروف السياسية التى تسمح بالتعبئة العنيفة.
أما مكافحة الإرهاب التقليدية، فتفتقر إلى هذا البعد السياسي، وبإمكان نموذج مكافحة التطرف العنيف، إن تمّ حصره بمبدأ توجيهي، أن يشكّل مباشرةً الأساس لاستجابة استراتيجية جديدة شاملة للإرهاب؛ حيث تضطلع مكافحة الإرهاب التقليدية بدور ضرورى إنما ثانوي.
ويجب أن تهدف الاستراتيجية الشاملة الجامعة، داخل الحكومة وخارجها، إلى تهميش الإرهاب. وستساعد استراتيجية تهميش شاملة على بذل جهود «بالحجم المناسب» لمكافحة الإرهاب التقليدية. فلا يشير وضع استراتيجية شاملة إلى أنه يجب أن يبقى الإرهاب متصدرًا سلّم أولويات أجندتيْ الأمن الوطنى والقومى على حساب تحديات أخرى، بل على العكس يعترف نموذج التهميش بأن الإرهاب لا يشكل تهديدًا وجوديًا للولايات المتحدة، ويمكن إيلاؤه أهميةً ثانوية بالنسبة لمخاوف أمنية قومية أخرى فى منطقة ما، كما أنه يسمح بالمزيد من الدعم المعدّ وفق سياق إقليمى والمقدم للشركاء الذين ربما يكون أو لا يكون الإرهاب من أبرز أولوياتهم.
وأضاف سيموس هيوز: أصبحت مكافحة التطرف العنيف مستحيلةً على المستوى الفيدرالي. ففى حين اضطلعت إدارة ترامب بدور فى القضاء على مكافحة التطرف العنيف، تقع هذه المسئولية على عاتق عدد من الجهات الفاعلة. ففى أوائل عهده، على سبيل المثال، أوقف الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، برامج مكافحة التطرف العنيف، واستغرق إطلاق استراتيجية وطنية لـ«تمكين الشركاء المحليين من منع التطرف العنيف فى الولايات المتحدة» سنتين. والآن، تجد إدارة ترامب نفسها فى وضع مشابه؛ حيث إنها أوقفت برامج مكافحة التطرف العنيف وتفتقر عمومًا إلى جميع أنواع تنسيق الجهود الرامية إلى مكافحة التطرف العنيف على المستوى الفيدرالي.
وبالفعل، قد يساهم المصطلح الجديد لمكافحة التطرف العنيف الذى تمّ اعتماده فى ظل إدارة ترامب، أى «منع الإرهاب»، فى تقليص هذه المشكلة. فيوضح هذا المصطلح أن النقاش يتمحور حول البرامج والأفراد الذين يجتازون عتبةً محددة. غير أنه لا يعالج سوى مسألة العنف، ويفشل فى الإقرار بأن التطرف يشكّل بدوره جزءًا كبيرًا من المسألة.
ونظرًا إلى غياب مناصرين متأصلين لبرامج مماثلة داخل الحكومة الفيدرالية، لا بدّ من إيجاد طريقة لتوفير الحوافز الضرورية لمكافحة التطرف العنيف. فقد تنازلت إدارتا أوباما وترامب عن مسئولية مكافحة التطرف العنيف لصالح القطاع الخاص، وطلبتا مثلًا من شركات التكنولوجيا حذف أى محتوى متطرف من مواقعهما. غير أن هذا الهدف كان سهل المنال. فالعمل الشاق، الذى لم ينفذ بعد، يسفر عن بروز برامج وقاية لمعالجة التطرف فى مهده.
وعلى الحكومة الفيدرالية الانخراط فى مسألة مراقبة الجودة، وتشجيع أفضل الممارسات لإشراك المجتمع ودعم التعاون بين المسئولين على مستوى الولايات والمستوى المحلي.
ومن جانبه قال شانا باتن: المصطلح الأحدث «منع الإرهاب»، يضمّ بعض الغموض المرن. وعلى وجه الخصوص، بسبب غياب قوانين الإرهاب المحلية الأمريكية الأساسية والتردد فى وصف بعض الأعمال بالإرهابية، وبالتالى لا تعى المجتمعات دورها فى ما يسمى جهود منع الإرهاب. ويؤدى عدم اليقين هذا إلى سوء تفاهم، وفى نهاية المطاف، إلى تناقضات.
ومن أجل بناء الثقة ضمن المجتمعات، لا يمكن ترك الرسائل التى تحملها مكافحة التطرف العنيف لتُفسَّر عشوائيًا، ما قد يعطى انطباعًا خاطئًا بأن جهود مكافحة التطرف العنيف هى محاولات، سواء مباشرة أو غير مباشرة، لجذب المجتمع نحو الانخراط فى مساعى التحقيقات والمراقبة. فى المقابل، يجب أن تبقى هذه الجهود ضمن نطاق وكالات إنفاذ القانون والاستخبارات.
عوضًا عن ذلك، يجب أن نشهد تحولًا جذريًا، يشبه ذلك الذى يتبلور فى التفاهمات الاجتماعية للعنف الأسرى والجنسي. ولا بدّ لهذا التحول من أن يقر بأن العنف، وليس الإيديولوجيا، هو محور عمل منع الإرهاب. ومن شأن عبارة «عنف متأثر بالإيديولوجيا» أن تُظهر بوضوح أن العنف هو الهدف، وأن تثبت فى الوقت نفسه أن الحكومة الأمريكية تعترف بعدد من الإيديولوجيات وبنطاق التطرف. وبالفعل، يُعتبر تغيير اللغة المستخدمة الخطوة الأولى لتحقيق استراتيجية شفافة وإدخال تحسينات فعلية على هذا النوع من منع العنف. فمن جهتها، تزود الشفافية فى الاستراتيجية المجتمعات بمعلومات ملموسة وتساعد على بناء الثقة الضرورية لتعزيز قدرتها على الصمود.
فيما أشار ماثيو ليفيت إلى أنه قد لا يبدو استخدام مصطلح «منع الإرهاب» لوصف جهود مكافحة التطرف العنيف تغييرًا أساسيًا فى اللغة بشكل خاص، بما أن مصطلح «مكافحة التطرف العنيف» شهد عددًا كبيرًا من التغييرات خلال السنوات القليلة الماضية. ففى الواقع، قد يكون تغيير المفردات إيجابيًا بما أن الكثيرين من خارج المحفل السياسى لا يحبذون عبارة مكافحة التطرف العنيف. والمثير للريبة هو أن المصطلح الجديد لا يوضح حجم المجال المتاح أمام جهود المنع الحقيقية أو أنواع الإرهاب الذى سيركّز عليه.
من ناحية أخرى، يُعتبر التركيز على حلول حماية الحدود فى أعقاب الهجمات الإرهابية سياسةً سهلة إنما ضعيفة لمكافحة الإرهاب. فحماية حدودنا مهمة، لكن سياسةً مماثلة منفردة تتجاهل واقع أن التطرف ينتشر هنا فى الولايات المتحدة. فلا يقف التطرف عند الحدود، لذا لا بدّ من وجود برامج تواجه الإيديولوجيات المتطرفة العنيفة فى وقت مبكر، والعمل على التصدى لنطاق واسع من التطرف، بما فيه التطرف الإسلامى واليمينى واليساري، إلى جانب السلوكيات الأخرى التى تشكل تهديدًا على المجتمع. ومن غير الواضح ما إذا كان «منع الإرهاب» سيفى بالغرض.