الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

صراع نفوذ بين واشنطن وموسكو في شبه جزيرة القرم

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يمثل القرار الاستراتيجي الروسي بنشر كتيبة ثانية من أنظمة صواريخ أرض– جو من طراز "أس-400"، تم وضعها في حالة الجاهزية القتالية، تعزيزًا لقدراتها الدفاعية في شبه جزيرة القرم، ردا استباقيا على بدء تنفيذ القرار الأمريكي بتزويد أوكرانيا أسلحة متطورة.
وتزامن تسريع المرحلة الثانية من نشر الصواريخ الروسية في القرم، مع تصاعد التوتر مع الغرب، خصوصًا مع الولايات المتحدة التي أعلنت أخيرًا توجهها إلى تزويد أوكرانيا أسلحة فتاكة، بعدما امتنعت لسنوات عن اتخاذ قرار مماثل، وحذرت موسكو من أن حصول الجيش الأوكراني على مضادات جوية فعالة وتقنيات دفاعية مضادة للدبابات ستكون له عواقب وخيمة.
ويأتي القرار الروسي في إطار التصعيد المتبادل بين واشنطن وموسكو لصراع النفوذ في أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، إذ أشارت تقارير إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تواصل سياسة تطوير أسلحة نووية جديدة، وتترك الباب مفتوحا أمام إمكان رد ذري على أي هجمات ضخمة غير نووية بصفتها قوة ردع للخصوم.
وكان ترامب قد أعلن في الاستراتيجية الأمريكية الجديدة أن الصين وروسيا تمثلان تهديدًا للولايات المتحدة، لأنهما يعملان على تحديث ترسانتيهما من الأسلحة النووية وزيادة قوتهما الاقتصادية، وجاء الرد الروسي والصيني آنذاك رافضًا لتلك الاتهامات الأمريكية وأنها بمثابة إعلان أمريكي لبداية حرب باردة على موسكو وبكين.
وإذا كانت الكتيبة الأولى من "أس 400" التي قدمتها موسكو تُعد حماية للشاطئ الشرقي لشبه جزيرة القرم الذي يربطها مع روسيا، فإنها نشرت الكتيبة الثانية قرب سيفاستوبول (جنوب غرب)، مما منحها أهمية كبرى لحماية القاعدة العسكرية من هجمات أوكرانية محتملة، إذ تعد أنظمة "أس400" الأحدث من نوعها لدى روسيا، وهي قادرة على إسقاط أهداف محمولة جوًا على مسافة 400 كيلومتر ومواجهة صواريخ باليستية على مسافة 60 كيلومترا.
يذكر أن القرم هي شبه جزيرة في جنوب أوكرانيا، وقد أعلنت روسيا ضمها إلى أراضيها بعد يوم من إعلان استقلالها عن أوكرانيا، وهو ما اعتبره المراقبون نقطة تحول إستراتيجية في العلاقات بين الشرق والغرب منذ انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، ودشن البداية الحقيقية لفترة الحرب الباردة الثانية، إذ وقع الرئيس فلاديمير بوتين معاهدة تاريخية مع قادة القرم تقضي بانضمام منطقتين جديدتين إلى روسيا الاتحادية، هما القرم ومدينة سيباستوبول التي تتمتع بوضع خاص في شبه الجزيرة.
وكان عام 1921 قد شهد الإعلان عن تأسيس جمهورية القرم المشتركة السوفييتية ذات الحكم الذاتي، وفي عام 1954 وبموجب مرسوم من رئاسة مجلس السوفييت الأعلى للاتحاد السوفييتي نقلت منطقة القرم من كيان جمهورية روسيا السوفييتية الاتحادية الاشتراكية، لتنضم إلى جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفييتية، التي كانت حتى عام 1991 جزء من الاتحاد السوفييتي.
وبعدما حصلت أوكرانيا على استقلالها مثل بقية الجمهوريات الروسية، بقيت القرم جزءا منها، وكانت لغتها المستخدمة غير محددة، حيث لا يوجد لغة موحدة، لكن اللغتين الروسية والأوكرانية كانا هما الأكثر شيوعا.
وتنبع الاستراتيجية الروسية في الاهتمام بالقرم من عدة نواح: أولًا تاريخيًا، انقسم الأسطول العسكري في البحر الأسود بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا عقب تفكك الاتحاد السوفيتي في عام 1991، وأصبح تواجد الأسطول البحري الروسي في القرم يشكل حساسية بين كييف وموسكو، لذا تم تحديد الوضع القانوني لهذا التواجد بسلسلة اتفاقيات بين الجانبين حول التعاون والشراكة تمت في عام 1997، وأصبح لروسيا حق في قاعدة سيفاستوبول البحرية العسكرية، وفي تواجد أسطول البحر الأسود الروسي في شبه جزيرة القرم حتى عام 2017.
ويحق لروسيا أن تحتفظ في المياه الإقليمية وعلى اليابسة بمجموعة من السفن والمراكب الروسية يصل تعدادها إلى 388 وحدة منها 14 غواصة، كما يحق لها الاحتفاظ بـ 161 طائرة في المطارات المستأجرة في مدينتي جفارديتسكي وسيفاستوبول.
وكان الاتفاق قد أبرم لمدة 20 عامًا، على أن يتم تمديده تلقائيا لفترة خمس سنوات تالية، إذا لم يعلم أحد الطرفين الطرف الآخر خطيا برغبته في إيقاف مفعول الاتفاق، في فترة لا تتجاوز السنة قبل انتهاء مدة الاتفاق، لكن الاتفاقية التي توقيعها بين أوكرانيا وروسيا في مدينة خاركوف الأوكرانية عام 2010 مددت مدة مرابطة الأسطول الروسي حتى عام 2042، مقابل دفع موسكو 100 مليون دولار سنويا كأجرة لقواعدها البحرية في سيفاستوبول.
ثانيًا، استراتيجيًا: تُعد أوكرانيا خاصرة روسيا الرخوة وقلب الدفاع العسكري عنها، تمامًا كما حصل في الحرب العالمية الثانية عندما اتخذ الألمان من أوكرانيا قاعدة لبدء قصف ستالينجراد، وتتمثل الأهمية الجيوسياسية في أنها بوابة للنفوذ الروسي في أوروبا وطريق إمداد الغاز الروسي إليها.
ثالثًا: لا تقل الأهمية الاقتصادية واللوجستية عما سبق؛ فالاقتصاد الروسي يعتمد على أوكرانيا من خلال عائدات الغاز وفي مجال الإنتاج الزراعي، كذلك تُعد الموانئ الأوكرانية في أوديسا وسباستبول ركيزة دعم خط التجارة الروسي، إذ تسمح هذه الموانئ للسفن التجارية وللأسطول العسكري الروسي بوجودها في البحر الأسود والعبور منه إلى المياه الدافئة.
وتأسيسًا على ذلك، ووفقًا لخبراء في الشأن الروسي، ترى روسيا أن أي زعزعة للأمن في أوكرانيا هي تهديد مباشر لأمنها القومي، وأن أي دعم خارجي للمعارضة الأوكرانية يعد جزءًا من المشروع الأمريكي الهادف إلى محاصرة روسيا.