بينما يتنافس الأطباء على سعر «الفيزيتا»، الذى عجز الكثير من الفقراء عن سداده، ودخل الكثير منهم فى سباق الرأسمال وتنوع المشروعات وركب معظمهم السيارات الفارهة التى لا تقل عن موديل العام، وشارك بعضهم فى بيزنس العقارات والأراضى، وصفقات شركات الأدوية وتجديد العيادات وشراء أحدث الأجهزة، ظل منحنى الظهر سائرا على قدميه بملامح ملابسه التى لا تتجاوز موديل السبعينيات من القرن الماضى باحثا عن الفقير وكل ذى حاجة ليكشف عليه بالمجان، وحدد سعر الكشف ١٠ جنيهات.
يعرفه كل الناس فى شوارع مدينة طنطا والقرى التابعة لها، مواعيده أصدق من مواعيد محطة القطار رغم أنه لا يملك ساعة ولا هاتفًا محمولًا، وعيادته أشهر من ميدان السيد البدوى يقصده الناس من كل حدب وصوب يأملون فى الله أن يشفى مرضاهم ثم ببركة الطبيب الأكثر حظا من دعاء الغلابة والفقراء.
محمد عبدالغفار مشالى، ٧١ عاما خريج كلية الطب جامعة القاهرة قصر العينى دفعة عام ١٩٦٧، إخصائى الباطنة والأطفال والحميات، زوجته طبيبة كيمائية وله ثلاثة من الأبناء جميعهم مهندسون بالقاهرة والسعودية، وشاهدناه داخل حجرة الكشف الخاصة به كركبة لا مثيل لها، وآلاف من الجرائد بجواره، ومعمل بدائى قديم كرسى واحد فقط وشزلونج قديم يرجع لأكثر من ٥٠ سنة ماضية، وبالرغم من ذلك عشرات المرضى فى الانتظار، يقبع هذا الراجل السبعينى خلف مكتب لا يظهر منه سوى وجهه بالنظارة الكبيرة.
يقول مشالى: «من أراد بناء العمارات وركب السيارات فليذهب ويعمل فى التجارة والاستيراد، أما رسالة الطب وخدمة الناس فبلا مقابل لذلك لا أنتظر شيئا ولا سعيت وراء جاه ولا مال وعكفت على خدمة الناس والفقراء، الطب رسالة وأمانة وعلم يورث وليست تجارة رابحة ولم أفكر يوما فى المال ولا المكسب ولا الخسارة بقدر ما أفكر فى أن يوفقنى الله بشفاء المريض وخاصة الأطفال».
وتابع، «وصانى أبويا رحمة الله وصية وقال لى يوم أن أقسمت قسم الطبيب إياك أن تغلى الفيزيتا على الغلابة ومن يومها وأنا عامل حسابى إن الفلوس آخر شىء أفكر فيه ومش فارقة خالص والعيان الغلبان ببلاش، والتحليل كمان مجاني».
واختتم «وصيتى للأطباء ما درسناه نعلمه ونورثه للأجيال ومن أراد أن يتعلم شيئا فأنا موجود ولا أبخل بعلم لكن على الجميع أن يعى مسئولية الأمانة التى يحملها ويقدم واجباتها ويرفق بالغلابة والفقراء، وأنا أهو بكشف بـ١٠ جنيهات وربنا مبارك وبنراضى السكرتير ونجيب بنبونى للأطفال ونحلل للى معهوش والحالات المحتاجة مجانا خالص».
