الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

اختفاء المباني التراثية من "ذاكرة مصر"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فاجأ الباحث الدكتور خالد عزب، متابعي صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، بالإعلان عن هدم واحدًا من المباني التراثية الأثرية في حي شبرا وهو منزل محمد بك تيمور، وكتب "للأسف الشديد فقد تم هدم منزل محمد بك تيمور بشارع راتب باشا بشبرا (مدرسة النهضة الإعدادية بنين سابقًا) وكانت ضمن المباني المهمة المحصورة في لجنة حصر المباني (بين عامي 1996-1997، وتم النشر عنها في مجلة (ذاكرة مصر) التي تصدر عن مكتبة الإسكندرية، العدد 25- ابريل 2016"، ويعتبر هدم هذا الأثر خسارة كبيرة لمصر".
في الوقت نفسه الذي سلّطت فيه المجلة الصادرة عن مكتبة الإسكندرية الضوء على المنزل الأثري، كان القائمون على الآثار يستقبلون تقارير اللجان التي قامت بحصر المبانى التراثية خلال عامي 1996 -1997، وكذلك لجنة التراث بوزارة الثقافة كانت تدفع بتقارير أخرى.
لكن يبدو أن تلك التقارير لم تكن تؤخذ بعين الاعتبار، ومن المؤكد كذلك أن أحدًا لم يلتفت إليها طيلة الأعوام العشرين السابقة؛ وكان يلزم لتفعيلها إخطار كافة الوحدات المحلية والمحافظين لاتخاذ ما يلزم من إجراءات وخطوات تحمي تلك الثروة التراثية.
"نحن نعيش في عصر المقاولين الذين يحكمون ويتحكمون ولايرون الحياة إلا كام طن اسمنت على كام طن حديد. شوهتوا الماضي والحاضر والمستقبل وقاعدين تعدوا فلوس"، كان هذا تعليق الأديب الكبير إبراهيم عبد المجيد على خبر هدم المنزل الأثري، والذي جاء كذلك بعدما شارك نشر الخبر على صفحته الشخصية بموقع التواصل ذاته.
الأديب السكندري الكبير بدوره كان قد كتب في عدة مناسبات متفرقة، سواء في مقالات أو تدوينات على مواقع التواصل، حول المعاملة المُهينة غالبًا للعديد من الأماكن التراثية والأثرية، خاصة في الإسكندرية التي اختفت الكثير من معالمها لصالح عمليات استثمارية؛ هناك آخرون يتساءلون كذلك حول جدوى الجهاز القومي للتنسيق الحضاري والوحدات المحلية للثقافة حول اتخاذ ما يلزم لحماية المباني التراثية.
المجلة الصادرة عن إدارة المشروعات الخاصة بمكتبة الإسكندرية، ويرأيس تحريرها الدكتور خالد عزب وتعني بتاريخ مصر الحديث والمعاصر، ضمت في العدد الذي أشار إليه عزب في تدوينته ملفًا خاصًا عن سرايات وقصور القاهرة؛ من موضوعات الملف الهامة ما كتبه الدكتور محمد أبو العمايم حول منزل محمد بك تيمور، ابن أحمد تيمور باشا، الواقع فى 54 شارع راتب باشا المتفرع من شارع شبرا. 
يحكي أبو العمايم شارع في موضوعه الذي حمل عنوان "محمد بك تيمور ومنزله فى شبرا" أن شارع راتب هو أحد الشوارع الرئيسية ذات الأهمية التاريخية في الحي العريق، وكان به قصر راتب باشا وأملاك أخرى له، ومجموعة من الفيلات والمبانى الجميلة اختفى معظمها؛ وكانت فيلا محمد بك تيمور نموذجًا من نماذج تصميمات الفيلات في أوائل القرن العشرين في هذه المنطقة التي شهدت تناثر الفيلات والقصور بشمال شبرا في فترة حكم السلطان فؤاد الذي صار فيما بعد ملكًا.
"ذاكرة مصر" التي تصدر بشكل ربع سنوى ضمن مشروع "ذاكرة مصر المعاصرة"، وتستكتب شباب الباحثين والمؤرخين وتعرض لوجهات نظر مختلفة ومتنوعة، حوت صفحات عددها وصف الباحث الأثري للفيلا المهدومة، التي كانت تجمع الأسلوب الأوروبى الغالب على تصميمها مع عناصر من الفن الإسلامي "مكونة من دورين فوق بدروم، ولها شرفتان عظيمتان واحدة بحرية والأخرى شرقية، ويوجد سلاملك بالجهة الجنوبية الغربية، وغرفة لعلها للحارس بالزاوية الشمالية الغربية، وكانت بها ساقية في الخلف جهة شارع الأزهار"، وأشار الموضوع حينها إلى أن تلك الساقية اختفت "وقد أُقحمت مباني بعض الدكاكين في سور الفيلا الشمالي والشرقي، واختفت البرجولا التي على يسار الداخل من الباب العمومى إلى حديقة الفيلا".
للأسف فإن المباني التراثية لا تخضع لقانون الآثار لأنها غير مسجلة على تلك الصفة، على الرغم من أن القانون 117 لسنة 1983، والمعدل بالقانون 3 لسنة 2010 واضح في مادته الثانية، حيث تتحمل وزارة الثقافة ووزارة الآثار بالاشتراك مع رئيس الوزراء مسؤولية تسجيل أو عدم تسجيل أي عقار ذا قيمة تاريخية أو علمية أو دينية أو فنية أو أدبية دون التقيد بالحد الزمني وهو مائه عام؛ ويتم تسجيل المبنى بقرار من رئيس الوزراء بناء على عرض الوزير المختص.
يبدو أن تقارير اللجان قد اختفت وسط متاهة الأوراق الحكومية اليومية، حيث لم يرفع أي من الوزيرين عرضًا لرئيس الوزراء من أجل تسجيل منزل محمد بك تيمور، الذي هُدم بعد عام واحد من آخر محاولة لتسليط الضوء عليه.
الفيلا التي من المؤكد أن قد تصير واحدًا من المولات التجارية أو عمارة متعددة الطوابق سيتم بيع وحداتها بأسعار باهظة، كانت تُعّد أثرًا مهمًا بين مبانى مصر، فقد جمعت أهمية تاريخية كونها لعلم من أعلام مصر في الأدب الحديث، وأهمية فنية تتمثل في اعتبارها نموذجًا لعمارة مطلع القرن العشرين في مصر لشخصية مهمة تنتمي إلى عائلة ذات اعتبار كبير؛ كما كانت أحد آثار حي شبرا، الذي فقد على مدار العقود الأخيرة بعضًا من أهم آثاره؛ وعلى رأسها قصر النزهة الشهير الذي صار المدرسة التوفيقية، ما جعله تحت سلطة وزارة التربية والتعليم، ويتم هدمه بواسطة هيئة الأبنية التعليمية في عامي 1990 و1991، وكذلك قصر الحاج أغا بازورج المقابل له، والذي صار مدرسة شبرا الإعدادية بشارع شبرا.