الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"نافع".. انحاز للجماعة الصحفية بامتياز

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رحل إبراهيم نافع.. رحل بما له وبما عليه، ويبقى أن نتذكر محاسنه.
اختلف كما شئت مع الراحل الكبير.. توجهه السياسى وانتماؤه الحزبى كانا يجعلان منه هدفًا لسهام عديدة من كل الاتجاهات.. كنا نحن أهل اليسار نختلف جذريًا مع آرائه سواء طرحها فى مجلس الشورى، أو كتبها فى عموده الشهير «بهدوء»، وقد اختار لعموده عنوانًا يتفق مع طبيعته الشخصية وحديثه الهامس بصوته الأجش وأدبه الجم فى الحوار مع الجميع.
لكن إبراهيم نافع كان من القلائل الذين يفرقون بين الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولا يعرف الخلط الممجوج بين رأيه السياسى وموقفه النقابى كنقيب لكل الصحفيين وكمدافع صلب عن المهنة وعن مستقبلها واستقلالها عن السلطة الحاكمة.
يكفى إبراهيم نافع ثباته وشجاعته ووقوفه بحزم إلى جانب الصحفيين فى مواجهة محاولات مبارك تحويل النقابة إلى مجرد نادٍ اجتماعى وتغليظ العقوبات على الصحفيين وتقنين الحبس فى قضايا النشر.
خلع ابراهيم نافع رداءه الحزبى، وقاد الجمعية العمومية للصحفيين فى معركة القانون ٩٣ لسنة ١٩٩٥ التى سجلها التاريخ بأحرف من نور، كواحدة من أبرز المعارك التاريخية فى سجل النضال المصرى بشكل عام.
وعلى مدى أكثر من عام، ظل إبراهيم نافع واقفًا وقفته العظيمة حاميًا للصحافة والصحفيين وقائدًا للجمعية العمومية التى ظلت فى حالة انعقاد دائم، فى مواجهة قانون نسجته السلطة بليلٍ، ووضع قيودًا غير مسبوقة على الحريات العامة وحرية العمل الصحفى.
ومن حق الراحل الكبير أن نذكر الوقائع كما جرت آنذاك.. فقد تمت دعوة أعضاء اللجنة الدستورية والتشريعية بمجلس الشعب يوم ٢٧ مايو ١٩٩٥ ودون إخطارهم بطبيعة المشروع الذى سيعرض عليهم، لكنهم بالطبع وافقوا عليه ثم عرض على الجلسة العامة للبرلمان وتم إقراره خلال ساعات، ووقع عليه الرئيس مبارك فى الليلة نفسها ٢٧ مايو ١٩٩٥، ونشر فى الجريدة الرسمية تحت رقم ٩٣ لسنة ١٩٩٥.
هنا.. انتفض إبراهيم نافع ومعه كل أعضاء مجلس نقابة الصحفيين وعقد اجتماعا طارئا يوم ٢٩ مايو سنة ١٩٩٥، صدرت عنه عدة قرارات، أهمها الدعوة لعقد جمعية عمومية طارئة فى ١٠ يونيو يسبقها مؤتمر عام فى الأول من يونيو وحضره حشد غفير من الصحفيين، وأعقبه اعتصام احتجاجى يوم ٦ يونيو لمدة ٥ ساعات بمقر النقابة شارك فيه مئات الصحفيين من كل المؤسسات والأجيال والاتجاهات فى أكبر حركة احتجاجات شهدتها النقابة على مدى تاريخها، وغطى الصحفيون جدران نقابتهم بالرايات السوداء وتوالت مبادرات الغضب واحتجبت صحف «الوفد» و«الشعب» و«الأحرار» يوم الجمعة ٢ يونيو، واحتجبت صحيفة «الحقيقة» يوم السبت ٣ يونيو، واحتجبت صحيفة «الأهالى» يوم الأربعاء ٧ يونيو.
فى ٢٨ مايو أصدر مجلس النقابة، برئاسة النقيب إبراهيم نافع، بيانا أعلن فيه الرفض القاطع لهذا القانون الذى «يستهدف حرية الصحافة ولا يحترم المصالح العليا للوطن»، وتقرر أن ينقل الراحل جلال عيسى وكيل النقابة آنذاك، موقف النقابة خلال كلمته فى الاحتفال بعيد الإعلاميين أمام الرئيس مبارك، وطلب إعادة القانون لمجلس الشعب من جديد وطرحه للمناقشة العامة واستطلاع رأى الصحفيين فيه.
وأمام وقفة الصحفيين، بدأ النظام يبحث عن صيغة للخروج من الأزمة، وعقد لقاء مع مبارك فى يونيو ١٩٩٦ حضره النقيب إبراهيم نافع وأعضاء المجلس وكل النقباء والنقابيين السابقين، وعلى مدى أكثر من عام ظلت الجمعية فى حالة انعقاد مستمر برئاسة النقيب إبراهيم نافع حتى انتصرت النقابة لمبادئ الحرية وأسقطت القانون، وجرى شطبه من سجلات القوانين يوم ١٠ يونيو ١٩٩٦، ليلفظ أنفاسه قبل أن يرى النور بفضل نضال لم يتوقف لجموع الصحفيين بقيادة نقيبهم آنذاك إبراهيم نافع. وللحق أقول، إن إبراهيم نافع فى تلك المعركة تعمد من جديد فى محراب صاحبة الجلالة، ولم يرضخ لمحاولات بعض رجال الحاكم الذين حاولوا الدس والوقيعة بينه وبين النظام، إذ اعتبروا موقفه خروجًا على النظام، لكن العقلاء من رجال الحكم تفهموا الموقف باعتباره موقفًا مبدئيًا لرجلٍ يعلم علم اليقين الفارق بين الموقف السياسى والموقف النقابى، وتصرف بمنتهى الشجاعة واعيًا بمسئولياته النقابية، راميًا وراء ظهره أى تداعيات قد تؤثر على علاقته الطيبة بالسلطة والحاكم. وكما يقول الصديق المحترم يحيى قلاش، نقيب الصحفيين السابق، فى مقال نشرته «الأهرام» منذ فترة، «إن تفاصيل ويوميات هذه المعركة التى لم تكتب كلها بعد، قدمت نموذجا مهما.. جمعية عمومية انتفضت وتوحدت على هدف، ومجلس نقابة اتخذ المبادرة استجابة لإرادتها، ورأى عام وقوى سياسية حية ساندت ودعمت، ومفاوضات قادها مجلس نقابة الصحفيين على مدى عام انطلقت من يقين بأننا ندافع عن قضية عادلة وعن حق يتجاوز المطالب الفئوية، كنا الأقوى».
وصار العاشر من يونيو عيدًا لانتصار الصحافة، نتذكر معه إبراهيم نافع مثلما نتذكر وقفة جموع الصحفيين وفئات المجتمع بكامله.