السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المؤامرة الأمريكية التي أفشلها المصريون

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى أواخر شهر ديسمبر الماضي، تقدمت إحدى المنظمات الأمريكية بمذكرة إلى ستة نواب بالكونجرس الأمريكي، بشأن تعرض أقباط مصر لانتهاكات ومعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية، علاوة على تضمين المذكرة بعديدٍ من الافتراءات والأكاذيب. وقد حاولت الولايات المتحدة من خلال مناقشة هذه المذكرة التطرق إلى ملفات أخرى منها حقوق الإنسان، وتصوير «الإخوان» على أنها جماعة معتدلة، وأن مصر تعانى مشاكل فى المواطنة. ويمثل مجرد طرح هذه المذكرة تدخلًا سافرًا غير مسبوق فى الشأن المصري، ويعكس مدى الاحتقان فى العلاقات المصرية- الأمريكية فى أعقاب ثورة ٣٠ يونيو، وهو الاحتقان الذى يتبدى بين الحين والآخر فى هكذا تعبيراتٍ قانونية وحقوقية واقتصادية.
لا شك أن ثمة مصالح ضخمة كانت تربط بين الولايات المتحدة وجماعة «الإخوان»، وقد عزز هذه المصالح وصول الجماعة إلى حكم مصر برعايةٍ أمريكية. وكلنا نذكر أن جماعة «الإخوان» كانت قد عقدت العزم ألا تطرح مرشحًا رئاسيًا فى الانتخابات الرئاسية التى جرت فى أعقاب ثورة ٢٥ يناير حفاظًا على اللحمة الوطنية، من خلال توافق القوى الوطنية على مرشح توافقى يحافظ على تماسك هذه القوى من أجل استقرار البلاد بعد ثورة أطاحت بالرئيس والحزب الحاكم والدستور.
ولم يغير موقف «الجماعة» إلا زيارة نائب الكونجرس الجمهورى «جون ماكين» لمكتب الإرشاد بالمقطم، والذى حث فيه الجماعة على طرح مرشح رئاسى يمثلها؛ لأن الفرصة سانحة للقفز على حكم مصر، وبخاصة فى ظل اضطراب الأوضاع السياسية وعدم تنظيم القوى والأحزاب المدنية لنفسها، وفى ضوء أن القوة الوحيدة المنظمة التى تستطيع أن تطرح نفسها على الساحة السياسية هى جماعة «الإخوان». وبالفعل طرحت الجماعة مرشحًا رئاسيًا، وبدأت فى السيطرة على كل مفاصل البلاد وتهميش القوى الأخرى. وبعد تبنيها مبدأ «مشاركة لا مغالبة»، وجدناها تقلب ظهر المجن للجميع وتطيح بهم بعيدًا عن دائرة السلطة بما فى ذلك بنى جلدتهم فى التيار الدينى وهم السلفيون وحزب «النور»، الذى اتهم الجماعة علنًا فى اجتماعٍ عام مع الرئيس الإخوانى مرسى بأخونة البلاد لتكون مصر دولة «الإخوان» ولا أحد غيرَهم. 
وبعد أن دارت الأمورُ دورتَها، وثار المصريون ثورةً شعبيةً عارمة على الجماعة وحكمها ورئيسها ودستورها، وهو ما أدى إلى إسقاط حكم الجماعة وعزل رئيسها وإسقاط دستورها، وهو ما سبب صدمة كبرى للولايات المتحدة التى لم تكن تحسب للشعب المصرى حسابًا، معتقدةً أن «الجماعة» قد أفلحت فى السيطرة على مفاصل البلاد، وأنها ستحقق مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل فى المنطقة، وفقًا لما تم الاتفاق عليه لتمكين الإخوان من حكم مصر.
ولعل صدمة الولايات المتحدة من اندلاع ثورة ٣٠ يونيو وسقوط حكم «الإخوان» هو ما دعاها إلى كراهية هذه الثورة ومحاولة تقويضها والانقضاض عليها؛ لأنها على يقين من أن نظام ما بعد ٣٠ يونيو لن يحقق لها مصالحها، ولعل الفتور فى العلاقات المصرية الأمريكية فى أُخريات عهد «أوباما» لخيرُ دليل على ذلك، كما أن وصول « ترامب» إلى الحكم لم يغير كثيرًا فى هذه المعادلة، بدليل قرار تجميد جزء من المعونة الأمريكية فى عهده، والذى لم يحرك ساكنًا احتجاجًا على قرار الكونجرس الذى يملك حق الاعتراض عليه.
