الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

آدم "أدم" السعد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ركل «آدم» بقدميه الضئيلتين الجدار العَتيد، محاولًا الخروج فى سكون الليل! فأيقن «مصطفى» و«لينا» أن النجم البرَّاق على وشك الإشْراق! فهرولا إلى الغرفة الأنيقة البيضاء، المجهزة بكافة الأدوات الطبية والاحتياطات! ظلَّ بها ساعات طويلة، حتى تعالت أجراس الدَّقات! فاندفعت أعنف «الطلقات»! تألَّمت «لينا» بشدة متناهية! فتدخلت أحدث التقنيات، بحقنة سحرية ناجِزَة! أوقفت ثورة الاضطربات، رُغْم سَطْوِة الارتجاجات!
عَيْن الطبيب نافِذة، حارِسة! تَرْقُب خيوط اللؤلؤ المنزلقة على الشاشات الخضراء، تُلاحِق حركات الصغير، وانتظام سرعة الخَفَقات، لاحظ تَخلْخُلها قليلًا! فأدرك أنه محاصر وحده فى قلب الميدان! يواجه فى ضيق الطريق بعض العسْرات! فأدرك أنه لا مفر من التدخل الجراحى فورًا، واتخاذ كافة التدابير والإجراءات! فلا وقت أمام القرار الحاسم لأى انتظارات أو احتمالات!
تشابَكت أصابعهما، التَحمت! فحاول الفريق الطبى تَفْريقهما، إبعادهما! فلا بد من دخول «الأم» غرفة العمليات، لكن «الأب» أصر على البقاء، مهما كانت الموانع والعقبات! فتَدخَّل الطبيب؛ لفَك حِدَّة الاشتباكات! قال بصوته الهادئ الرزين: هذه حالة خاصة! ستلعب دور البطولة بمشهد البداية؛ لحبكة الحكاية، واتساق الأحداث، وتناغم الشخصيات! لكن عليك احترام كافة القواعد والتوجيهات!
لبس «مصطفى» خفيف الرداء، أزرق بلون صفاء السماء! التزم كل التعليمات والتعقيمات! دخل القاعة العجيبة، المهيبة! يا الله ما كل هذه الاستعدادات والأطباء والممرضات! خُدِّرَت «لينا» فى الحال! عزف الخبراء على مختلف الآلات والكلمات! فأنْجَبَت أعذب القصائد والمقطوعات! ألقت بظلالها الوارفة على كلِّ الأجواء!
شَقَّ الطبيب أنسجة «البطن» السميكة، المُصْطَفَّة طبقات! بمشرطٍ حاد، لامع، واثق الخُطوات! شرخ معبد الصمت! فتفتحت أوراقها النضرة كالوردة الحمراء! كشفت عن الوجه الحَرِج فى التفاف «أنبوب الغذاء» المَكير، حول رقبة الأمير الأثير! فتدخل الطبيب بمهارة خارقة، متحديًا كل مستحيل! يعاونه أفراد الفريق وكل المعدات! يواصلون، يصارعون، يفتحون أمامه كل النوافذ والأبواب!
المشهد رهيب جدًا، فى غاية الخطورة، لا يحتمل المزيد من الصعوبة! أمام بلاغته المُفْرِطة، تبعثرت مواقِع النقاط، تلاشت صُور الحروف، عجَزت مَعانى الكلمات! انهمرت الدموع فى حضرته الجليلة شلالات! و«آدم» يناضل ببراعة نادرة! يسطع نوره، يُزْهِر ثمرات! فيُهَلِّل الكون بِشرًا، تَبْتَهِج كُل المخلوقات!
يقولون: إن آدم هو «أدم» السَّعد! فقلت: ليس ذلك فحسب! بل هو الحق الجميل، ضوء فى الفجر، الوعد المنتظر، قمة المجد! وتأملت التفاصيل الدقيقة! والملامح الوجيهة! يا الله! تجلت معجزة الخلق! لكن بعد انقضاء أيام بسيطة، دَهَم إعْصار وبَرق ورَعد! لكن يد الله المجيدة فوق كل يد! أحاطت بالوليد، تحميه، تصُد عنه؛ كل شَر، كل أذَى، كل كَدْ!
كانت اللحظات شائِكَة جدًا، مُعَرْبِدَة، مُتَعقِّدة! لكن الله تَجَلت عَظمَتُه! حقيقة ناصعة! فى رسالة مُنْضَبِطة، مُتَنَاسِقَة! ليس بمثلها شبيه فى فصيح اللغة! أحسستها فى كل جمال حولى، فى كل أزمة طاحنة! فى تَآلُف حروف القرآن، فى كل فرحة غامرة! رأيتها نورًا مبهرًا فى قلبى! فاعتدلت كفة ميزان الملَكوت المائِلة!
تقول الرسالة الواعِدَة: (اطمئن جدًا جدًا، «آدم» بخير، كل شىء سيبقى بخير! لكننى تركتك يا ابن آدم تتألم؛ لتتعلم، هكذا فقط تتحرَّر، تَجْتمع ثَنايا نفسك، تتهذب، تتحضَّر! لقد سمحت بوجود الخطأ؛ لأن «الحرية» مع «الألم» فى دستورى أكرم لك من «العبودية» مع «العدم» فى قانون البشر! فلا تَخاف من مَجْهول، ولا تَهلع من طاغِية! ولا تَرتجف من ميكروب، ولا تُهزم من طارِقَة! بل لا تَأمل إلا فى واحد، لا تَخْشى إلا من واحد، لا تَطْمع إلا فى واحد! هو وحده القادِر، عبقريته مُتَفرِّدة!).