الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الإمبراطورية العثمانية.. وَهْم يطارد «أردوغان»

أردوغان
أردوغان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كشفت التحركات الأخيرة التى يقوم بها الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، علاوة على رسائل الخطاب السياسى التركى فى الآونة الأخيرة أن جميعها تقدم لحلم الدولة العثمانية المفقودة، حيث يعتبر أردوغان نفسه هو الوريث الشرعى للإمبراطورية العثمانية، وأن حزبه يمتلك مشروعًا للعلاقات مع المحيط الإسلامى والعربي، يرتكز على معادلة تاريخية أطلقت عليها «العثمانية الجديدة»، وهو ما يعنى عودة الجذور العثمانية بحيث تكون الدول العربية هى المجال الحيوى لتركيا أردوغان، وهو ما كان عليه العهد السابق أيام الدولة العثمانية، فى سبيل استعادة أراضى الدولة العثمانية وبسط نفوذ تركيا الجديدة.
بعد هزيمة الدولة العثمانية فى الحرب العالمية الأولى، وقعت مع الحلفاء، اتفاقية للهدنة، فى موندروس، فى 30 أكتوبر 1918 تضمن نزع سلاح الجيش التركي، واستسلام الحاميات وتسليم البوارج الحربية التركية، فى الحجاز وعسير واليمن وسوريا والعراق، والسيطرة على الموانئ التركية فى شمالى أفريقيا.
وخسرت الدولة العثمانية بسبب غطرستها وممارساتها التوسعية والاستبدادية حوالى تسع وعشرين ولاية على مساحات شاسعة من قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا، بالإضافة إلى السيادة الاسميّة على العديد من الإمارات والدويلات المتاخمة لها فى قارة أوروبا، هذا إلى جانب السلطة الروحية التى حاولت فرضها على ملايين المسلمين حول العالم ما بين عامى 1299- 1923م.


شيد القصر الأبيض بتكلفة 600 مليون دولار.. وأعاد تدريس اللغة العثمانية فى المدارس استغل أزمة الفوضى الأمنية فى العراق لنشر قواته.. واستصدر قرارًا برلمانيًا لإرسال قوات تركية فى الدوحة بعد المقاطعة العربية وقّع 22 اتفاقية مع السودان و10 مليارات دولار مقابل الحصول على جزيرة «سواكن» بالبحر الأحمر افتتح فى الصومال ثانى قاعدة تركية خارج أراضيها لتدريب 1500 جندى صومالى

أوهام أردوغان لا تنتهي
منذ وصوله للحكم، لم تنقطع أوهام أردوغان لاستعادة أمجاد وأراضى الدولة العثمانية، غير مدرك التحولات الكبرى التى شهدها العالم، ومصرًا على الوقوف أمام عجلة التاريخ والواقع الجديد.
أردوغان يتحدث مرارًا عن اتفاقية لوزان كونها تسببت فى تقليص جغرافيا الدولة التركية الحديثة، وألزمتها بالتنازل عن ٨٠٪ من مساحتها، وخطابه هذا ليس مجرد كلام مرسل، إنما هو يحمل أكثر من رسالةٍ تاريخيةٍ وسياسيةٍ إلى الخارج قبل الداخل.
ويمكن فهم هذا من خلال استطراد أردوغان فى جموحه وخياله ليصبغ تركيا بمظاهر من الدولة العثمانية القديمة؛ حيث قام أردوغان بتشييد قصره الأبيض، الذى أطلقت عليه وسائل الإعلام التركية «قصر السلطان»، بتكلفة بلغت أكثر من ٦٠٠ مليون دولار، حيث تبلغ مساحته ٢٠٠ ألف متر، من أجل إضفاء قيم العظمة والشموخ، فيما قرر أيضًا تدريس اللغة العثمانية فى المراحل الثانوية، مشيرًا إلى أنها ليست لغة أجنبية بل شكلا من أشكال اللغة التركية، كما أعاد عزف النشيد العثمانى فى بروتوكولات الاستقبال الرسمية فى القصر الجمهورى بدلًا من النشيد التركي، وذلك لأول مرة منذ سقوط الخلافة العثمانية.
كما أوعز للجنة الشئون الدستورية بالبرلمان التركى بالموافقة على اقتراح نواب حزب العدالة والتنمية بإعداد شعار رسمى جديد للجمهورية هو ذاته شعار الدولة العثمانية المعروف بـ«الطغراء»، بعد إلغائه ١٩٢٢. كما لا ننسى المشهد المثير للشفقة حين ظهر الرئيس التركي، وخلفه ١٦ جنديًا من حراس الشرف يرتدون ثياب محاربين من «كتيبة الفتح العثمانى»، ونفس المشهد تكرر خلال الاحتفال بالذكرى السنوية لفتح القسطنطينية «إسطنبول»، وسط ٤٧٨ رجلًا من الجيش التركى مرتدين نفس الزي، علاوة على مشهد آخر للفرقة العسكرية العثمانية المعروفة باسم «مهترخانة»، التى تتألف من ٨٤ عازفًا.
‎و ظل حلم «الخلافة» يراود فصائل إسلامية تركية عديدة على مدار العقود الثمانية الماضية، لتغازل به تلك الجماعات والفصائل الشعوب، مُستخدمة فى ذلك الخطاب الديني، الذى لم يَخل من الانحرافات المقصودة عن النهج السليم للدين، هذه الدعوات تلقفها حزب العدالة والتنمية، وأفرط أردوغان فى استخدامها سياسيًا ليقوم بالتغطية على جرائم الفساد، ومواجهة حركات المعارضة، وعلى تغوله على المؤسسة العسكرية التركية وتطويعها وراء حلم استعادة «الدولة العثمانية» كونه «خليفة» المسلمين.
ولا يمل أردوغان من التأكيد على جذوره العثمانية فى مختلف المحافل خارج الحدود التركية، فمن ذلك كلمته على هامش منتدى الأعمال التركى الكولومبى فى العاصمة بوغوتا بمشاركة رئيس كولومبيا خوان مانويل، حيث حرص أردوغان على الإشارة إلى أن العلاقة بين البلدين تعود على عهد الدولة العثمانية، وأنه كانت هناك علاقات دبلوماسية تربط الدولة العثمانية بتلك المنطقة.

