الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

داعش.. إرهاب ما بعد انهيار "الخلافة"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
- هل تعتقد أن الهزائم المتتالية التى يواجهها داعش فى معاقله بسوريا والعراق تعنى نهاية هذا التنظيم الإرهابي؟ 
- عمليات تحرير الموصل والرقة مزقت أوصال دولة «الخلافة» المزعومة التى أسسها داعش، فى يونيو ٢٠١٤. ثم توالت هزائم التنظيم الإرهابى فى «تلعفر» و«الحويجة»، فى الجانب العراقي، وفى «دير الزور» على الصعيد السوري. بعدها، جاءت عملية استعادة الجيش العراقى لنقطة «القايم» الحدودية، التى تحظى بأهمية بالغة على الصعيد الرمزي، فقد شكّل تدمير هذا المعبر الحدودى الحدث المؤسِّس لـ «الدولة الإسلامية» المزعومة، حيث كان داعش يطمح من خلاله لإلغاء الحدود الموروثة عن اتفاقية سايكس– بيكو، وإحياء دولة الخلافة. 
لكن هذا لا يعنى أننا سنشهد نهاية داعش قريبا، فبعد أن انهارت دولة «الخلافة» المزعومة، يتجه التنظيم حاليا إلى العودة لما كان عليه قبل يونيو ٢٠١٤. اضطرار داعش للتخلى عن حلم الخلافة، الذى كان يتطلع من خلاله لتأسيس ما يسميه «الدولة الإسلامية»، سيرغمه على استعادة طبيعته الأصلية التى تأسس عليها، أى أن يصبح مجددا مجرد تنظيم إرهابى وفق النموذج السلفى– الجهادي.
- داعش مرشح للاستمرار إذن، لكن إلى أين تتوقع أن يلجأ بعد انهيار دولته الإسلامية المزعومة؟
- بحكم تضييق الخناق عليه، سيحاول التنظيم اللجوء إلى المناطق التى يمكن أن يجد فيها بيئة حاضنة تساعده على التوارى عن الأنظار، للإفلات من الضربات الموجعة التى يوجهها له التحالف الدولي، فى العراق سيتعلق الأمر، دون شك، بالمناطق التى كانت معاقل جهادية قبل ٢٠١٤، وبالأخص فى محافظات «الأنبار» و«ديالا». أتحدث تحديدا عن مناطق مثل «الرمادي» و«الفلوجة» وغيرها من البلدات الواقعة فى ما يُعرف بـ «الحزام السني» المحيط بالعاصمة بغداد. 
فى الجانب السوري، لن يكون أمام داعش خيار آخر غير تجميع ما تبقى من فلوله فى منطقة «وادى الفرات». فهذا الشريط الصحراوى يعد، تقليديا، مرتعا خصبا لكل أنواع التهريب. ومنذ الاحتلال الأمريكى للعراق، عام ٢٠٠٣، أصبحت هذه المنطقة قاعدة خلفية لمختلف التنظيمات الجهادية. 
من جهة أخرى، لا شك أن داعش سيحاول إعادة نشر بعض مكوناته، من المقاتلين ذوى الأصول غير الشرق- أوسطية، نحو «ساحات جهاد» أخرى. ولقد بدأنا نرى بوادر هذا التدفق الجهادى نحو ليبيا وأفريقيا السوداء وحتى نحو آسيا، حيث تشكلت جبهات قتال جهادية جديدة، كما هو الحال فى الفلبين أو أوزباكستان، على سبيل المثال. 
- ما هى التغييرات التى تتوقع أن تنتج عن تحول داعش من شبه دولة إلى مجرد شبكة إرهابية؟ كيف سينعكس ذلك على بنيته التنظيمية والأساليب المتعمدة لتدبير عملياته؟ 
- سيجد داعش نفسه فى وضع مشابه، لذلك الذى عرفته «القاعدة» بعد هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١، وانهيار ملاذها الآمن فى أفغانستان. انهيار دولة «الخلافة» المزعومة سيحرم داعش من المناطق الواسعة التى كان يسيطر عليها، بذلك سيفقد التنظيم الرقعة الجغرافية التى كان يتخذ منها معاقل ومراكز استقطاب وتدريب، والتى كانت تسمح له بجنى أموال طائلة بلغت مستويات غير مسبوقة على الإطلاق فى تاريخ التنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة، وذلك أساسا من خلال عمليات تهريب النفط. 
والتغيير الأهم أن داعش سيصبح، مثل «القاعدة»، «جيشا بلا أرض»، وفق عبارة أيمن الظواهرى الشهيرة، بذلك لن يستطيع التنظيم أن يستمر فى الاعتماد على التدفق العفوى للراغبين فى الجهاد، الذى كانوا يلتحقون تلقائيا بدولة «الخلافة»، بالتالى سيتوجب عليه، بعد الآن، أن يقنع ويستقطب كل مقاتل جديد، وتلك مهمة لن تكون سهلة، لأن قادة داعش ودعاته سيضطرون للتخفي، للإفلات من ملاحقة أجهزة مكافحة الإرهاب. 
لهذا السبب، وكما شهدناه لدى «القاعدة» فى فترة ما بعد ١١ سبتمبر، سيتحول داعش تدريجيا، وبشكل حتمي، نحو بنية تنظيمية غير هرمية، مما سيحرمه من قيادته المركزية. بذلك ستتغير بنية دولة «الخلافة» السابقة لتصبح شبكة هلامية من المكونات والتفرعات التى تحمل اسم داعش، لكنها تنشط بشكل مستقل، لأن التنظيم الأم لن يعود قادرًا على إدارة نشاطاتها بشكل مركزي. 
من هذا المنظور، وعلى ضوء السابقة التى شكلتها «القاعدة» خلال السنوات العشرة الموالية لهجمات ١١ سبتمبر، نستطيع الجزم بأن هذا التشظى الذى سيتعرض له داعش لن يؤدى حتما إلى إضعاف قدراته على تدبير ضربات إرهابية. بالعكس، إرهاب ما بعد انهيار «الخلافة» سيتجه نحو مزيد من العولمة، مما سيجعل أذرعه تتمدد أكثر فأكثر على القارات الخمس. 
عندئذ، سنشهد بروز أممية جهادية جديدة ستكون السابعة من نوعها، منذ تلك الأممية الأولى التى أسسها أسامة بن لادن وأيمن الظواهرى فى السودان، مطلع التسعينيات.