الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

القس سهيل سعود الميلاد بين الألم والأمل

القس سهيل سعود
القس سهيل سعود
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فصل الميلاد بالنسبة لمعظم الناس، يخلق فيهم مشاعر البهجة والأمل، لهذا نراهم يحتفلون والبسمة على وجوههم والفرحة تملأ كيانهم. بينما نفس الفصل، يوقظ فى نفوس البعض الآخر، مشاعر الحزن والألم، بسبب اختبارات مؤلمة يعيشونها من مآسى الحروب والتفجيرات التى طالت الكنائس والجوامع، فبينما يضاعف فصل الميلاد، مشاعر الأمل عند البعض؛ فإن نفس هذا الفصل، يضاعف مشاعر الألم لدى المتألمين، وما أكثرهم.
هذه المشاعر المختلطة من الألم والأمل، التى نراها بين الناس، لا سيما فى فصل الميلاد، قد شعر فيها أيضا، الذى احتفلوا بولادة المسيح فى القرن الأول، كما يخبرنا البشيرين: لوقا ومتى، اللذين سردا قصة الميلاد. فإنجيل لوقا سلط الضوء على مشاعر الفرح، فيما إنجيل متى سلّط الضوء على مشاعر الألم، بذكر حادثة مؤلمة حول قتل العديد من الأطفال.
يخبرنا لوقا الإنجيلي، أنه عندما زارت مريم العذراء نسيبتها اليصابات وكانت الاثنتان حاملتين، فحين ألقت مريم التحية على اليصابات ابتهج جنين اليصابات، وكما ظهر مع الملاك جمهور من الجند السماوى مسبحا الله على ولادة المسيح، ومرنمًا «المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة» (لوقا ٢: ١٤). 
إنجيل لوقا يشدد على جانب الفرح والتسبيح والأمل. وهذا الجانب يظهر كثيرًا فى احتفالنا بعيد الميلاد، لكن هناك جانبًا آخر لقصة الميلاد كثيرًا ما ننساه أو نتجاهله، قد سلط الضوء عليه إنجيل متى وهو جانب الألم والدموع التى سبّبها حاكم متسلط عرف تاريخيا بقساوته ووحشيته فى قراراته، هو الملك هيرودس الذى حكم أورشليم زمن ولادة المسيح. 
يخبرنا إنجيل متى أنه عندما سمع هيرودس الملك، من المجوس أنهم يتبعون نجما أشار إلى ولادة طفل ملك، «اضطرب وجميع أورشليم معه» (متى ٢: ٣). وبالتالي، فمجرد سماعه بولادة طفل قد يصبح ملكا ينافسه وينافس أولاده وورثته على السلطة والعرش، فقد أصيب بحالة من الاضطراب والانزعاج الشديد، فقرر أن يقضى على هذا الطفل الملك، الذى يشكل تهديدا لسلطانه. وحتى ينفذ مأربه، استخدم كل الأساليب الدبلوماسية وغير الدبلوماسية مبتدئًا، أولا، بالأسلوب الدبلوماسي، فاستفسر من رؤساء الكهنة اليهود وكهنة الشعب عن الموضوع. واستوضح من المجوس زمن ظهور النجم الذى أشار لولادته، ثم تظاهر بالتديّن والرغبة الشديدة فى السجود له، عندما يعلم بمكان ولادته. وبعد أن وجده المجوس وسجدوا له، أوحى لهم الملاك أن لا يرجعوا إلى هيرودس، فأدرك حينئذ هيرودس أن مساعيه الدبلوماسية الملتوية لم تجد نفعًا. عندها أصدر قراره بتنفيذ مجزرة وحشية عن سابق تصوّر وتصميم. فأرسل وقتل جميع الصبيان الذين فى بيت لحم وفى كل تخومها «من ابن سنتين فما دون، بحسب الزمان الذين تحقّقه من المجوس» (متى ٢: ١٦). فالجشع للسلطة والتمسك بالكراسى سبّب ولا يزال يسبّب الكثير من الآلام والمآسى فى كل العالم.
والألم يجعلنا نسأل تساؤلات كثيرة لا إجابة لها: لماذا ابنتى أنا؟ لماذا عائلتى أنا؟ فالألم سر يبقى فهمه مخبأ فى مقاصد الله غير المعلنة، فحتى الرب لم يفسر هذا السر. إلا أن المسيح علّمنا أنه أمام الألم، يجب ألا نقف مكتوفى الأيدى نفكر فى سبر غور هذا السر، بل علينا أن نبادر إلى مساعدة المتألمين لنخفف آلامهم.
فى زمن الميلاد هذا. وفيما نحن منشغلون بأجواء الفرح والأمل، يجب ألا ننسى المتألمين لنخفّف آلامهم. فحقيقة قصة الميلاد الكتابية التى سردتها الأناجيل، تتأرجح بين الألم والأمل. إن البشيرين، لوقا ومتى، اللذين سردا قصة الميلاد، يجمعان على حقيقة لاهوتية واحدة هي، أن هذا الطفل السماوى يسوع المسيح، يمنح الأمل ويخفف الألم.
ويمكن أن نستبدل الأمل بكلمة «الرجاء»، وهى كلمة لاهوتية يستخدمها الكتاب المقدس، لتعبّر عن الأمل الذى يمنحه الله للإنسان. وهى الكلمة التى استخدمها الرسول بولس لوصف المسيح إذ قال عنه: «عليه سيكون رجاء الأمم». 
إن الطبيعة اللاهوتية لكلمتى «الفرح والرجاء» اللتين تترددان كثيرا فى الميلاد، إنهما غير أنانيتين ولا تكتفيان بذاتهما، لكنهما تكتملان فقط بالمشاركة مع الآخر. وبالتالي، فالفرح الميلادى لا يكتمل إلا بمواساة الحزانى الآخرين. والرجاء الميلادى لا يكتمل إلا بتخفيف آلام المتألمين الآخرين. فعندما نعيش الفرح والرجاء بهذا المعنى، عندها نكون محتفلين حقيقة فى معنى الميلاد. 
والألم يجعلنا نسأل تساؤلات كثيرة لا إجابة لها: لماذا ابنتى أنا؟ لماذا عائلتى أنا؟ فالألم سر يبقى فهمه مخبأ فى مقاصد الله غير المعلنة.