صدمة ما بعد «الربيع العربى»
كانت إحدى أهم الصدمات الأردوغانية هى اصطدام حلمه بصخرة فشل سيناريو ما بعد «الربيع العربي»، من السيطرة على عواصم الدول العربية من خلال حركات الإسلام السياسي، وجماعة الإخوان المسلمين، فقد باتت كلماته المتعثرة وقراراته المتخبطة خير معبر عن تلك الحسرة مع سقوط مشروع العنف والإرهاب، ورفض حركات الإسلام السياسى فى تونس، والفشل الذريع فى مصر، وملاحقة وتقويض فى ليبيا.
فقد بدت الرهانات التركية على الإخوان المسلمين وتوابعها من ميليشيات إسلامية مسلحة فى مصر وليبيا وسوريا والعراق وفلسطين، على أمل أن تؤدى هذه السياسة إلى قيادة أنقرة للشرق الأوسط فى إطار النظريات التى طُرحت لإعادة ترتيب الوضع فى المنطقة، وحمل مجمل الخطاب السياسى التركى تجاه العالم العربى نزعةً عثمانية تتحدث وكأن هذا العالم حديقة خلفية لتركيا الطامحة إلى استعادة أمجاد الدولة العثمانية، فالقدس وغزة وحلب وبغداد والموصل وغيرها من العواصم والمدن العربية بدت وكأنها شأن داخلى فى خطابات أردوغان.
وهذا التكتيك المستخدم فى الدول العربية هو جزء واحد من استراتيجية تركيا لاسيما وأن رئاسة الشئون الدينية التركية (ديانت) قد وسعت من مكاتبها على المستوى العالمى بشكل ملحوظ خلال فترة حكم أردوغان، وزاد نطاق تأثيرها (ديانت) منذ عام ٢٠٠٥ فى منطقة البلقان والقوقاز لاسيما فى دول مثل مقدونيا وألبانيا والبوسنة، وهذا جزء من حنينهم للحقبة العثمانية وللعودة لدور الأخ الأكبر فى تلك الدول.
ولكن النخبة السياسية التركية الموجودة فى دائرة حزب العدالة والتنمية لا تكاد تفهم الشرق الأوسط واستياء الناس هنا فيما يتعلق بماضيهم الاستعمارى ففى الدول العربية الكبرى مثل مصر والسعودية هناك الكثير ممن تربكهم الإشارة لفترة الحكم العثمانى نتيجة لعدم حبهم لها، ومعرفتهم الفظائع التى ارتكبها العثمانيون فى بلادهم خلال خمسة قرون.
ويحاول أردوغان البحث عن لغة يخاطب بها رجل الشارع ليتجاوز هذه العقبات وهو ما يظهر بوضوح فى خطاباته التى يبدو وكأنها تستهدف رجل الشارع المسلم سواء فى تركيا أو الخارج، بلهجة شعبوية ثقيلة مخلوطة دائمًا بلمسة قوية معادية للغرب.
ورغم ذلك، ما زالت تركيا تعبث بأمن الدول العربية، وتحاول فرض نفسها فى معادلة الحل، والتأثير، ففى العراق، يوجد انتشار عسكرى تركى واسع، وكما نشرت صحيفة “حرييت” التركية أن أنقرة أنشأت قواعد فى منطقة بعيشقة بالموصل تضم ٦٠٠ جندي، على الرغم من مطالبة بغداد لتركيا بسحب قواتها من الأراضى العراقية على الفور، واحترام علاقات حسن الجوار، إلا أن الرد التركى جاء مخالفًا للمطلب العراقي، حيث قال الرئيس التركى رجب طيب أردوغان إن الانسحاب غير وارد فى الوقت الراهن. اللمسات الأمريكية كانت حاضرة وبقوة على التواجد التركى فى العراق، فأردوغان كشف عن اجتماع ثلاثي، جمع بين مسئولين من تركيا والولايات المتحدة وحكومة إقليم كردستان، حيث كان هدف القمة اتخاذ الأطراف المشاركة فيها خطوات مهمة فى الحرب على داعش، واتخاذ مواقف مشتركة.
وفى قطر، ومع اندلاع الأزمة القطرية مع دول الرباعية، الإمارات، السعودية، البحرين، ومصر، سعت تركيا لاستغلال الأزمة لتوطيد أركانها فى المنطقة باعتبارها فرصة تاريخية، فاستصدر أردوغان موافقة البرلمان على إرسال قوة تركية، وفتح باب اتصال مع طهران. مما يكسب إسطنبول لأول مرة قدرة وتواجدا عسكريا قويا داخل دول الخليج، بما يعزز قدراتها التفاوضية ونفوذها الاقليمي.
كما أن أحلام التوسع التركى، وحلم إعادة الإمبراطورية العثمانية، تلزمها قدرات مالية كبيرة، لا يمكن تحقيقها فى ظل تراجع الاقتصاد التركى، ومعاناته من عدة أزمات خاصة مع توتر علاقته مع روسيا والسعودية، وبالتالى وجد أردوغان علاقاته قطر حلا حاسما لمشاكله المالية، لما تملكه الإمارة من احتياطى هائل للغاز وموارد بترولية كبيرة، لدرجة أن استثماراتها فى تركيا تتعدى الـ ١٠ مليارات دولار.

