الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"صوفية" الجزائر.. سلاح الدولة في محاربة الإرهاب

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news


أصبحت مكافحة الإرهاب، الهاجس الأكبر، الذى يشغل العالم بأكمله، والدول العربية، بصفة خاصة؛ لأنها المتضرر الأكبر منه، سواء فيما يتعلق بوجود تنظيمات متطرفة بأراضيها، أو استغلال هذه الآفة من قبل قوى خارجية، لتنفيذ أجندات هدامة ضدها.

ولم تخرج الجزائر عن القاعدة السابقة، إذ اكتوت لعقود بويلات الإرهاب، ولجأت لأساليب كثيرة لمواجهته، كان أبرزها الاستعانة بالطرق الصوفية. وتأتى الجزائر بعد مصر، فيما يتعلق بانتشار الزوايا والطرق الصوفية بشكل كبير، كما تتشابه الصوفية الجزائرية مع الصوفية المصرية، من حيث الدور الفعال، الذى تلعبه فى المجتمع.
ويعد التيار الصوفى فى الجزائر من القوى السياسية الكبيرة التى تُضاهى الأحزاب فى تأثيرها، لدرجة أنه يشارك فى صنع القرارات الحكومية هناك، كما أن له تأثيرا كبيرا للغاية؛ لأنه يُحارب التطرف بمختلف أنواعه عن طريق أفكاره الإسلامية الوسطية. ويلقى هذا الملف الضوء على الصوفية فى الجزائر وكيفية مواجهتها للإرهاب، وعلاقتها بالسلطة، واختلافاتها عن الصوفية المنتشرة فى بلاد المغرب العربي.
وحظيت الطرق الصوفية فى الجزائر بتأييد حكومى كبير، بسبب نجاحها فى محاربة الإرهاب خلال الفترة السابقة، وأكد أحمد أويحيي، رئيس الوزراء الجزائري، أن الزوايا الصوفية فى الجزائر، لها دور كبير وريادى فى محاربة الإرهاب والتطرف كمؤسسات دينية، خاصة أنها استطاعت أن تُحقق الوحدة الوطنية بين جميع الطوائف الجزائرية خلال الفترات السابقة بسبب الدور الدينى الذى تلعبه، وبسبب نشر الأفكار الدينية المعتدلة والوسطية.
بالإضافة إلى التأييد الكبير لها من قبل الرئيس الجزائرى عبدالعزيز بوتفليقة، الذى أعطاها دورًا رياديًا كبيرًا منذ أن تولى السلطة عام ١٩٩٩، فهذا العام شهد تطور عظيم فى تاريخ الصوفية الجزائرية؛ لأنه جعلها تابعة للرئاسة وليس لوزارة الأوقاف الجزائرية، وكل ذلك لأنه أدرك أنهم قوة عظيمة يستطيع استخدامها فى السياسية ومحاربة التيار السلفى المتشدد.
فالرئيس الجزائري، قبل وصوله إلى سُدة الحكم، اعتكف لأيام فى إحدى زوايا مدينة أدرار جنوب الجزائر، وزار ضريح الشيخ المهدى بن يونس فى مستغانم، المتواجدة غرب الجزائر، وكانت تلك الزيارة قبل الانتخابات، كما جمع شيوخ الزوايا، وقدم لهم دعما معنويا كبيرا، وبعد تلك الزيارات المتتالية، حظى الرئيس بوتفليقة بدعم صوفى عظيم.
وبسبب المكانة العظيمة، التى منحها الرئيس الجزائرى عبدالعزيز بوتفليقة للمتصوفين، حرصت جميع الشخصيات الحكومية على أخذ البركات منهم.
وفي السياق ذاته، أطلقت الحكومة الجزائرية قناتين تليفزيونيتين، وقناتين إذاعيتين من أجل الصوفية، وكانت مختصة لنشر عقائد الطرق الصوفية المتواجدة فى الجزائر، والزوايا الخاصة بها، كأنها حملة إعلامية لها.
ذلك بالإضافة إلى ظهور أغلب مشايخ الطرق الصوفية على القنوات الجزئراية، لمناقشة مختلف الأمور السياسية والدينية والصوفية.
ويرى عبدالقادر باسين، رئيس المنظمة الوطنية للزوايا الجزائرية، أن الدور الصوفى فى الجزائر ساهم بشكل كبير فى تحجيم التيارات السلفية المتشددة، التى خرج منها أعداد كبيرة، انضموا لتنظيم «داعش» الإرهابي، مشيرًا إلى أن السلطة التنفيذية ساعدت الصوفية الجزائرية فى هذا الأمر، من خلال الدعم المعنوى لها، خاصة الرئيس عبدالعزيز بو تفليقة، الذى يحرص على مشاركة الصوفية فى العمل السياسي؛ لأنه يثق أن التيار الصوفى هو الوحيد القادر على محاربة الإرهاب.
