الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المستقبل للإســلام الروحـاني "2"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتابع الكاتب الفرنسى «إريك يونس جوفروا» مؤلف كتاب المستقبل الروحانى للإسلام بقوله: ثالثا: انقلب انفتاح الإسلام على ما هو كونى فى العصور الأولى إلى ما هو عكسه، أى إلى انكماش الإسلام وتقلصه إلى البعد العرقي. وهكذا انتقلنا من أطروحة إلى أطروحة مضادة، أو من موقف إيجابى منفتح إلى موقف سلبى منغلق. وهنا يكمن مأزق العالم العربى أو الإسلامى اليوم. وبقول هذا الكلام، لا أدين إطلاقًا الخصوصيات الثقافية للمجتمعات الإسلامية، بل أؤكد حقها فى الخصوصية والتمايز عن غيرها.
رابعًا: كان هناك قبول بالغيرية والتعددية الداخلية فى الآراء إبان العصر الكلاسيكى المبدع. لكنه تحول لاحقًا إلى فرض الرأى الواحد والمذهب الواحد فأصبح الإسلام نمطيًا أحادى الجانب، وساد الانغلاق والانكماش إبان عصور الانحطاط ولا يزال.
خامسًا: الطابع الكليانى الشمولى للأخلاق الإسلامية فى مواجهة شمولية الفكر الأحادى الجانب وتنميط كل أنواع السلوك والتصرفات بل وحتى اللباس. وهكذا تم الخلط بين الكونية والنمطية فى العالم الإسلامي.
سادسًا: كان الإسلام فى العصور الأولى المبدعة يتبنى الأخلاق الكونية المنفتحة على الإنسانية وكل الأقوام والشعوب. فأصبح الآن خاضعًا للأصولية الجهادية العنيفة التى تكفر الآخرين. وعلى صعيد مجاور نلاحظ أن بعض الغربيين إما عن جهل أو عن سوء نية لا يترددون عن الخلط بين التجربة الصوفية للفناء فى الله، وبين عدمية الكاميكاز.. (الفناء فى اللغة الصوفية يعنى انحلال الوعى الفردى أو انصهاره فى الحضور الإلهى) وشتان ما بينهما. فلا علاقة للصوفية بالعنف على الإطلاق. وينبغى التمييز بين الطرق الصوفية والحركات الأصولية السلفية المتزمتة. وبخصوص الجهاد ينبغى أن ننتبه إلى الازدواجية الكائنة فى تفريق النبى بين الجهاد الأكبر والجهاد الأصغر. فالأول هو جهاد روحاني، فى حين أن الثانى جهاد حربي.
سابعًا: إن التجريد الروحانى يشكل معطى إسلاميًا عامًا يتجلى فى عدة أشياء (مقاربة لله عن طريق التحدث عما ليس هو، منع التصوير، إلخ). وقد مجدته الصوفية كثيرًا. ولكن حل محله الآن تجريد من نوع آخر وبالمعنى السلبى للكلمة: هو الفقر الثقافى المدقع للمجتمعات العربية – الإسلامية المعاصرة (الإحصائيات تقول لنا إن العالم العربى هو المنطقة من العالم التى تخصص أقل ميزانية للثقافة).
يمكن للقارئ أن يكمل هذه اللائحة من انعكاس القيم فى الإسلام طبقًا لتجربته أو حساسيته. كل هذه العوامل تعرضت لمتغيرات متفاوتة الحصول فى الزمان والمكان. وهذا ما دفع بالسياسى الجزائرى أحمد بن بيلا إلى تشبيه الإسلام «بالمجرة» التى تجمع بين المتناقضات. يقصد بذلك أن الأفكار الأكثر ذكاء وحصافة، والفنون الأكثر دقة ورشاقة، والتوحيد الأكثر إخلاصاَ وصفاء، والإيمان الأكثر قوة، كلها أشياء تتجور مع الخيانة الأكثر هولا، والانقسامات الأكثر ضخامة، والظلم الأكثر بشاعة، والتخلف الأكثر قدمًا واستمرارية.
والآن فى عصرنا الحالى ماذا حدث لكل ذلك؟ هل تغيرت الأمور؟ هل خرجنا من عصر الانحطاط؟ فى مواجهة الانطلاقة الصاعقة والبراقة للعولمة والتحديات الحاسمة لما بعد الحداثة يبدو أن الإصلاح الإسلامى كما كان مورسا بنجاحات وإخفاقات متفاوتة منذ أكثر من قرن، أصبح عاجزًا عن تقديم حل لأزمة الثقافة الإسلامية. ما ينبغى فعله لإيجاد هذا الحل، ما نحتاج إليه فعلا هو ثورة فى المعنى. هذه الثورة تتطلب التحول من الماضى واعتناق فكر جديد تماما يجبرنا على تجديد نظرتنا تمامًا، وإعادة الاعتبار لبحثنا عن العلامات والإشارات أو الآيات كما يقول القرآن.. وللحديث بقية.