«سواكن» السودان
يسعى أردوغان إلى تطويق الدول العربية واستعادة مناطق للنفوذ والسيطرة مستغلًا حسابات سياسية ضيقة للتحالف مع بعض النخب السياسية والدول، أفضى هذا مؤخرًا عن تولى تركيا إعادة تأهيل وإدارة جزيرة سواكن التى تقع على البحر الأحمر، حيث تنفذ وكالة التعاون والتنسيق التركية «تيكا» مشروعًا لترميم الآثار العثمانية، وكانت جزيرة سواكن تحظى بمكانة هامة فى عهد الدولة العثمانية، إذ كانت مركزا لبحريتها فى البحر الأحمر، وضم ميناؤها مقر الحاكم العثمانى لمنطقة جنوب البحر الأحمر بين عامى ١٨٢١ – ١٨٨٥. وكان المقابل هو توقيع ٢٢ اتفاقية مع السودان، وعزم البلدين على زيادة حجم التجارة بينهما إلى ١٠ مليارات دولار.
ولا يقتصر الأمر على جزيرة سواكن فقط، وإنما تبدو الأطماع التركية فى القارة الأفريقية ليس لها حدود، إذ أظهرت هذه الأطماع عن الوجه الحقيقى لأردوغان فى التمدد والتوسع على طريقة نظام الملالي، فبعد تدشين القاعدة العسكرية التركية فى الصومال فى أكتوبر، حصلت أنقرة على موطئ قدم لها فى الخرطوم عبر جزيرة سواكن، وهى خطوات فى طريق مزيد من السيطرة.
وتمثل هذه القواعد أنها تمثّل تهديدًا صريحًا للأمن الوطنى العربي، حيث تسعى أنقرة إلى فرض هيمنتها على منطقة القرن الأفريقى، عبر تحضير الدعم العسكرى وإنشاء عدة قواعد لها فى دول أفريقية، كما أن إنشاء أى قواعد عسكرية فى الخرطوم يمثل تهديدًا واضحًا للدولة المصرية، على خلفية العلاقات المتأزمة بين مصر وأنقرة، والخلاف المصرى السودانى المتصاعد حول حلايب وشلاتين.