ويبلغ عدد الطرق الصوفية فى الجزائر ٣٠ طريقة، يتفرع منها ما يقرب من ١٦٠٠ زاوية، حسب إحصائية وزارة الشئون الدينية والأوقاف هناك، ومن أشهر تلك الزوايا، الزاوية التيجانية المتواجدة فى الأغواط جنوبى الجزائر، والزاوية البلقايدية فى مدينة بوهران غربى البلاد، والطريقة القادرية المنسوبة للشيخ عبدالقادر الجيلاني، والتيجانية، والبلقايدية، والمصطفاوية، والرحمانية، والهبرية، والشاذلية، ولكل طريقة مقر رئيسي، ومجموعة كبيرة من الفروع.
وبسبب العدد الضخم للزوايا الصوفية فى الجزائر، لجأت إليها السلطة لمحاربة الإرهاب، وبالفعل استطاعت أن تحارب التطرف والفكر المتشدد، خاصة أن أغلب أبناء الجزائر يتعلمون ويترعرعون فى هذه الزوايا.
وتعتبر الصوفية الجزائرية أيضا من أكثر التيارات فعالية فى مواجهة الأفكار المتطرفة للتيار السلفى المتشدد، إذ ينتمى ما يقرب ٣٥٠ ألف جزائرى إلى الجماعات السلفية المتشددة، التى تواجهها الدولة الجزائرية بحزم.
وبسبب دورهم فى محاربة الإرهاب، استطاع التيار الصوفى أن يُثبت أركانه فى المجتمع الجزائري، وأن تعتمد عليهم السلطة التنفيذية بشكل كبير، لدرجة أنهم أصبحوا أهم من الأحزاب السياسية هناك.
وتُعرف الزوايا فى الجزائر بأنها مدرسة لتعليم القرآن، وكل مدرسة تتبع طريقة صوفية معينة وتكون لها شيخ يرأسها، ويسمى هذا الشيخ «المقدم»، ويحظى هذا المقدم باحترام كبير من قبل السلطة والمجتمع.
والزاوية الصوفية أسهمت أيضا بشكل كبير فى تعليم اللغة العربية وتحفيظ القرآن، منذ الاستعمار الفرنسى للجزائر، الذى سعى للقضاء على هوية البلاد.
وتسمى الزوايا فى الجزائر أيضا باسم زوايا «الإصلاح والصلاح»، وذلك لأنها كانت من مصادر الصحوة الدينية والثقافية والسياسية فى البلاد.
ويقول محمد أرزقي، الباحث الجزائرى فى التاريخ والتراث، إن الزوايا الصوفية فى الجزائر استطاعت أن تلعب دورا مهما فى الحفاظ على الدين الإسلامى ومواجهة التطرف فى البلاد، وذلك لأن أغلب مدارس تعليم اللغة العربية وتحفيظ القرآن الكريم تكون صوفية، لذلك يسهل عليها أن تتحكم فى عقول المواطنين لديها، وأن تزرع فى عقولهم الإسلام الصحيح البعيد عن التطرف.
وانتشرت الزوايا الصوفية بشكل كبير فى غرب الجزائر، وكذلك انتشرت فى منطقة القبائل الكبرى والصغرى هناك، خاصة فى مدينة بجاية.
وفي كل الأحوال، تختلف الزوايا الصوفية من منطقة لأخرى، فالزوايا فى الغرب الجزائرى مختلفة عن الزوايا فى الجنوب، إذ تؤدى الزوايا المتواجدة فى الغرب، دورا اجتماعيا وعلميا كبيرا؛ لأنها تُدرس القرآن الكريم، ومختلف العلوم الدينية الشرعية، وتساهم فى تكوين الأئمة.
ولم تقف الصوفية عند الدور الدينى والاجتماعي؛ لأنها تلعب أيضا دورا سياسيا بارزا، مستغلة المكانة الاجتماعية والمرموقة، التى تتمتع بها فى المجتمع، وتمثل الصوفية فى الجنوب الجزائرى ثقلا سياسيا كبيرا، ففى وقت من الأوقات، أقيل والى مدينة أدرار، فقامت مجموعة من مشايخ الزوايا بإعادته إلى منصبه، ولكن فى ولاية أخرى.