ومن المستقر فى أدبيات السياسة الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة تصبح علاقاتها بالأنظمة الحاكمة فى دول العالم الثالث جيدة إن كانت هذه الأنظمة تحقق لها مصالحها دون جدال، وهنا تُغمض الولايات المتحدة عينيها عن مثالب هذه الأنظمة حتى وإن كانت أكثر الأنظمة استبدادًا وفسادًا، ولكنها سُرعان ما ترفع راية حماية الأقليات وحقوق الإنسان والمواطنة وحرية الرأى والتعبير من خلال منظماتها التى تستخدمها كأدواتٍ لسياستها الخارجية فى الضغط على الدول التى لا تحقق هذه المصالح، حتى وإن كانت هذه الدول تكافح الإرهاب وتحارب الفساد وتكفل حرية الرأى والتعبير والاعتقاد وتحقق أرقى قيم المواطنة لمواطنيها وتحترم حقوقهم بشكلٍ لم يسبق له مثيل فى التاريخ المعاصر.
ومن هنا، أثارت إحدى المنظمات الأمريكية المشبوهة مسألة حماية الأقباط فى مصر من خلال مذكرة مقدمة إلى الكونجرس الأمريكي، والذى وجد الفرصة سانحة ليفتح ملف مصر فى حقوق الإنسان، وإدانة التعامل مع جماعة «الإخوان» الإرهابية ووصفها بأنها جماعة معتدلة، وهكذا يصف الأمريكيون جماعة إرهابية بالاعتدال؛ لأنها تحقق المصالح الأمريكية فى هدم مصر، القلعة الوحيدة الباقية وسط رُكَام الثورات والصراعات العربية فى ليبيا وتونس واليمن وسوريا والعراق، وهو ما يستلزم هدم هذه القلعة لصالح الكِيان الصهيوني.
ولسوء حظ الولايات المتحدة؛ فإن الأقباط فى مصر لم ينعموا بحقوق المواطنة والاحترام والتقدير مثلما حدث فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى يحرص سنويًا على زيارة البابا تواضروس بابا الإسكندرية وبطريرك الكِرازة المرقسية، فى الكاتدرائية للاحتفال معه ومع كل الإخوة والأخوات الأقباط بعيد الميلاد المجيد، وهو تقليدٌ غير مسبوق فى تاريخ الدولة المصرية، ألم يرَ الأمريكيون مدى الحَفاوة والترحاب التى استُقبل بهما الرئيس السيسى فى كاتدرائية ميلاد المسيح والتفاف الأقباط حوله فى رسالة واضحة بأن المصريين شعبٌ واحد لا فرق فيه بين مسلم ومسيحي؟
ألم ترَ الولايات المتحدة كيف أصدر الرئيس السيسى توجيهاته بتشييد كاتدرائية جديدة للأقباط الأرثوذكس فى العاصمة الإدارية الجديدة خلال أقل من عام، وهى الأكبر فى تاريخ مصر وتتسع لأربعين ألف مصلٍ، لتكون هذه الكاتدرائية رمزًا لمتانة العلاقة بين عنصريْ الأمة الواحدة؟ ألم ترَ الولايات المتحدة كيف اعتذر الرئيس السيسى للأقباط فى عيد الميلاد قبل الماضى لعدم استكمال ترميم الكنائس التى حرقتها جماعة «الإخوان» التى يراها الأمريكيون جماعةً معتدلة، ووعدهم الرئيس باستكمال أعمال الترميم، وهو ما حدث بالفعل؟ ألم توفر الشرطة المصرية فى قداس رأس السنة وأعياد الميلاد المجيدة كل الحماية للإخوة الأقباط فى كل الكنائس بطول البلاد وعرضها فى استحكامات أمنية غير مسبوقة؟ ألم يقضِ رجالُ شرطة مسلمون نَحْبَهم فى الدفاع عن بعض الكنائس من أنصار جماعة «الإخوان» الإرهابية، إيمانًا منهم بأنهم يدافعون عن بيوت الله؟
ألم ترَ الولايات المتحدة كيف رفض د. أحمد الطيب شيخ الأزهر والبابا تواضروس بابا الكنيسة الأرثوذكسية فى آنٍ واحد مقابلة «مايك بنس» نائب الرئيس الأمريكى فى زيارته التى كانت مقررة لمصر احتجاجًا على قرار «ترامب» الأرعن بنقل السفارة الأمريكية للقدس والاعتراف بأنها عاصمة الكيان الصهيوني، وهو ما حدا بنائب الرئيس الأمريكى إلى تأجيل زيارته لموعدٍ لاحق استشعارًا لحرج موقفه؟ ألم ترَ الولايات المتحدة كيف استغاث إمام المسجد بالمسلمين لحماية كنيسة حلوان التى اقتحمها الإرهابيون، وكيف قام أحد المسلمين الشجعان بالقبض على أحد الإرهابيين الجبناء رغم أنه مسلحٌ ويحمل مدفعًا رشاشًا؟ ألم يُطلق اسم الشهيد «أبانوب جرجس» على أحد الكوبرييْن العائميْن على قناة السويس جنبًا إلى جنب مع اسم الشهيد «أحمد منسي»؟
إن المصريين أقباطًا ومسلمين أفشلوا مؤامرةً أمريكية تستهدف وحدتهم وتماسكهم.. تحيا مصر بمآذنها وأجراس كنائسها وسبيكتها التى تستعصى على المؤامرات التى تُحاك لها بليل من قبل الأمريكان والصهاينة والإخوان.