غزو جيبوتي
عمل أردوغان على تكثيف الاستعدادات الرامية لإنشاء “المنطقة الاقتصادية التركية فى جيبوتي”، فى ضوء لقاء ممثلى قطاع الأعمال التركى والوفد الجيبوتى المرافق للرئيس. ويستخدم أردوغان ورقة المنح والمساعدات للتأثير على تلك الدول حيث تعد تركيا ثالث أكبر مانح للمساعدات فى القارة الأفريقية بإجمالى مساعدات بلغت ٨٠٠ مليون دولار فى عام ٢٠١٢.
ولدى أردوغان العديد من المؤسسات العاملة فى مجال دعم التنمية والبعد الإنسانى مثل «تيكا» و«الإغاثة الإنسانية» و«جان سيو» و«ياردملي»، وبعض المراكز الصحية فى الصومال، فى محاولة مفضوحة ومغلفة بوجه إنسانى لشراء الولاء والتأثير.

إثيوبيا.. وسد النهضة
تشير العديد من التقارير على أن تركيا تدعم إثيوبيا من خلال تمويل سد النهضة انتقامًا من مصر، وأنها قد وقعت اتفاقيات عسكرية لحماية السد وزودت إثيوبيا بصواريخ لهذا الغرض. ويبدو أن موضوع سد النهضة يستحوذ على حيز كبير على طاولة النقاش التركية الإثيوبية، لكن التطورات فى هذا الشأن ستنعكس لا محالة على العلاقات مع مصر، التى غيّر مؤخرا عدد من المسئولين الأتراك لهجة خطابهم تجاهها، بدءا من الرئيس التركي، عبدالله جول، مرورا بوزيرى الخارجية ببولنت أرينتش وأحمد دواد أوغلو.

إريتريا والسلاح التركي
رغم معاناة إريتريا كبلد فقير ومحدود الموارد، فإن تركيا قد وجدت فيها سوقًا رائجًة للسلاح التركي، خاصة فى فترة الحرب الإثيوبية الإريترية، وهو ما جعلها مركزا لتجارة السلاح التركى الذى يتم تصديره عبر البحر الأحمر للحوثيين باليمن.
كل تلك الخطوات وغيرها، تسير فى خط استعادة النفوذ التركي، وفى قلبه محاصرة العواصم العربية فى سبيل لإخضاعها للسيطرة التركية برعاية أردوغان، لكن يبدو جليًا أن أردوغان يعيش حلمًا، ربما يستفيق منه قريبًا جدًا.


قاعدة الصومال
تركيا لم تتذكر فجأة ميراث العثمانيين من القواعد البحرية فى بلاد العرب، ففى أكتوبر افتتحت تركيا، فى الصومال ثانى قاعدة لها خارج أراضيها، سيتم من خلالها تدريب ١٥٠٠ جندى صومالى على يد ٢٠٠ جندى تركي، وهذه القاعدة تمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومى المصرى والسعودى واليمنى والسودانى، لأن تركيا تعمل فى القرن الأفريقى بالتنسيق التام مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسى مما يعنى أن القاعدة تعد موطأ قدم للقوى على شواطئ البحر الأحمر وتهديدا مباشرا للدول المطلة عليه وكذا قناة السويس أهم ممر ملاحى فى العالم.
كما تسعى تركيا من خلال تواجدها فى القرن الأفريقى لمزاحمة دولة الإمارات العربية المتحدة فى المنطقة اقتصاديًا، خاصة أن لها استثمارات كثيرة فى هذه المنطقة الحيوية فعلى سبيل المثال يضم القرن الأفريقى أهم ممرات الشحن الرئيسية فى العالم، وترى تركيا فيها فرصا لبناء الموانئ البحرية وغيرها من الهياكل الأساسية للنقل، والقفز على دور الشركة الإماراتية للطيران التى تدير الخدمات اللوجيستية فى مطار مقديشو.