وتُساهم الزوايا الصوفية فى الجزائر أيضا بشكل فعال فى الحملات الانتخابية الحزبية والرئاسية، خاصة أن الرئيس الجزائرى عبدالعزيز بوتفليقة اعتاد فى حملاته الانتخابية الرئاسية السابقة اصطحاب عدد من مشايخ الزوايا فى أماكن التجمعات الشعبية، التى يذهب إليها أثناء فترة الانتخابات، إذ تعتبر السلطات مشايخ الزوايا الصوفية من الأعيان والشخصيات الواجب التقرب إليها للحفاظ على توازن واستقرار البلاد.
٩٠٪ من أئمة الجزائر من الصوفية
حسب تقديرات وزارة الأوقاف الجزائرية، تبلغ نسبة الأئمة التابعين للطرق الصوفية والموزعين على جميع المساجد فى الجزائر ٩٠٪، وهؤلاء الأئمة الذين تخرجوا فى المدارس الصوفية المختلفة، ويستطيعون من خلال دروسهم الدينية تجديد الخطاب الدينى كما يستطيعون أن يمنعوا أى شخص من التيار السلفى المتشدد من نشر أفكارهم المتطرفة داخل المساجد بصفة عامة، والحياة بصفة خاصة، ولهذا السبب تعطى السلطة التنفيذية الدعم الكامل للمساجد والأئمة الصوفية.
وتتمتع الزاوية الصوفية فى جنوب الجزائر بنفوذ اجتماعى وسياسى كبير، وتعتبر مدينة « أدرار»، من أكثر مدن الجنوب، التى تتواجد فيها زوايا صوفية تحارب التيار السلفى المتشدد، ففى تلك المدينة، يوجد مسجد كبير يسمى باسمها، ويعتبر مدرسة لتعليم القرآن واللغة العربية فى آن واحد، إذ يتخرج فيه كل عام ما يقرب من ١٠٠٠ طالب، وتلك المدرسة وطلابها يشكلون حصنا منيعا ضد التيار السلفي، أى أنها تخلق جوا من التوازن الفكري، كما أن مشايخ مدرسة تلك المدينة يضعون مجموعة من الاختبارات للأئمة، ومن خلال تلك الاختبارات يتعرفون على أفكارهم، وفى حال وجدوا أن أفكارهم تميل إلى التطرف أو العنف يمنعونهم من الخطابة ويوقعون عليهم أشد أنواع العقاب المعنوي.
كما أن مشايخ الصوفية فى الجزائر ليسوا ممنوعين من التدريس فى أى مكان، والمدرسة الصوفية تؤهل الطالب لدخول الجامعة مباشرة.

محاولات سلفية لتشويه المتصوفين
مثلما يفعل التيار السلفى مع الصوفية فى مصر، يتكرر الأمر ذاته فى الجزائر، إذ يشن التيار السلفى حربًا نفسية شرسة على الزوايا الجزائرية، ويحاول بكل الطرق الممكنة، إظهار أن الصوفية مشعوذون ودجالون، فقاموا ببث مجموعة من الشائعات فى الأوساط الجزائرية، واتهموهم بنشر الفكر الشيعى والخلط بين العلوم الدينية الإسلامية وبين العلوم الغربية، ونقل مفاهيم خاطئة للتلاميذ، الذين يقومون بتعليمهم.
وهذا الخلاف بين السلفية والصوفية، لم يكن بالجديد؛ لأنه يرجع إلى القرن الـ١٨، وخلال تلك الفترة حدثت محاولات كثيرة للصلح بينهم، إلا أنه جميع المحاولات باءت بالفشل؛ لأن لكل منهما أفكاره ومعتقداته الخاصة، التى لا يقبل أى منهما التنازل عنها.
واستمر هذا الخلاف حتى وقت الانتخابات المحلية بالجزائر، التى أجريت فى نوفمبر الماضي، وحينها دارت حرب نارية بين الصوفيين والسلفيين، إذ نزلت التيارات السلفية بجميع قواتها لاكتساح الانتخابات، وشنت مجموعة من الحملات الإعلامية على التيار الصوفى، الذى نزل هو الآخر بقوة لمساندة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة والأحزاب المدنية المنافسة للتيار السلفي.
ورغم أن التيار السلفى تعرض لخسارة فادحة، فإنه لم يصمت أمام تلك الهزيمة وروج مجموعة من الشائعات، التى تقول إن الصوفية فى الجزائر أداة فى يد السلطة والرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، وإنه يستخدمها فى أمور سياسية لا تليق بدولة الجزائر، لكن لم يرد عليهم أحد من محبى الصوفية، واكتفوا بالصمت التام، ثم أعلنوا مساندتهم لترشح الرئيس بوتفليقة لفترة رئاسية خامسة، وأعلنوا عن برنامج انتخابى سيقدمونه للرئيس.

