الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

وعد ترامب.. الخداع يكمن في التفاصيل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
برزت عناصر تدعو إلى التساؤل فى إعلان دونالد ترامب العودة عن سبعين عامًا من السياسة الأمريكية وإعلانه الاعتراف رسميًا بالقدس عاصمة لإسرائيل. فى مثل هذه المناسبات، درجت العادة على مثول الرئيس الأمريكى وحيدًا أمام عدسات الكاميرات. وهذه المرة كان مايك بنس، نائب الرئيس، يقف وراء كتفه الأيمن. وبنس هو صلة الوصل بين الرئيس والإنجيليين المسيحيين، وهؤلاء ركن قاعدته السياسية، وهم مستعدون لغض النظر عن هفوات ترامب اللأخلاقية إذا أقدم على ما يخدم قضاياهم الأثيرة، مثل تعيين قاض محافظا فى المحكمة العليا أو نصرة إسرائيل وتأييدها. وظهور نائب الرئيس الأمريكى فى الصورة لحظة الإعلان هى مؤشر إلى أن خطوة ترامب حاديها الأكبر هو مغازلة قاعدته السياسية، مثلما فعل حين انسحب من اتفاق باريس للمناخ ومن اتفاق التجارة العابرة للهادئ.
واللافت كذلك، على رغم أن هذا التفصيل قلما استوقف، هو توقيع ترامب، إثر إعلان الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وثيقة تخوّله تمديد نقل السفارة الأمريكية إلى هذه المدينة ٦ أشهر. ويبدو أن تأجيل نقل السفارة يخل بوعده الانتخابي: نقل السفارة إلى القدس. وأعلن مساعدون بارزون للرئيس أن تشييد سفارة فى القدس يقتضى أعوامًا، ورجّحوا أن يوقع ترامب قرارات تأجيل مقبلة. وكان فى وسعه أن يأمر بنقل سفيره وفريقه فى إسرائيل إلى القنصلية الأمريكية غرب القدس التى شُيّدت أخيرًا. ومثل هذا الانتقال ينزل على مقتضيات قانون ١٩٩٥ الذى نص على نقل السفارة إلى القدس وعلى وعد ترامب الانتخابي. ولا يخفى على أى مراقب عقلانى أن خطوة ترامب لن تحرك عجلة عملية السلام. ويتوقع أن تؤدى إلى اندلاع احتجاجات عنيفة فى أوساط الفلسطينيين وحلفائهم فى العالمين العربى والإسلامي. لكن ترامب تعنّى إعلان أن خطوته تحرّك قُدمًا عملية السلام وأنها لا تقطع مع «التزامنا (أمريكا) تيسير اتفاق سلام نهائي». ويبدو جليًا فى الكلمات الحذرة التى صاغها فريق ترامب لشئون السلام فى الشرق الأوسط- صهره، جاريد كوشنر، وجايسون جرينبلات، مبعوثه إلى المنطقة، ودينا باول، مساعدة مستشار الأمن القومي- السعى إلى تقليل الأضرار المترتبة على الإعلان من طريق الحؤول دون تأثيره (إعلان القدس عاصمة إسرائيل) فى مفاوضات الوضع النهائي. والاعتراف بعاصمة من العواصم يقتضى عادة تحديد حدودها الجغرافية. فعلى سبيل المثال، سارت الحكومة التشيكية على خطى ترامب، لكنها أعلنت القدس الغربية عاصمة إسرائيل، والتزمت حدود إسرائيل ما قبل حرب ١٩٦٧، أى قبل ضم شرق المدينة. لكن ترامب تجنب تحديد حدود السيادة الإسرائيلية، وحاذر استخدام صفة أثيرة على الإسرائيليين، القدس «غير المقسّمة»، وتفادى ما يترتب على اعترافه بالسيادة الإسرائيلية على الأمكنة المقدسة، بما فيها جبل الهيكل (الحرم الشريف). ويسعى فريق ترامب لشئون السلام إلى كسب هامش مناورة فى مفاوضات الحل النهائى بعد أن تهدأ الأمور.
وحين سيقرأ الإسرائيليون تفاصيل حدود الاعتراف بالقدس عاصمة لهم وما لا يشمله الاعتراف هذا، ويدركون أن السفارة لن تنقل فى القريب العاجل، سيشعر كثير من اليمينيين بأنهم خُدعوا. فخطاب ترامب هو أقل مما يشبع شهية اليمين الإسرائيلى التوسعي، و«كثير»، أى عصي على الاحتمال فى أوساط الفلسطينيين ومؤيديهم العرب والمسلمين.
وكان أمام ترامب سبيل أمثل إلى الوفاء بوعوده الانتخابية وإرضاء قاعدته الشعبية والاعتراف بطموحات الفلسطينيين فى القدس، وإضفاء صدقية على نيات السلام التى يعلنها: إعلان نقل السفارة إلى منشأة القنصلية فى القدس. الغربية، وإعلان أن سفارة أمريكية ستُشيَّد فى القدس الشرقية إذا أنشئت مفاوضات الحل النهائى دولة فلسطينية عاصمتها هذا الشطر من المدينة. ومع الأسف، لم يكن جاريد كوشنر إلى جانب بنس فى الصورة.
الترجمة نقلا عن «الحياة» اللندنية