رجل أوروبا المريض خزعبلات بلون الدم
فى عام ١٩١٩ وصلت الدولة العثمانية أو رجل أوروبا المريض إلى نهايتها، وعقب هزيمتها فى الحرب العالمية الأولى، أذعنت تركيا لكل شروط الدول الحلفاء، والتنازل عن الأراضى العربية التى كانت خاضعة لإمبراطورية السلطان العثماني، وفق اتفاقية سيفر ١٩٢٠ والتىأكدتها اتفاقية لوزان ١٩٢٣.
«لوزان» هى المعاهدة النهائية للحرب العالمية الأولى، وتم التوقيع عليها بـ«لوزان السويسرية» من قبل ممثلى خليفة الإمبراطورية العثمانية، محمد السادس من جهة، وبريطانيا وفرنسا، وإيطاليا، واليابان، واليونان، ورومانيا، ومملكة الصرب والكروات والسلوفينيين (يوغوسلافيا) من جهة أخرى.
ووفق المعاهدة، فإن ممتلكات تركيا فى قارة آسيا، بلاد ما بين النهرين (العراق) وفلسطين (بما فى ذلك الأردن)، تصبح ولايات بريطانية، وتخضع سوريا ولبنان للانتداب الفرنسي، وتحتفظ تركيا بالأناضول، وتصبح أرمينيا جمهورية مستقلة تحت ضمانات دولية.
وأوروبيا، تنازلت تركيا عن أجزاء من تراقيا الشرقية، وبعض جزر بحر إيجه لليونان، كما تنازلت عن جزر دوديكانيز ورودس إلى إيطاليا، والإبقاء فقط على القسطنطينية (اسطنبول الحديثة) وضواحيها، بما فى ذلك منطقة المضيق (الدردنيل والبوسفور)، والذى تم تحييده وتدويله واستقلال جزيرة قبرص.
وأفريقيا تنازلت عن مصر والسودان لبريطانيا، كما فقدت امتيازاتها فى ليبيا، والتى حصلت عليها بعد أن سلمت ليبيا للمستعمر الإيطالى عام ١٩١٢ وفق اتفاقية اوشى لوزان.
وفى عام ٢٠٢٣، يمر ١٠٠ عام على تبخر الدولة العثمانية وفق اتفاقية لوزان، والتى ستكون تركيا أيضا فى حل منها، وفق أعراف القانون الدولي.

أحلام وردية
أحلام وردية بلون الدم، تداعب مخيلة الرئيس التركى بقيام الخلافة الإسلامية من جديد، مرتكزا فى ذلك على جماعات الإرهاب فى دول يدعى أنها أرث يحق له امتلاكه باستعادة الإمبراطورية العثمانية من جديد.
تحركات أردوغان الأخيرة والمثيرة للريبة لدعم الجماعات الإرهابية فى دول المنطقة، وترميمه للمتحف العثمانى بمدينة سوكنه السودانية، وإنشاء قاعدة بحرية بأموال قطرية، ثم زيارته لتونس، وتعمده الجلوس على كرسى رئيس مجلس النواب بقصر «باردو»، باعتباره موروثا من عهد الخلافة العثمانية، مؤشر على أن أحلام الخلافة تداعب مخيلة الحاكم التركي.

هوس الخلافة
أكد السفير عاصم مجاهد، عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، أن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان مهووس باستعادة الخلافة العثمانية من جديد.مشيرا إلى أن الكثيرين من النافذين فى تركيا حتى المعارضين لأردوغان ولجماعة الإخوان لديهم عقدة الزعامة، وأن الدول العربية ممتلكات خاصة لهم ماعدا مصر.
وأوضح أن هزيمة إبراهيم باشا لقوات السلطان العثمانى مرتين، تجعل نظرة الأتراك لمصر تختلف عن نظرتهم لباقى الدول العربية كسوريا مثلا التى ينظرون إليها وكأنها ولاية تركية.
وأشار مجاهد إلى أن هوس أردوغان بأن يصبح خليفة للمسلمين تزايد مع اندلاع ثورات الربيع العربى ووصول جماعة الإخوان إلى السلطة، حيث كان يرى فى تبعية هذه الجماعات له ستمنحه فرصة أن يصبح خليفة المسلمين المنتظر.
وتابع عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، «أن تحركات أردوغان فى المنطقة ومحاولته أن يكون نافذا فى السودان والصومال وتونس وليبيا، محاولة من أجل التمكين لجماعة الإخوان فى هذه الدول أملا فى مبايعته خليفة للمسلمين، وستبقى مصر هى الكريستالة الأخيرة التى يسعى لاختطافها، بعد حصارها بالجماعات الإرهابية من كل الاتجاهات.
وقال مجاهد، إن أردوغان يدرك أن تحقيق أحلامه بحاجة إلى القوة العسكرية، ومن ثم فهو حريص على إنشاء قواعد تركية فى دول المنطقة، فإن تراجع عن إنشاء قاعدة عسكرية بسواكن السودانية، فلديه قاعدة بقطر وأخرى بالصومال.