عام التقارب الصوفى مع السلطة
صراع الأفضلية بين «مشايخ» المغرب العربى

وشهد عام ٢٠١٤ بداية أزمة بين صوفية الجزائر والمغرب، بسبب محاربة الإرهاب، إذ تنافس كل منها على الأفضلية فى محاربة التطرف، ففى عام ٢٠١٤، زار الملك المغربى محمد السادس مجموعة دول أفريقيا، وناقش معهم إنشاء معهد أفريقى لتخريج أئمة ومرشدين ومرشدات، لمحاربة التطرف والأفكار المتشددة والحفاظ على الهوية العربية والإسلامية فى دول المغرب العربي، وهو ما أشعل غضب الصوفية فى الجزائر، التى أعلنت فى وقت سابق أنها أول من أنشأت معهدًا أفريقيًا فى ٢٠١٣ لمحاربة الإرهاب، وهذا المعهد تخرج فيه ٣٠٠ إمام أفريقى من مختلف الجنسيات الأفريقية، مهمتهم الأساسية مواجهة التطرف فى دول الساحل الأفريقي.
وحينها خرج مشايخ الصوفية فى الجزائر، وأكدوا أن المغرب تحاول استنساخ التجربة الجزائرية فى محاربة التطرف، وفى ذلك الوقت خرج وزير الشئون الدينية والأوقاف الجزائري، وقال إن الجزائر لديها جميع الإمكانات لاستقبال عدد أكبر من الطلبة من الجنسيات الأفريقية المختلفة، مشيرًا إلى أن السلطات الجزائرية أنشأت رابطة «علماء الساحل»، وتلك الرابطة ضمت مجموعة من علماء الصوفية فى الجزائر، ومن النيجر ومالى وبوركينافاسو والتشاد وموريتانيا. وفى هذا السياق، قال أمين الكركرى غازي، المتحدث الرسمى باسم الطريقة الكركرية فى المغرب، لـ«البوابة»، إن الخلافات بين الزوايا الجزائرية والمغربية ليست بالكبيرة؛ لأنها عبارة عن انتقادات فقط، وذلك بسبب بعض الأزمات السياسية التى حدثت بين البلدين خلال الفترة السابقة، والتى أدت إلى تقليص العلاقات بين الصوفية فى المغرب ونظيرتها فى الجزائر.
وأضاف «غازي»، أن العلاقات بين الصوفية الجزائرية والمغربية قديمة جدًا، وكل منها يحارب الإرهاب وينبذه لأن الإرهاب أصبح خطرًا يُهدد العالم.
وأشار المتحدث الإعلامى للطريقة الكركرية، إلى أن عددا كبيرا من الطرق الصوفية المتواجدة فى المغرب متواجدة فى الجزائر، وهناك علاقات طيبة بينهما، وخلال الأيام القادمة سيزول أى خلاف حدث بيننا؛ لأن العلاقات الصوفية الجزائرية المغربية قديمة للغاية وتربطها عادات وتقاليد مشتركة.
وبدوره، أكد عبدالخالق الشبراوي، شيخ الطريقة الشبراوية، وعضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية، أن علاقة الطرق الصوفية بالسلطة التنفيذية فى مصر، أقوى وأكبر بكثير من علاقة الصوفية بالسلطة فى الجزائر.
وأضاف الشبراوى فى تصريحاته لـ«البوابة»، أن الصوفية فى مصر حاربت الإرهاب، قبل أن تحاربة صوفية الجزائر، وصوفية مصر لها نماذج مشرفة كبيرة فى هذا الأمر.
وأشار شيخ الطريقة الشبراوية، إلى أن الدليل على هذا الأمر أن الصوفية استطاعت أن تساند الأجهزة الأمنية والحكومة فى التخلص من حكم جماعة الإخوان الإرهابية، كما استطاعت أن تطيح بحكم المعزول محمد مرسي؛ لأنها وقعت حينها على أكثر من ٥٠٠٠ من استمارات «حركة تمرد»، التى قامت ضد حكم الإخوان.
وفي السياق ذاته، قال علاء أبو العزائم، شيخ الطريقة العزمية، ورئيس الاتحاد العالمى للطرق الصوفية، إن الطرق الصوفية من أكثر الفئات التى تستطيع مواجهة التطرف فى مصر والعالم العربى أجمع، وخلال الفترات السابقة، أصدرت الطرق الصوفية مجموعة من الكتب السياسية، التى تحارب الإرهاب».