جرائم أردوغان
يسوق حاكم أنقرة، لفكرة عودة الخلافة العثمانية من جديد للتغطية على جرائمه التى يرتكبها بحق الشعب التركي، حيث شهدت تركيا فى عهده انتهاكات واعتقالات وقمعا وتسريحا طالت العديد من الرموز السياسية والصحفيين والنشطاء السياسيين فى تركيا.
ومنذ وصول أردوغان للسلطة شهدت تركيا عمليات فصل تعسفى شملت نحو ٥٤٢٧ معلما وأكاديميا، و٤ آلاف قاض، و١٠٠ ألف آخرين فى باقى مؤسسات الدولة، وأغلق أكثر من ٥٠٢ وسيلة إعلام، وزدات حدة بطش أردوغان بالشعب التركى عقب الانقلاب الفاشل فى يوليو ٢٠١٦، وقاد أردوغان حملة تطهير عقائدى ضد كل من يخالف سياساته القمعي، فقام باعتقال وحبس أكثر من أربعين ألف شخص حبسًا احتياطيًا تمهيدًا لمحاكمتهم، من المؤسسات العسكرية والمدنية، وفصل قرابة تسعين ألف موظف حكومى من الخدمة.
وأعلنت استشارية الخزينة التركية أن إجمالى الديون الخارجية لتركيا قد بلغ ٤٣٨ مليار دولارـ وبحسب بيان لمركز إسطنبول لحقوق الإنسان، فإن مراقبين دوليين ومحلين يحذرون من انهيار اقتصادى فى تركيا ما لم تعد حكومة رجب طيب أردوغان إلى مبدأ سيادة القانون والديمقراطية.
ويؤكد مركز إسطنبول لحقوق الإنسان فى بيان له صدر مؤخرا، أن حكومة أنقرة تبالغ فى إصدار قوانين الطوارئ من أجل إذلال المعارضين لنظام أردوغان، ونص قانون الطوارئ الجديد على «إعفاء المدنيين المشاركين فى قمع المحاولة الانقلابية والأعمال الإرهابية فى يوليو ٢٠١٦، ومن سيشاركون لاحقا فى قمع أى عمل يعد امتدادا لها من أى مسئولية قضائية أو جنائية دون النظر إلى ما إذا كانوا يحملون صفة رسمية أو لا»، الأمر الذى قد يقود البلاد إلى حرب أهلية فى ظل حالة الانقسام الحاد بين المؤيدين والمعارضين لنظام أردوغان وفى ظل غياب سلطة وسيادة القانون.

الهروب إلى الخلافة
وأكد الدكتور أحمد فؤاد، أستاذ العبرى الحديث بجامعة الإسكندرية، وعضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، أن الرئيس التركى يهرب من مشاكله الداخلية بالتسويق لفكرة عودة الخلافة العثمانية. أوضح أن أردوغان يهرب من مشاكله الداخلية على طريقة تأجيل المشاكل واختلاق التحديات والأحلام غير القابلة للتحقيق مثل هوس الخلافة المزعومة.
وأضاف أن أردوغان لم ينجح فى تحقيق ما وعد به الشعب التركى من «صفر مشاكل» ، فلديه مشاكل مع العراق وسوريا وارتفاع فى الديون الخارجية، فمنذ العام ٢٠١١ وتركيا تنهار اقتصاديا، ويظهر عداء ـ للاستهلاك المحلى ـ لإسرائيل، صديقه القديم الجديد، ويوهم الشعب التركى بأنه سيعيد الخلافة العثمانية من جديد من خلال البحث عن نفوذ فى القارة الأفريقية فى السودان والصومال وشمال أفريقيا للتغطية على ممارسته الديكتاتورية فى الداخل والأوضاع الاقتصادية الصعبة التى تعيشها أنقرة.


السلطان العثمانى وحلم استعادة الخلافة

الإمبراطورية العثمانية.. إحدى أكبر الإمبراطوريات الكبرى فى العالم، والتى أسسها عثمان الأول، ومنذ ذلك الوقت أصبحت على اسم هذا الشخص، وقد تأسست تلك الدولة على يديه واستمرت لما يقارب الستمائة سنة، وامتدت أراضيها إلى أوروبا وأفريقيا وآسيا لتشمل العالم بأسره.
وكانت تلك الفترة تتمتع بالكثير من التقدم والازدهار، مما أثر على الإسلام فى هذا الوقت، وتعد فترة حكمها الأطول على مر العالم الإسلامي، فقد بقيت تلك الدولة مستمرة ما بين عامى ١٢٩٩ إلى ١٩٢٣.
ومنذ ظهور حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان، وهو يحلم بإعادة إحياء تلك الفترة من جديد، من خلال التحركات التى يقوم بها فى قارات أفريقيا وغيرها من القارات، مطالبا باستعادة الأراضى التى كانت تسيطر عليها الدولة العثمانية قبل لوزان عام ١٩٢٢.
وسعيا لتحقيق حلمه اتخذ أردوغان عددا من الخطوات، من خلالها كشف عن مخططه لإحياء الدولة العثمانية.
البداية عندما شيد الرئيس التركى قصره الأبيض، والذى أطلق عليه قصر السلطان، بتكلفة بلغت أكثر من ٦٠٠ مليون دولار، وبلغت مساحة هذا القصر حوالى ٢٠٠ ألف متر، على خطى قصور الملوك العثمانيين فى تلك الفترة.
واتجه أردوغان إلى تدريس اللغة العثمانية فى المدارس، وفى المراحل الثانوية، حيث قال، إن تلك اللغة يجب تدريسها، بل والأكثر من ذلك، أعاد أردوغان عزف النشيد العثماني، فى القصر الجمهورى بدلًا من النشيد التركي، وذلك لأول مرة منذ سقوط الخلافة العثمانية، وكان ذلك خلال استقبال رئيس أذربيجان.
كما وافقت لجنة الشئون الدستورية بالبرلمان التركى على اقتراح نواب حزب العدالة والتنمية بإعداد شعار رسمى جديد للجمهورية هو ذاته شعار الدولة العثمانية المعروف.
وينص مشروع القانون الجديد الذى اقترحه نواب من حزب العدالة والتنمية على عودة شعار الدولة العثمانية مرة أخرى بعد أن ألغى عام ١٩٢٢ بسقوط الخلافة العثمانية فى ذلك الوقت.

محض افتراءات
وفى هذا السياق، قال محمد حامد، الباحث بالعلاقات الدولية، إن ما يتحدث عنه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بشأن عودة الأراضى التركية التى كانت مملوكة للدولة العثمانية من قبل، والتى تحررت وفقًا لاتفاقية لوزان ١٩٢٢، حلم لن يتحقق.
وأضاف حامد، أن المجتمع الدولى لن يسمح نهائيا بحدوث هذا الأمر، وهو رجوع أراضى الدولة العثمانية، والتى كانت تملكها قبل عام ١٩٢٣، وهذا بعد مرور ١٠٠ عام على هذا الأمر.
وأوضح أن ما يقوله أردوغان ويلمح له ما هو إلا محض افتراءات، كونه رئيسا يريد فكرة إحياء الدولة العثمانية، وهو الأمر الذى يسعى له الرئيس التركي، ويخفى عليه أن هناك الآن حدودا معترف بها بين الدول ومسجلة بالفعل فى الأمم المتحدة.
وأكد أن ما يقوله أردوغان بشان الأراضى التى توجد فى أى منطقة فى العالم بأنها ملك للدولة العثمانية، لن يستطيع استرجاعها.
ويقول حامد، إن أردوغان يفعل كل هذا استعدادا لانتخابات مقبلة فى عام ٢٠١٩، وهى الانتخابات الرئاسية التى يسعى للفوز بها، مشيرا إلى أن كل ما يفعله أردوغان هو فكرة لجذب الأتراك بالداخل لفكرة إحياء الدولة العثمانية مرة أخرى.

ميناء سواكن
وقالت دكتورة زبيدة عطا، أستاذة التاريخ الحديث بكلية الآداب جامعة حلوان، وعضو المجلس لجنة التاريخ بوزارة الثقافة، إن أردوغان يحلم برجوع هيمنة الدولة العثمانية على الدول العربية مرة أخرى.
وأضافت أن أردوغان يسعى لذلك من خلال ما قدمه من مبالغ هائلة لمراكز علمية بالجامعات المصرية، حتى يكتبوا عن الدولة العثمانية، وذلك فى سنة حكم الإخوان عام ٢٠١٣.
وأشارت إلى أنه سعى للسيطرة على ميناء سواكن حتى يضغط على مصر لتعترف بولاية الدولة العثمانية، بالإضافة إلى أن هذا الميناء عندما تأخذه تركيا وتنشئ قاعدة هناك يشكل ذلك خطرا على الممكلة السعودية، لأن ميناء سواكن على امتداد البحر الأحمر، مشيرة إلى أن هناك تحالفا تركيا قطريا إيرانيا ضد الدول العربية غير المنضمة لهم، ويحاولون جاهدين الضغط بشتى الطرق لتحقيق حلم رجوع الدولة العثمانية.

محاصرة الدولة المصرية
بينما أكد علاء عصام، أمين شباب إعلام حزب التجمع: إن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان يحاول هو ومن يعملون معه بالوكالة محاصرة الدولة المصرية، لكن القوات المسلحة لن تتأثر بما تفعله تركيا أو غيرها من الدول المعادية لمصر. فيما قال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن الرئيس التركى أردوغان يقود مخططا لإحياء الدولة العثمانية القديمة، من خلال الاستيلاء على مناطق نفوذ فى شتى الدول العربية. وأضاف فهمي، أن الرئيس التركى خلال زيارته الأخيرة للمنطقة، استطاع التوسع فى جنوب مصر والسودان وبلاد المشرق وفلسطين، من خلال الاستيلاء على مناطق مؤثرة فيها، مبينا أن كل هذا يتم من خلال استخدام أدوات معنوية ومادية.

تمكين الإخوان
أكد الدكتور حمادة إسماعيل أستاذ الللغة التركية وآدابها بجامعة الأزهر، أن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان مشغول فى الآونة الأخيرة بالإسراع فى إحياء الإمبراطورية العثمانية لكن بشكل جديد من خلال إحياء التراث العثمانى ليس فى الداخل التركى فقط، ولكن فى كل الدول التى كانت تحت حكم الإمبراطورية العثمانية.
وأضاف أن أردوغان يحرص على اتباع هذه الاتفاقيات فى جيمع زياراته للدول التى كانت ضمن الإمبراطورية العثمانية، وأول شيء يضعه نصب أعينه أثناء زيارته لهذه الدول، ومنها العربية هى زيارة الأماكن التى ترمز للإمبراطورية الزائلة، بل يعمل على إعادة النسق العثمانى من جديد فى الترميم فقط من خلال استدعاء مهندسين معماريين أتراك للقيام بأعمال على نسق الإمبراطورية القديمة.
وأوضح إسماعيل أن التخطيط الأردوغانى لسرعة تنفيذ المحاولة هو تغيير للبرتوكول الرسمى للجمهورية التركية من خلال استبدال مراسم الاستقبال بالمراسم التى ترمز إلى الدول التركية القديمة وعلى رأسها العثمانية.

نهاية أردوغان
فيما أكد أحمد عز العرب، رئيس لجنة العلاقات للخارجية بحزب الوفد، أن محاولات أردوغان لإحياء ما أسماه الخلافة العثمانية من جديد ليست إلا شعارات جوفاء اعتمد عليها الرئيس التركى فى محاولة إظهار نفسه على أنه المدافع عن الإسلام والمسلمين، لافتا إلى أن كل تلك الشعارات مكانها مزابل التاريخ.
وأضاف القيادى بحزب الوفد أن دعم أردوغان لجماعة الإخوان الإرهابية التى تكمن خلف كل الأحداث الإرهابية المسلحة التى تحدث من وقت لآخر يعجل بنهاية أردوغان كما أنهى من قبله أسطورة تميم بن حمد مشيرًا إلى أن الحديث عن إحياء الخلافة العثمانية مرة أخرى من جزيرة سودانية تخلى عنها عمر البشير نوع من أنواع الغباء السياسى فى التعامل مع القضايا الدولية، مؤكدا أن غباء عمر البشير سيوقعه فى شر أعماله، خاصة وأنه مطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية على أنه من مجرمى الحرب.
وأشار عز العرب إلى أنه لم ولن تحيا الخلافة العثمانية من جديد، وأن أردرغان ليس هو محمد على مؤسس مصر الحديثة، وأن أردوغان لن يكون وصيا على العرب والمسلمين نهائيا.

انتهاء معاهدة لوزان
من جانبه أكد الحاج وراق، رئيس تحرير جريدة «حريات» السودانية»، أن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان يسعى لإعادة أمجاد الدولة العثمانية، لافتًا إلى أن هناك احتمالا لإقامة قاعدة عسكرية بالقرب من مصر بتمويل قطري، الهدف منها الدفع بالأجندة الإخوانية فى المنطقة، وأن ما يدعم هذا الاحتمال هو تصريحات أردوغان حول اتفاقية الدفاع المشتركة، والأمور التى قال: إنه لن يعلن عنها. وأضاف أن «معاهدة لوزان» التى وقعت عام ١٩٢٣ بين تركيا ودول الحلفاء المنتصرة فى الحرب العالمية الأولى، تسببت فى تقليص مساحة الدولة العثمانية، وإلزامها بالتنازل عن مساحات كبيرة، كانت تتبع لها، كما منعت تركيا من التنقيب عن النفط، واعتبار مضيق البسفور الرابط بين البحر الأسود وبحر مرمرة، ثم إلى البحر المتوسط، ممرا دوليا لا يحق لتركيا تحصيل رسوم من السفن المارة فيه.
يشار إلى أنه بحلول ٢٠٢٣، تنتهى مدة المعاهدة، التى يكون قد مر عليها مائة عام، ولذا جاءت تحركات أردوغان الأخيرة فى المنطقة العربية، لأنه بعد انتهاء المعاهدة، ستتمكن تركيا من التنقيب عن النفط، وحفر قناة جديدة تربط بين البحرين الأسود ومرمرة، تمهيدا للبدء فى تحصيل الرسوم من السفن المارة.
وكانت معظم الدول العربية خاضعة لسيطرة الإمبراطورية العثمانية، منذ قيام «عثمان أرطغرل» بتأسيسها عام ١٢٩٩، حتى انهيارها عام ١٩٢٢.